بحوث

الحد الفاصل بين الصحوة الاسلامية والصحوة الارهابية... (الحلقة الاولى)

 

فاتح منصور السعيد

fmsaed@gmail.com

مما هو معلوم ومتفق عليه ان الله جل وعلا ارسل انبياءه وبعث سفراءه وحتى خاتم الرسل سيدنا ونبينا محمد (ص) رحمة للعالمين الى أن يرث الله الارض ومن عليها، قال سبحانه: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين )الانبياء /107 ثانيا :ان اسلوب الدعوة الى الله والتبليغ برسالة السماء في النظرية الاسلامية واضح وضوحاً لا لبس فيه في كون لغة خطابها ليناً وسهلاً ونافذا للعقول ولأطا بالقلوب ،ومن غير تعصب او تزمت كما جاء في الذكر الحكيم حيث يوصي الله سبحانه نبيه موسى (ع) عندما امره بان يذهب الى فرعون مصروهواحد طغات عصره ويتكلم معه حول بني اسرائيل ان يتكلم باللطف والادب ((اذهبا الى فرعون انه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى )طه 43-44 ثالثا: الالتزام والاخذ بلغة المنطق واسلوب الحوار وهي فرض ملزم باسلوبها ايضا ومنصوص بها للرسول (ص) في الاخذ بها والتعامل معها وهو قوله سبحانه : (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي احسن)النحل /125 رابعا:ان الدعوة الى الله وتبليغ رسالاته لاتكون بالجبر والاكراه بل بالتبشير والنذر .. كقوله سبحانه (يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل) يونس 108 وقوله عز وجل (وما على الرسول الا البلاغ المبين) النور 54 وقوله تعالى ( لست عليهم بمسيطر)الغاشية /22 حتى ان النبي (ص) كان يعز عليه كثيرا ويتألم ان لايكون الناس مؤمنين مهتدين للحق فقد خاطب الجليل سبحانه نبيه قائلا (طه * ماانزلنا عليك القران لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى) طه 1-3 كما وان حملة الرسالة من الائمة والصحابة و سار بهديه واستن بسنته وبشر بدعوته ومن تبعهم باحسان بشروا بقيم السماء في الهدى والعدالة والمعرفة والحق والسلام، قال تعالى ( والله يدعوا الى دار السلم ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم) يونس 25 وكانوا مقتفين لهذه الشريعة الالهية والسنة النبوية الشريفة، وبفضل هذا وجهود اؤلئك الأئمة الهداة والدعاة الابرار انتشر الاسلام، قال سبحانه ( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً ) الاحزاب 39 .. كما و يفترض الالتفات الى الامور التاليه:

ان التعرف على اسلوب الحوار القرآني في الدائرة العامة نجده يخرج من دائرة الذات الى افاق الفكرة وهذا يمثل القمة في الموضوعيه العقلانيه التي يحترم فيها المحاور القراني المحاور الاخر

ولابد من التعامل مع الاسلام كا سلام باعتباره اولوية الاولويات واعتبار الشهادتين حصن المسلم ودرعه لاي مذهب انتمى ويترتب على ذلك ما يترتب للمسلم من حرمه لماله وعرضه ودمه وما الى ذلك ..فان المذاهب الاسلامية ماهي الاتنوعا في دائرة الوحدة الاسلامية وكذلك الامم والشعوب ما هي الا صورا بشرية في اطار الانسانية ..

والامر الثاني : هوتركيز المنهج القراني العقلاني الحواري الذي يؤكد على احترام الاخر الذي قد لايلتقي معنا في فكر مشترك والدعوة الى مواقع اللقاء بيننا وبين الاخر ليس المسلم فحسب بل أي انسان يمكن ان يكون بيننا وبينه قواسم مشتركه في المباديء والقيم حيث تلتقي الاديان مع الانسانيه عامه..

