شعر

شرق البصرة


طارق حربي / النرويج

tarikharbi@chello.no

عصف ودخان

حتى وصل الترابُ الى نجوم الظهيرة!
إحكِ لي حكاية
ياشبابي الممدود على طول الحدود!؟

- هل أفردتَ أجنحة

طرتَ على سعة الكوكب!؟
طارتْ معك سنوات عمياء بين المدارات!؟

فوق الأرض الحرام

رفرفت روحي

من حذائي الثقيل

على رأس العريف المنافق

هوت

          فردة
                       من
                                 حذائي
                                             الثقيل

وكان مصبوغا بدمائي الطرية الأفقُ البعيدُ

كان الطاغية

كلما جلس يكذب وراء (الميكروفونات)

[ يقول : العراقيون شعب الذرى

وليس شعب السفوح!!]

أجل هاأنذا أطير فوق ذرى النخيل

لكن بالمدفعية الثقيلة!!
عاليا

عاليا...

حلق الجنود

ومن خلل الدخان

رأيت الشوارع عامرة بالناس

وابن جيراننا

يقبل ابنة جيراننا الذين

هبطوا مؤخرا من كوكب تائه

أكاد أسمع بين فواصل القبل

مايقول الرضاب للرضاب

في أول العهد بالحب!
دمعةً مالحةً ذرفتُ

على نهر مالحْ!
يفرم ويقص

يثلمُ يشقُّ الرجال والحديد

يلصف

منشار الحرب أنا رأيته يلصف

ولم يخبرني أحد

طويلا

طويلا

حتى لايكاد افق ينضد اسنانه!
مزقا

         مزقا

                        يصعد

                                        ينزل

كذلك الروح

العراق كله كان يصعد ينزل
ويختض الهواء بالبارود والوشايات

الجبال بالأسلحة الصديقة تهتز والمعادية

بحملات العمل الشعبي تنشف الأهوار

ثمة الطيور تقفل أعشاشها

وترمي المفاتيح في أعالي الأنهار

وهل بقي شيء إلا الفضاء العاري

كيف إذن ألمّه بنظرة

أقسمه بوعد!!؟
في الغرف والممرات

على بلاط المستشفيات

من يقدر أن يحصي دماء المُجرَّحينَ!؟

ملغز أحمر وجه الطبيب والشراشف

وكلما انخفض الهواء ذو الأجنحة المتكسرة

أكثر وأكثر

تصبح له ماللزوجة الدماء المتكررة في الضماد
وكلما انحنينا قليلا
أعني كلما صبرنا على الطائرات والمؤامرات

والثورات والإنقلابات
طال أمد الحروب في بلادنا

وهوت بالأجنة من البطون

الجرحى من الأسرة

من أبراج الدبابات هوت بغيرهم

ساعات نحس

طارت بهم سرفات

حطت بهم ناقلات الجنود على أثر

ومضوا بلا أثر

أمة بكامل عقلها

رمت وراء السواتر
بثقلها

تأريخها وجغرافيتها

خطباء جوامعها

آثامها

خطاياها

ضحكات بناتها

مجانينها

عقلائها

حاضرها ومستقبلها

وراحت تنفخ هواءها في جمرها فلاتنطفي الحروب

 

 سنة 1986 وقفت دمائي في باحة مستشفى البصرة الجمهوري، وصاحت بأعلى صوت من في البلاد : يامغيث أغثنا، ياواهب الحياة امحوا لغة الموت من دفاتر أطفالنا، واعطنا أملا واحدا، إذا أصبح عليه الصباح نقول انتصرنا على آية الشر فيه!!، كانت الكلاب تهرُّ وتنبح بين الثلاجات التي تحفظ فيها وصايا الله بالإنسان، والنخيل وراء سياج المستشفى يتفطر قلبه وينحني، ثم انقطع الوصل بين السموات والأرض وبقي رجل من الناصرية بين مئات، باحثا بين ركام من صور القتلى بالكاميرا الفورية، وقوائم الأسماء عن طلعة واحدة لأخيه، عن الكلمات الأخيرة التي قالها وهو يصعد في القطار، عن الزوال في عينيه مرتسما وهو يترجل من رقيم إلى نيران آلهة الحروب

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com