شعر

 

آهــات دجــلـــــة

 

زاحم جهاد مطر

بين سيجـارة وسيجـارة أشعـل مـن لهيـب قلـبـي سيجـارة

دخانها ألمٌ وتوجع ولوعةٌ وحسرة ومرارةٌ

وبين كأس وكأس كأس ثملٌ مثلي يسأل السكارى

حائر يسأل الحيارى

عن ضفتيكِ والديارى

يا دجلة الخير يا أم الحضارة

عن ليلكِ المقمر والنهارا

والزورق المتمايل برفق

على موجكِ الناعم

راقصاً على أنغام السهارى

وعن ذاك الجالس على صخرةٍ

يرجو عطاءك بسنّاره

والبدر الجميل ينثر على وجهِ ماءك الرقراق

من عسجده ابريزاً نثارا

تتراقص بارتعاش

مع النسيم الأتي من بين النخيل بعطر القداح

والجو كله بهاءٌ وألق وسحر وجمالٌ

يأخذ بالالباب ويسحر الأنظارا

حائر يسأل الحيارى

ثملٌ يسأل السكارى

عن المارين على شاطئيكِ فجراً وأسحارا

عن عشاق جالسين على جُرفكِ يتهامسون الحوارا

وأسراب الحمائم وهي تحلق في سماءكِ نهاراً

والبساتين ... يا أم البساتين لم صارت قفارا ؟

عن ماءكِ واين ماءكِ وانت تحضنين انهارا؟

هل بكيت بغداد ؟ هل جرت دموعك انهارا ؟

وجف ماءك وصار جرفكِ للذئاب مغاره

وهل بكيت بغداد الحضارة وجانبيها تشكو الدمارا؟

والصباحات فيها تشرق موتاً ودخاناً ونارا

والمساءات تغلق الأبواب

وتعزف الحان العويل

في الحارة

وتنام على خوف من اشباح تنهش في الظلام

أجساد الأبرياء

وتدق في العيونِ مسامير الصمت والسكون

جار يخاف جاره

رباه كيف يقتل الجار جاره؟؟

حائر يسأل الحيارى

ثملٌ يسأل الحيارى

عن شارع النهر وموكب العذارى

وشارع الرشيد الذي صار اطلالاً واثارا

وصاحب الكأس صار وحيداً يفتقدُ سُمارهُ

فكيف لا أبكيكِ يا دجلة؟ 

وكيف لا أبكي بغداد أم الغيارى ؟

فقد جفت دموعي قبل ماءكِ

فتبت يدا من غيب عن لياليكِ الاقمارا

من أمتص ماءك نهارا جهارا

من أطفأ في رياضك الأنوارا

من أفزع النوارس فولين عنكِ فِرارا

من احرق في ضفتيكِ النخيل والاشجارا

من سحق في بساتينكِ الورود والازهارا

وجعل بينك وبين العُشاق اسوارا وستارا

من محا من على صخوركِ التذكارا

وتواريخ اللقاء وحروف الاشارة

أيها النهر الحزين

لقد ملَّ الليل الطويل الكئيب

الظلام

وأصوات النحيب

والقدر يستجيب

لدُعاء الثكالى ، ويسأل النهارا

انه النهار الجديد

قادمٌ

قادم

رأيته حلما في عينِ طفل

واحلام الأبرياء

بشارة

إنها البشارة

لنهارٌ يكتب الأشعار

لنهارٌ يعشق الأوتارا