رَجْعٌ عِرَاقِيّ
عيسى جرابا
بعث
إليَّ صديقي الحبيب الشاعر العراقي الكبير: يحيى السماوي من
أستراليا ديوانه الأخير (قليلكِ... لا كثيرهُنَّ) فوجدتني أدندن
وفاء لمن يستحق الوفاء...
"قَلِيْلُكِ..." فِيْهِ مِنْ شَجَنٍ كَثِيْرُ
أَتَى كَالـمُسْتَجِيْرُ وَمَنْ يُجِيْرُ؟!
سَمَوْتُ بِهِ إِلَى الـجَوْزَاءِ زَهْواً
وَهَنَّأَنِي بِهِ القَمَرُ الـمُنِيْرُ
بَسَطْتُ لَهُ فُؤَادِي قَبْلَ كَفِّي
كَمَلْهُوْفٍ وَقَدْ ذُهِلَ البَشِيْرُ!
عَلَى ظَمَأٍ أَتَى وَالرَّوْضُ ذَاوٍ
يُقَهْقِهُ فِي جَوَانِبِهِ الـهَجِيْرُ
أَقَلِّبُهُ الغَدَاةَ فَفَاضَ نَهْرٌ
مِنَ الإِحْسَاسِ وَانْسَكَبَ الشُّعُوْرُ
وَلِلنَّجْوَى كُؤُوْسٌ مُتْرَعَاتٌ
هَوَىً وَالبَوْحُ رَقْرَاقٌ نَمِيْرُ
أَمُرُّ عَلَى السُّطُوْرِ وَلَيْتَ شِعْرِي
أَيُدْرَكُ مَا تُخَبِّئُهُ السُّطُوْرُ؟!
كَأَنَّ تَلاحُقَ الأَنْفَاسِ نَارٌ
تَلَظَّى وَالرُّؤَى البَيْضَاءَ نُوْرُ!
"قَلِيْلُكِ..." بَعْضُ نَزْفٍ صَارَ عَزْفاً
يُعَزِّي مَنْ بِهِ شَطَّ الـمَصِيْرُ
وَلَمْ أَرَ فِيْهِ إِلاََّ ذَوْبَ قَلْبٍ
لَهُ فِي كُلِّ مُنْعَطَفٍ زَفِيْرُ
يُوَقِّعُ نَبْضَهُ الـمَشْبُوْبَ لَحْناً
"سَمَاوِيًّا" صَحَا فِيْهِ الضَّمِيْرُ
تَسَاقَطَ لَوْعَةً وَالكَوْنُ يُصْغِي
لَهُ طَرَباً وَمَنْ يُصْغِي ضَرَيْرُ
مَشَاعِرُ مِنْ شَغَافٍ القَلْبِ شَعَّتْ
بِنُوْرِ الصِّدْقِ لا كَذِبٌ وَزُوْرُ
وَلَو أَصْغَى لَهُ حَجَرٌ تَشَظَّى
أَسَىً وَذَرَتْ بَقَايَاهُ الدَّبُوْرُ
عِرَاقِيَّ الـهَوَى مَا أَنْتَ إِلاَّ
غَرِيْبٌ شَاقَهُ الأَمَلُ الكَبِيْرُ
هُنَالِكَ فِي دَيَاجِي البُعْدِ تَرْوِي
حَكَايَا حَرْفُهَا قَاسٍ مَرِيْرُ
كَأَنَّكَ بُلْبُلٌ لَمْ يَلْقَ دَوْحاً
وَدَوْحُكَ كَمْ بِهِ أَنِسَتْ طُيُوْرُ!
شَدَوْتَ مُضَرَّجاً وَشَكَوْتَ حَتَّى
سَرَى لِقَصَائِدِ الشَّكْوَى هَدِيْرُ
أَتَبْكِي؟ مَا عَلَى النَّائِي جُنَاحٌ
يُبَلِّلُ خَدَّهُ الدَّمْعُ الغَزِيْرُ!
عِرَاقُكَ مَا يَزَالُ رَهِيْنَ أَسْرٍ
وَأَنْتَ بِهِ عَلَى نَأْيٍ أَسِيْرُ
"وَدِجْلَةُ" مِنْ فُؤَادِكَ كَمْ تَسَاقَى
شُمُوْخاً "وَالفُرَاتُ" بِهِ يَمُوْرُ
وَتَمْتَدُّ الـجُسُوْرُ دَماً وَدَمْعاً
وَمَا لِسِوَاكَ تَحْمَرُّ الـجُسُوْرُ
وَتَحْتَشِدُ الطُّيُوْفُ وَفِي الـحَنَايَا
تُثِيْرُ مِنَ الصَّبَابَةِ مَا تُثِيْرُ
تُلَمْلِمُ غُرْبَةَ الـجَسَدِ الـمُعَنَّى
وَغُرْبَةُ رُوْحِكَ الثَّكْلَى سَعِيْرُ
وَمَا شَيَّبْتَ مِنْ كِبَرٍ وَلَكِنْ
مِنَ الأَرْزَاءِ يَكْتَهِلُ الصَّغِيْرُ!
عَرَاقِيَّ الـهَوَى رِفْقاً بِمِثْلِي
يُقَيِّدُ حَرْفَهُ بَذْلٌ يَسِيْرُ!
فَكَيْفَ يَكُوْنُ وَالـمَبْذُوْلُ سِفْرٌ
مِنَ الأَشْوَاقِ لَيْسَ بِهِ سُفُوْرُ؟!
وَأَهْلُ الـهَمِّ بَعْضُهُمُ لِبَعْضٍ
سَمِيْرٌ حِيْنَ تَحْتَلِكُ الصُّدُوْرُ
وَلَوْلا الشِّعْرُ يَمْنَحُ كُلَّ نَاءٍ
مَدَىً لاسْتَوْحَشَتْ مُهَجٌ وَدُوْرُ