بحوث

العولمة المضادة .... عولمة العدالة

 الشيخ عبدالكريم صالح عبدالله الربيعي / باحث ومفكر سياسي

alalibr@yahoo.com

لنبدأ من حيث أرادوا للعولمة (Globalization ) أن تكون هيمنة وتسلط على الثروات والأموال والشعوب لأقول لكل مفكري الغرب وساستهم انتم تريدون عولمة الماديات أي عولمة كل شيء فيزيائي ونحن نبحث لكم عن عولمة تخرجكم مما انتم فيه من ظلام تعتقدون زيفاَ انه منيراَ مثلما شبه لكم نبحث هنا في عولمة أثيرية مختلفة عن كل ماجئتم به هي عولمة العدالة التي لابد منها مادامت القوانين الفيزيائية تقول أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه فليس هناك من سبيل لوقف الأفكار الاستحواذية والتسلطية الجامحة ألا بما أطلقت عليه العولمة المضادة –عولمة العدالة- فلنبحث في موضوع العدالة بداية من ثم في عولمتها وكيفية الأداء نحن نريد عولمة العدالة في عالم الأخوة والإخاء وليس في عالم تبطش فيه المتناقضات وتنحره الخلافات.

 أن كلمة العدالة ذائعة وشائعة الصيت عند الفلاسفة والمفكرين وعند القانونيين والكتاب والسياسيين والاقتصاديين والأدباء والاجتماعيين كل من هؤلاء يستعملها لمعنى من المعاني كي تدلي بمعاني تناسب طرحه وبهذا مثلاَ نلاحظ ان الرأسماليون يعتقدون أن العدالة هي في نهجهم وأسلوبهم بينما يرى الاشتراكيون أن الاشتراكية هي سبيل العدل ولايمكن أن تكون هنالك عدالة دون الاشتراكية والشيوعيون يرون أن الشيوعية صورة حقيقية للعدالة وكذلك نجد ان في داخل أي نظام سياسي هناك أنظمة قضائية تعتقد وترى إنها الصورة الحقيقية للعدالة وبالتأكيد مع الاختلاف الأساسي في معنى العدالة لدى هؤلاء ومن هنا نجد أن مدلول العدالة هو مدلول هلامي غير محدد تتعدد أشكاله وصوره حسب تعدد النظم وتباين الأفراد وعلينا هنا أن نبحث في تأصيلها اللغوي والقانوني على مر العصور لكي نبرز المدلول ونحدد مراميها ولابد أن نتناول كيفية الوصول الى أعماق معانيها في مختلف النظم.

 عندما نبحث في تحديد مدلول لكلمة العدالة فلن نجد لنا سبيل غير القواميس التي ترسلنا الى أجواء ضاربة الغموض لانستطيع أن نصل الى غايتنا من خلالها فخذ مثلاَ لب القواميس وسيدها "لسان العرب" يقول "أن العدل ماقام في النفس انه مستقيم وهو ضد الجور يقال عدل الحاكم في الحكم يعدل فهو عادل ،وان العدل من الناس المرضي قوله وحكمه ،وفي موقع أخر يقول أن سعيد بن جبير سأل عن العدل فأجيب بأن العدل على أربعة أنحاء،العدل في الحكم قال الله تعالى في القرآن الكريم "وان حكمت فأحكم بينهم بالعدل" والعدل في القول  بقوله تعالى "وإذا قلتم فاعدلوا "والعدل الفدية قال عز من قائل "لايقبل منها عدل" والعدل في الإشراك قال سبحانه تعالى "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " أي يشركون ونجد العديد من المعاني التي يمكن الاستفادة منها لمادة الكلمة وجذرها وعندما نتعمق في أكثر من ذلك نجد أن كلمة العدل وبحسب الأصل اللغوي تعني قبل هذه الاستعمالات الحديثة والمستحدثة عليها "شطر الحمل على الدابة" ذلك أن الدابة وهي تحمل حملها لابد لاستقامته من عدل يقابله فلايمكن لهذا الحمل أن يستقر في جانب من الدابة إلا أن يكون له نصف الحمل على الدابة الذي يستقر به النصف الأخر من الحمل كما ذكر الأستاذ عبدالحق فاضل في مغامرات لغوية فهو الشطر الذي لا يعتدل الحمل إلا به  وقد المح لسان العرب الى ذلك في شرحه وتفصيلاته حول هذه الكلمة فقال أذا مال شيء قلت عدلته وأقمته فأعتدل وأستقام ،ومنها ان الله خلقك فسواك فعدلك يقول عدلك هنا بمعنى عدلك من الكفر الى الايمان ومن الظلمة الى النور والعديل او السليف الذي هو زوج لأخت زوجته ومن هنا نجد ان هذا المعنى الاصلي الذي دل على كل المدلولات للكلمة فاصبح العدل هو مايستقيم به الشيء والامر والحقيقة ان الأيحاء اللغوي قد دل على ضرورة امر او قاعدة معينة توصف بالأستقامة عندما تعتدل وتستقر ومنها جاءت كلمة العدالة كي تدل على عملية رد الخارج عن خط الأستقامة اليها ،وعندما نريد ان نتجه بهذا المفهوم الى المجتمع حيث الشرائع والقوانيين فأن العدالة تعني ان مايخرج عن الاستقامة يرد اليها ومايخرج عن القاعدة يعاد الى مسيرتها ومن يخرج عن القانون يقوم كي يصلح حاله فيتصالح معه وينسجم سلوكه معه ومن هنا نجد ان العدالة هي رد الأمر الى اصله ورد الظالم الى مدار العدل والاستقامة.

