بحوث

العمارة الإسلامية في الكوفة (1)

كوثر الكفيشي

تظهر وسائل الإعلام، العمارة المعاصرة على أنها مظهر التقدم الحضاري في العصر الحاضر وهذه العمارة بطرازها الدولي ما هي إلا تعبير عن فكرة عولمة العالم. ويغيب عن هذه العمارة المضمون الذي يصيغها وفق رؤية حضارية ذات جذور، حيث أن في الماضي كانت لكل مدينة من مدن العالم طرازها الخاص الذي يمكن تمييزها عن باقي المدن أما اليوم فلا فرق بين القاهرة وباريس ولندن وبغداد، فالكل واحد.

لقد تميزت المدن الإسلامية منذ العصر الإسلامي الأول بطابعها الخاص، غير أنه مع بدايات الفتوحات الإسلامية وفتحهم لبلاد فارس والروم انتشرت الرفاهية وأخذوا بنقل تلك الزخارف العمارية مع إظهار الروح والذوق العربي والإسلامي عليها.

فها هي مدينة الكوفة إحدى أكبر الحواضر الإسلامية سابقاً، كانت في بداية عهدها من القصب و الخوص ثم تطورت نحو الآجر والجص ومن ثم دخلت النقوش والزخارف ولكن عهدها اللماع لم يدم طويلاً إذ سرعان ما أفلت، لقد سطعت وأفلت بسرعة كبيرة. ولهذا السبب أولاً ولأن أصولي منها ثانياً أحببت أن أجري هذا البحث المتواضع حول هذه المدينة التاريخية ذات الجذور العميقة في الأصالة والتراث.

 

معالم العمارة المدنية في الكوفة:

إذا ما وافقنا على أن الكوفة كانت منذ البداية حاضرة، اختطت تخطيطاً كاملاً، ووافقنا على وجود الثنائية بين المساحة العمومية المتركبة من القصر والمسجد والأسواق من جهة والحزام السكنية المخصص لخطط القبائل من جهة ثانية، فإنه يمكن التساؤل تساؤلاً مشروعاً عن النموذج الذي جسمته الكوفة بالنسبة لكل مدينة إسلامية مقبلة. ويزداد المشكل دقة بقدر ما ندخل في العصر الأموي حيث امتلكت أسلوباً معمارياً يبدوا واسط قلدته، وبغداد، ويكون النموذج إذاً نموذجاً للتخطيط وأيضاً للتمصير في المرحلة الأولية ونموذجاً معمارياً جاء بعده لما تبلور الفن الأموي في وادي الرافدين. جاء في أحد المصادر بخصوص البصرة مفاده (( واختطت ـ البصرة ـ على نحو من خطط الكوفة)). كذلك فقد أقر ماسينيون مركزية الأسواق كأساس في بنية الحاضرة الإسلامية ففرض افتراضاً يقول أن أسواق بغداد قلدت أسواق الكوفة من حيث الهندسة المعمارية والوظائف. ومن معالم العمارة المدنية في الكوفة نذكر:

 

أولاً: قصر الإمارة:

(( لقد شيد قصر الإمارة بمحاذاة الضلع الجنوبي لمسجد الكوفة، ومن حيث الثابت تاريخياً أن سعد بن أبي وقاص أول من شرع في بناء هذا القصر، وقد ظهر من التنقيبات الأثرية التي أجرتها مديرية الآثار العراقية، أن المسجد كان يتصل بالقصر من باب مفتوح في الجدار الجنوبي للمسجد)).

تخطيط دار الإمارة: (( كانت دار الإمارة عند بنائها مربعة الشكل طول كل جدار من جدرانها الأربعة110م تقريباً ومعدل سمك الجدران1،80م وفي بعض أجزائه متران، مبنية بالآجر والجص. والآجر الذي استخدم في بنائها لم يكن منزوعاً أو مخلوعاً من القصور التي شيدت في الحيرة سابقاً والراجح أن الآجر المستخدم فيها كان قد صنع محلياً والدليل على ذلك أنه لم يكن مكسوراً أو مهشماً إذ أن المعروف أن الآجر الذي ينزع من عمائر سابقة وينقل إلى عمائر أخرى يتعرض للهشم والكسر. وكان في كل ركن من أركان دار الإمارة برج مستدير وفي كل ضلع من أضلاعه الأربعة أبراج نصف دائرية، وهكذا يصبح مجموع الأبراج المدعمة لجدرانها عشرين برجاً وقواعد هذه الأبراج مستطيلة.

وقد أظهرت التنقيبات أن زياد بن أبيه قد أعاد بناء الجدران الداخلية والسور الداخلي من الخارج كما قام بتدعيمه بعدد الأبراج التي كانت تدعم الجدران السابقة وقد أظهرت التنقيبات أن لهذه الدار خمسة مداخل ثلاثة في الضلع الجنوبي وواحدة في الضلع الشمالي وآخر في الضلع الغربي.

وكان لدار الإمارة سوران داخلي وخارجي، والخارجي مربع الشكل، وقد مرت عليه مرحلة من التجديد والتعمير في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان. أما السور الداخلي فيضم عدد من الوحدات السكنية تزيد على العشرة لكل واحدة منها فناء واسع مبلط بالآجر والجص وقد اتخذت هذه الوحدات وضعاً متناظراً حول ساحة الدار المركزية)).

 

ثانياً: خندق كري سعده:

((ويقع بالقرب من الكوفة خندق يعرف بخندق ـ كري سعده ـ ويعرف أيضاً بخندق سابور ويعتقد أن الفرس الساسانيين هم الذين أنشؤوا هذا المشروع الكبير، ويبدأ من جنوب مدينة هيت على الفرات بمسافة 17كم ويخترق البادية على طول الحدود العراقية لأراضي العراق السهلة وينتهي قرب مصب بوبيان على بعد 20 ميلاً من شط العرب غرباً ويعرج هذا الخندق بعد أن يمر من غرب الحبانية ماراً بجبل سعده ثم وادي أو فروج ثم إلى الجنوب الشرقي باتجاه غدير المالح ويسلك وادي الفضاوي ثم هور أبي دبس إلى بحر النجف ملازماً الضفة الغربية قرب الكوفة ثم يقطع المسافة إلى هور الحمار حيث ينتهي بالقرب من جبل سنام)). ولم يبق من هذا السور سوى الأثر البسيط حيث قد اندرست آثاره جميعها فلا علم لنا عن زخرفته والهندسة سوى أنه من الآجر.

 

ثالثاً: الأسواق:

((أما الأسواق فكانت تمتد من القصر والجامع إلى دار الوليد بن عقبة من جهة، وإلى منازل ثقيف وأشجع من الجانب الآخر، وكانت سقوفها في بادئ الأمر من الحصر وظلت كذلك حتى زمن الوالي خالد القسري. حيث عقدت بالأحجار، ومن المهم أن نصف وضع هذه الأسواق وأهميتها وترتيبها بالنظر إلى أنها صارت أنموذجاً وقدوة لسوق بغداد. وكذلك كان ديوان المحتسب في السوق بين حوانيت الصيارفة والسماسرة)).

 

رابعاً: الجبانات (المقابر):

من خلال الدراسة المتواضعة التي أجريتها في تاريخ الكوفة وآثارها الخالدة، من خلال البحث في الجبانات الكثيرة العدد فيها توصلت بأن أهل الكوفة في ما مضى لم يهتموا بالجبانات ولم يولوها الرعاية الفنية حيث أن هذه الجبانات كانت مقراً للتجمع العسكري حيث كل قبيلة من القبائل التي قطنت هذه المدينة كانت لها جباناتها الخاصة بها تمارس فيها دورها ونشاطها الاجتماعي والعسكري والسياسي الكبير.

وها هو أحد المؤلفين يذكر في كتابه رأيه فيقول: (( وبدون الدخول في البحث في أنتروبولوجيات الموت، ففي الإمكان أن نفترض أن الجبانات بقيت مدة طويلة بدون أنصاب وأحجار على القبور. وقد أوصى بعضهم مثل شريح ببناء لحد داخلي، لكن عدم ذكر إسم المدفون في الخارج هي القاعدة المعمول بها في أكثر الأحوال)).

 

خامساً: قصر أم عريف:

ٍٍٍٍ ((السور أبراج نصف دائرية قياسها 3م وتنتهي أطراف السور حيث يتصل بعضه ببعض بأبراج نصف دائرية أيضاً.

ولم يكن السور مربع في جميع أجزائه فالضلع الشرقي منه ينتهي من الشمال الشرقي بحنية تؤلف زاوية قائمة وكذلك ضلعه الشمالي الغربي إذ يبرز إلى الخارج على شكل مستطيل غير تام الأضلاع ويخلو من الأبراج التي تتفرق على أغلب أضلاع السور.

أما تاريخ بناء القصر: فإن ما اكتشف فيه من لقى أثرية يدل على أنه يرجع إلى أواخر العصر الأموي حيث قد عثر فيه على قطعة نقدية مؤرخة سنة 128هـ ضربت في مدينة الكوفة وهذا التاريخ يقرب من عهد يزيد بن عمر بن هبيرة كما أن بعض الزخارف المحلاة بنقوش نباتية يعود زمنها إلى نهاية العصر الأموي كما أن قطع الفخار التي عثر عليها في أثناء الحفائر تتفق و قطع الفخار التي كشف عنها في دار الإمارة و التي ترجع إلى العصر العباسي)).

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com