شعر

تباريح العاشق البدوي

يحيى السماوي / شاعر عراقي مقيم في أيلايد - أستراليا

دَعـيني مِـنْ أماسـيك ِ العِـذاب ِ*** فما أبْقى التغـرّبُ من شــبابي

قلبْتُ موائدي ورمَيْتُ كأسـي *** وشيّعْتُ الهوى ورتجْتُ بابي

خَـبَـرْتُ لذائذ َ الدنيا فــكانتْ *** أمَرَّ عليَّ من سَـمّ ٍ وصـاب ِ (1)

 وجَدْتُ حَلاوةَ الإيمان أشهى *** وأبْقى من لماكِ ومن إهابي (2)

أنا جُرْحٌ يسـيرُ عـلى دروب ٍ *** يتوه بها المُصيبُ عن الصواب

سُـلِبْتُ مسرّتي واسْـتفرَدَتني *** بِدار ِ الغربتين ِمِدى ارتيابي

وحاصَرَتِ الكهولة َ بعدَ وَهْن ٍ *** يـَدُ النكبات ِ جائعَة َ الحِـراب ِ

ومـا أبْـقـتْ ليَ الأيّــــام ُ إلآ *** حُـثالـتها بإبْــريق ٍ خَــراب ِ

ترشفتُ اللظى حين اصطباحي *** وأكمَلتُ اغتِباقي بالضـباب ِ

تحَرِّضُني على جرحي طيوفٌ *** فأنْـبِـِشُــهـا بسـكِـيـني ونابي

ورُبَّ لذاذة ٍ أوْدَتْ بِـنـَفـس ٍ *** وحِرمان ٍ يقودُ إلى الطِلاب ِ

 أنا البَدَويّ .. لا يُغري نياقي ***  رُخامُ رُبىً وناطِحة ُالسحاب

ولا يُغوي صُداحَ فمي وقلبي *** سوى عزفِ السّواني والرَّبابِ(3)

ودلـّةِ قهوة ٍ ووجاق ِ جَـمْـر ٍِ(4) *** تحلـّقَ حولهُ لـيلا ً صحابي

وبيْ شوق ٌ إلى خبز ٍ وتمْـر ٍ *** كما شوق الضرير إلى شهاب ِ

وللبَن ِِ الخضيض ِوماء كوز ٍ(5) *** وظلّ حصيرة ٍ في حـَرِّ آب ِ

فـُطِرْنا قانعين بِفـَقـر ِ حال ٍ *** قناعة َ ثغر ِ زِقّ ٍ بالحباب ِ(6)

أبٌ صلى وصام وحجّ خمسا ً *** وأمٌّ لا تـقوم عـن " الكتاب ِ "

وأطـفـالٌ ثـمانية ٌ... أنابــوا *** عن الدنيا فراشات ِ الرّوابي

ألا يا أمس : أين اليومَ مني *** صباحات ٌ مُشعْشِعَة ُ القِباب ِ؟

وفانوسٌ خجولُ الضوء تخبو ***  ذبالـتـُهُ فـيُسْـرجُها عِـتابي ؟

وأين شقاوتي طفلا ً عـنيدا ً *** أبى إلآ مُـراكضة َ السّراب ِ ؟

أُشاكِسُ رِفقتي زهوا ً بريئا ً *** ومن "خيشٍ وجنفاصٍ" ثيابي(7)

ألوذ بحضن ِ أمي خوفَ ذئب ٍ *** عوى ليلا ً ورعبا ًمن ذِئاب ِ؟

كبرتُ وما يزال الخوفُ طفلا ً *** وقد صار الفراقُ إلى ذِئاب ِ !!

يُشاكسُ خطوتي دربٌ طويل ٌ *** فـعَـزَّ عـليَّ يــا أمـي إيابي

وعـزَّ على يديك ِ تمسُّ وجهي *** لتمسَحَ عـنه ذلَّ الإغـتِراب ِ

وعاقبني الزمان ُ! وهل كنأي ٍ *** بعيد ٍ عن بلادي من عِقاب ِ ؟؟

تقاسَمَتِ المنافي بعضَ صحبي *** وبعـضٌ ألحَدَتـْهُ يـدُ الغـياب (8)

عشقت ُ ديارَ ليلى قبل َ ليلى *** فمِن ْ رَحِمِ الصِّبا وُلِدَ التصابي

ولسـتُ بـِمُبْدِل ٍ كأسا ً بكوز ٍ *** ولا لهوا ً بعِفـّة ِ" ذي نِقاب ِ "

ولكـن شاءتِ الأيــامُ مـني *** وشاء جنونُ طيشي من لُبابي

ولولا خشيتي من سوء ِ ظن ّ ٍ *** وما سيُقالُ عن فقدي صَوابي

لقلت ُ : أحِـنُّ يا بغـدادُ حتى *** ولو لصدى طنين ٍ من ذبابِ

لطين ٍفي الفرات وضُنك عيش ٍ *** جوارَ أبي المـُدَثر ِ بالتـراب ِ

جـوارَِ أُخـيَّـة ِ.. وأخ ..ٍ وأمّ ٍ *** وأحْباب ٍ يُعَـذبُهـم عــذابـي

أظلُّ العشاقَ البدويّ.. أهـفـو *** إلى نخل ٍ وللأرض ِ الرَّغاب ِ(9)

 إذا كان العراقُ رغيفَ روحي *** فإنّ ندى محبتهم شــرابي !!

 **

* أشكر لصديقي الشاعر المبدع ثروت الخرباوي لاستجابته لطلبي برفع قصيدتي ليالينا عقيمات ـ عسى قصيدتي هذه تنوب عنها

 (1) الصاب :نبت شديد المرارة

 (2) الإهاب : الجلد لم يدبغ بعد

 (3) السواني : جمع سانية : لآلة بدائية لرفع الماء من البئر

 (4) الوجاق :موقد الحطب

 (5)اللبن الخضيض : اللبن الذي تستخلص زبدته بواسطة الخض في قربة .

 (6) الحباب : الفقاقيع التي تعلو الماء

 (7) الخيش والجنفاص : نسيج خشن من الكتان شاع استعماله في العراق قبل عقود

 (8) ألحدته : دفنته في اللحد

 (9)الرغاب : الارض التي تشرب تشرب الكثير من ماء المطر فلا تسيل " كناية عن البادية "

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com