 ان هذه العدالة تفترض لها صورة في المجتمع متمثلة في القوانين والشرائع اذا احسنت وتجردت غاياتها وكان هدفها وسعيها الى الخير العام دون أي ظلم او جور او حيف ،ذلك ان القوانيين التي يطعها البشر يمكن الا تكون عادلة والسبب في هذا فساد من صمموها ووضعوها لمصالحهم دون الأخرين وان مثل هذه القوانيين عندما تطبق لاتحقق العدالة كون الاساس هو غير عادل.

 ان العداله الحقة تكون موجودة عندما توجد القواعد الكلية التي تستجيب لفطرة العقل الكلي او مايطلق عليه احياناَ" القانون الطبيعي " او المثل الاعلى الذي يحس كل البشر ويشعر الجميع بلزومه اليهم كمايقول الدكتور جميل صبحي في مقاله فكرة "القانون الطبيعي" ووجدت انها متوافقة تماماَ لمانحن فيه من بحث وتمحيص حول العدالة ،فاذا صدرت القوانيين الوضعية أي القوانيين التي يضعها البشر منصفة مجردة من الأيثار الى أي جهة مطابقة للقانون الطبيعي غير منقلبة ومتمردة على فطرة الانسان فيكون الخروج على هذه القوانيين جريمة وذنب كبير ومن العدالة ان يرد الخارج عنها الى حوزة القانون وحياضه وتكون العدالة هنا هي مواجهة المخالف للقانون ورده الى طاعته واعادة من يخرج عنه الى سلطانه وهي في الحقيقة كمايذكر الاستاذ محمد سعيد العشماوي في كتابه"روح العدالة" هي عملية ذات طابع جهادي للنفس والمجتمع والسلطة القائمة في المجتمع أي انها تعني بذل الجهد لأحترام قواعد الأستقامة في المجتمع حيث ان قواعد الأستقامة هي العدل ورد الناس اليها فهي العدالة والحقيقة اذا كان ماتوصلنا اليه هو جذر المعنى الذي تدل عليه كلمة العدالة فأن الزمن والتطور لم يتركها على حالها وانما ادخل فيها انواع اخرى قد اعتبرها من العدل ومسالك متنوعة اعتبرها من العدالة واصبحت العدالة مرادفة لهذه الانواع من السلوك التي قد اعتبرها المجتمع جزء لا يتجزأ من العدل وواجب ضروري من واجبات العدالة ،فعندما كان كل وطن او دولة او قطر متقوقعين داخل حدوده فأن السكان كانوا يعتقدون انهم الوحيدون في العالم وهم البشر الممتازين في هذا العالم وعندما يوجد جنس بشري أخر فهم أقل منهم اهمية واقل فهماَ وذكاء وهنا فقد صارت العدالة محلية او اقليمية داخل حدود كل وطن ،ان قدماء المصريين يرون انهم الوحيدون ناس وماعداهم ليسوا بمقامهم ومستواهم وان الله قد خلقهم هكذا بشكل خاص وقد كانت الالهة هي التي تحكمهم في عصور عرفت بعصر "الملوك والألهة" ثم حكمهم "صنف الالهة" وهم من البشر الذين كانوا يعتقدون ان روح الالهة قد دبت فيهم ثم حكمهم الملوك من بعد بعيد عن سلطان السماء وان الاغريق كانوا يعتقدون ان غيرهم من البشر ماهم الا برابرة او همج ليسوا