شعر

حروف

قاسم طلاع / النمسا- فيينا

jabbar.dillaa@inode.at

إذا أردت قراءة حروف بيتي،

سترها مدفونة عند مقبرة تحاذيها مقابر أخرى

واسعة،

تسكنها آلاف من حروف مجهولة

هناك عند الشاطئ

في الساحل الآخر بين ألوان غريبة

لم نعرفها من قبل.

عندما ماتت والدتي

تركت لي عباءتها بلونها الأسود،

وعتمة ردائها الممزق...

ثقوب من صوب القلب،

وثقوب في أماكن أخرى،

قيدت حركتها وبقت في المكان الذي لم تبارحه،

إلا عندما تضطر للبحث عن...

في أزقة لم تمر بها من قبل...

والدتي لم تعرف القراءة ولا الكتابة...

لكن قصائدها التي حفظتها في زياراتها المتكررة لتلك الأماكن المقدسة،

التي كانت تقرأ فيها نصوص الشهادة:

شهادة الميلاد والموت

شهادة قطع الرأس

شهادة الحسين من أجل الحق.

كانت تعيدها، دائما، بلحن شجي له مسحة حزن ألف عام

كانت تنعي

وكنت أبكي عند سماع صوتها.

قيل أنها شقت قبرها

عندما رأت أخي...

وأخي الآخر

يرقدان إلى جانبها،

ربما يمينا وشمالا،

وكان ثوبها الممزق الذي لازال على جسدها

والثقوب التي بهت لونها من تربة الأرض

بدت وكأنها جروح جديدة

كانت تنزف دما.

وفي واحدة من صباحات بغداد

وعند الفجر،

رأيت والدتي، في يوم ما، جالسة عند قبرها وجهها نحو القبلة

تقرأ آيات القرآن، وقصائد عاشوراء في حسينية بغداد القديمة

عند " تكية " عبد القادر الكيلاني

وتبحث عن ظل تحت صليبا

في واحدة من كنائس مدينتي

عند ذلك المكان الذي أعدم فيه الحلاج.

رأيتها هناك

على وجهها غيبوبة من ملامح زمن...

في واحدة من تلك الأحلام المتكررة،

التي لازالت تعاودنا في الغربة.

رفعت يدها لتعيد " ذاكرة " مدن منهارة

تلك التي لازالت تحمل أحلاما

في داخلها ظلال صمت ليل طويل

مثل بيت مهجور كان لنا وطن.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com