بحوث

تطور الوعي التاريخي وتحولات الحضارة 

        د. وليد سعيد البياتي

        المملكة المتحدة – لندن

 albayatiws@hotmail.com

 يشكل الوعي أحد أهم العوامل المساعدة على ادراك العلاقة التاريخية بالتحولات الحضارية لاية امة، وتكمن اشكالية عامل الوعي في انه يرتبط ارتباطا عضويا بعامل الزمن فيما يخص عملية التطور الطبيعي للوعي في تحولاته للوصول بالعقل الى مرحلة الرشاد، أما في حالة العقل الراشد، فالوعي يعتبر اشراقا مبكرا باعتبار ان الرشد مرحلة تتجاوز عامل الزمن، ومن هنا يصبح الوعي سواءاً كان وعيا فرديا او جماعيا، عملية تراكمية تتشكل عند حدود السببية، وهذه الاخيرة تتأصل مكوناتها في العقل الكلي (الله) ثم العقل الفردي (الانسان) لتنعكس بعد ذلك على العقل الجمعي (الامة)، وحيث ان كل امة تحاول ان تقدم مفهومها للوعي التاريخي عبر سلسلة من التحولات الحضارية باتجاه تحقيق النتاج النهائي لحركة التاريخ من خلال فهمها الخاص، فأن الامة الاسلامية وخلال خمسة عشر قرنا من التقادم عبر حركة التاريخ قد شكلت وعيها الذاتي بمفهوم التحول الحضاري، والذي قد يكون في بعض الاحيان مجرد شكلا من اشكال تبادل الادوار الذي تشهده الامم في تحولاتها الحضارية.

مما لاشك فيه ان الامة الاسلامية لم تعِ حقيقة التحول بعد وفاة الرسول الاعظم صلوات الله عليه وآله، فما عدا أهل بيت النبوة عليهم السلام (يقودهم الامام علي) وبعض خيار الصحابة امثال (ابو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، والمقداد) الذين امتلكوا وعيا فرديا غذاه قربهم المتواصل من منازل الوحي الالهي (الرسول الخاتم ثم الامام علي عليهما صلوات الله وسلامه)، اضافة الى سلامة الادراك العقلاني لمفهوم الرسالة الخاتم وصاحبها، اما ما يمكن التعبير عنه بالوعي الجمعي لباقي الامة فقد اتصف بالكثير من الانحراف عن المسار الحقيقي لاهمية التحول نحو الطور الاخر من الرسالة الخاتم والذي يتمثل بالامامة التي كرسها يوم الغدير لترسم طريقا للوعي الجمعي (الامة) باتجاه قيادتها نحو مسيرة التحول الحقيقي، وللحفاظ عليها من الانتكاس.

ولما كان من طبيعة التاريخ التحول من الاسوأ الى الافضل، وبالعكس، ولما كانت العصور تتبدل، وحتى الانبياء والرسل واوصيائهم ترتحل اجسادهم، لتبقى الافكار والفلسفات تنير درب الانسانية، فان ليس من العجب ان يحاول المنتكسون اعادة تلميع مثل منحطة لتبدو امام العيان مثل عليا، ومن البديهي ان يبدأ الخاسرون بالصراخ والعواء عندما تتكشف للجميع تفاهة عقائدهم، وفشل برامجهم الوصولية، وقد تجلت هذه الحالة عبر الهبوط المستمر للجزيرة، وكومة العفن التي تمثلها، بدءاً من فيل يحركة جهاز عصبي بحجم حبة دخن، وحتى مجموعة من النكرات تلبسوا بثياب اعلاميين تمولهم ابنة طاغية اعظم شهرتة انه وجد في حفرة، والى هنا يتكشف حجم الوعي الفردي الذي يتمتع به هؤلاء، ومن الغريب ان عقلا بحجم حبة دخن يعتقد انه قادر على الغاء تاريخ الرسالات في ارض العراق حيث الحضارة سلسلة من الاشراقات ظلت تتوالد منذ عصر هبوط العقل الانساني الاول (آدم) على هذه الارض.

ثمة حاجة للوعي الجمعي في هذه المرحلة، ثمة حاجة لان يعي الخاسرون ان العبث بدماء الابرياء لايمثل الا إستمرارا لتخلي العقل عن المثل العليا، ثمة حاجة لان يدرك العابثون اننا نمر بمرحلة التحول النهائي من عصر الانتظار الطويل، وان الخلاص القادم لايمكن ان يكون مجرد انفعالا يمر، او اشراقة سرعان ما تنطفيء.

ان العقل الرشيد هو الوحيد القادر على ان يخرج الخاسرين والمنتكسين والحاسدين ايديهم من بركة الدماء قبل فوات الاوان، فالجزيرة واخريات مجرد ابواق حشوها العفن فلا تصدر الا اصواتا مشروخة تطلقها حناجر اهترأت نباحا وتملقا لجزارين ذبحوا شعوبهم، والغريب ان يراد منا ان نكرر تجربة وضع اعناقنا تحت سيف الجلاد مرة ثانية عسى ان تسمح دماؤنا بتطور وعيهم المنحط. ان رفض نتائج الانتخابات من قبل علاوي والمطلك والدليمي واياد جمال الدين بعمامته الذي جلب الخزي لاصحاب العمائم السوداء، لاينم الا عن ضحالة الوعي الذي لم يتطور عبر حركة التاريخ، هؤلاء الذين يمثلون اليوم العنوان الرئيسي للقيم المنحطة والمثل المتدنية كما يمثلون جمود الوعي عند نقطة الصفر. ان التاريخ الحالي لن يسمح بالمزيد من الانحطاط في مرحلة التحول النهائي بعد ان انطلقت خيول النصر الى الامام.

  

الرأي الآخر للدراسات - لندن

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com