بحوث

التساقط في طريق العاملين

الدكتور عباس العبودي

AL.ABOUDY@BTINTERNET.COM

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}البقرة155

{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}الأنفال25

{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}التوبة49

 

التساقط:

ظاهرة التساقط على طريق الدعوة ظاهرة عامة وخطيرة ومتكررة على طول التاريخ ,تستدعي منا دراستها بعمق والسعي لمعالجة اسبابها وتجنب عوارضها. فمن متابعتنا لتاريخ التساقط واحداثة يحتم علينا ان نخرج بنتيجة عملية تجنبنا الوقوع بمزيد من التساقط التاريخيو ومتابعتنا للاحداث لاحظنا التساقط على عدة مستويات:

1- ترك العمل ولم يترك اللاسلام

2- ترك الاسلام والعمل وتحول الى خصم للاسلام.

3- ترك العمل والتحاقه بعمل مع مجموعة اخرى او احداث مجموعة عمل جديدة تحت عنوان الاصلاح والتغيير لما مارسته الحركة السابقة من سلبيات كثيرة.

4- ومنهم من تطرف وتحول الى عامل سلبي في طريق العاملين.

 

اسباب التساقط:

إن من الإنصاف القول بأن تساقط الأفراد على طريق الدعوة إنما يعود إلى أسباب متعددة وليس إلى سبب واحد منها السبب في الحركة نفسها ,او السبب في الافراد العاملين او يعو للضروف الخارجية. وستناول اسباب كل عامل انشاء الله:

الخلل في داخل الحركة تؤدي الى تساقط العاملين:

1- ضعف الجانب التربوي والروحي: فالجانب التربوي قد يأخذ من الحركة حيزاً محدوداً في حين تطغى الجوانب الأخرى الإدارية والتنظيمية والسياسية على كل شئ.ويبرز هذا بشكل واضح وجلى ودائم في حياة القادة والإداريين والذين يتولون الشؤون السياسية والاجتماعية مما يجعلهم مقطوعي الصلة بالتربية والشؤون التربوية نظرياً وعملياً وبالتالي يجل علاقاتهم واجتماعاتهم وممارساتهم جافة خالية من طلاوة الربانية وعذوبة الروحانية والأجواء الجامدة الجافة تبعث دائماً على التوتر والحساسية بعكس الأجواء الروحية التربوية الرطبة بذكر الله ورقابته.فالإيمان كما هو معروف يزيد وينقص بدليل قوله تعالى: {ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} الفتح:4] وقوله تعالى {وزدناهم هدى} الكهف: 13] وقوله {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} مريم:76] وقوله {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} محمد “17] وقوله {ويزداد الذين آمنوا إيماناً} المدثر: 31 ].

2- عدم وضع الفرد المناسب في المكان المناسب:وهذه المشكلة تؤدي الى فشل العمل وخسارة العاملين. والحركة الواعية الناضجة هي الحركة التي تعرف قدرات العاملين في وسطها وميولهم ومواهبهم وتعرف نقاط الضعف والقوة عندهم,لا ان يكونوا كتل مهملة يهرول اليهم عند الحاجة , وتكون العملية محصورة بافراد يحصرون جميع المهمات بايديهم. وحينما تفشل الحركة في اكتشاف قدرات العاملين بوسطها ستؤدي العملية الى الاهمال وعدم الاكتراث بما يقدمه العاملين للحركة وللناس. ومن هنى تبدا الفجوة وتخلق الاجواء المناسبة للتساقط. وحينما لا يخضع العمل لقواعد وأصول مدروسة ولا يقوم وفق مخططات ومناهج موضوعية وحينما لا يعرف ما ينبغي عمله اليوم وما يجب تأجيله إلى الغد وحين لا يفرق بين ما هو مهم وبين ما هو أهم ولا ترتب الأعمال وفق الأولويات.. عندئذ يحدث الخلل وتضطر الحركة إلى ملء الشواغر والفراغات بأسماء وليس بأكفاء فيوسد الأمر لغير أهله وإذا وسد الأمر في الحركة لغير أهله فانتظر ساعتها

3- عدم توضيف كافة الافراد في العمل وهذه لظاهرة من أخطر الظواهر على الحركات حيث يتراكم العمل بيد فئة محدودة في حين تبقى الفئة الأكبر من غير عمل. ومع الأيام وتقلب القلوب والعقول وشعور الفرد بعدم الإنتاج بسبب ضعف ارتباطه العضوي بالحركة وتجاه الجواذب والمشاغل والمغريات المختلفة تنكفئ في أعماقه البواعث والدوافع الرسالية والجهادية إلى أن يختفي حس العمل في نفوس العاملين مما يؤدي الى التساقط.