ثالثا:هو إن معاجز الانبياء السابقين كموسى وعيسى (ع) كانت معاجزهم حسية ملموسة وانية ووقتية أي متزامنة مع وجود النبي في قومه كفلق البحر وانزال المن والسلوى والعصى لموسى واحياء الميت وشفاء المريض وغيرها لعيسى بعكس معجزة خاتم الانبياء والمرسلين محمد (ص) (القرآن)حيث كانت عقلية ومنطقية تخاطب العقل وتوقظ الضمير وتوخز الاحساس وتجادل بالتي هي احسن بما يخلب الب بلاغتا ويعجز بيانا وهي تتحدى الاممه كافة والناس اجمعين وعلى مر العصورمن مضارعتها ولو باية واحدة ولازال العي والقصور يلف الكل ...

رابعاا:يخبرنا القران ان الرسول الاكرم (ص) حاجج وفد نجران (النصارى) وحاورهم في مسأل وبكل رحابة صدر وفي المسجد النبوي واكرم وفادتهم فلما ابوى الا اللجاج والمماراة فما كان منه (ص) اخيرالا ان خيرهم بالابتهال الى الله ونزول اللعنة على المفترى وحدد موعدا معهم في الغد وقد جاءهو(ص) والامام علي وسيدة النساء فاطمة بنت محمد وسبطى النبي (ص)الامام الحسن والامام الحسين فلما راى العاقب والرهبان الذين معه أهل البيت هؤلاء ارتعد وطلب من قومه ان لايباهلوا النبي (ص)لان هذه الوجوه ان دعة على امة فنية ونزل في هذه الحادثة العظيمة قرانا قال سبحانه (قل تعالوا ندعو ابنائنا وابنائكم ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم ونبتهل الى الله ..)..فلم يتجهم في وجوههم (ص)او يطردهم او ينعتهم بالزيغ والمروق والكفر او الزندقة وغيرها .

خامسا :تبقى الاشكاليه الكبرى عندنا اننا لم نتعلم من تاريخنا العظيم في استلهام افكاره ولافي التعامل معالتراث بالموضوعية واشفافية والفهم الصحيح والانتقائية ..والكارثه اننا نتحدث دائما عن الحضاره الاسلاميه العظيمه وقيمها الرفيعه ولا نتوقف عندها لكي نسترشف منها العبر ونتعلم منها الدروس ونتعرف على المناخ الفكري الرحب الذي ساد فيها في تلك العصور.

 الذي يقراء ويدرس سوف يذهل كما انذهلت لحجم الحريه الفكريه الواسع في (المناظرات) الكلاميه و(المحاججات) المذهبيه وافاق الحوار والتعامل مع الاخر التي سادت ذلك العصر وسوف ينذهل اكثرا اذا قارناها بما يحدث اليوم ونحن على اعتاب القرن الواحد والعشرين عصر المعلومات وطفرات المعرفة والتطور التكنولوجي الكبير والتغيرات الوراثية والعولمة ونحن في كابوس فراغ مظلم وخواء جارف لايسود فيه الا منطق التبرير وتلفيق الاقوال وتنميق الشعارات الطنانة التي تنسف الفكر وتحطم العقل .. وان التمسك بالترهات والاخذ بمتحجر الاراء والاعتماد على التقوقع في دائرة الفراغ والخواء مؤدي الى الانتحارالعقلي والموات الفكري وعاقبته تحطيم الامة ...!!