متحضرين وكان الرومان واليونانيون يعتقدون ان حق المواطنة هو حكر على احرار اليونان والرومان دون أي أحد سواهم ،لقد كان اليهود يعتقدون انهم "شعب الله المختار" وماعداهم ليسوا الا متاعاَ وغنائم لهم والمسيحيون كانوا يعتقدون ان من لم يكن مسيحياَ سوف لن يدركه خلاص الرب ورحمته الحقيقة الا المسلمين او الدين الاسلامي فقد اشترط في المسلمين حتى يكونوا خير الناس لابد ان يأمروا بالمعروف وينهون عن المنكر وان يأمنوا بالله وهو ماجاء في قوله تعالى"كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" ومن هنا نجد ان العدالة محددة بقوم او بأتباع دين كل جهة تصوغ العدل على السير الذي تراه مناسباَ لرغباتها وغاياتها من واقع محدود ومغلق لكن عندما تطورت وسائل الاتصال بين البشر وتقدمت وسائل المواصلات والتواصل الفكري وسبله كالأذاعة والتلفزيون والصحافة والاقمار الصناعية والانترنيت وصارت حدود الاتصال مفتوحة بحيث مايحدث من طرف العالم يؤثر في طرفه الأخر وقد ظهر مايسمى "العدالة الأنسانية" أي العدالة لكل البشر والإنصاف للجميع مهما اختلفت القوميات والأديان والأقاليم والمذاهب والغايات ولما صار للحكم دور كبير وأساسي في مصير البشر وتحقيق غاياتهم ومصالحهم فقد ظهر مايسمى ب" العدالة السياسية " وهي التي تستهدف دعم حق كل فرد في ان يشارك  في مسؤوليات ذلك الحكم والمشاركة فيه هذه المشاركة وظهرت الدساتير كي تحدد تلك الأدوار  لكل مواطن وسنت القوانين من اجل تحقيق ما يطلق عليه بـ ( العدالة السياسية ) كون الافراد في جانب من جوانب حياتهم يعتبرون مستهلكين راغبين بالتنعم بالحياة فكل واحد منهم يحرص على ان يحصل على قدر اكبر من هذا التنعم او المتاع ومن هنا فقد ظهرت الدعوة الى التكافؤ في الفرص ومنع تسلط الاحتكار والاستغلال تحت ما يسمى ( بالعدالة الاجتماعية ) ومن هنا فقد صار هذا المصطلح شائعا في جميع النظم المختلفة أيا كان اللون تضل بضلاله , وان حق الفرد في اقتضاء حقه حق لابد ان يكون مكفول ومستقر فقد نظمت وسنت شرائع في كيفية ان يلجا الفرد الى سلطات الدولة ويثبت حقه وما يدعيه من حقوق وحق خصومه في الرد على مايدعيه ومساواة الاخصام امام هذه الهيئات ازاء هذا فقد ظهرت ( العدالة القضائية ) وهي رد الامور الى نصابها ورد المعتدي عن عدوانه والشارد عن القانون الى مضمونه والحقيقة ان جميع هذه التسميات و التصنيفات للعدالة هي جميعها ترد الى جذر واحد واصل مشترك هو " اعادة الخارج الى الاستقامة والحق والعدل ورد المتمرد على النظم الصحيحة الى حوزة هذه النظم حتى تعتدل مسيرة المجتمع وتستقيم امكانيات العيش والعمران فيه " .

