|
شعر يا صابرا عقدين إلا بضعة يحيى السماوي شاعر عراقي مقيم في أيلايد - أستراليا
(( بعد نحو عقدين من السنين العجاف غربة وتشرداً، يطل على أمه وبقايا ملاعب طفولته)) أَلْقَـيْتُ بين أَحِـبَّـتي مـرسـاتـي فالانَ تَـبْـدَـ يا حياةُـ حَياتـي الان أَبْتَـدِئُ الصّـبـا ولـو اننـي جاوَزْتُ ((خمسينـاً))من السَنَواتِ الان أَخْـتَـتِمُ البكـاءَ بضحكـةٍ تمتـدّ من قلبي إلى حَدَقاتـي الان يَنْتَـقِمُ الحـبورُ من الأَسـى ومن اصْطِباري ظامئِا كاسـاتـي أنا في((السَماوة))..لنْ أُكَذّبَ مُقلتي فالنهرُ و((الجسرُالحديدُ))هُداتـي وهنـ جِوارَ الجسرِ ـ كانت قَلْعَـةٌ حَـجَريَّةٌ مكشوفةُ الحُـجَـراتِ هذا هو ((السجنُ القديمُ))...وَخَلْفـهُ جِهَةَ((الرُمَيْثَةِ)) ساحُ إعْدامـاتِ وهناكَ بيتُ أبي... ولكن لمْ يَعُـدْ لأبي بهِ ظِـلٌ على الشُرُفـاتِ لا يُخْطِئُ القلبُ الترابَ...شَمَمْـتُـهُ فَتَـعَطَّرتْ بطيوبِهِ نَبَـضَـاتي وهناكَ بُستانُ((الإمامي)) والـذي عَـشِـقَتْ نعومةَ طينِهِ خَطَواتـي النخـلُ نفسُ النخـلِ... إلاّ أنـه مُسْتَوْحَشُ الأَعْـذاقِ والسَـعْـفـاتِ لكأنَّ سَـعْفَ النخلِ حَـبْلُ مشيمـةٍ شُـدَّتْ به روحي لطيـنِ فـراتِ *** أنا في ((السماوةِ))...لا أشـكّ بما أرى فَـلَقَد رأيتُ بأَهلها قَسَـماتـي سـأصيحُ بالقلبِ الذليلِ:كفى الضنـى فاغلـقْ كتابَ الحـزنِ والنَـكَـبـات وأنامُ مقـروراً يُوَسِّـدني الهـوى ريشَ الأمـاني بعد طـولِ أّنـاةِ مَـرَّتْ عليَّ من السـنينَ عِـجافُـهـا ومـن الرياحِ الغاضـباتِ عَـواتـي أّلْـقَـتْ بأّشْـرِعتي الى حـيثُ النـدى جـمـرٌ يُمَـرِّغ با للظـى زهـراتي يشـكو لسـاني من جَـفافِ بَـيانِـهِ في الغُـرْبَتَـينِ فأّصْـحَـرَتْ غاباتـي وَحْـشِيَّـةٌ تلك الهمومُ... وديعُـهـا أقسـى على قلبي من الطَـعَنـاتِ أنا يا عـراقُ حكايةٌ شـرقـيَّـةٌ خُـطَّت على رَمْـلٍ بِسَـنِّ حَصـاةِ غَـرَّبْـتُ في أّقْـصى الديارِ فَـشَرَّقَتْ روحي... وَحَسْـبُك مُنْـتهى غاياتـي مولايَ! كم عصف الزمانُ بِمَرْكبي فَـأّغَظْتُ مُزْبِدَ موجِـهِ بِثَـبـاتـي ناطَحْـتُهُ ـ وأنا الكسيحُ ـ فلم يَنَـلْ من حَـزْمِ إيماني وَعَـزْمِ قَـنـاتـي واسَـيْتُ حـرماني بكوني حَـبَّـةً عربيـةً من بَـيْـدَرِ المأسـاةِ واللهِ ما خِـلْـتُ الحياةَ جَـديـرةً بالعيـشِ إلاّ هـذه اللحـظـاتِ واسْـتَـيْقَظَ الزمن الجميل بمقلـتي من بعـدِ أجيالٍ بِـكَهْـفِ سُـباتِ الله ! ما أحـلى العراقَ وإنْ بـدا مُـتَـقَـرِّحَ الأنهـارِ والواحـاتِ وَطَـرَدْتُ من قلبي الضَـغينَةَ مثـلمـا طَـرَدَ الضيـاءُ جَحـافـلَ الظُلُمـاتِ فَـوَدَدْتُ لو أني غَـرَسْـتُ أضـالعـي شَـجَراً أُفئُ بهِ دروبَ حُـفاةِ جَـهِّـزْ ليومـي في رحابِكَ فُـسْحَـةً وَحُـفَـيْـرَةً لغـدي تَـضمُّ رُفـاتي (( أُفـيَّشْ ياريحَةْ هليْ وطيبـةْ هلـيْ وكهـوةْ هلي وشـوفَـةْ هلي لعلاتـي)) *** عاتَـبْتُـهُ ـ أعني الفؤادَ ـ فَـضَحْتَني فاهْـدَأْ... أخافُ عليكَ من زَفَـراتـي هَـوِّنْ عليكَ ... فَـقَـدْ تُعابُ كهولـةٌ تَـرْفو ثيابَ الصَّـبْرِ بالعَـبَـراتِ أمْ أنتَ أَهْـرَقْتَ الوقارَ جَـمـيعَـهُ فَـعَـدَوْتَ عَـدْوَ طريدةٍ بِـفَـلاةِ؟ هَـوِّنْ عليكَ فـإنَّ حَـظَّكَ في الهـوى حَـظُّ((ابنِ عَـذْزَةَ)) في هُيامِ((مَهاةِ)) يا صابراً عِـقْـدَينِ إلاّ بضعـةً عن خبـزِ تنّـورٍ وكأسِ فُـراتِ لـيلاكَ في حُـضْنِ الغريبِ يَـشِـدُّها لسـريره حَـبلٌ من ((السُـرُفاتِ)) تبكـي وَتَسْـتَـبكي ولكن لا فَـتـىً فَيَـفكَّ أّسْـرَ سـبيئةٍ مُـدْمـاةِ يا صابراً عِـقْـدَينِ إلاّ بضعـةً ((ليلى)) مُكَبَّـلَةٌ بِـقَـيْدِ ((غُـزاةِ)) ليـلاك ما خـانَتْ هواكَ وإنمـا ((هُبَلُ الجـديدُ)) بِزيِّ((دولاراتِ)) إنَّ ((المريضةَ)) في العراقِ عراقَةٌ أما الطبيبُ فَمِبْضَعُ الشَـهَـواتِ *** وَطَـرَقْتُ باباً لم تُـغادِرْ خاطـري فكـأنَّها نُـقِشَتْ على حَـدَقـاتي مَنْ؟ فارْتَبـكْتُ.. فقلتُ: حَـيٌّ مَـيِّـتٌ عاشَ الجحيمَ فتاقَ للجنـاتِ وَصَـرَخْتُ كالملدوغِ أَدْرَكَهُ الـرَّدى متـوسِّـلاً من بلسـمٍ رَشَـفـاتِ: أينَ العجوزُ؟ فما انْـتَبَهْـتُ الى أخي يبكي... ولا الشَهقـاتِ من أخواتـي عا نَـقْتُها... وَغَسَـلْتُ باطنَ كفِّـهـا وجبيـنَها بالدمـعِ والقُـبُـلاتِ وَحَـضَنْتُـها حَـضْنَ الغريقِ يَشـدُّهُ رَمَـقٌ من الدنيا لطـوقِ نجـاةِ قَـبَّلْتُ حتى نَـعْلَها... وكـأننـي قَـبَّلْتُ من وردِ المنى با قـاتِ وَمَسَـحْتُ بالأجفانِ منهـا أَدْمعـاً وأنَابَتِ الآهـاتُ عن كلمـاتـي وسـألتُـها عَـفْوَ الأمومـةِ عن فتـىً عَبَـثَـتْ به