 وسوف ينبهرالمتعجرفون الجامدون والمتشددون اذا اكتشفوا ان هذه الحريه هي صاحبة الفضل في نشأة مذهب المعتزله والاشاعره وفي ظهور ابي حنيفه والشافعي ومالك والحنبلي والظاهري والطبري وغيرهم وفي ظهور البخاري ومسلم والنسائي والدارمي وابن ماجه وابي داود والترمذي وو فقد أعلت الحريه شأن الدين وكانت اصاحب الفضل على الفكر الديني والفقهي والكلامي والاصولي والفلسفي وحتى على المدارس الادبيه والشعريه وو.. ونحن مدينون حتى الان للأنجاز الفقهي الرفيع والأصولي العميق في تلك الفتره الزاهرة وان الذين لم يتعرفوا على هذه الفترة اوالذين لم يستجيبوا لمعطياتها واجوائها انكشف لنا امرهم وضيق افقهم وما يجلبونه على الرسالة من طعون وتهم ينفذ منها اعدأنا في تسفيه ونقض عقائدنا والحط من شريعتنا بسبب نشرهؤلاء السلفيون المتحجرون للخرافات والهرطقات وتعصبهم لها ودفاعهم عنها دفاعا مستميتا وكانها نصوص مقدسة لاياتيها الباطل من بين يديها ومن خلفها ...

 وهؤلاء المغرر بهم من الغلاة من السلفين والتكفيرين المنغلقين على التحجر وللاسف الشديد لا ادري لماذا ينظروا بعين البصيرة لأنصع فترة في تاريخنا سواء من الانفتاح او العطاء الفكري والتلاقح الثقافي والتواصل العلمي الثري التي تستحق بجد القول عنها (العصر الذهبي للحضارة الاسلامية ) فقد شهدت تلك الحقبه عشرات الملاحده والمنحرفين والزائغين والذين خاضوا في اصول اعقائد وكتبوا ما لو كتبه اليوم واحد في المائه مما كتبوه لاصبح زنديقا مارقا ولقامة القيامه ولكنهم ماتوا على فراشهم بعد ان اشبعوا الحياة الفكريه والعقليه ومحاورات ومساجلات وكتب ورسائل واشهرهم (ابن ابي العوجاء)و(ابن المقفع) و(ابن عبد القدوس)و(ابن الراوندي) كتب عدة كتب اشهرها (التاج) و(الزمرده) و(فضيحة المعتزله) و(الدافع) ويكفي ان تعرف ان الكتاب الاخير كا موضوعه قضيه واحده هي (الطعن في القران) ..!

فكيف واجه علماء وفقهاء ذلك العصر ابن اراوندي وكتاباته التي كانت ذائعه في عصره ..؟

فانهم لم يحرقوا كتبه او يمنعونها من التداول اويحجروا عليه او يهدروا دمه كما تفعل بعض الشخصيات والمذاهب والانظمة الان ..لكن واجهوه بالفكر وبالكلام ومنطق العقل وحوار الرأي وقرع الحجة بالحجة والبرهان وتصدوا له باصدار الكتب التي تفند اراءه وتبطل احدوثته .. وليس بشعارات التكفير والزندقة وسلاح البدعة والارهاب ..

كان فيمن تصدى لتلك الموجة الالحادية والتشكيكية الكبرى ضد عقائد المسلمين وفي عقر دار المسلمين علماء افذاذ فيهم اسماء لامعة منها الفيلسوف( الكندي )والعلامه الشيعي (النوبختي )احد الشيوخ الاماميه المشهورين والعلامه (الجبائي )و(ابو الحسن الخياط )و(الفارابي )و(بو الحسن الاشعري) مؤسس فرقة الاشاعره

وهل يريد القراء مثالا اخر اكثر وضوحا في بيان سعة حريه الفكر والتعبير في ذلك العصر؟ فقد نشر (عبد المسيح بن اسحاق الكندي) وهو غير الفيلسوف (ابو يعقوب بن اسحاق الكندي) مؤلفا في الرد على كتاب (عبد الله بن اسماعيل الهاشمي ) وهو مؤلف ينتقد شعائر الاسلام الواحده تلوا الاخرى .وقد ينذل القاريء اذا علم ان ابن اسحاق الكندي كان كاتبا وعاش في عصر المامون وكان ما كتبه واحدا من عديد مؤلفاته سجلها تاريخ تلك الحقبه تحت عنوان(منا ظرات اهل الكتاب بالاسلام) دون ان يتعرض احد لهؤلاء الكتاب سوى الرد بكتاب يرد على كتاب وراي يرد على راي وحجه تواجه حجه