 ان العدالة بمقتضى هذا المعنى ليست في الاصل انما حسب النشاة من صنع الحكام او من صنع وعمل الدولة انما هي في الحقيقة جزء من فطرة الانسان التي فطر عليها وارتكزت فيه منذ الخلق،في البداية  كل إنسان لديه شعور وإحساس مبهم غائم يقوده الى الشعور بالسعادة عندما يسود العدل وشعور وإحساس  بالرضا عندما  تحقق العدالة والحق  أقول ان هذا  الشعور ينمو عند الإنسان كلما  ارتقى  النمو الروحي وانتعشت إمكانيات  السمو العقلي ذلك ان الانسان هو جزء من الكون يرى ان التوافق تاما في الكون وهو يرى ويشهد الكون يسير في كل مكوناته يسير العدل منصف منتظم فما دوره  الافلاك في الكون الامثل حي حول السير في غاية النظام والابداع  والاعتدال لايمكن لفك ان يطغي على أخر ولايصدم نجم كوكبا غيره بل على العكس الكل سابح بالعدل والحق في كون هوفي غايه الدقه والانتظام ,ينظر هذا الانسان  فيرى نفسه فأن أجهزه جسمه تسير في توافق وتعاون نحو هدف وغايه واحده هي تزويد الانسان بالراحه والحياة المريحه كل هذا وذاك يغرس في الانسان حب النظام وحب العدل والمتعه بالعداله في كل ما يتصل به من جانب حياته اليوميه  أو حياة المجتمع الذي يعيش فيه فيشعر الانسان بالسعاده  الغامره عندما يرى ان الخارج عن القاعده يعاد اليها  وأن خارق القانون يقوم حتى يستقيم وان هذه العداله لاتحقق خير المجتمع والفرد الا ان تكون سائده وشائعه فيه وهو ما اطلقت عليه (عولمه العداله ) فكلما كانت العداله عقيده لدى الجميع وقاعده عامه لدى الاغلبيه من البشر كلما كان الناس منتعشون وتجود الانفس بالافضل والقرائح  والعقول بالأفكاروالاراء كي تؤتي افضل الثمار للمجتمع وسعادة الانسان ويكون ذلك برغبة وأراده دون أي خوف من سلطه او حكومه أو ابعاد لبطش القوه فعندما تسري روحي العداله في الانسان ويستولي على الجميع الايمان بها ستكون ساعتها حكومته في صدره متصله بذاته تدفعه بقوتها الكامنه فيه الى فعل الخير والصحيح وتنهيه عن كل شي شرير وضار با لمجتمع هذه هي حقيقه العداله في ارفع معانيها ففي ظلها تزدهر الانسانيه وتنمو وتتحضر على جميع الاصعده وعندما تسيطر روح الخوف و التسلط على الأنسان و المجتمع يعود الإنسان الى التقوقع على الذات و تستولي علية الأنانية و يشك في كل الناس و في  المجتمع ولايرى الخير الافيما يخصه وتعتل العدالة و يحاول القانون ان يكون بديلاَ عنها أو رسم الطريق أليها بعد ان أبتعد تيارها عن النفوس و حلت  محلها الشهوات فالقانون يحاول ان يرسم الدائرة الظاهرية للعدالة لأن القانون  ليس بأستطاعتة أن يغوص في اعماق النفس البشرية أنما يكتفي بتنظيم ماهو ظاهر من سلوك الأنسان و هنا نلاحظ الفرق الكبير بين العدالة و القانون حيث ان العدالة تحقق التطابق بين ظاهر الأنسان وباطنة وتجعلة متسقا مع ذاتة في الداخل و الخارج في الباطن و العلن ولا يمكن للأنسان و المجتمع ان يستريح الا بهذة التطابق و التوازن على عكس القانون الذي يحقق عدالة  جزئية محدودة تتصل بالحقوق القانونية الظاهرة فهي لاتخص ما وراء الظاهر وما خلف النصوص فليس هناك من صلة للقانون بالدوافع والنوايا ومن هنا فالقانون لاينمي الذات من الداخل وانما ينحصر دوره في اكراه الشخص بالترهيب والقوة على سلوك معين يتطابق معه أي مع القانون فلا شأن للقانون بالجانب الروحي للانسان وبذلك فالقانون يحقق عداله سلبية يكون حدها المنع بالقوة من الوقوع في الخطا على عكس العدالة الحقيقية فهي  ايجابية تدفع الى الصواب وهي تسعى الى الدفع الى الخير وعمل الصواب بخلاف القانون الذي  يعاقب على الخطأ فقط و الحقيقة  ان الخطر في القانون مرتبط ارتباطا وثيقا بالسلطة التي تحميه فان غفلت أو تهاونت هذه السلطة وكثيرا ما يحدث هذا بقصد او بدون قصد اصبح القانون حبرا على ورق وكلمات جامدة ليس لها أي دور في نفس الانسان ولا وجود له في المجتمع وتصير الهوة كبيرة بين ماينظمه القانون وما يسير عليه الناس في الواقع , من هنا فقد ظلت العدالة غاية سامية ينشدها المفكرون والفلاسفة قيمة اخلاقية ضرورية لحماية القانون وكفالة تطبيقه على نحو الذي ينشده الجميع .

 لقد ترامينا في الحديث عن العدالة وما لها وما عليها الان نطرق فكرا جديدا من حيث التنظيم والشكل العصري الذي نعمق الغوص فيه لنقول لابد من احياء الضمائر داخل النفوس ولابد من ان يحيى الضمير  العالمي ويعتاد الحراك الطبيعي لكي تسلم البشرية لا بد ان تحيا ضمائر الدول والحكومات والاشخاص والمجتمعات وعولمة العدالة هي المنقذ وبصيص الامل لنافذة النور الذي ستفتح في نفق البشرية المظلم الذي دخلت فيه فليس هناك امر أقسى من ان تسلب الشعوب والامم ارادتها بذرائع شتى ومسوغات عديدة .

 العالم قرية نعم العالم قرية على اساس التقدم التكنولوجي والمعلومات والفضائي الهائل لكن هذه القرية الا تحتاج الى عدل موحد عدل يسود وينقذ . ان فكرة عولمة العدالة او العولمة المضادة التي انادي بها هي عدالة باطنه عدالة القلب والضمير عدالة الفطرة التي فطرنا الله عليها والحقيقة ان العدل ياتي مقرونا بالاحسان والمقصود بالاحسان هو ان يقبل الانسان طواعيه واختيار بمحض ارادته دون تسلط او جبروت من احد اختيار النزول عما له من حق وان يقبل ايضا طواعيه واختيار الوفاء والسماحة في " اقتضاء الحق وقضائه" واثارة التراحم والمودة بين البشر والابتعاد عن الاحقاد والضغائن ولا بد من عدالة القلب والضمير الى جانب عدالة القانون والتشريع وينتهي الى الابد قانون الغاب الذي نخر هيكل البشرية جمعاء القوي ياكل الضعيف لنقل ان العولمة المضادة او عولمة العدالة هي ان يقف القوي خلف وبجانب الضعيف يسنده ويعطيه مما وهب من قوة في العلم او في المال او في العدد لكي يكون القوي مصدر لقوة الضعيف لا ان يكون مصدر هلاكه ولا بد من عدالة في العلم والتقدم والعدالة في النفوس والعدالة بين الشعوب ولنتخلص من وهم التسلح الجارف الخارج عن المعقول والافراط فيه فلا حاجة لنا في اسلحة تدمر البشرية نحتاج اسلحة داخل نفوسنا هي من اقوى الاسلحة على وجه الارض الايمان والعدل والاحسان فالعدل والايمان والاحسان هما المرتكزات الاساسية لعولمة العدالة ( العدالة الظاهرة والعدالة الباطنه ) .

لقد بحثنا في موضوع العدالة من جوانب متعددة والان لابد من ان نبحث في موضوع العولمة نأذا حاولنا تتبع النشأة التاريخية للعولمة فلابد من ان نمر على النموذج الذي صاغه "رولاند روبرتسون" في دراسة له تحت عنوان "تخطيط الوضع الكوني: العولمة باعتبارها المفهوم الرئيسي والذي حاول فيها رصد مراحل تطور العولمة وامتدادها عبر الزمان والمكان وان نقطة البداية عند "روبرتسون" هي ظهور الدولة القومية الموحدة في منتصف القرن الثامن عشر والدولة القومية المتجانسة تمثل تشكيلاَ لنمط محدد من الحياة وعلى هذا الاساس صاغ "روبرتسون" نموذجه والذي قسم مراحل فكرة العولمة فيه الى خمس مراحل هي المرحلة الجنينية (من بداية القرن الخامس عشر الى منتصف القرن الثامن عشر )ومرخلة النشوء(منذ اواسط القرن الثامن عشر  حتى عام 1870 تحديداَ)ومرحبة الانطلاق (منذ 1870 حتى العشرينات من القرن العشرين )ومرحلة الصراع من اجل الهيمنه(منذ مابعد الحرب العالمية الاولى وحتى منتصف الستينات من القرن الماضي) ومرحلة عدم اليقين (منذ بداية الستينات وحتى هذا اليوم )وهناك حقيقة مسلم بها هي ان مقولة العولمة او الكونية تحولت على ساحة التطبيق في ارض الواقع الى هيمنة القطب الواحد وبشكل ليس له مثيل من الاستخفاف بالعالم حيث اضحى تهديد حتى لأصدقاء وحلفاء الامس سواء كانوا في الدول المتقدمة او الدول النامية مع فارق هو ان الدول المتقدمة لها بغض الصوت بيم الحين والاخر اما الدول النامية فهي مقهورة بقوة السلاح والمال ومن خلال اشهار سوط الديمقراطية وحقوق الانسان والذي تلوح به كل صباح ومساء ،انا لست ضد الديمقراطية على العكس فأنا من انصار الديمقراطية والعدالة الحقة ومؤمن بحكم الشعب لكن ماينادون به هو ليس الديمقراطية المنشودة واذا كانوا كذلك او ليست الحكومة الفلسطينية (حكومة حماس)قد وصلت الى الحكم من خلال اختيار الشعب الفلسطيني اي من خلال الديمقراطية فلما يعاقب الشعب الفلسطيني بسبب الخيار الديمقراطي انهم ينادون بديمقراطية تحمي مصالحهم وليس من اجل الشعوب والامم الاخرى والحقيقة لابد من القول ان الادارة التي تقود مشروع العولمة هي ادارة ذات ايديولوجية تدميرية متطرفة في التعامل مع الانسانية وهم بحهلون وللأسف بحقائق الواقع الذي يحيطهم في الوقت الذي يسعون فيه الى تسطيح المعرفة ونشر ماهو وضيع والهاء الناس عن طريق الاعلام المبتذل ولايدركون ان هذه الوسائل قد اصبحت منبوذه حتى من المجتمع الغربي نفسه فالأنسان الغربي يعيش الملل من كرار الصراعات ولابد من القول ان تلك الادارة قد بحثت كثيراَ عمن سيسد الفراغ الذي تركه انهيار المعسكر الاشتراكي ليكون عدواَ جديداَ فأتجهوا نحو الاسلام ومارسوا الهجوم العقلي لكي يحولوا الاسلام الى ذلك العدو في الذهنية الغربية ،وفشلهم الذريع في سياسة القمع الثقافي والفكري والاقتصادي فعادوا الى الطرق القديمة وهي قرض العولمة بالقوة العسكرية وهي الخطوة التي ستدخلهم بمتاهة نهايتهم الاكيدة حيث حلت القوة والقهر محل الشرع وما حرمان الامم من الاشتراك في تحديد مصيرها السياسي الا وهو القشة التي ستقصم ظهر البعير كما يقال وهجومهم ضد الاسلام واستخدام الاساليب التكنلوجية الاستعمارية والصاق التهم الكثيرة التي تطلق على الاسلام وبالذات في الفترة التي تلت احداث الحادي عشر من سبتمبر وكذلك خلق وتمويل وتنمية تيارات منحرفة خطيرة تلصق نفسها بالأسلام من اجل الاساءة اليه وخلق الاختلافات والتفرقة واظهار الاسلام بعيداَ عن العقلانية وفي هذا ظلم كبير للأسلام والمسلمين هنا لابد لي من ان اتطرق الى سؤال يطرحه الدكتور "جاي ماندل" استاذ الاقتصاد في جامعة كولغيت والذي درس سابقاَ في جامعات الصين وترينيدا وغويانا في كتابه"العولمة والفقر" يطرح سؤال في غاية الاهمية "وهو هل تخفي العولمة اجندة خاصة مدمرة خلف خطابها الدعائي المعسول ؟وهل ان الغرض من الترويج الذي يقوم به انصارها يخفي حقيقة اغنائها الاغنياء وافقارها الفقراء؟ ويضيف ماندل أن النمو وحده لايؤمن العدالة الاجتماعية اذ ان من الواضح اننا بحاجة مطردة للعودة الى الثقافة والقيم والكثير من مباديء العدالة والمساواة ذات العلاقة بالرفاهية الاجتماعية من اجل الحصول على افضل الفوائد ،فالعولمة تسبب ايضاَ نزوح العمال وحرمانهم من العمل الذي لايعدوا مرغوباَ فيه عندما تتغير الاستراتيجيات الانتاجية".

