بحوث

صراع العقائد في ضوء غياب المنهجية

 بقلم: د. وليد سعيد البياتي

albayatiws@hotmail.com

 يشكل الصراع العقائدي احد مميزات حركة التاريخ، بل انه يمكن ان يصبح العامل الاساس في ترسيم العلاقات الانسانية في ضوء التباينات الفكرية، غير ان الاشكالية تكمن في منهجية الصراع والعوامل المؤثرة في تحقيق الغايات سواء كانت غايات عليا ام لا، غير ان فلسفة حركة التاريخ تكشف ان تبني مثل ومفاهيم متدنية سيؤدي وفق الحتمية التاريخية الى ظهور نتائج منحطة، وعلى العكس فان تبني مثل عليا يقود الى غايات مثالية سعت البشرية الى تحقيقها فلم تتحقق الا عبر الرسل.

 ان نجاح كل عقيدة في الاستمرار وتطوير عوامل بقائها يعتمد على منهجيتها في طرح مفاهيمها وعلى عقلانية التعامل مع منطق الحدث، ومن هنا نكتشف عوامل فشل كافة العقائد التي واجهت الرسالات السماوية عبر حركة التاريخ الذي لم يقدم لنا اية حالة تمثل انتصارا للطغيان في صراعه مع العقيدة الالهية، ففي تاريخ الرسالات تظهر حقيقة غياب منهجية الطواغيت في صراعها مع الرسل، والاشكالية تكمن في انهم عكفوا على تبني قيما منحطة، او قيما عليا مزيفة مثل:

1- تبني موقف الاباء في عقائدهم: في قوله عز وجل: (قالوا ياصالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا اتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا واننا لفي شك مما تدعونااليه مريب) هود/62.

 2- التكبر والتعالي: (قال انا احيي واميت، قال ابراهيم فإن الله ياتي بالشمس من المشرق فبهت الذي كفر) البقرة/258.

 3- تبني عقائد منحطة: (ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى) الزمر/3.

  انعكست على منهجية تعامل الطواغيت مع الرسالات الالهية، ففي الوقت الذي اتبع الرسل منهجا يتسم بالعقلانية والصبر في التعامل مع الذهنية الرافضة للرسالة السماوية، نجد الغلو والتفريط ورفض الحقائق تشكل عناوين اساسية لمنهج الكفر، فعوضا عن مناقشة الرسالات والبحث عن حقيقة مصدرها، أو تقصي غاياتها، كان هناك الانحراف المتمثل بالسخرية من الرسالات واصحابها، والطعن في شخصيات الرسل بالتكذيب مرة، ونسبتهم الى الجهل اخرى، ثم الاصرار الاعمى على التشبث بتراث هش غير قادر على تفسير حقائق الحياة. فالشرك يؤدي الى فوضى في فهم علاقة الانسان بقيم العقل وعناصر الحياة وفي فهم حركة التاريخ، وغياب المنهجية يعمق هوة الصراع وبالتالي ينهي العقائد الاضعف بعد ان يضعها على طريق الفناء، وهذا كان احد اسباب نجاح العقيدة الاسلامية امام الشرك، واذا استثنينا في هذا الصراع عوامل الدعم الالهي والنصرة التي هي من اشكال اللطف الالهي، فان الحتمية التاريخية كانت ستضع عقيدة الشرك على مسار الفناء اذ لامكان لاستمرار وجود يتبنى قيما منحطة، هذه الفكرة لا تلغي دور الرسالات، ولا اهمية النصرة الالهية للانبياء والرسل، بل تكشف حقيقة ازلية في حاجة الانسان الى تبني مثل عليا( الله) اذ ان التعالي من منظور اسلامي يستمد عنوانه من التوحيد الذي هو عقيدة ثابتة واصيلة، وهي اصل الوجود كله.

 ان دخول فكر متدني يفتقد الاصالة ويتبنى عقائد دنيوية تبنت بدورها مثلا منحطة ادت الى ظهور مرحلة من الصراع الفكري بين العقيدة الاسلامية التي تستمد اصالتها من مدرسة اهل البيت الاطهار عليهم السلام، وبين مدرسة دخيلة على الفكر الاسلامي الاصيل عرفت بالوهابية نسبة الى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب، هذه المدرسة وبسبب تبني العائلة السعودية لها وفرضها على ارض الجزيرة، اضافة الى نشر افكارها المنحطة بالتعسف والاكاذيب الباطلة بين الجماعات السنية التي تحمل بدورها خلفيات قاتمة ومجحفة عن تراث اهل البيت الاطهار، ادى ذلك الى توسع القاعدة الوهابية مع اعتراف الكثير من السنة برفضهم لها، لكنها كمثل الداء الخبيث انتشرت وعاثت بالاسلام فكرا وعقيدة فسادا، والباحث المنصف سيجد حتما هزالة وضعف دعاوى الحركة الوهابية، فيكفيهم مباءة انهم انكروا العقل الذي جعله الله تعالى شانه دليلا عليه وحجة باطنة بعد ان جعل الانبياء والرسل واوصياءهم حججا ظاهرة، اي فكر هذا الذي يقطع الحبل الممدود بين السماء والارض ثم يدعي انه من الاسلام؟ اي فكر هذا الذي يمنع المؤمنين من زيارة رسولهم واهل بيته الاطهار؟ اية ضحالة فكرية تمنع المؤمنين من دعاء الله عز وجل بشفاعة الرسول الخاتم عليه واله افضل الصلاة والتسليم، والله لقد حق قوله فيهم اذ قال تعالى شأنه: (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان قلوبكم) الحجرات/14.