4- غياب المتابعة والتنسيق بين العاملين والتي تساعد على تساقط الأفراد من الحركة عدم متابعتها لهم واهتمامها بالظروف الخاصة والعامة ذات الأثر عليهم فالأفراد كسائر الناس تمر بهم ظروف صعبة ويتعرضون لأزمات ومشكلات مختلفة منها العاطفي والنفسي ومنها العائلي والمالي إلى غير ذلك فإن وجد من يعينهم ويساعدهم على مواجهتها ومعالجتها وحلها تجاوزوها بسلام وامتلأت نفوسهم ثقة بحركتهم وتابعوا المسيرة بمزيد من الحماس والعطاء.. وإن حصل عكس ذلك فإنهم سيصابون حتماً بخيبة أمل ثم بإحباطات نفسية تقذفهم إن العلاقة التي يفرضها الإسلام على الجسم الإسلامي والبيئة الإسلامية والمجموعة المسلمة تصنع من انصهارها الفكري والروحي والحسي أشبه بالجسد الواحد الذي يصفه رسول الله(ص)بقوله (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))..والمتابعة يمكن أن تقوم في الحركة من جانبين جانب التنظيم نفسه من خلال الأجهزة وجانب الأخوة من خلال الأفراد وتعاون الجانبين وتآزرهما من شأنه أن يسد الحاجة ويكمل العجز ويراب أي صداع. وهذا في الحقيقة سمت المجتمع الإسلامي الذي يقوم على تعاون الدولة والأفراد في المجالات الرعائية والإنمائية والتكافلية وما المبادرة الرعائية الجماعية التي قام بها الأنصار تجاه إخوانهم المهاجرين إلا دليلاً عملياً على ذلك.إن وحشة الغربة وقسوة الظروف وضراوة التحدي التي يواجهها الداعية لا يخفف منها ويزيلها إلا صدق التوجه إلى الله والاحتساب له والشعور بالحدب الأخوي من حوله والحركة الإسلامية حين تتمكن من إشاعة روح الأخوة وتوثيق العرى على الحب في الله فإنها حتماً ستوفر على نفسها وعلى أفرادها كثيراً من المشكلات والأزمات

5- عدم حسم الأمور بسرعة: وهذا السبب لا يقتصر ضرورة على جانب معين وإنما يتسبب بتعقيد الأمور والمشكلات والوصول بها إلى طريق المسدود.إن من الطبيعي أن كل حركة تعترضها قضايا عادية تحتاج إلى حسم كما تعترضها مشكلات تحتاج إلى حل ومن الطبيعي كذلك أن كل حركة تعتمد صيغاً معينة وأساليب محددة لمعالجة قضاياها ومشكلاتها تلك.. وبقدر ما تكون صيغ المعالجة وأساليبها سهلة وواضحة وسريعة بقدر ما يكون سير الحركة منتظماً وأجواؤها سليمة وبقدر تباطؤ الحركة ن تابعة قضاياها وحسم مشكلاتها بقدر ما يتسبب ذلك بتراكم القضايا وتعطل الأعمال وتزايد المشكلات.فالمشكلة قد تبدأ صغيرة محدودة وتركها من شأنه أن يضخمها من جانب ويتسبب بتوالد مشكلات أخرى عنها.أحياناً قد لا تحتج مشكلة لأكثر من كلمة أو قرار أو زيادة أو لقاء أو اعتذار أو معاتبة أو نصيحة أو مواساة أو توضيح أو مكاشفة أو غير ذلك من التكاليف السهلة اليسيرة أما حين تترك وتؤجل فقد تأخذ من الحركة كثيراً من الطاقات والأوقات وقد تنجح الجهود بعد ذلك وقد لا تنجح.والحقيقة أن السرعة في حسم الأمور ومعالجة المشكلات من شأنه أن يغنى الحركات ن كثير من المتاعب ويجنبها العديد من الخضات الداخلية التي لا تنتهي في أغلب الأحيان إلا بخسارة البعض وتساقطهم والتسبب بتساقط غيرهم. وغياب الحسم في الازمات وان كانت صغيرة تعود للاسباب التالية:.

 (أ) قد يكون ذلك عائداً لطبيعة العناصر القيادية التي لا تملك عادة القدرة على الحسم.

(ب) وقد يكون ذلك عائداً للروتين التنظيمي الذي يفترض مرور كل قضية عبر الأجهزة التنظيمية وبالتالي لا يعطى المسئول صلاحيات الحسم.

(ج) ويكون ذلك عائداً لاتساع القاعدة وضمور القيادة وعدم تمكنها من تغطية احتياجات العمل المختلفة والتي لا يمكن أن تنهض بها في كثير من الأحيان إلا أجهزة متفرغة ذات قدرات وخبرات عالية والنتيجة في النهاية تكون واحدة وهي مزيد من المشكلات والأزمات والخسائر على كل صعيد..

6- الصراعات الداخلية: وتعتبر من أخطر ما يصيب الحركات من أمراض ومن العوامل التي تفت في عضدها والمعاول التي تتسبب في هدمها وتساقط افرادها. وكنتيجة لهذا الصراع سوف تتسمم الاجواء بين العاملين وتفسد العلاقات الاخوية. وتورث الجدل والمراء وتوف العمل والبناء.وتوهن الدعوة وتغرى بها من حولها. وأسباب نشأة الصراعات الداخلية كثيرة.منها:

1-ضعف القيادة وعدم تمكنها من إمساك الصف وضبط الأمور

2-القوى الخارجية العادية التي تعمد إلى إثارة الفتنة.خدمة لمصالحها.