 ان العولمة بمفهومها الاحادي القطب اي الامركة هي ليست مجرد الهيمنه والسيطرة والتحكم بالسياسة والاقتصاد انما تطال ثقافة الشعوب والامم وهويتها الوطنية او القومية فهي بلاشك غزو ثقافي امريكي لكل ثقافات وحضارات العالم وهو استعمار جديد يركز فيمايركز على اختلال العقول والافكار وجعلها تعمل وفق مايناسب المصالح الخاصة التي يسعون اليها والتي تهدف الى السيطرة الامريكية على العالم لتكون حضارة واحدة وهذا هو الخطر الكبير للعولمة حيث يعتقد الساسة الامريكيون ومفكريهم ان العالم كله هنود حمر وانهم قادرين على الاحلال مكانهم واضمحلال حضارتهم وهو بالتأكيد السر الاكيد والدواء الناجع لهلاك هذه الافكار حيث بكمن سر تهاوي هذه لرفكار في ذات الافكار نفسها حيث لايمكن ان تكون العولمة هي البديل عن الانتماء الوطني والقومي هنا لابد من الاشارة الى ان فكرة العولمة والتي هي صياغة متكاملة لمشروع هيمنه شاملة من قبل الغرب على المجتمعات والافراد والدول الغير غربية بما يضمن استمرار مصالحها وتدفق ارباحها من خلال استعباد الاخرين وتسييرهم لصالح المركز على حساب التخوم والدول غير العربية ،لذلك تناول مضمون خطاب العولمة العديد من الاوجه واكد على مجالات توفر لصاحب المشروع الاهداف التي يطمح اليها ضمن منظومة شاملة من الافكار والمفاهيم البراقة في ظاهرها ،فقد طرحت العولمة جملة مفاهيم في مضمونها مترابطة تسعى من خلالها الى تحييد العالم بصالح قطب ومركز واحد يكون المستفيد الاول والمهيمن الاول على مقدرات العالم والشعوب الاخرى.  

 حقاَ لقد وجدت من المفيد ان اتطرق الى ماجاء في كتاب الكاتب الفرنسي"امانيول طودEmmanuel Todd " المعنون "مابعد الامبراطورية" حيث يذكر "ان الولايات المتحدة في طرحها \لن تصبح مشكلة بالنسبة للعالم فبيتنا اعتدنا ان نرى فيها حلاَ وضامنة للحرية السياسية والنظام الاقتصادي خلال نصف قرن ،فهي تظهر اليوم اكثر قأكثر عامل قوضى دولية حيث تبقى على –اللايقين والصراع-ان امريكا اليوم تجبر العالم ان يعترف ان دولاَ تشكل "محور الشر" ولابد من محاربتها وفي الوقت ذاته تستفز قوى اخرى (روسيا والصين)وتحرج حلفائها في جانب ثالث من خلال استهداف مناطق متاخمة لأولئك الحلفاء والحقيقة ان الصمت الياباني دليل على الانزعاج الكبير مما هو دليل على انخراط في سياسة امريكا "وهو يرى ام امريكا لاتعاني فرط القوة وانما انخفاض قي قوتها ويتوصل الى "ان قوة امريكا في تراجع وان مراكز القوة في العالم تتعدد وا التكتلات الاقليمية الكبرى ستفقد جدوى وجود مركز امريكي عالمي "من هنا فهو يتوصل الى انه لاحاجة للعالم في امريكا "ويقول"اذا قبلنا بفرضية "مايكل دويل" التي يتبناها "فوكوياما"والقائلة ان الديمقراطية لاتدخل في حروب فيما بينها فهذا يعني انه حين تعمم الديمقراطية في العالم فأن امريكا كقوة عسكرية تصبح عديمة الجدوى بالنسبة للعالم مما يحكم عليها ان تكون ديمقراطية بين ديمقراطيات اخرى بينما كانت في السابق تقدم نفسها على انها حامي للديمقراطية والحرية (ضد النازية والشيوعية ...)لن يكون بوسع امريكا الاستغناء عن القطبين الصناعيين والماليين اوربا واليابان "والحقيقة ان عدم جدوى امريكا {القطب الواحد الان}يعتبر من الهاجسين الامريكيين المهمين واحد مفاتيح السياسة الخارجية الامريكية وهذا الخوفلاقد اخذ منحى تأكيدات رسمية عكسية ونلاحظ انه في فبراير من عام 1998 قد وصفت "مادلين اولبرايت"-مبررة اطلاق صاروخ على العراق- امريكا بأنها "الامة الضرورية" ويستخلص الى انه يجب القبول بان الهيمنه الامريكية بين عام 1950-1990 كانت مفيدة وهذا سيساعدنا في فهم تحول امريكا من الجدوى الى عدم الجدوى بالنسبة للعالم. وهو ماأكدناه وتطرقنا اليه في بداية بحثنا حيث يكمن جوهر عدم الجدوى في احلال القوة والقهر في محل الشرع والعدل وحرمان الامم من الاشتراك في تحديد مصيرها السياسي ان التركيز الامريكي على العالم الاسلامي هو في الحقيقة يعبر عن تخوف من اقصاء اكثر منه عن قدرة في توسيع امبراطورية امريكا وهو يكشف قلقها بشكل واضح اكثر مما يعبر عن قوتها .

