شعر

 

استقالة من الحزب والبيت والوطن

خلدون جاويد

khaldoun3@hotmail.com

على مسرح العبث ، وقف ثلاثة مشوّهين ، أنصاف وجوههِم تشبه البهلوانات والأنصاف الاخرى ممزقة بالسكاكين . وقف كل واحد منهم تحت ضوء اصفر في جنَبات المسرح والجمهور في حالة انهيار نفسي اغلبهم من دور العجزة ومرضى التدرن القادمين باجازة من المستشفى ، البعض من الشماعية البقية من مقاهي القتلة ، ولصوص ، وأخوات منحرفات ، أيضا اخوة منحرفون ، رجال أمن ، قوادات ، ثعابين بشرية ، مصاصو دماء ، سماسرة سفر ، تجار اعضاء بشرية – قسم الأجزاء الحساسة – باعة متجولون صعاليك شعراء فاشلون نقاد اغبياء كتاب يعتاشون من اقلامهم . متعهدو ثقافة مأجورة ، مهربو ارهابيين ، سعاة بريد خونة ، رؤساء صحف خبثاء ، حزبيون متشددون ، سحرة ، دفانون ، غاسلو موتى .

 على جانب المسرح ، جيش وشرطة وعمائم تحمل القنابل اليدوية والصواريخ المحمولة ، والمسدسات والغدارات والقامات والسكاكين والدمام والزناجيل والكلبشات ..

 وفي الجانب الآخر وقف الأفندية بملابس اوروبية جميلة تحوطهم خوذ وورود وايقونات ، خدودهم حمراء وعيونهم باسمة للغاية .

 هناك نواح ، معه ضحك ، سباب ، تهديدات ، بسملة حوقلة ، مقام عراقي بصوت خافت يغني بيتا شعريا جميلا وقبيحا يقول : ومن نكد الدنيا على المرء ان يرى .... عدوا له ما من صداقته بُدُ .

 ، ملاحن أهوار تراويح هجع شعوذات ، هناك ضحكة مغناج لمراهقة تقول لصديقتها : قرصني في عجيزتي اللعين .

 تحرك البهلوان الأول تحت الضوء الأصفر وقال بصوت جهوري :

 

استقالتي من الحزب

 

انتهت العلاقة ْ

وانتفت المراسيم

واللطف واللياقة ْ

ولمّ قلبي الحزين

بلحظة ٍ شجونه

آماله

جروحه ، أوراقه

معتذرا عن الوفاء البليد

منتعلا أفكاره وهي سلاسل من حديد

ممزقا ً أحشاءه

والطائر الطالع للتو

من الصديد

يقيئ روحه ، ضميره ، أعماقه ْ

محاولاً أن يهجر الصعاليك

وأن يودع الصيارفه ْ

والراية الخفاقه ْ

والمجرمين من دعاة

السلم والصداقة .

 

    *********

 

ظهر البهلوان الثاني وبصوت أعلى وأصفى وأكثر جهورية ً :

 

استقالتي من العائلة :

 

أدخلت كل أصابعي

في جيبي َ الخاوي

فلم أجد الخواءْ !

أقحمت روحي في طقوس العشق

لم أجد الحبيبة ْ

أولجت ذاكرتي برحم الأرض

لم أجد الجذورْ

لم تبق الاّ ومضة سوداء تدعى النورْ

لم تبق الاّ الحيزبون ووحشة الأطلال

والعمر المجافي ، والجذيم الوجه تاريخي

وثدي ٌ ذابل ٌ مترهل ٌ

، والحزب في سكراتِه

وهروب عائلتي الى المستقبل المهجورْ

وأنا البئيس الأخرق المتبلّد الطرطورْ

ذاك الذي في بدء أول كرنفالْ

 قد استقالْ ! .

 

صرخ البهلوان الثالث قائلا :

 

 استقالتي من الوطن

 

لبابك العالي

أرفع استقالتي

أرفع أسمالي

ورقم داري الحزين

آخر ما أملك من نياشين

أرفعها اليك ،

أحذيتي

صحون بيتي ، صحفي

أحزان أطفالي

أرفع في المزاد آمالي

جنسيتي : جنسيّتي من أثمن الآمالْ

جنسيّتي ليست تساوي صيحة الدلاّل ْ

 

  انبعثت التأوهات من بين صفوف الجمهور ، احتجاجات هنا وهناك ، ظهر فجأة شخص من وراء الستارة بملابس جميلة وبربطة عنق ، انه يطلب من الجمهور ان يهدأ ، بدأ بالقول بسرعة : اسمحوا لي أن اشرح لكم الموقف ، هذا الذي قالوه هو جزء من عمل مسرحي ، والنص ليس بالضرورة ان يعني التخلي عن مثلث برمودا الحزب والبيت والوطن ، بعض متحجري الأدمغة يعتبرون الشعر بيانا سياسيا يحاكمون الشاعر عليه ، هنا الشاعر ينفعل يتشظى يصرخ يلعن يكفر ، انها حالات نفسية ، انها تفجرات من انحاء نفس جريحة ، افهموا .....

 طارت جرمة في الهواء باتجاه خشبة المسرح ، اعقبها بسطال ومن ثم سكاربيل وبعدها عشرين شحاطة ومائة حذاء قبغلي وعشرة آلاف بلغمايه وتوالت بعدها وبالملايين خراطيش من عُكُل وقباقيب وحقائب يد وعمائم وأحزمة وزخم وملابس داخلية مع لفات فلافل وكالات ويشامغ وأكياس طرشي وربعيات عرق وفستق مع شياف نومي حامض وعلب سجائر ابو البزون وامزبّن ومصقول وكنافه وخبز عروق ، واخيرا سُمع مواء حمار ! في الرمق الأخير . انطفأت الأنوار وعجّت لعلعة الرصاص...والصرخات .

 عثر في اليوم التالي ، على مبنى المسرح وجمهوره الكريم ، مغطى بأنقاض تفوح من بين محتوياها الأبخرة والدخان وروائح شتى انواع المأكولات والمشروبات .

عثر على ورقة لم تحترق مابين الانقاض قد كتب عليها : " طيّح الله حظنا " ! .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com