الأيامُ بَـعْدَ شَـتـاتِ واسْـتُكْـمِلَ الحفلُ الفقيرُ بِزَخَّـةٍ مزحومـةٍ بـ ((هَلاهلِ)) الجاراتِ *** عَـتَبَـتْ عليَّ وقد غَفَـوْتُ سُـوَيْعـةً عَـيْني.. وخاصَمَ جَـفْنُها خَطـراتي: قُـمْ بيْ نَطوفُ على الأَزِقَّـةِ كلِّـهـا نَتَـبـادَلُ الآهـاتِ بالآهـاتِ طاوَعْتُـها... وَمَشَـيْتُ يُثْـقِلُ خطوتـي صَـخْرُ السنين ووحشـةُ الطُرُقـاتِ الله! ما أحلـى((السماوةَ))...ليلُهـا باكي النَـداوةِ ضـاحكُ النَـجْمـاتِ الله! ما أحلى السماوةَ... صُـبْحُهـا صـافٍ صفـاءَ الضـوءِ في المـرآةِ فَـتّـانَـةٌ... حتى نِباحُ كلابِهـا خَـلفَ الـقُرى يُـغـوي ثُـغاءَ الشـاةِ أّ تَفَـحَّصُ الطُرُقاتِ... أّبْحَثُ بينهـا عن خَـيْطِ ذكرى من قميصِ حياتي فَـزَّ الفـؤادُ على هتافٍ غـابرٍ عن أّصْـدَقِ الأوهامِ في صَبَواتـي هل كان حُـبّـاً؟ لستُ أدري... إنمـا قد كان درسـاً للطريـقِ الآتـي كـانت تُمَشِّـطُ شَـعْرَها في شُـرْفةٍ خضـراءَ... تَـنْسلُهُ الى خُـصـلاتِ رَفَـعَتْ يَـداً منها تشـدُّ سـتـارةً لِـتَصدَّ عن أّحْـداقِهـا نَظَراتـي فَظَـنَنْتُـها رَدَّتْ عليَّ تَحِـيَّتـي بإشـارةٍ خـجلى وباللَفَـتـاتِ كنتُ ابنَ عشـرٍ واثنتينِ... فَلَمْلَمتْ شـفتايَ ما اسْـتَعْذَبْتُ من كلمـاتِ غازَلْتُـها... ثُمَّ انْـتَبَـهْتُ الى أبي خلفـي يَكِرُّ عليَّ بالصَـفَـعـاتِ أّتَـخونُ جاري يا أّثيـمُ وَعِـرْضُـهُ عِـرْضي وكلُّ المُحْـصِنات بَناتـي؟ تُبْ للغـفورِ إذا أّرَدْتَ شـفاعـةً واسْـتَمْـطِرِ الغفـرانَ بالآيـاتِ لا الدَمْـعُ يَشْـفَعُ والنـحيبُ ولا أبي سَمَعَ اختناقَ الطفلِ في صَـرَخاتي واسْـتَكْمَلَتْ أُمي العقابَ... وراعَني وَيْـلٌ بإطْعـامي الـى((السَّـعْـلاةِ)) فَنَـدِمْتُ ـ رغم براءتي ـ وأَظـنُّهُ كان الطريـقَ الى جِنانِ صـلاةِ ***
(1) رغم ان جميع جسور السماوة مصنوعة من الحديد ، إلاّ ان اهالي المدينة يطلقون اسم (( الجسر الحديد))على جسر واحد بعينه. (2) أُفـيـش : كلمة شعبية شائعة الاستعمال في لهجات الكثير من المناطق العراقية ، يراد بها التعبير عن فرح القلب وابتراده. السـرفات : جنازير عجلات الدبابات.(3) (4) السعلاة : حيوان اسطوري اعتادت الأمهات على إخافة الاطفال به.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |