بحوث

السلام عليك يااباعبد الله الحسين : َاَشْهَدُ اَنَّكَ نُورُ اللهِ الَّذي لَمْ يُطْفَأْ وَلا يُطْفَأُ اَبَداً

 

اسامة النجفي

aldallal@rocketmail.com

 يقول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في زيارة ابي عبد الله الحسين صلوات الله عليه:

 اَلْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْعَبْدُ الصّالِحُ الزَّكيُّ اُودِعُكَ شَهادَةً مِنّي لَكَ تُقَرِّبُني اِلَيْكَ فِي يَوْمِ شَفاعَتِكَ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قُتِلْتَ وَلَمْ تَمُتْ بَلْ بِرَجاءِ حَياتِكَ حَيِيَتْ قُلُوبُ شيعَتِكَ، وَبِضِياءِ نُورِكَ اهْتَدَى الطّالِبُونَ اِلَيْكَ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ نُورُ اللهِ الَّذي لَمْ يُطْفَأْ وَلا يُطْفَأُ اَبَداً، وَاَنَّكَ وَجْهُ اللهِ الَّذي لَمْ يَهْلِكْ وَلا يُهْلَكُ اَبَداً، وَاَشْهَدُ اَنَّ هذِهِ التُّرْبَةَ تُرْبَتُكَ، وَهذَا الْحَرَمَ حَرَمُكَ، وَهذَا الْمَصْرَعَ مَصْرَعُ بَدَنِكَ لا ذَليلَ وَاللهِ مُعِزُّكَ وَلا مَغْلُوبَ وَاللهِ ناصِرُكَ، هذِهِ شَهادَةٌ لي عِنْدَكَ اِلى يَوْمَ قَبْضِ روُحي بِحَضْرَتِكَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .

 يستشهد الامام الحسين عليه السلام فى مثل هذه الايام بعد أن ألقى على الأمة الاسلامية دروسا خالدة ما بعدها دروس: دروسا فيها عز الدنيا و سعادة الآخرة، ، فيها طمأنينة النفس و راحة الضمير، فيها الوصول الى الحق و الزلفى الى الله تعالى، فيها كل ما يؤدى بالفرد و المجتمع الى ذروة الكمال. فالحسين مدرسة لكلّ المستضعفين في ثورتهم على المستكبرين.والحسين إمام لكلّ العاملين على إقامة حكم الحقّ واالعدل لذلك خطر لي أن أثبت هُنا هذه الابيات المناسبة للمقام مِن القصيدة العينية للجواهري:

 

فداء لمثواك من مضجع * تنور بالأبلج الأروع

بأعبق من نفحات الجنان * روحا ومن مسكها أضوع

ورعيا ليومك يوم الطفوف * وسقيا لأرضيك من مصرع

وحزنا عليك بحبس النفوس * على نهجك النير المهيع

وصونا لمجدك من أن يذال * بما أنت تأباه من مبدع

ويا عظة الطامحين العظام * للاهين عن غدهم طلع

تعاليت من مفزع للحتوف * وبورك قبرك من مفزع

تلوذ الدهور فمن سجد * على جانبيه ومن ركع

شممت ثراك فهب النسيم * نسيم الكرامة من بلقع

وعفرت خدي بحيث استراح * خد تفرى ولم يضرع

وحيث سنابك خيل الطغاة * حالت عليه ولم يخشع

وخلت وقد طارت الذكريات * بروحي إلى عالم ارفع

وطفت بقبرك طوف الخيال * بصموعة الملهم المبدع

كأن يدا من وراء الضريح * حمراء مبترورة الإصبع

 

نعم تمتاز نهضة الامام الثائر الحسين بن علي عليه السلام عن بقية النهضات والثورات أنها كانت نهضة دينية بحتة لا يشوبها شائبة الملك والسلطنة وما شابهها من الاغراض الدنيوية الرخيصة .  لقد شاء الله تعالى أن يثور سيد الشهداء ضد الطغيان لاعلاء كلمته وابقاء شريعتة ، فقام ناهضا في سبيل انفاذ أمره عزوجل ، وضحى بدمه الزاكي ودماء الطيبين من ذريته وذويه وأصحابه .

كان أوّل من أتى على ذكر الحسين (ع) بعد فاجعة كربلاء هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، فقد زار قبر سيّد الشهداء، وهناك ذرف دموعاً سخينةً صادقةً. وانقلبت تلك الدموع عاصفةً على مرّ التاريخ. كان الذين يجهلون قدر هذه الدموع، يردّدون أقوال اليزيديّين، في ذمّها وذمّ صاحبها.

ولكن . . في آتي الأيّام، سيتّجه عشّاق درب الحسين نحو كربلا، حيث يذرفون الدموع، ويؤدّون مناسك الشهادة، ويصونون دم الحسين حيّاً مشتعلاً بالثورة، ويصونون درس الشهادة ناطقاً للأجيال القادمة، فلا ينسى الناس ثورة أبي الثوار الحسين عليه السلام، على الظلم والظالمين . .

لهذا، ولهذا وحده كان بنو أميّة وبنو العباس يحظرون زيارة قبر الحسين (ع) وقبور الشهداء الآخرين. ولكن . . فرغماً عن سعي الأعداء والأجراء، فقد ارتفع على أرض كربلاء صرح عظيم، وأقيمت على تربة الشهداء بيوت خالدة للعبادة، وبقي نور الشهادة مشعّاً على مدى الأزمان، وبقي عهد الشهادة نشيداً يتردّد في الأسماع. وعن جعفر بن محمد عليه السلام قال : الحسين عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ما لمن زارنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه : من زارني حيا وميتا أو زار أباك حيا وميتا أو زار أخاك حيا وميتا كان حقيقا على الله أن يستنقذه يوم القيامة .

 يقول الامام المهدى عليه السلام في زيارة الناحية المقدسة:

 أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ أقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ ، وَأَمَرْتَ بِالمَعرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ والعُدْوَانِ ، وأطَعْتَ اللهَ وَمَا عَصَيْتَهُ ، وتَمَسَّكْتَ بِهِ وَبِحَبلِهِ ، فأرضَيتَهُ وَخَشيْتَهُ ، وَرَاقبتَهُ واسْتَجَبْتَهُ ، وَسَنَنْتَ السُّنَنَ ، وأطفَأْتَ الفِتَنَ .وَدَعَوْتَ إلَى الرَّشَادِ ، وَأوْضَحْتَ سُبُل السَّدَادِ ، وجَاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ الجِّهَادِ ، وكُنْتَ لله طَائِعاً ، وَلِجَدِّك مُحمَّدٍ ( صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِه ) تَابِعاً ، وَلِقُولِ أبِيكَ سَامِعاً ، وَإِلَى وَصِيَّةِ أخيكَ مُسَارِعاً ، وَلِعِمَادِ الدِّينِ رَافِعاً ، وَللطُّغْيَانِ قَامِعاً ، وَللطُّغَاةِ مُقَارِعاً ، وللأمَّة نَاصِحاً ، وفِي غَمَرَاتِ المَوتِ سَابِحاً ، ولِلفُسَّاقِ مُكَافِحاً ، وبِحُجَجِ اللهِ قَائِماً ، وللإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ رَاحِماً ، وَلِلحَقِّ نَاصِراً ، وَعِنْدَ البَلاءِ صَابِراً ، وَلِلدِّينِ كَالِئاً ، وَعَنْ حَوزَتِه مُرامِياً . تَحُوطُ الهُدَى وَتَنْصُرُهُ ، وَتَبْسُطُ العَدْلَ وَتنْشُرُهُ ، وتنْصُرُ الدِّينَ وتُظْهِرُهُ ، وَتَكُفُّ العَابِثَ وتَزجُرُهُ ، وتأخُذُ للدَّنيِّ مِنَ الشَّريفِ ، وتُسَاوي فِي الحُكْم بَينَ القَويِّ والضَّعِيفِ . كُنْتَ رَبيعَ الأيْتَامِ ، وَعِصْمَةَ الأنَامِ ، وَعِزَّ الإِسْلامِ ، وَمَعْدِنَ الأَحْكَامِ ، وَحَلِيفَ الإِنْعَامِ ، سَالِكاً طَرائِقَ جَدِّكَ وَأبِيكَ ، مُشَبِّهاً في الوَصيَّةِ لأخِيكَ ، وَفِيَّ الذِّمَمِ ، رَضِيَّ الشِّيَمِ ، ظَاهِرَ الكَرَمِ ، مُتَهَجِّداً فِي الظُّلَمِ ، قَويمَ الطَّرَائِقِ ، كَرِيمَ الخَلائِقِ ، عَظِيمَ السَّوابِقِ ، شَرِيفَ النَّسَبِ ، مُنِيفَ الحَسَبِ ، رَفِيعَ الرُّتَبِ ، كَثيرَ المَنَاقِبِ ، مَحْمُودَ الضَّرَائِبِ ، جَزيلَ المَوَاهِبِ . حَلِيمٌ ، رَشِيدٌ ، مُنِيبٌ ، جَوادٌ ، عَلِيمٌ ، شَدِيدٌ ، إِمَامٌ ، شَهِيدٌ ، أوَّاهٌ ، مُنِيبُ ، حَبِيبٌ ، مُهِيبٌ . كُنْتَ للرَّسُولِ ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ) وَلَداً ، وَللقُرآنِ سَنَداً ، وَلِلأمَّةِ عَضُداً ، وفي الطَّاعَةِ مُجتَهِداً ، حَافِظاً للعَهدِ والمِيثَاقِ ، نَاكِباً عَن سُبُل الفُسَّاقِ ، وبَاذلاً للمَجْهُودِ ، طَويلَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ ، زاهِداً في الدُّنيَا زُهْدَ الرَّاحِلِ عَنْها ، نَاظِراً إِلَيها بِعَينِ المُسْتَوحِشِينَ مِنْها . آمَالُكَ عَنْها مَكفُوفَةٌ ، وهِمَّتُكَ عَنْ زِينَتِهَا مَصْرُوفَةٌ ، وَأَلحَاظِكَ عَن بَهْجَتِهَا مَطْرُوفَةٌ ، وَرَغْبَتِكَ فِي الآخِرَة مَعرُوفَةٌ ، حَتَّى إِذَا الجَورُ مَدَّ بَاعَهُ ، وأسْفَرَ الظُّلْمُ قِنَاعَهُ ، وَدَعَا الغَيُّ أتْبَاعَهُ .

 

الحسين (ع) واستحباب التعزيه له و البكاء  عليه في مصادر اهل السنه والجماعه

 

أخرج الترمذي عن ابن عمر: أن النبي (ص) قال: إن الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا.

 أخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي بكرة: أن النبي (ص) قال: إن ابني هذين ريحانتاي من الدنيا.

 أخرج الترمذي وابن حبان عن أسامة بن زيد: أن النبي (ص) قال: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما.

 أخرج الطبراني عن عقبة بن عامر: أن النبي (ص) قال: الحسن والحسين سيفا العرش وليسا بمعلقين.

 أخرج البخاري في الأدب المنفرد، والترمذي وابن ماجة عن يعلي بن مرة: أن النبي (ص) قال: حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحب حسينا، الحسن والحسين سبطان من الأسباط.

أخرج أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة: أن النبي (ص) قال: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.

 أخرج الطبراني عن عائشة أن النبي (ص) قال: أخبرني جبرئيل، أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه.

 أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث أن النبي (ص) قال: أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا - يعني الحسين - وأتاني بتربة حمراء .

 أخرج البغوي في معجمه من حديث أنس أن النبي (ص) قال: استأذن ملك القطر ربه أن يزورني فأذن له، وكان في بوم أم سلمة، فقال رسول الله (ص): يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل أحد، فبينما هي على الباب إذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول الله (ص) فجعل رسول الله (ص) يلثمه ويقبله، فقال له الملك: أتحبه؟ قال: نعم، قال الملك: إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل فيه، فأراه، فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها.

قال ثابت: كنا نقول أنها كربلاء .

 وأخرجه أيضاً أبو حاتم في صحيحه وروى أحمد نحوه.

 وروى عبد الرحمن بن حميد وابن أحمد نحوه أيضاً، لكن الملك فيه جبريل، فإن صح فهما واقعتان. وزاد التاني أيضاً أنه (ص) شمها وقال: ريح كرب وبلاء. والسهلة بكسر أوله رمل خشن ليس بالدقاق الناعم. وفي رواية الملا وابن أحمد زيادة في المسند ما قالت: ناولني كفاً من تراب أحمر، وقال: هذا من تربة الأرض التي يقتل بها، فمتى صارت دماً فاعلمي أنه قد قتل. قالت أم سلمة: فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول: إن يوماً يتحول فيه دماً ليوم عظيم. وفي رواية عنها: فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دماً.

وفي أخرى: ثم قال - يعني جبرئيل -: ألا أريك تربة مقتله؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة، ثم قالت أم سلمة: فلما كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول:

أيها القاتلون جهلاً حسينا أبشروا بالعذاب والتذليل

قد لُعنتم على لسان ابن داو د وموسى وحامل الإنجيل

قال: فبكت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دماً.

 أخرج الترمذي أن أم سلمة رأت النبي (ص) باكياً وبرأسه ولحيته التراب فسألته فقال: قتل الحسين آنفاً.

(اقول معلقا على هذا الحديث الشريف مااحرى بالمسلمين من غير الشيعة ان يستنوا بسنة رسول الله (ص) فيبكون ويقيمون العزاء في عاشوراء ).

يحدث عمر بن سليمان عن الاعمش ، عن سعيد بن جبير قال : كان ملك من الكروبيين يقال له فطرس بعثه الله مبعثا فأبطأ وكان يسرح مع الملائكة ، فكسر الله جناحه وطرحه في جزيرة من جزائر البحر ، فلما كان صبيحة ولد الحسين بن علي بعث الله جبريل مع ألف من الملائكة إلى النبي صلى الله عليه يهنئه بولادة الحسين ، فمر جبريل بذلك الملك - وكان بينهما خلة - فقال : يا روح الله الامين أين تريد ؟ فقال : أريد النبي التهامي وهب الله له مولودا في هذه الليلة لاهنئه . فقال له : ألا تحملني معك لعله أن يسأل ربه أن يرد علي جناحي فأسرح مع الملائكة كما كنت أسرح . فحمله معه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه فهنأه بولادة الحسين ثم قال له : يا محمد هذا ملك من الكروبيين بعثه الله مبعثا فأبطأ فكسر الله جناحه ثم طرحه في جزيرة من جزائر البحر ، وهو يسألك أن تسأل ربك أن يرد عليه جناحه فيسرح مع الملائكة كما كان يسرح . فقام النبي صلى الله عليه فصلى ركعتين ودعا والحسين ملتف في خرقة ، ثم قال له : قم فامسح جناحك على هذا المولود . فقام فمسح جناحه ، فرد الله عليه جناحه ، فنهض الملك يسرح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أين تريد ؟ فقال : أسرح مع الملائكة كما كنت أسرح . فقال النبي صلى الله عليه : ان جبريل أخبرني بقتل ابني هذا واني سألت الله أن يجعلك خليفتي عند قبره ، فلا يزوره زائر

 ولا يصلي عند قبره مصل الا أخبرتني بذلك لتأتيه بشارة مني ، فهو عند قبره إلى يوم القيامة ، ولا يزوره زائر ولا يصلي عليه أحد الا أتاه بذلك .

 عن الربيع بن منذر الثوري ، عن أبيه قال : سمعت الحسين بن علي يقول : من دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت عيناه فينا قطرة أثواه الله بها في الجنة حقبا .

 روي‌ عن‌ أُمّ المؤمنين ام سلمة‌ رضي‌ الله‌ عنها أنـّها قالت‌: خرج‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ عندنا ذات‌ ليلة‌ فغاب‌ عنّا طويلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث‌ أغبر ويده‌ مضمومة‌، فقلت‌ له‌: يا رسول‌ الله‌، ما لي‌ أراك‌ أشعث‌ مغبراً؟ فقال‌: أُسري‌ بي‌ في‌ هذا الوقت‌ إلی موضع‌ من‌ العراق‌ يقال‌ له‌ كربلا فرأيت‌ فيه‌ مصرع‌ الحسين‌ ابني‌ وجماعة‌ من‌ ولدي‌ وأهل‌ بيتي‌، فلم‌أزل‌ ألقط‌ دماءهم‌ فها هي‌ في‌ يدي‌، وبسطها إلی فقال‌: خذيها واحتفظي‌ بها. فأخذتُها فإذا هي‌ شبه‌ تراب‌ أحمر، فوضعته‌ في‌ قارورة‌ وشددت‌ رأسها واحتفظت‌ بها. فلمّا خرج‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ من‌ مكّة‌ متوجّهاً نحو العراق‌ كنت‌ أُخرج‌ تلك‌ القارورة‌ في‌ كلّ يوم‌ وليلة‌ فأشمّها وأنظر إليها ثمّ أبكي‌ لمصابه‌، فلمّا كان‌ اليوم‌ العاشر من‌ المحرّم‌ وهو اليوم‌ الذي‌ قُتل‌ فيه‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ أخرجتها في‌ أوّل‌ النهار وهي‌ بحالها، ثمّ عُدت‌ إليها آخر النهار فإذا هي‌ دمٌ عبيطٌ.

  وروي‌ عن‌ محمّد بن‌ سيرين‌ (من مشايخ السنة) قال‌: لَمْ تُرَ هذه‌ الحُمرة‌ في‌ السماءِ إلاّ بعد قَتْلِ الحسينِ علsه‌ السلام‌.

  وروي‌ سعد الإسكاف‌، قال‌: قال‌ أبو جعفر علیه‌ السلام‌:

  كَانَ قَاتِلُ يَحْيَي‌ بْن‌ زَكَرِيَّا وَلَدَ زِناً، وَقَاتِلُ الْحُسَيْنِ بْنِ علی وَلَدُ زِناً وَلَمْيَحْمَرَّ السَّمَاءُ إِلاَّ لَهُمَا.

  وروي‌ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة‌ (من محدثي السنة)عَنْ علی‌ّ بْنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ الْحُسَيْنِ علیهِ السَّلاَمُ فَمَا نَزَلَ مَنْزِلاً وَلاَ ارْتَحَلَ مِنْهُ إِلاَّ ذَكَرَ يَحْيَي‌بْنَ زَكَرِيَّا وَقَتْلَهُ. وَقَالَ يَوْماً: وَمِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا علی‌ اللَهِ أَنَّ رَأْسَ يَحْيَي‌بْنِ زَكَرِيَّا أُهْدِيَ إلی بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي‌ إسْرَائِيلَ.

 و ابن تيمية على الرغم من نصبه وعداوته لاهل البيت عليهم السلام وشيعتهم يعترف بقوله :  والحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً ، وقتلته ظالمون معتدون. والحسين رضي الله عنه أكرمه اللهُ تعالى بالشهادةِ في هذا اليوم (أي يوم عاشوراء)، وأهان بذلك مَن قتله أو أعان على قتلِه أو رضيَ بقتلِه، وله أسوةٌ حسنةٌ بِمَن سبقه من الشهداء؛ فإنَّه (هو) وأخوه سيِّدَا شباب أهل الجَنَّة، وكانا قد تربَّيَا في عزِّ الإسلامِ، لَم ينالاَ من الهجرة والجهاد والصَّبر على الأذى في الله ما ناله أهلُ بيتِه، فأكرمهما اللهُ تعالى بالشَّهادةِ تكميلاً لكرامتِهما، ورَفعاً لدرجاتِهما. وقتلُه مصيبةٌ عظيمةٌ، والله سبحانه قد شرع الاسترجاعَ عند المصيبة بقوله: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ } )).

واقول ماقاله الله تعالى (ستكتب شهادتهم ويسالون).

 

أقوال المستشرقين وعلماء الغرب في ثورة الحسين (ع) واهمية احيائها

 اقول للكتاب الذين يقدسون الفكر الغربي ويجحدون اهمية ثورة الحسين عليه السلام واحيائها اليكم ماقاله المفكرون الغير مسلمين عن ثورة الحسين عليه السلام:

 قال الآثاري الإنكليزي وليم لوفتس:

((لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة.))

 قال المستشرق الألماني ماربين:

((قدم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر ان الظلم والجور لادوام له. وان صرح الظلم مهما بدار راسخاً وهائلاً في الظاهر الا انه لايعدو ان يكون امام الحق والحقيقة الا كريشة في مهب الريح.))

  قال المفكر المسيحي انطوان بارا  (( لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين)) .

قال المستشرق الإنجليزي ادوار دبروان  (( وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها)) .

 قال الكاتب الإنجليزي كارلس السير برسي سايكوس ديكنز  (( إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام)) .

وقال(( الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى اعجابنا وأكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا.))

 قال الهندوسي والرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون  (( هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد، وتذكر على الدوام)) .

 قال الزعيم الهندي غاندي (( لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين )) .

وقال ايضا ((تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر )) .

 وقال ايضا :

((ـ أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلست أعرف كثيراً من الهندوسية، واني أعزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي. وقال: لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين. وبعد دراسة عميقة لسائر الأديان عرف الإسلام بشخصية الإمام الحسين وخاطب الشعب الهندي بالقول المأثور: على الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين. وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين ثائراً حقيقياً وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق.. وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر.))

 قال المستشرق الإنجليزي السير برسي سايكوس   ((حقاً إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد )) .

 الباحث الإنكليزي ـ جون أشر:

(( إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي.))

 المستشرق الهنغاري أجنانس غولد تسيهر:

((قام بين الحسين بن علي والغاصب الأموي نزاع دام، وقد زودت ساحة كربلاء تاريخ الإسلام بعدد كبير من الشهداء.. اكتسب الحداد عليهم حتى اليوم مظهراً عاطفياً.))

 الكتاب الإنكليزي توماس لايل:

((لم يكن هناك أي نوع من الوحشية أو الهمجية، ولم ينعدم الضبط بين الناس.. فشعرت في تلك اللحظة وخلال مواكب العزاء وما زلت أشعر بأني توصلت في تلك اللحظة إلى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الإسلام، وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس والحماسة المتدفقة منهم بوسعهما أن يهزا العالم هزا. فيما لو وجّها توجيهاً صالحاً وانتهجا السبل القويمة ولا غرو فلهؤلاء الناس واقعية فطرية في شؤون الدين.))

 الكاتبة الإنكليزية ـ فريا ستارك:

(( إن الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم الأولى كلها على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه، بينما احاط به اعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه وما تزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس إلى يومنا هذا كما كانت قبل 1257 سنة وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة ان يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا استطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء.))

  

من دروس الثورة الحسينية الخالدة

 خطبته‌ عليه‌ السلام‌ في‌ مكّة‌ المكرّمة‌ حين‌ عزم‌ علي‌ الخروج‌ إلي‌ كربلاء :

  وَرُوِي‌َ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا عَزَمَ عَلَي‌ الْخُرُوجِ إلَي‌ الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً ، فَقَال‌ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ؛ مَاشَاءَ اللَهُ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ ؛ وَصَلَّي‌ اللَهُ عَلَي‌ رَسُولِهِ .

  خُطَّ الْمَوْتُ عَلَي‌ وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلاَدَةِ عَلَي‌ جِيدِ الْفَتَاةِ . وَمَا أَوْلَهَنِي‌ إلَي‌ أَسْلاَفِي‌ اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إلَي‌ يُوسُفَ . وَخُيِّرَ لِي‌ مَصْرَعٌ أَنَا لاَقِيهِ ؛ كَأَنِّي‌ بَأَوْصَالِي‌ تَتَقَطَّعُهَا عُسْلاَنُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلاَءَ ؛ فَيَمْلاَنَ مِنِّي‌ أَكْرَاشاً جُوفاً ، وَأَجْرِبَةً سُغْباً .

 لاَ مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ . رِضَا اللَهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ نَصْبِرُ عَلَي‌ بَلاَئِهِ ، وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ. لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لُحْمَتُهُ ، وَهِي‌َ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي‌ حَظِيرَةِ الْقُدْسِ ، تَقِرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ ، وَيُنْجَزُ لَهُمْ وَعْدُهُ .

 مَنْ كَانَ فِينَا بَاذِلاً مُهْجَتَهُ ، وَمُوَطِّناً عَلَي‌ لِقَاءِ اللَهِ نَفْسَهُ ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا ؛ فَإنَّنِي‌ رَاحِلٌ مُصْبِحاً إنْ شَاءَ اللَهُ تَعَالَى .

 

كلام‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ استعداده‌ للشهادة‌

 وربّما كانت‌ تلك‌ الكلمات‌ القيّمة‌ كالدرر التي‌ أوردها العلاّمة‌ المعاصر توفيق‌ أبوعلم‌ في‌ كتابه‌ الموسوم‌ بـ «أهل‌ البيت‌» كانت‌ إجابة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌هذا المكان‌ للحرّ بن‌ يزيد الرياحيّ ، حيث‌ يقول‌ :

  لَيْسَ شَأْنِي‌ شَأْنَ مَنْ يَخَافُ الْمَوْتَ . مَا أَهْوَنَ الْمَوْتَ عَلَي‌ سَبِيلِ نَيْلِ الْعِزِّ وَإحْيَاءِ الْحَقِّ . لَيْسَ الْمَوْتُ فِي‌ سَبِيلِ الْعِزِّ إلاَّ حَيَاةً خَالِدَةً ؛ وَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ مَعَ الذُّلِّ إلاَّ الْمَوْتَ الَّذِي‌ لاَ حَيَاةَ مَعَهُ .

  أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي‌ ؟! هَيْهَاتَ ؛ طَاشَ سَهْمُكَ ، وَخَابَ ظَنُّكَ ! لَسْتُ أَخَافُ الْمَوْتَ .

  إنَّ نَفْسِي‌ لاَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهِمَّتِي‌ لاَعْلَي‌ مِنْ أَنْأَحْمِلَ الضَّيْمَ خَوْفاً مِنَ الْمَوتِ ؛ وَهَلْ تَقْدِرُونَ عَلَي‌أَكْثَرَ مِنْ قَتْلِي‌ ؟!

  مَرْحَباً بِالْقَتْلِ فِي‌ سَبيلِ اللَهِ ! وَلَكِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَي‌ هَدْمِ مَجْدِي‌ وَمَحْوِ عِزَّتِي‌ وَشَرَفِي‌ ؛ فَإذاً لاَ أُبَالِي‌ مِنَ الْقَتْلِ .

   وسيّد الشهداء هو القائل‌ :

  مَوْتٌ فِي‌ عِزٍّ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي‌ ذُلٍّ .

 

  وهو الذي‌ كان‌ يرتجز في‌ الحرب‌ حين‌ يحمل‌ علي‌ جيش‌ الاعداء فيقول‌ :

  الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ                     وَالْعَارُ أَوْلَى‌ مِنْ دُخُولِ النَّارِ

 

خطبته‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أصحابه‌ و أصحاب‌ الحرّ

   ونُقل‌ عن‌ الطبري‌ أنّ أبا مخنف‌ روي‌ عن‌ عَقَبَة‌ ابن‌ أبي‌ العيزار أنّ الحسين‌ عليه‌ السّلام‌ خطب‌ أصحابه‌ وأصحاب‌ الحرّ في‌ «البَيْضَة‌» :

  فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَي‌ عَلَيْهِ ؛ ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ! إنّ َرَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ : مَنْ رَأَي‌ سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلاّ لِحُرَمِ اللَهِ ، نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَهِ ، مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، يَعْمَلُ فِي‌ عِبَادِاللَهِ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، فَلَمْ يُعَيِّرْ (او يُغَيِّرْ)  عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلاَقَوْلٍ ؛ كَانَ حَقّاً عَلَي‌ اللَهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ . أَلاَ وَإنَّ هَؤُلاَءِ قَدْلَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ ، وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَي‌ْءِ ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَهِ ، وَحَرَّمُوا حَلاَلَهُ ؛ وَأَنَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرٍ مَنْ غَيَّرَ ؛ مَنْ عَيَّرَ.

  وَقَدْ أَتَتْنِي‌ كُتُبُكُمْ ، وَقَدِمَتْ عَلَي‌َّ رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لاَ تُسَلِّمُونِي‌ وَلاَ تَخْذُلُونِي‌ ؛ فَإنْتَمَمْتُمْ عَلَي‌ بَيْعَتِكُمْ تُصِيبُوا رُشْدَكُمْ .

  فَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِي‌ٍّ ، وَابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ؛ نَفْسِي‌ مَعَ أَنْفُسِكُمْ ، وَأَهْلِي‌ مَعَ أَهْلِيكُمْ ؛ فَلَكُمْ فِي‌َّ أُسْوَةٌ .

  وإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَكُمْ ، وَخَلَعْتُمْ بَيْعَتِي‌ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ ، فَلَعَمْرِي‌ مَا هِي‌َ لَكُمْ بِنُكْرٍ ؛ لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي‌ وَأَخِي‌ وَابْنِ عَمِّي‌ مُسْلِمٍ .

  وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَـرَّ بِـكُمْ ؛ فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ ؛ وَنَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ ؛ وَ مَن‌ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَي‌' نَفْسِهِ. وَسَيُغْنِي‌ اللَهُ عَنْكُمْ . وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَهِ وَبَرَكَاتُهُ .

 

خطبته‌ عليه‌ السلام‌ صبيحة‌ يوم‌ عاشوراء

 ثمّ دعا الحسينُ عليه‌ السلام‌ براحلته‌ فركبها ونادي‌ بأعلي‌ صوته‌ بحيث‌ يسمعه‌ الجميع‌ فقال‌ :

  أَيُّهَا النَّاسُ ! اسْمَعُوا قَوْلِي‌ ، وَلاَ تَعْجَلُوا حَتَّي‌ أَعِظَكُمْ بِمَا يَحِقُّ عَلَيَّ لَكُمْ ؛ وَحَتَّي‌ أُعْذِرَ إلَيْكُمْ ! فَإن ْأَعْطَيْتُمُونِي‌ النِّصْفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ ! وَإنْ لَم ْتُعْطُونِي‌ النِّصْفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو´ا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ! إنَّ وَلِــِّيَ اللَهُ الَّذِي‌ نَزَّلَ الْكِتَـ'بَ وَهُوَ يَتَوَلَّي‌ الصَّـ'لِحِينَ .

  ثُمَّ حمد الله‌ وأثني‌ عليه‌ ، وذكر الله‌ تعالي‌ بما هو أهله‌ ، وصلّي‌ علي‌ النبي‌ّ وآله‌ وعلي‌ ملائكته‌ وأنبيائه‌ ، فلم‌يُسمع‌ متكلّم‌ قطّ قبله‌ و لا بعده‌ أبلغ‌ في‌ منطق‌ منه‌ .

  ثمّ قال‌ : أمّا بعد ، فانسبوني‌ فانظروا مَن‌ أنا ، ثمّ ارجعوا إلي‌ أنفسكم‌ وعاتبوها فانظروا هل‌ يصلح‌ لكم‌ قتلي‌ وانتهاك‌ حرمتي‌؟!

  ألستُ ابن‌ بنت‌ نبيّكم‌ وابن‌ وصيّه‌ وابن‌ عمّه‌ وأوّل‌ المؤمنين‌ المصدّق‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بما جاء به‌ من‌ عند ربّه‌ ؟!

  أو ليس‌ حمزة‌ سيّد الشهداء عمّي‌ ؟ أو ليس‌ جعفر الطيّار في‌ الجنّة‌ بجناحين‌ عمّي‌ ؟!

  أولم‌ يبلغكم‌ ما قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ لي‌ ولاخي‌ : هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟

  فإن‌ صدّقتموني‌ بما أقول‌ ـ وهو الحقّ ـ واللهِ ماتعمّدتُ كذباً منذ علمتُ أنَّ اللَه‌ يمقت‌ عليه‌ أهله‌ ، وإنْكذّبتموني‌ فإنّ فيكم‌ من‌ إنْ سألتُموه‌ عن‌ ذلك‌ أخبركم‌ . سَلوا جابر بن‌ عبد الله‌ الانصاريّ وأبا سعيد الخدريّ وسهل‌ بن‌ سعد الساعديّ وزيد بن‌ أرقم‌ وأنس‌ ابن‌ مالك‌ ، يخبروكم‌ أنّهم‌ سمعوا هذه‌ المقالة‌ من‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ لي‌ ولاخي‌ . أما في‌ هذا حاجزٌ لكم‌ عن‌ سفك‌ دمي‌ ؟!

  فقال‌ له‌ شمر بن‌ ذي‌ الجوشن‌ : هو يعبد اللهَ علي‌حَرْفٍ إنْ كان‌ يدري‌ ما تقول‌ .

  فقال‌ له‌ حبيب‌ بن‌ مظاهر : واللهِ إنّي‌ لاراك‌ تعبدُ اللهَ علي‌ سبعين‌ حرف‌ ، وأنا أشهد أنّك‌ صادق‌ ما تدري‌ مايقول‌ ، قد طبع‌ اللهُ علي‌ قلبك‌ . ثمّ قال‌ لهم‌ الحسين‌ عليه‌السلام‌ : فإنْ كنتم‌ في‌ شكٍّ من‌ هذا أفتشكّون‌ أَنّي‌ ابن‌بنت‌ نبيّكم‌ ؟ فواللهِ ما بينَ المشرقِ والمغربِ ابنُبنتِ نَبيٍّ غَيري‌ ، فيكم‌ ولا في‌ غيركم‌ . وَيْحَكُمْ أتطلبوني‌ بقتيلٍ منكمْ قتلتُه‌ ؟ أو مالٍ لكم‌ استهلكتُه‌ ؟ أو بقصاصِ جراحةٍ ؟

  فأخذوا لا يكلّمونه‌ ؛ فنادي‌ : يا شبث‌ بن‌ ربعيّ ! ويا حجّار بن‌ أبجر! ويا قيس‌ بن‌ الاشعث‌ ! ويا يزيد بن‌ الحارث‌ ! ألم‌ تكتبوا إليّ : أنْ قدْ أينعت‌ الثمارُ واخضرَّ الجنابُ ، وإنّما تَقْدَمُ عَلي‌ جُندٍ لَكَ مُجَنَّدَةٍ ؟!

  فقال‌ له‌ قيسُ بن‌ الاشعثِ : ما ندري‌ ما تقول‌ ؛ ولكن‌ انْزِل‌ علي‌ حُكم‌ بَني‌ عمّكَ ، فَإنّهم‌ لن‌ يُرُوك‌ إلاّ ما تحبّ .

  فَقَالَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لاَ وَاللَهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي‌ إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ ؛ ثُمَّ نَادَي‌: يَا عِبَادَ اللَهِ ! إِنِّي‌ عُذْتُ بِرَبِّي‌ وَرَبِّكُمْ أَن‌تَرْجُمُونِ ؛ وَأَعُوذُ بِرَبِّي‌ وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَيُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ.

 

خطبة‌ الإمام‌ الغرّاء يوم‌ عاشوراء

   وروي‌ ابن‌ طاووس‌ الخطبة‌ الغرّاء التالية‌ عن‌ سيّدالشهداء عليه‌ السلام‌ خطبها يوم‌ عاشوراء ، بهذا المضمون‌ :

  قالَ الرَّاوي‌ : وَرَكِبَ أَصْحَابُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَعَنَهُمُ اللَهُ ، فَبَعَثَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بُرَيْرَ بْنَ خُضَيْرٍ فَوَعَظَهُمْ ؛ فَلَمْ يَسْتَمِعُوا وَذَكَّرَهُمْ فَلَمْ يَنْتَفِعُوا .

  فَرَكِبَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَاقَتَهُ ـ وَقِيلَ فَرَسَهُ ـ فَاسْتَنْصَتَهُمْ فَأَنْصَتُوا. فَحَمِدَاللَهَ ، وَأَثْنَي‌ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ؛ وَصَلَّي‌ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ وَعَلَي‌ الْمَلاَئِكَةِ وَالاْنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ؛ وَأَبْلَغَ فِي‌ الْمَقَالِ ؛ ثُمَّ قَالَ:

  تَبّاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ وَتَرَحاً حِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَالِهِينَ ، فَأَصْرَخْنَاكُمْ مُوجِفِينَ ؛ سَلَلْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً لَنَا فِي‌ أَيْمَانِكُمْ ! وَحَشَشْتُمْ عَلَيْنَا نَاراً اقْتَدَحْنَاهَا عَلَي‌عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُمْ ! فَأَصْبَحْتُمْ ألْباً لاِعْدَائِكُمْ عَلَي‌أَوْلِيَائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ ، وَلاَ أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ !

  فَهَلاَّ ـ لَكُمُ الْوَيْلاَتُ ـ تَرَكْتُمُونَا ؛ وَالسَّيْفُ مَشِيمٌ ، وَالجَأْشُ طَامِنٌ ، وَالرَّأْيُ لَمَّا يُسْتَحْصَفْ ؟! وَلكِنْ أَسْرَعْتُمْ إلَيْهَا كَطَيْرَةِ الدَّبَي‌ ! وَتَدَاعَيْتُمْ إلَيْهَا كَتَهَافُتِ الْفَرَاشِ !

  فَسُحْقاً لَكُمْ يَا عَبِيدَ الاْمَّةِ ! وَشُذَّاذَ الاْحْزَابِ ! وَنَبَذَةَ الْكِتَابِ ! وَمُحَرِّفِي‌ الْكَلِمِ ! وعُصْبَةَ الآثَامِ ! وَنَفَثَةَ الشَّيْطَانِ! وَمُطْفِئِي‌ السُّنَنِ ! أَهَؤُلاَءِ تَعْضُدُونَ ؟! وَعَنَّا تَتَخَاذَلُونَ ؟!

  أَجَلْ وَاللَهِ غَدْرٌ فِيكُمْ قَدِيمٌ ! وَشَجَتْ إلَيْهِ أُصُولُكُمْ ! وَتَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُكُمْ ! فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرٍ شَجاً لِلنَّاظِرِ ! وَأُكْلَةً لِلْغَاصِبِ !

  أَلاَ وَإنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ  قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ : بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ ؛ وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ !

  يَأْبَي‌ اللَهُ ذَلِكَ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ ، مِنْ أَنْنُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِئَـامِ عَلَي‌ مَصَـارِعِ الْكِرَامِ .

  أَلاَ وَإنِّي‌ زَاحِفٌ بِهَذِهِ الاْسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ ، وَخَذْلَةِ النَّاصِرِ . ثُمَّ أَوصَلَ كَلاَمَهُ بِأَبْيَاتِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِي‌ِّ :

  فَإنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً                        وَإنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا

 وَمَا إنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَلَكِنْ                          مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينَا

 إذَا مَا الْمَوْتُ رَفَّعَ عَنْ أُنَاسٍ                    كَلاَكِلَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَا

 فَأَفْنَي‌ ذَلِكُمْ سُرَوَاءَ قَوْمِي‌                    كَمَا أَفْنَي‌ الْقُرُونَ الاْوَّلِينَا

 فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إذاً خَلَدْنَا                       وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إذاً بَقِينَا

 فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا                       سَيَلْقَي‌ الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا

 

 ثُمَّ أَيْمُ اللَهِ لاَ تَلْبَثُونَ بَعْدَهَا إلاَّ كَرَيْثِمَا يُرْكَبُ الْفَرَسُ ، حَتَّي‌ تَدُورَ بِكُمْ دَوْرَ الرَّحَي‌ ! وَ تَقْلَقَ بِكُمْ قَلَقَ الْمِحْوَرِ ! عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَي‌َّ أَبِي‌ عَنْ جَدِّي‌ ؛ فَأَجْمِعُو´ا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو´ا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ !

 إِنِّي‌ تَوَكَّلْتُ عَلَي‌ اللَهِ رَبِّي‌ وَ رَبِّكُم‌ مَا مِن‌ دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي‌ عَلَي‌' صِرَطٍ مُسْتَقِيمٍ .

 اللَهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّمَاءِ ؛ وَابْعَـثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِني‌ يُوسُفَ ؛ وَسلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلاَمَ ثَقِيفٍ ! فَيَسُومَهُمْ كَـأْساً مُصَبَّرَةً ؛ فإنَّهُمْ كَذَّبُونَا وَخَذَلُونَا وَأَنْتَ رَبُّنَا ! عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ !

 

 كلام‌ الإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌ في‌ كيفيّة‌ إشراق‌ وجه سيد الشهداء عليه‌ السلام‌

  و يروي‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ «معاني‌ الاخبار» أيضاً عن‌ مفسّر، عن‌ أحمد بن‌ الحسن‌ الحسيني‌، عن‌ الحسن‌ بن‌ علی الناصري‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ أبي‌ جعفر الجواد، عن‌ آبائه‌ عليهم‌ السلام‌، عن‌ عليّ ابن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌:

  لَمَّا اشتَدَّ الامْرُ بِالحُسَيْنِ بنِ علی بنِ أَبِي‌ طَالِبٍ عليه‌ السَّلامُ نَظَرَ اِلَيْهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَاذَا هُوَ بِخِلاَفِهِمْ؛ لاِنَّهُمْ كُلَّمَا اشتَدَّ الاْمْرُ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، وَ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَ كَانَ الْحُسَيْنُ عليه‌ السلامُ وَ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَائِصِهِ تَشْرَقُ أَلْوَانُهُمْ، وَ تَهْدَأُ جَوَارِحُهُمْ، وَ تَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:

  أُنْظُرُوا لاَ يُبَالِي‌ بِالْمَوتِ!

  فَقَالَ لَهُم‌ الْحُسَينُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: صَبْراً بَنِي‌ الْكِرَامِ! فَمَا الْمَوتُ اِلاَّ قَنْطَرَةٌ تَعْبُر بِكُمْ عَنِ الْبُؤسِ وَ الضَّرّاءِ اِلَي‌' الْجِنَانِ الْوَاسِعَةِ وَ النَّعِيمِ الدَّائِمَةِ. فَأَيُّكُمْ يَكْرَهُ أَن‌ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ الی قَصْرٍ؟

 وَ مَا هُوَ لاِعَْدَائِكُمْ اِلاَّ كَمَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ الی سِجْنٍ وَ عَذَابٍ. إِنَّ أَبِي‌ حَدَّثَنِي‌ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: اِنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ وَ الْمَوتُ جِسْرُ هَؤُلاَءِ الی جَنَّاتِهِمْ، وَ جِسْرُ هُؤلاَءِ الی جَحِيمِهِمْ، ما كَذِبْتُ وَ لاَ كُذِبْتُ.

 وانا العاصي اقول ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما

 ويُروي‌ عن‌ سيّد الساجدين‌ وزين‌ العابدين‌ عليه‌السلام‌ أنّه‌ قال‌ :

  لَمَّا صَبَّحَتِ الْخَيْلُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، رَفَعَ يَدَيْهِ وَ قَالَ :

  اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي‌ فِي‌ كُلِّ كَرْبٍ ؛ وَأَنْتَ رَجَائِي‌ فِي‌كُلِّ شِدَّةٍ ؛ وَأَنْتَ لِي‌ فِي‌ كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِـي‌ ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ . كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ ، وَيَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ ؛ أَنْزَلْتُهُ بِكَ ، وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ ، رَغْبَةً مِنِّي‌ إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ؛ فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي‌ ، وَكَشَفْتَهُ ، وَكَفَيْتَهُ .

 فَأَنْتَ وَلِي‌ُّ كُلِّ نِعْمَةٍ ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ ، وَمُنْتَهَي‌ كُلِّ رَغْبَةٍ .

 اشتياق‌ سيّد الشهداء للقاء الله‌ و رسوله‌، و خطبته‌ للدعوة‌ إلی‌ لقاء الله‌

  و كان‌ الوجود المقدّس‌ لسيّد الشهداء عاشقاً للموت‌! فلقد قال‌ في‌ خطبة‌ أوردها في‌ مكّة‌ المكرّمة‌ لمّا عزم‌ علی الخروج‌ إلی‌ الكوفة‌:

 وَ مَا أولهني‌ إلی‌ أسلافي‌ اشتياق‌ يعقوب‌ إلی‌ يوسف‌!

 و حين‌ اعترض‌ الحرّ بن‌ يزيد الرياحيّ و جيشُهُ الحسينَ عليه‌ السلام‌ فمنعوه‌ عن‌ متابعة‌ المسير، حتّي‌ أنـّهم‌ منعوه‌ عن‌ العدول‌ و الانحراف‌ في‌ مسيره‌؛

 فَقَامَ الْحُسَيْنُ خَطِيبَاً فِي‌ أَصْحَابِهِ فَحَمِدَ اللهَ وَ أَثْني‌' عَلَيْهِ وَ ذَكَرَ جَدَّهُ فَصَلّي‌' عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

 إنّه‌ قَدْ نَزَلَ بِنَا مِنَ الاْمْرِ مَا قَدْ تَرَونَ؛ وَ إنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَ تَنَكَّرَتْ وَ أَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا وَاسْتَمَرَّتْ جَذَّاءَ، وَ لَمْ تَبْقَ مِنْهَا اِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ، وَ خَسِيسُ عَيشٍ كَالْمَرْعَي‌' الْوَبِيلِ؛ أَلاَ تَرَوْنَ إلَي‌' الْحَقِّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَ إلَي‌' الْبَاطِلِ لاَ يُتَناهي‌' عَنْهُ؛ لِيَرْغَبِ الْمُؤمِنُ فِي‌ لِقَاءِ رَبِّهِ مُحِقَّاً، فَإنِّي‌لاَ أَرَي‌' الْمَوتَ إلاَّ سَعَادَةً وَالْحَيو'ةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إلاَّ بَرَمَاً.

 

شهادة‌ مسلم‌ بن‌ عوسجة‌ و بطولته‌ في‌ أرض‌ كربلاء

  و كان‌ من‌ أصحابه‌ عليه‌ السلام‌ مُسّلِمُ بْنُ عَوْسَجَة رضي الله عنه‌، الشيخ‌ القاري‌ للقرآن‌ و فقيه‌ أهل‌ الكوفة‌، و كان‌ رجلاً شجاعاً و فاضلاً فقيهاً قارئاً، و كان‌ وكيل‌ مسلم‌ بن‌ عقيل‌ في‌ الكوفة‌، و كان‌ مدلّهاً بمقام‌ الولاية‌، فأعطي‌ روحه‌ و كلّ ما لديه‌ لهذه‌ المدرسة‌ المباركة‌. و كان‌ يوم‌ عاشوراء أحد أبطال‌ جيش‌ الحسين‌ بن‌ عليّ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌، ثمّ يستشهد الحُرُّ بْنُ يَزِيدِ الرِّيَاحِيّ، وَ عَبْدُ اللَهِ بن‌ وَهَبْ، و بُرَيْر بن‌ خُضَيْر و رجلان‌ آخران‌، فيتقدّم‌ أحد أصحاب‌ سيّد الشهداء إلی‌ الميدان‌، و اسمه‌ نَافِعُ بنُ هِلاَل‌، و كان‌ رجلاً شجاعاً، فخرج‌ لمبارزته‌ أحد قادة‌ جيش‌ عمربن‌ سعد، و اسمه‌ مزاحم‌ بن‌ حريث‌، فأرداه‌ نافع‌ بضربة‌ واحدة‌ من‌ سيفه‌.

 و عندما شاهد هذا المنظر عَمْرو بنُ الحَجَّاج‌ الزُبَيْدِي‌ّ، و هو أحد قادة‌ جيش‌ عمر بن‌ سعد، و كان‌ مأموراً مع‌ أربعة‌ آلاف‌ نفر بالمحافظة‌ علی شريعة‌ الفرات‌، صرخ‌ بأعلی صوته‌، لايبرزن‌ إلی‌ هؤلاء أحد، فهم‌ ليوث‌ الآجام‌ الشجعان‌، و قد وضعوا قلوبهم‌ علی أكفّهم‌ و وطنّوا أنفسهم‌ علی الموت‌.

 أولم‌ تروا كيف‌ قضي‌ هذا علی صاحبنا بضربةٍ واحدة‌؟ إنـّكم‌ لو بارزتموهم‌ رجلاً لرجل‌ لافنوكم‌ جميعاً، ولكن‌ إذا كنتم‌ عليهم‌ يداً واحدة‌ فأحطتم‌ بهم‌ فإنـّكم‌ ستقتلونهم‌ جميعاً بغير قتالٍ بسيف‌ أو برمح‌ ولكن‌ رمياً بالحجارة‌. فكونوا يداً واحدة‌ و حاصروهم‌ من‌ كلّ صوب‌!

 فقال‌ عُمَرُ بنُ سعد: صدقت‌! الرأي‌ُ ما رأيت‌. و أرسلَ إلی‌ الناس‌ يعزم‌ عليهم‌: ألاّ يبارزنّ رجلٌ منكم‌ رجلاً منهم‌.

 ثمّ دنا عمرو بن‌ الحجّاج‌ في‌ أربعة‌ آلاف‌ فارس‌ من‌ ميمنة‌ سيّد الشهداء، و تقدّم‌ عمر بن‌ سعد بقلب‌ جيشه‌، فصار متعيّناً علی أصحاب‌ الإمام‌ أن‌ يواجهوا هجوم‌ ثلاثين‌ ألف‌ نفر؛ و حسب‌ قولهم‌ فإنـّهم‌ لو رموا بالحجارة‌ لسحقوا جميع‌ الانصار.

 و لقد دافع‌ أصحاب‌ الإمام‌ دفاعاً لا نعلم‌ عن‌ خصوصاته‌، إلاّ أنـّهم‌ إجمالاً ترجّلوا عن‌ جيادهم‌ فصاروا صفّاً فولاذيّاً مرصوصاً فأوقعوا برماحهم‌ فقط‌ الفزع‌ و الرعب‌ في‌ نفوس‌ الاعداء. ثمّ إنـّهم‌ اقتتلوا ساعة‌، فثارت‌ لشدّة‌ الجِلاد غبرة‌ طبّقت‌ الآفاق‌ فلا يري‌ فيها أحدٌ أحداً، ثمّ عاد عمر بن‌ سعد إلی‌ مقرّه‌ و رجع‌ عمر بن‌ الحجّاج‌، فما انجلت‌ الغبرة‌ إلاّ و مُسْلِم‌ بنْ عَوْسَجَة‌ صريعاً علی الارض‌ و به‌ رمق‌، فأسرع‌ الحسين‌ إليه‌ و التفت‌ إليه‌ و قال‌ له‌: فَمِنْهُم‌ مَّن‌ قَضَي‌' نَحْبَهُ و وَ مِنْهُم‌ مَّن‌ يَنْتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً.

 

عظمة العباس عليه السلام

 العباس كان من الرجال المميزين في التاريخ الاسلامي والانساني على حد سواء. والانسان بخلقه يكون من جسد وروح.. وجسد العباس كان من بطل الانسانية الخالد الإمام علي (عليه السلام) الذي ما أنجب التاريخ كلّه والنساء كلّهن مثله إلا ابن عمه رسول الله (ص)..

-يقول الطبري المؤرخ الشهير:

قد حوصر أربعة من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، فأراد سلام الله عليه من أخيه العباس فك الحصار ونجاتهم وكانوا ثلاثين ألفاً، وبالفعل تمكَّن العباس من ذلك، وهذا يدل على المستوى الرفيع الذي وصل إليه أبو الفضل في الشجاعة، مضافاً إلى أنَّه في المرة الأولى دمَّر عشرة آلاف من الأعداء وهو عدد كبير، ومن ثمَّ استطاع أن يدخل في الشريعة فأراد أن يملأ القربة ولكنَّهم هجموا عليه فلم يتمكَّن من ملئها، فرجع ولم يملأ الماء، فحمل مرة أخرى وملأ القربة. فلا يمكن لأحد أن يتقرب إليه أصلاً فرشقوه بالنبال.

وفي زيارة ابي الفضل العباس عليه السلام المنسوبة للامام الصادق عليه السلام:

 السَّلامُ عَلَيكَ أيَّها العَبـدُ الصالِحِ المُطيعُ لله ولرسُولِهِ ولأَميرِ المؤمِنين والحَسَن والحُسـينِ صَلّـى اللهُ عَلَيهم وسَلَّم ، السلامُ عليكَ ورَحَمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ ومَغفرَتُهُ ورضوانُهُ وعلى رُوحِك وبَدَنِكَ ، أشهدُ وأشهِدُ الله أَنَّك مَضيتَ على ما مَضى بهِ البدريّونَ والمجاهدونَ في سَبيل الله ، المناصِحوُن لَهُ في جِهادِ أعِدائهِ المُبالِغونَ في نُصرَةِ أوليائهِ الذّابّونَ عن أحبّائهِ ، فجزاكَ اللهُ أفضل الجزاء وأكثرَ الجزاء وأوفرَ الجزاء وأوفى جزاء أحـد ممِّن وفى ببيعَتِهِ واستَجابَ لهُ دَعوَتَهُ وأطاعَ ولاةَ أمِرِه ، أشَهِدُ أنّكَ قد بالغَتَ في النصيحَةِ وأعطيتَ غايَةَ المجهُودِ فبَعثَك اللهُ فـي الشُهِدِاء وجَعَلَ رُوحَك مَع أرواحِ السُّعداء وأعطاك من جنانهِ أفسحَها منـزلاً وأفضَلها غُرَفاً ورفَـعَ ذِكرَكِ فـي عليين وحَشَرَك مع النبييّن والصدّيقين والشهداءِ والصالِحينَ وحَسُنَ أولئكَ رفيقاً ، أشهدُ أنّك لـم تَهن ولم تنكُل وأنَّكَ مَضِيتَ علـى بصيرَةٍ من أمرِك مقتدياً بالصالحين ومُتَّبعاً للنبييّن، فَجَمَعَ اللهُ بينَنا وبينَك وبين رسُوله وأوليائهِ في منازِل المخُبتين ، فإنّه أرحم الراحمين

 

نداء الإمام الحسين ‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أتباع‌ آل‌ أبي‌ سفيان‌ يوم عاشوراء

  يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي‌ سُفْيَانَ ! إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ ، وَكُنْتُمْ لاَ تَخَافُونَ الْمَعَادَ ، فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي‌دُنْيَاكُمْ ! وَارْجِعُوا إلَي‌ أَحْسَابِكُمْ إنْ كُنْتُمْ عُرْباً كَمَا تَزْعُمُونَ !

 فناداه‌ شمر : ما تقولُ يا ابنَ فاطمة‌ !

 قال‌ : أنا الذي‌ أقاتلكم‌ والنِّساءُ ليس‌ عليهنّ جُناح‌ فامنعوا عُتاتكم‌ عن‌ التعرّض‌ لحرمي‌ ما دمتُ حيّاً . قَالَ اقْصُدُونِي‌ بِنَفْسِي‌ وَاتْرُكُوا حَرَمِي‌ قَدْ حَانَ حِينِي‌ وَقَدْ لاَحَتْ لَوَائِحُهُ

 فقال‌ شمر : لك‌ ذلك‌ !

 وقصده‌ القوم‌ ، واشتدّ القتال‌ وقد اشتدّ به‌ العطش‌ .

 ثمّ إنّه‌ عليه‌ السلام‌ رجع‌ إلي‌ الخيمة‌ وودّع‌ عياله‌ ثانياً ، فحملوا عليه‌ يرمونه‌ بالسهام‌ ، فحمل‌ عليهم‌ كالليث‌ الغضبان‌ ، ورجع‌ إلي‌ مركزه‌ يُكثر من‌ قول‌ :

 لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ !

  ورماه‌ أبو الحُتوف‌ الجُعْفي‌ بسهم‌ في‌ جبهته‌ ، فنزعه‌ وسالت‌ الدماء علي‌ وجهه‌ فقال‌ :

 

دعاؤه‌ عليه‌ السلام‌ علي‌ أهل‌ الكوفة‌ و مخاطبته‌ لهم‌

 اللَهُمَّ إنَّكَ تَرَي‌ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ عِبَادِكَ هَؤُلاَءِ الْعُصَاةِ ! اللَهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً ! وَاقْتُلْهُمْ بَدَداً ! وَلاَ تَذَرْ عَلَي‌ وَجْهِ الاْرْضِ مِنْهُمْ أَحَداً ! وَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ أَبَداً !

 و صاح‌ بصوت‌ عالٍ :

 يَا أُمَّةَ السَّوْءِ بِئْسَمَا خَلَّفْتُمْ مُحَمَّداً فِي‌ عِتْرَتِهِ ! أَمَا إنَّكُمْ لاَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً بَعْدِي‌ فَتَهَابُونَ قَتْلَهُ ! بَلْ يَهُونُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ عِنْدَ قَتْلِكُمْ إيَّاي‌َ ! وَأَيْمُ اللَهِ إنِّي‌ لاَرْجُو أَنْيُكْرِمَنِيَ اللَهُ بِالشَّهَادَةِ ، ثُمَّ يَنْتَقِمَ لِي‌ مِنْكُمْ مِنْ حَيْثُ لاَتَشْعُرُونَ !

  فقال‌ الحُصَيْن‌ : وبماذا ينتقم‌ لك‌ منّا يا ابن‌ فاطمة‌ ؟

  قال‌ (عليه‌ السلام‌) : يُلقي‌ بأسَكم‌ بينكم‌ ويسفك‌ دماءَكُم‌ ثُمّ يصبّ عليكم‌ العذابَ صَبّاً .

 

 كيفيّة‌ استشهاده‌ عليه‌ السلام‌

  ولمّا ضعف‌ عن‌ القتال‌ وقف‌ يستريح‌ ، فرماه‌ رجلٌ بحجر علي‌ جبهته‌، فسال‌ الدم‌ علي‌ وجهه‌ ، فأخذ الثوب‌ ليمسح‌ الدم‌ عن‌ عينيه‌ (فـ) رماه‌ آخر بسهمٍ مُحدَّد له‌ ثلاث‌ شعب‌ وقع‌ علي‌ قلبه‌ ؛ فقال‌ :

 بِسْمِ اللَهِ وَ بِاللَهِ وَ عَلَي‌ مِلَّةِ رَسُولِ اللَهِ . وَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَي‌ السَّمَاءِ وَقَالَ : إلَهِي‌ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ رَجُلاً لَيْسَ عَلي‌ وَجْهِ الاْرْضِ ابْنُ نَبِيٍّ غَيْرُهُ !

 ثمّ أخرج‌ السهم‌ من‌ قفاه‌ وانبعث‌ الدم‌ كالميزاب‌  ؛ فوضع‌ يده‌ تحت‌ الجرح‌ فلمّا امتلات‌ رمي‌ به‌ نحو السماء وقال‌ : هَوَّنَ عَلَي‌َّ ما نَزَلَ بي‌ أنَّهُ بِعَيْنِ اللَهِ. فلم‌ يسقط‌ من‌ذلك‌ الدمِ قطرةٌ إلي‌ الارضِ ! ثُمّ وَضَعها ثانياً فلمّا امتلات‌ لطّخ‌ به‌ رأسَه‌ ووجهَه‌ ولحيته‌ وقال‌ : هكذا أكونُ حتّي‌ أَلقي‌ اللهَ وَجدِّي‌ رَسُولَ اللهِ.

  وأعياه‌ نزفُ الدمِ ؛ فجلسَ علي‌ الارض‌ ينوءُ برقبته‌ ، فانتهي‌ إليه‌ في‌ هذا الحالِ مالكُ بنُ النسر ، فشتمه‌ ثُمَّ ضربه‌ بالسَّيفِ علي‌ رأسه‌ ، وكان‌ عليه‌ بُرْنُسٌ فامتلاَ البرنس‌ دماً ، فألقي‌ البرنسَ واعتمَّ علي‌ القَلَنسُوَةِ  . وروي‌ البعض‌ أنّه‌ استدعي‌ بخرقةٍ فشَدَّ بها رأسَهُ .

 وضربه‌ زُرعة‌ بن‌ شَريك‌ علي‌ كتفه‌ اليُسري‌  ، ورماه‌ الحُصين‌  في‌ حلقه‌ ، وضربه‌ آخرُ علي‌ عاتِقه‌، وطعنه‌ سِنان‌ بن‌ أنس‌ في‌ ترقوته‌ ثُمّ في‌ بواني‌ صدرهِ ثُمّ رماه‌ بسهم‌ في‌ نَحْره‌  ، وطعَنَه‌ صالح‌ بن‌ وهب‌ في‌جنبه‌.

 قال‌ هلال‌ بن‌ نافع‌ : كنتُ واقفاً نحوَ الحسينِ وهو يجودُ بنفسه‌ ، فواللهِ ما رأيتُ قتيلاً قطّ مُضمَّخاً بدمه‌ أحسنَ منه‌ وجهاً ولا أنور ! ولقد شغلني‌ نورُ وجهه‌ عن‌الفكرة‌ في‌ قتله‌ !

 ولمّا اشتدّ به‌ الحالُ رفعَ طرفَهُ إلي‌ السماء وتضرَّع‌ إلي‌ ساحة‌ الربِّ ذي‌ الجلال‌ قائلاً : صَبْراً عَلَي‌ قَضَائِكَ يَارَبِّ ، لاَ إلَهَ سِوَاكَ ، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ !

 وأقبل‌ فرسُه‌ يدور حوله‌ ويمرّغ‌ ناصيتَه‌ بدمه‌ ويشمّه‌ ويصهَل‌ صهيلاً عالياً ، ورُوي‌ عن‌ الإمام‌ أبي‌جعفر محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ أنّه‌ كان‌ يقول‌ :

  الظَّلِيمَةَ الظَّلِيمَةَ مِنْ أُمَّةٍ قَتَلَتِ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا .

  وتوجّه‌ نحو المخيّم‌ .

  ونادت‌ أمّ كلثوم‌ :

  وَا مُحَمَّدَاهْ ، وَا أَبَتَاهْ ، وَا عَلِيَّاهْ ، وَا جَعْفَرَاهْ ، وَاحَمْزَتَاهْ ! هَذَا حُسَيْنٌ بِالعَرَاءِ صَرِيعٌ بِكَرْبَلاءَ .

 ونادت‌ زينب‌ :

 وَا أَخَاهْ ، وَا سَيِّدَاهْ ، وَا أَهْلَ بَيْتَاهْ ، لَيْتَ السَّمَاءَ أَطْبَقَتْ عَلَي‌ الاْرْضِ ؛ وَلَيْتَ الْجِبَالَ تَدَكْدَكَتْ عَلَي‌السَّهْلِ .

 وانتهت‌ نحو الحسين‌ وقد دنا منه‌ عمر بن‌ سعد في‌جماعة‌ من‌ أصحابه‌ ، والحُسين‌ يجود بنفسه‌ ! فصاحت‌ : أَيْ عُمَرُ! أَيُقْتَلُ أَبُو عَبْدِ اللَهِ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إلَيْهِ؟!

 فصرفَ بوجهه‌ عنها ودموعُه‌ تسيلُ علي‌ لحيته‌ .

 فصاحت‌ : وَيْحَكُمْ أَمَا فِيكُمْ مُسْلِمٌ ؟!

 فلم‌ يجبها أحد ! ثمّ صاح‌ عمر بن‌ سعد بالناس‌ : انزلوا إليه‌ وأريحوه‌! فبدر إليه‌ شمر فرفسه‌ برجله‌ وجلس‌ علي‌ صدره‌ ، وقبض‌ علي‌ شيبته‌ المقدّسة‌ ، وضربه‌ بالسيف‌ اثنتي‌ عشرة‌ ضربة‌ ، واحتزّ رأسه‌ المقدّس‌ !!

 هذه اللحظات الحاسمة من حياة سيد الشهداء يصورها الامام المهدى عليه السلام في زيارة الناحية المقدسة:

 فَلمَّا رَأوْكَ ثَابِتَ الجَأْشِ ، غَيْرَ خَائِفٍ وَلا خَاشٍ ، نَصَبُوا لَكَ غَوائِلَ مَكْرِهِمُ ، وقَاتَلُوكَ بِكَيْدِهِمُ وَشَرِّهِمُ ، وأمَرَ اللَّعِينُ جُنودَهُ ، فَمَنَعُوكَ المَاءَ وَوُرُودَهُ ، ونَاجَزُوكَ القِتَالَ ، وَعَاجَلُوكَ النِّزَالَ ، وَرَشَقُوكَ بِالسِّهَامِ وَالنِّبَالِ ، وبَسَطُوا إِلَيكَ أَكُفَّ الاِصْطِلاَمِ ، وَلَمْ يَرْعَوْا لَكَ ذِمَاماً ، وَلا رَاقَبُوا فِيْكَ أثَاماً ، فِي قَتْلِهِمُ أوْلِيَاءَكَ ، وَنَهْبِهِمُ رِحَالَكَ . وَأنْتَ مُقْدَّمٌ في الهَبَوَاتِ ، ومُحْتَمِلٌ للأذِيَّاتِ ، قَدْ عَجِبَتْ مِنْ صَبْرِكَ مَلائِكَةُ السَّمَاوَاتِ ، فَأحْدَقُوا بِكَ مِنْ كِلِّ الجِّهَاتِ ، وأثْخَنُوكَ بِالجِّرَاحِ ، وَحَالُوا بَيْنَكَ وَبَينَ الرَّوَاحِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَكَ نَاصِرٌ ، وَأنْتَ مُحْتَسِبٌ صَابِرٌ . تَذُبُّ عَنْ نِسْوَتِكَ وَأوْلادِكَ ، حَتَّى نَكَّسُوكَ عَنْ جَوَادِكَ ، فَهَوَيْتَ إِلَى الأرْضِ جَرِيْحاً ، تَطَأُكَ الخُيولُ بِحَوَافِرِهَا ، وَتَعْلُوكَ الطُّغَاةُ بِبَوَاتِرِها ، قَدْ رَشَحَ لِلمَوْتِ جَبِيْنُكَ ، واخْتَلَفَتَ بالاِنْقِبَاضِ والاِنْبِسَاطِ شِمَالُكَ وَيَمِينُكَ ، تُدِيرُ طَرَفاً خَفِيّاً إلى رَحْلِكَ وَبَيْتِكَ ، وَقَدْ شُغِلْتَ بِنَفسِكَ عَنْ وُلْدِكَ وَأهَالِيكَ . وَأَسْرَعَ فَرَسُكَ شَارِداً إِلَى خِيَامِكَ ، قَاصِداً مُحَمْحِماً بَاكِياً ، فَلَمَّا رَأَيْنَ النِّسَاءُ جَوَادَكَ مَخْزِيّاً ، وَنَظَرْنَ سَرْجَكَ عَلَيهِ مَلْوِيّاً ، بَرَزْنَ مِنَ الخُدُورِ ، نَاشِرَات الشُّعُورِ عَلى الخُدُودِ ، لاطِمَاتُ الوُجُوه سَافِرَات ، وبالعَوِيلِ دَاعِيَات ، وبَعْدَ العِزِّ مُذَلَّلاَت ، وإِلَى مَصْرَعِكَ مُبَادِرَات ، والشِّمْرُ جَالِسٌ عَلى صَدْرِكَ ، وَمُولِغٌ سَيْفَهُ عَلى نَحْرِكَ ، قَابِضٌ عَلى شَيْبَتِكَ بِيَدِهِ ، ذَابِحٌ لَكَ بِمُهَنَّدِهِ ، قَدْ سَكَنَتْ حَوَاسُّكَ ، وَخفِيَتْ أنْفَاسُكَ ، وَرُفِع عَلى القَنَاةِ رَأسُكَ . وَسُبِيَ أهْلُكَ كَالعَبِيدِ ، وَصُفِّدُوا فِي الحَدِيْدِ ، فَوقَ أقْتَابِ المطِيَّاتِ ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ حَرُّ الهَاجِرَات ، يُسَاقُونَ فِي البَرَارِي وَالفَلَوَاتِ ، أيْدِيهُمُ مَغْلُولَةٌ إِلَى الأعْنَاقِ ، يُطَافُ بِهِم فِي الأسْوَاقِ ، فالوَيْلُ للعُصَاةِ الفُسَّاقِ . لَقَد قَتَلُوا بِقَتْلِكَ الإِسْلامَ ، وَعَطَّلوا الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ ، وَنَقَضُوا السُّنَنَ وَالأحْكَامَ ، وَهَدَّمُوا قَوَاعِدَ الإيْمَانِ ، وحَرَّفُوا آيَاتَ القُرْآنِ ، وَهَمْلَجُوا فِي البَغْيِ وَالعُدْوَانِ . لَقَدْ أصْبَحَ رَسُولُ اللهِ ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ) مَوتُوراً ، وَعَادَ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَهْجُوراً ، وَغُودِرَ الحَقُّ إِذْ قُهِرْتَ مَقْهُوراً ، وَفُقِدَ بِفَقْدِكَ التَّكبِيرُ وَالتهْلِيلُ ، وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّحِليلُ ، وَالتَّنْزِيلُ وَالتَّأوِيلُ ، وَظَهَرَ بَعْدَكَ التَّغْيِيرُ وَالتَّبدِيلُ ، والإِلْحَادُ وَالتَّعطِيلُ ، وَالأهْوَاءُ وَالأضَالِيلُ ، وَالفِتَنُ وَالأَبَاطِيلُ . فَقَامَ نَاعِيكَ عِنْدَ قَبْرِ جَدِّكَ الرَّسُولِ ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ) ، فَنَعَاكَ إِلَيهِ بِالدَّمْعِ الهَطُولِ ، قَائِلاً : يَا رَسُولَ اللهِ ، قُتِلَ سِبْطُكَ وَفَتَاكَ ، واسْتُبِيحَ أهْلُكَ وَحِمَاكَ ، وَسُبِيَتْ بَعْدَكَ ذَرَارِيكَ ، وَوَقَعَ المَحْذُورُ بِعِتْرَتِكَ وَذَويكَ . فانْزَعَجَ الرَّسُولُ ، وَبَكَى قَلْبُهُ المَهُولُ ، وَعَزَّاهُ بِكَ المَلائِكَةُ وَالأنْبِيَاءُ ، وَفُجِعَتْ بِكَ أُمُّكَ الزَّهْرَاءُ ، وَاخْتَلَفَ جُنُودُ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ ، تُعَزِّي أبَاكَ أمِيرَ المُؤْمِنينَ ، وأُقِيمَتْ لَكَ المَآتِمُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ ، وَلَطَمَتْ عَلَيكَ الحُورُ العِينُ . وَبَكَتِ السَّمَاءُ وَسُكَّانُهَا ، وَالجِنَانُ وَخُزَّانُهَا ، وَالهِضَابُ وَأقْطَارُهَا ، وَالبِحَارُ وَحِيتَانُها ، وَالجِنَانُ وَولْدَانُهَا ، وَالبَيتُ وَالمَقَامُ ، وَالمَشْعَرُ الحَرَام ، وَالحِلُّ والإِحْرَامُ . اللَّهُمَّ فَبِحُرْمَةِ هَذَا المَكَانِ المُنِيفِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِم ، وأدْخِلْنِي الجَنَّة بِشَفَاعَتِهِم .

 رَبَّنَا احْشُرْنَا مَعَ الْحُسَيْنِ وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ ؛ رَبَّنَا وَتَقَبَّلِ الدُّعَاءَ .

 

من وحي زيارة الناحية المقسة

 السَّلامُ عَلى الأئِمَّةِ السَّادَاتِ ، السَّلامُ عَلى الجُيوبِ المُضَرَّجَاتِ ، السَّلامُ عَلى الشِّفَاهِ الذَّابِلاتِ ، السَّلامُ عَلى النُّفوسِ المُصْطَلِمَاتِ ، السَّلامُ عَلَى الأروَاحِ المُختَلسَاتِ .

السَّلامُ عَلى الأجْسَادِ العَاريَاتِ ، السَّلامُ عَلى الجُسُومِ الشَّاحِبَاتِ ، السَّلامُ عَلى الدِّمَاءِ السَّائِلاتِ ، السَّلامُ عَلى الأعْضَاءِ المُقطَّعَاتِ ، السَّلامُ عَلى الرُّؤوسِ المُشَالاَتِ ، السَّلامُ عَلى النُّسْوَةِ البَارِزَاتِ . السَّلامُ عَلى حُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيكَ وعَلى آبَائِكَ الطَّاهِرِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ وعَلى أبْنَائِكَ المُسْتَشْهَدِينَ ، السَّلامُ عَليكَ وعَلى ذُرِّيَّتِك النَّاصِرِينَ ، السَّلامُ عَليكَ وعَلى المَلائِكَةِ المُضَاجِعِينَ .السَّلامُ عَلى القَتيلِ المَظلُومِ ، السَّلامُ عَلى أخِيْهِ المَسمُومِ .السَّلامُ عَلى عَليٍّ الكَبِيرِ ، السَّلامُ عَلى الرَّضِيعِ الصَّغِيرِ ، السَّلامُ عَلَى الأبْدَانِ السَّلِيبَةِ ، السَّلامُ عَلى العِتْرَةِ القَريْبَةِ ، السَّلامُ عَلى المُجدَّلِينَ في الفَلَوَاتِ ، السَّلامُ عَلى النَّازِحِينَ عَن الأوطَانِ ، السَّلامُ عَلى المَدْفُونِينَ بِلا أكْفَانِ ، السَّلامُ عَلى الرُّؤوسِ المُفَرَّقَةِ عَن الأبْدانِ .السَّلامُ عَلى المُحتَسِبِ الصَّابِرِ ، السَّلامُ عَلى المَظْلُومِ بِلا نَاصِرِ ، السَّلامُ عَلَى سَاكِنِ التُّربَةِ الزَّاكِيَةِ ، السَّلامُ عَلى صَاحِبِ القُبَّة السَّامِيَةِ .السَّلامُ عَلى مَن طَهَّرَهُ الجَلِيلُ ، السَّلامُ عَلى مَنِ افْتَخَرَ بِهِ جِبرائِيلُ ، السَّلامُ عَلى مَنْ نَاغَاهُ فِي المَهْدِ مِيكَائيلُ .

السَّلامُ عَلى مَنْ نُكِثَتْ ذِمَّتُهُ ، السَّلامُ عَلى مَن هُتِكَتْ حُرْمَتُهُ ، السَّلامُ عَلى مَنْ أُرِيقَ بِالظُّلْمِ دَمُهُ .

السَّلامُ عَلى المُغسَّلِ بِدَمِ الجِرَاحِ ، السَّلامُ عَلى المُجَرَّعِ بِكاسَاتِ الرِّمَاحِ ، السَّلامُ عَلى المُضَامِ المُستَبَاحِ .السَّلامُ عَلى المَنْحُورِ في الوَرَى ، السَّلامُ عَلى مَن دَفنَهُ أهْلُ القُرَى ، السَّلامُ عَلى المَقْطُوعِ الوَتِينِ ، السَّلامُ عَلى المُحَامي بِلا مُعِينٍ .السَّلامُ عَلى الشَّيْبِ الخَضِيبِ ، السَّلامُ عَلى الخَدِّ التَّرِيْبِ ، السَّلامُ عَلى البَدَنِ السَّلِيْبِ ، السَّلامُ عَلى الثَّغْرِ المَقْرُوعِ بالقَضِيبِ ، السَّلامُ عَلى الرَّأسِ المَرفُوعِ .السَّلامُ عَلى الأجْسَامِ العَارِيَةِ في الفَلَوَاتِ ، تَنْهَشُهَا الذِّئَابُ العَادِيَاتُ ، وتَخْتَلِفُ إِلَيها السِّباعُ الضَّارِيَاتُ .السَّلامُ عَليْكَ يَا مَولاَيَ وعَلى المَلائِكَةِ المَرْفُوفينَ حَولَ قُبَّتِكَ ، الحَافِّينَ بِتُربَتِكَ ، الطَّائِفِين بِعَرَصَتِكَ ، الوَاردِينَ لِزَيَارَتِكَ .السَّلامُ عَليكَ فَإنِّي قَصَدْتُ إِلَيكَ ، ورَجَوتُ الفَوزَ لَدَيكَ .

السَّلامُ عَليكَ سَلامُ العَارِفِ بِحُرمَتِكَ ، المُخْلِصِ في وِلايَتِكَ ، المُتَقرِّبِ إِلى اللهِ بِمَحَبَّتِكَ ، البريءِ مِن أعَدَائِكَ ، سَلامُ مَنْ قَلْبُهُ بِمُصَابِك مَقرُوحٌ ، وَدَمْعُهُ عِندَ ذِكرِكَ مَسْفُوحٌ ، سَلامُ المَفْجُوعِ الحَزِينِ ، الوَالِهِ المُستَكِينِ .سَلامُ مَن لَو كَانَ مَعَكَ بِالطُّفُوفِ لَوَقَاكَ بِنَفسِهِ حَدَّ السُّيُوفِ ، وبَذَلَ حَشَاشَتَهُ دُونَك لِلحُتُوف ، وجَاهَد بَينَ يَدَيكَ ، ونَصَرَكَ عَلى مَن بَغَى عَلَيكَ ، وَفَدَاك بِرُوحِه وَجَسَدِهِ ، وَمَالِهِ وَولْدِهِ ، وَرُوحُهُ لِرُوحِكَ فِدَاءٌ ، وَأهْلُهُ لأهلِكَ وِقَاءٌ .

 

ثورة الحسين النبراس الخالد

 إن ثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن ثورة وقتية لتموت بعد زمان، وإنما كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم، وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، ولذا كان من الضروري، امتداد هذه الثورة مادامت الدنيا باقية، ومادام يتقابل جيشا الحق والباطل والهداية والضلالة، وهذا هو سرّ تحريض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الكرام المسلمين على الاحتفال بذكرى عاشوراء طول الدهر، ومنه اتخذ المسلمون مجالس العزاء والحفلات التأبينية بمختلف أشكالها، طول الزمان، وإلى هذا يشير ما ينقل من أنه : (كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء).

لم تكن المشكلة التي ثار لأجلها الإمام الحسين (ع) مشكلة تسلّط الحاكم الجائر فحسب بل كانت مشكلة ضياع الأحكام الشرعية والمفاهيم الإسلامية. فكان المخطط الأموي يقضي بوضع الأحاديث المدسوسة وتأسيس الفرق الدينية التي تقدّم تفسيرات خاطئة ومضلّلة تخدم سلطة الأمويين وتبرِّر أعمالهم الإجرامية، ومن هذه المفاهيم الخاطئة التي روّج لها المشروع الأموي: الاعتقاد بأن الإيمان حالة قلبية خالصة لا ترتبط بالأفعال وإن كانت هذه الأفعال إجرامية.. لأنه لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. الاعتقاد بالجبر: لذا قال معاوية عن بيعة يزيد مبرّراً: "إن أمر يزيد قضاءٌ من قضاء الله وليس للناس الخيرة من أمرهم". الاعتقاد بأن التمسك بالدين في طاعة الخليفة مهما كانت صفاته وأفعاله. وأنّ الخروج عليه فيه شقّ لعصا المسلمين ومروق عن الدين.. لذلك أدرك الإمام الحسين خطورة المشروع الأموي على الاسلام. فكان لا بد له من القيام بدوره الالهي المرسوم له لينقذ الأمة من هذا المخطط المدمّر. فوقف في وجه يزيد فاضحاً أكاذيب الدولة الأموية حتى قضى شهيداً في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى. وقد تركت شهادته بما تحمله من طابع الفاجعة صدمة قوية في نفوس المسلمين أيقظتهم من غفلتهم وأعادت الأمور الى نصابها ولم يعد يزيد ومن جاء بعده سوى مجرمين مغتصبين للخلافة لا يمثلون الاسلام في شيء. فثورة الأمام الحسين (ع) ثورة نادرة، امتازت بها الأمة الاسلامية دون سائر الأمم. ولو كانت لبقية الأمم لاستدرّت منها طاقات تؤهّلها للسيطرة على الأرض. ولكن الأمة الاسلامية تبخسها لهبوط مستوى الوعي في قيادتها، فلا تستفيد منها بالمقدار الممكن ورغم أنها تهدر هذه الطاقات المعنوية الهائلة يجب عليها إبقاء هذه الثورة حيّة طريّة في واقعها، عسى أن تؤوب إلى رشدها في يوم من الايام، فتستنتج مواهبها لبناء كيانها من جديد.

 

زيارة الحسين عليه السلام والشعائر الحسينية

 عن الثّقة الجليل معاوية بن وهب البجليّ الكوفي قال : دخلت على الصادق صلوات الله وسلامه عليه وهو في مُصلاّه فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته وهو يُناجي ربّه ويقول : يا من خصّنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرّسالة وجعلنا ورثة الانبياء وختم بنا الامم السّالفة وخصّنا بالوصيّة وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقى وجعل افئدة الناس تهوي الينا اغْفِرْ لي وَلاِِخْواني وَزُوّارِ قَبْرِ اَبي الْحُسَيْنِ بْنِ عَليّ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِما الذين انفقوا اموالهم واشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا ورجاء لما عندك في وصلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله واجابة منهم لامرنا وغيظاً أدخلوه على عدوّنا وأرادُوا بذلك رضوانك فكافهم عنّا بالرّضوان واكلاهم بالليل والنّهار واخلف على اهاليهم واولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخلف وأصحبهم واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد واعطهم افضل ما املوا منك في غربتهم عن أوطانهم وما آثرونا على ابنائهم وأهاليهم وقراباتهم اللّهُمَّ انّ اعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النّهوض والشّخوص الينا خلافاً عليهم فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ وَارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتي تُقَلَّبُ عَلى قَبْرِ أبي عَبْدِاللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصّرخة التي كانت لنا اللهم انّي استودعك تلك الانفس وتلك الابدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش، فما زال صلوات الله عليه يدعو بهذا الدّعاء وهو ساجد فلمّا انصرف قلت له : جعلت فداك لو انّ هذا الَّذي سمعته منك كان لمن لا يعرف الله لظننت انّ النّار لا تطعم منه شيئاً ابداً والله لقد تمنّيت انّي كنت زرته ولم أحج، فقال لي : ما أقربك منه فما الَّذي يمنعك من زيارته يا معاوية لا تدع ذلك ، قلت : جعلت فداك فلم أدر انّ الامر يبلغ هذا كلّه ، فقال : يا معاوية ومن يدعو لزوّاره في السّماء اكثر ممّن يدعو لهم في الارض، لا تدعه لخوف من أحد فمن تركه لخوف رأى من الحسرة ما يتمنّى انّ قبره كان بيده (أي تمنّى أن يكون قد ظلّ عنده حتّى دفن هُناك) أما تُحبّ أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله وعليّ وفاطمة والائمة المعصومون (عليهم السلام) امّا تحبّ أن تكون غداً ممّن تصافحه الملائكة ، امّا تحبّ أن تكون غداً فيمن يأتي وليس عليه ذنب فيتبع به ، أما تحب أن تكون ممّن يصافح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وروى الكليني في الكافي بسنده عن الحسين بن ثُوير قال : كنتُ أنا ويُونس بن ظبيان والمفضّل بن عمر وأبو سلمة السّراج جلوساً عند أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) وكانَ المتكلّم يُونس وكان اكبرنا سنّاً، فقال له : جعلت فداك انّي أحضر مجالِس هؤلاء القوم يعني ولد عبّاس فما أقول ؟ قال : اذا حضرتهم وذكرتنا فقُل : اَللّـهُمَّ اَرِنَا الرَّخاءَ وَالسُّرُورَ، لتبلغ ما تريد من الثّواب أو الرّجوع عند الرّجعة ، فقلت : جعلت فداك انّي كثيراً ما أذكر الحسين (عليه السلام) فأيّ شيء أقول ؟ قال : تقول وتعيدُ ذلك ثلاثاً : صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ، فانّ السّلام يصل اليه من قريب وبعيد. ثمّ قال : انّ أبا عبد الله (عليه السلام) لمّا مضى بكت عليه السّماوات السّبع والارضُون السّبع وما فيهنّ وما بينهنّ ومن يتقلّب في الجنّة والنّار من خلق ربّنا وما يُرى وما لا يُرى بكاءً على أبيعبد الله (عليه السلام) الاّ ثلاثة أشياء لم تبك عليه ، قلت : جُعلت فداك ما هذه الثلاثة الاشياء ؟ قال : لم تبك عليه البصرة ولا الدّمشق ولا آل عثمان.

وقد دعا النبي الأعظم (ص) على من يستهزئ بالشيعة على إقامة شعائرهم في حديثه لأمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: (ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم كما تُعَيَّر الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا أنالهم الله شفاعي ولا يردّون حوضي).

ولكن، ما ضرّ الذين يقيمون شعائر دينهم أن يسخر منهم الجاهلون ما داموا يعلمون أنهم على حقّ وأن أعداءهم على باطل ولقد شكوا عند الأمام الصادق (عليه السلام) استهزاء الأعداء هم فقال مهدئاً روعهم: (والله لحظّهم أخطأوا، وعن ثواب الله زاغوا، وعن جوار محمد (ص) تباعدوا).

 

سلام على الحسين

 السَّلامُ عَلى ابْنِ خَاتَمِ الأنبِيَاءِ ، السَّلامُ عَلَى ابْنِ سَيِّدِ الأوصِيَاءِ ، السَّلامُ عَلَى ابْنِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ ، السَّلامُ عَلَى ابنِ خَدِيجَة الكُبْرَى ، السَّلامُ عَلَى ابْنِ سِدْرَة المُنتَهَى ، السَّلامُ عَلى ابْنِ جَنَّة المَأوَى ، السَّلامُ عَلى ابْنِ زَمْزَمَ وَالصَّفَا .السَّلامُ عَلى المُرَمَّلِ بالدِّمَاءِ ، السَّلامُ عَلى المَهْتُوكِ الخِبَاءِ ، السَّلامُ عَلَى خَامِسِ أصْحَابِ أهْلِ الكِسَاءِ ، السَّلامُ عَلى غَريبِ الغُرَبَاءِ ، السَّلامُ عَلى شَهِيدِ الشُّهَدَاءِ ، السَّلامُ عَلى قَتيلِ الأدْعِيَاءِ ، السَّلامُ عَلى سَاكِنِ كَرْبَلاءِ ، السَّلامُ عَلى مَنْ بَكَتْهُ مَلائِكَةُ السَّمَاءِ ، السَّلامُ عَلَى مَنْ ذُرِّيتُهُ الأزكِيَاءُ .السَّلامُ عَلى يَعْسُوبِ الدِّيْنِ ، السَّلامُ عَلى مَنَازِلِ البَرَاهِينِ .

 اَعْظَمَ اللهُ اُجُورَنا بِمُصابِنا بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهَ السَّلامُ وَجَعَلْنا وَاِيّاكُمْ مِنَ الطّالِبينَ بِثارِهِ مَعَ وَلِيِّهِ الاِمامِ الْمَهْدىِّ مِنْ آلِ مُحَمَّد عَلَيْهِمُ السَّلامُ.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com