 فشتان بين الايمان والاسلام، ففي الوقت الذي تبيح حتى الدول غير الاسلامية تعدد المذاهب والاتجاهات الفكرية والعقائدية نجد اتباع عبد الوهاب قد ضيقوا على الناس حرياتهم المذهبية، وحاربوا اصحاب العقيدة الاصيلة وغيبوهم في ظلمات السجون، والمعتقلات او نفوهم من الارض لاجل نشر ترهات افكار عبد الوهاب ومن سار على دربه العثر، والغريب انهم لم يقدموا دليلا علميا، عقليا او نقليا يتوافق مع مدعاهم.

 تمتاز العقيدة الوهابية – اذا جاز لنا تسميتها عقيدة – بانها لاتتبع منهجا ما في تقديم طروحاتها، فكل ما تستند اليه هو حفنة من الاحاديث الموضوعة، وكومة من التلفيقات الفقهية تخدع الجهال من اتباعها بانها الفكر الاسلامي الاصيل، والعقيدة الاسلامية السمحاء منها براء، براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فقد دأب ابن تيمية وتلميذه عبد الوهاب على تحريف النصوص الحديثية بترك حتى ما ورد فيما يسمونه الصحاح، والبحث عن كل موضوع ومتروك من الحديث والسنة التي نسبت زورا وبهتانا الى خاتم النبيين عليه واله افضل الصلاة والتسليم، ثم ليدعوا بعدها ان هذا ما اجمع عليه العلماء، والباحث المنصف يجد بسهولة حقيقة هذه الاكذوبة، وضحالة تلك الاطروحة، وإلا فلماذا قرن الله عز وجل اسمة باسم نبيه ورسوله الخاتم صلوات الله عليه وآله الاطهار؟ وكيف لاتتم الصلاة الا بالصلاة على محمد وآله الاطهار، واذا كان الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله يأمرهم بدعاء الله والتوجه اليه بنبيه – راجع المستدرك على الصحيحين 2/615، ودلائل النبوة للبيهقي 5/489 وسنن الترمذي 5/ 569 – وغيرهم فمن اين ابطل الوهابيين التوجه الى الله برسوله صلوات الله عليه وآله وهو رسول الرحمة حيا وميتا، وكيف ينكرون الشفاعة وفي رواية الحافظ عن ابن عباس عن عمر قال:" اللهم إنا نستسقيك بعم نبينا( العباس بن عبد المطلب)، ونستشفع بشيبته، فسقوا " – دلائل النبوة للاصبهاني 2/30-13 ح 8311 - فهل كان عمر يجهل معنى الشفاعة؟

 في العالم المتحضر نجد ان دولة ما ومن اجل شاعر مغمور يتخذ بيته متحفا، ومزارا، يرتاده الباحثون عن دلائل عظمة الانسان المبدع، وهنا في المملكة المتحدة مئات المتاحف الصغيرة والكبيرة لشعراء، رسامين، فنانين، ورجال فكر وسياسة، من الجنسين كلها كانت مساكن لهؤلاء، وبعد وفاتهم وتقديرا لعملهم الابداعي اتخذت متاحف لتخليدهم، فأين هؤلاء من عظمة الرسول الخاتم وآله الاطهار واصحابه الاخيار، واين الوهابيون من المفاهيم الحضارية ومعاني الرقي الانساني؟ واني لعلى ثقة تامة لو انه لاسمح الله وحكم الوهابيون العراق مع ما فيه من آثار اسلامية يتقدمها اضرحة الائمة الميامين من أهل بيت النبوة وذراريهم واتباعهم، وقبور لاتحصى ومقامات لاتعد لانبياء ورسل، دفنوا او مروا بأرض العراق، من انبياء بني اسرائيل ومن اتباع عيسى عليه السلام، الى غيرها من مقامات عظيمة لملائكة الله مما نجده في مسجد الكوفة العظيم، او مسجد السهلة، او مقامات ومقابر لاعلام الفكر الاسلامي، ولكبار ائمتهم، فما الذي سيحدث بكل هذا التراث الديني والانساني والتاريخي على السواء؟ هل سيعمل فيه الوهابيون معاولهم ويبيدوا آثار الرسالات كما فعلوا بالبقيع وغيره؟ بالتاكيد انهم سيفعلون ذلك مادامت تحركم عقيدة لاتقيم للفكر الالهي احتراما وتقديرا، بل انهم سيتلذذون بإفشاء احقادهم القديمة على كل ما هو خير. ومن هنا فأية قيمة لفكر يعمل على هدم الارث الانساني، والتاريخ الحضاري في بلد مثل العراق، وما يفعله اتباع هذه العقيدة المنحطة من تعمد في تدمير العراق انما هو اهم الادلة على انحراف هذه العقيدة وجهالة اتباعها، وانا لا اشك في قدرة الحتمية التاريخية على افناء هذه العقيدة بعد ان سلكوا طريق الجهالة.

  

الرأي الآخر للدراسات - لندن

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com