ويمكن ان يتخيل الان هذاه النماذج الرائعه في الدفاع عن حقوق الانسان قبل ان يعرف العالم هذه الحقوق اكثر من الف عام ومن احب المصلحه في تصوير الاسلام وكانه عاجز عن الرد الا بالسيف او الدره وقاصرا عن المواجهه سوى بالمنع والتحجير

ان اعداء الاسلام ليس فقط اؤلائك مثال (ابن الراوندي )او (عيس الوراق) او (صالح بن عبد القدوس )او( سلمان رشدي) وغيرهم بل قائمه العداء تشمل ايضا جميع المتعصبين والمتحجرين والمتخلفين والهمج الرعاع ممن يتصور ان الاسلام قاصر عن الرد او عاجز عن الاجابه او قاصرا عن مواجهة الحجه او الرد واعوذ بالله ان يكون كذلك ..

لقد تصدى الاسلام لعباقرة الشر في السابق وهو قادر على التصدي اليوم

لكن ليس بالعقول المتحجره والا بالافهام غير المستبصرة والا بالتقوقعات المغرقة ولا بالتقاليد المسرفة ولا بالجتهادات الباطل..وكذلك لا بالسلوكيات الغليظة الفجة ولا بالخلاقيات البدوية السمجة

..ولا بترهات الاهواء ومثالب العصبيات الممجة

ويشير الذكر الحكيم الى مفردة مهمة في موضوع البلاغ والدعوة لله لايكون الا بالاختيار كما يخاطب الله سبحانه بها حبيبه المصطفى (ص) في هذه الايه الكريمه بقوله عز من قائل:(ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )يونس 99 وانه لااكراه في الدين وانما الحسنى في النقاش والين في البلاغ قال سبحانه (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا)الاسراء 28

حتى وصل الاسلام الى مشارف الصين شرقاً والى اوربا غرباً والى روسيا شمالا والى قلب افريقيا جنوباً..

والان وفي خضم الكوارث المحيطة بنا و والهجمات الفضيعة المتلاحقة التي تترى علينا والواقع المأساوي الذي نعيشه والنفق المظلم الذي نتخبط فيه فهل من مسترشف لفكرالقران وسيرة سيد الانام وأئمة الهدى واعلام الدين..؟

المفروض لمن يتصدى للعمل السياسي الاسلامي او المدعي للصحوة الاسلامية وللمتشدقين بها ان يكونوا مؤهلين لما يدعونه بحق ولو بمقدار ( مصة الوشل) فان لم يكن فما عليهم الا ان يتمسكوا بهكذا فكرعريق تاصيلي متوازن ذي الآفاق الواسعة وان يستوعبوا معارف الاسلام وواقع الامة وما هي فيه من مزالق وما تعانيه من مشاكل،،! وكذلك دراسة الاخر دراسة مستفيظة لاجل بلورة اسلوب لغة خطاب متساوقة مع فكر وثقافة الامم و وضع خطة استراتيجية في انتشال الامة من واقعها الماساوي والاخذ بيدها لما فيه الخير والسداد ..وليس فقط باعداد الخطب الرنانة واتخاذ الحذلقة والتظليل والتحريف والانحراف بدواعي العصرنة والتحديث او تسخير وسائل الاعلام للتلفيق في تخدير الامة والكذب عليها،منطبقا عليهم قول النبي الاكرم من (كثرة الخطباء وقلة الفقهاء) مستغلين النصوص الشرعية للمآرب الشيطانية والمكائد العدوانية والتحريض على التطرف والعنف والارهاب باسم الصحوة الاسلامية والاسلام منها ومنهم براء اي (يديرون الدين مادرة معائشهم)...!

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com