 ان نظرية العولمة او فكرة العولمة قد خالفت المنهج العلمي بتعميمها في لحظة معينة من تاريخ التطور السياسي على التاريخ الانساني كله ومن الحق القول ان رفض الأيمان بأن العولمة بالمعنى السياسي وهو الذي يتمثل في خلود وابدية النظام العالمي الجديد الذي هو قدر البشرية الذي لامناص منه ؟بوصفها حتمية تاريخية او "نهاية التاريخ" كمايبشر المفكر "فرامسيس فوكوياما"في نظريته هو عين الصح والصحيح.

 ان العولمة (الكوكبية)ماهي ا بداية الانقضاض تحت ذريعة بل ذرائع شتى وان لاعلاج الا في عولمة العدالة فهي خلاص للبشرية حيث يكون خير البشرية نصب اعين جميع البشر فماهي الا الحل الحقيقي ضد محاولات الابتلاع التي تتعرض لها الشعوب الغير غربية بحجة تفوق العقل الغربي وتخلف بقية العقول ونلاحظ ماذهبت اليه اخيرا منظمة " اليونسكو" في تقريرها الذي يتهم اللغة العربية بشكل صريح بالعجز عن التعامل مع منجزات عصر المعلوماتية اي عدل في هذا واللغة العربية هي من اقدم اللغات في العالم وهي لغة القرآن الكريم وهو كتاب سماوي نت بين ثلاث كتب سماوية في كل العالم اتها غير قادرة بل عاجزة عن الفصل بين غرس الاحساس بالدونية لدى الشعوب غير العربية وبين خلق حالة من الانبهار بانجازات الغرب العلمية نحن لانجادل في قوة ابهار العلم باعتباره نقيض الفكر الخرافي والتخطيط العشوائي وليس هناك من عاقل يرفض انجازات العلم وعالمية الاكتشافات العلمية وتطبيقاتها لكن ليس بالضرورة ان يكون كل فكر علمي هو عالمي فهم لايريدون التفريق بين علمية العلوم الطبيعية والتطبيقية وبين علمية العلوم الانسانية كما ان هناك امر ضروري وهو ان مايصلح للمجتمع الغربي ليس بالضرورة ان يصلح للمجتمع العربي او اي مجتمع اخر غير غربي لابد لنا من وقفة جادة وعادلة وحوار جاد وفعال من اجل تفعيل الرؤى والافكار العربية والاسلامية حيال ذلك ولابد لمفكري وسياسي الامة من تبني موضوع عولمة العدالة التي هي الحد الفاصل والحاسم في موضوع العولمة ككل والى الابد هذه دعوة مني الى كل مثقفي ومفكري ومنظمات ومؤسسات والدول العربية والاسلامية لتبني نظرية او فكرة عولمة العدالة من اجل عالم مزدهر ومستقر يسوده السلام "فالعدل اساس الملك" ولابد من عولمة العدالة ليكون العدل اساس ملك الارض ولنقف متحدين بوجه (من ليس معنا فهو مع الارهاب) لنقول كلمتنا الفصل من اجل البشرية جمعاء.  َ

 

 الرأي الآخر للدراسات – لندن

alrayalakhar@yahoo.co.uk

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com