3-سيطرة الامزجة والهوى والانا واختلاف الطباع والتوجهات التي أفرزها تناقض النشأة التربوية ولبيئية.

4-التنافس الدنيوي على المواقع والمصالح من اجل الدنيا وليس من اجل مصلحة الامة. واهداف الحركة في خدمة الاسلام.

5-عدم التزام سياسة الحركة وقواعدها وأصولها وعدم الانصياع لقرارات أجهزتها وبروز (الشخصانية ) والتصرفات الفردية

من خلال هذا وغيره تنشأ الصراعات في الحركات وتتفجر الخلافات حتى تأتى عليها إن لم تبادر القيادة إلى إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان.وفي تاريخ الدعوة ومنذ عهد الرسول(ص)كانت ظواهر هذا المرض العضال تبدو وتختفي تقوى وتضعف الظروف المحيطة وقدرة القيادة على الحسم إلى غير ذلك من معطيات.ومن هذه الظواهر: الصراع الذي تفجر في المدينة بين (الأوس والخزرج) من المسلمين والذي تولى كبره اليهود وعلى رأسهم اليهودي الماكر (شماس بن قس ).فبلغ ذلك رسول الله (ص) وأدرك أنها فتنة يهودية فخرج لتوه دونما تأخر أو تأجيل حتى جاءهم في حيهم فقال ((يا معشر المسلمين.. الله الله.. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله تعالى للإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم به أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم )). ولقد فعلت مبادرة الرسول (ص) فعلها في نفوس (الأوس والخزرج)) وأدركوا أنهم استدرجوا من قبل اليهود وأن الشيطان قد نزغ بينهم ولم يكن منهم إلا أن تباكوا وتعانقوا وعادوا أشد مما كانوا لحمة وتواثقاً وتعاضداً وحباً فيما بينهم.ولقد نزل في هذا الحادث قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك بين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}

6-الضعف في الإمكانات القيادة الفكرية والتنظيمية والتربوية والروحية والسياسية عموماً بحيث لا تتمكن القيادة من تغطية هذا الجوانب وإشباع الحاجة لدى العاملين.اذا عجزت القيادة عن تحديد خطواتها وفق القدرات التي تجمعت عندها في كل جانب. فإن لم تفعل القيادة غير ذلك سيفلت الزمام من يدها وستفقد القدرة على التحكم في سيرها واختيار الشخص المناسب للجانب المناسب في عملها وعندئذ سيكون حالها كحال مركبة تعطل مقودها فهي تسير إلى المجهول

 

ألاسباب الفردية التي تؤدي للتساقط:

 إن المسئولية الحركة عن تساقط الأفراد على الطريق الدعوة لا يعفي هؤلاء لأفراد كذلك من المسئولية وإذا كان من الإنصاف القول بان مرد ظاهرة التساقط إلى أسباب تتعلق بالحركة فإن من الإنصاف القول كذلك بان كثيراً من أسباب هذه الظاهرة مرده إلى الأفراد أنفسهم. ونذكر منها:

1-غياب الوعي الحقيقي لدور الدعية في الحركة

2-الطبيعة غير الانضباطية لبعض

3- الخوف على النفس من المحن

4-ضعف الجانب الروحي والتربوي

5-سيطرة عوامل حب الدنيا على نفوس بعض العاملين

6-اليأس من نتائج العمل

7-الاغراءات الدنيوية

8-قساوة الضروف المحيطة بالعمل وضعف المؤونة الفردية لمواجهة الازمات

9-الانتفاخ والغرور

10-الجفاف الروحي.

والقران الكريم واحاديث الرسول والائمة الاطهار حافل بهذه الاشارات والتصريحات.{سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً بل كان الله بما تعملون خبيراً}

{قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي ترون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.

(ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}.

{الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا: لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}.

فروي عن رسول الله (ص) (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ).

.وقوله(ص) (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة ).

-وقوله (ص)(أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي ).

إن العاملين الذين يغرقون في تفاصيل حب الدنيا وعدم تحمل المسؤولية الرسالية بوعي وحكمة فسيكون التساقط والموت الروحي هو طريقهم

 

الاسباب الخارجية الضاغطة التي تؤدي الى التساقط:

ومن الأسباب التي تساعد أو تؤدى إلى سقوط بعض العاملين والدعاة على طريق الدعوة ما يتصل منها بالظروف والأوضاع العامة والعوامل الخارجية الضاغطة...

وهذه الأسباب كثيرة ومتعددة سنجملها بما يلى:

1- ضغط المحن:إن المحنة في حياة الدعوة والداعية هي المحك الأقوى والامتحان الأكبر فكم من أناس اختفوا عن مسرح العمل الإسلامي بعد تعرضهم لمحنة أو إيذاء ولقد كانوا قبل ذلك من أشد المتحمسين ولقد أكد القرآن الكريم على حتمية المحنة في حياة المؤمنين لتمحيص الصفوف وتصنيف المعادن وسبر أغوار الايمان.فقال تعالى {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} وقال {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}.وبين صنوف الناس أمام المحنة. فمنهم الصاعد الصابر المحتسب {الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانهاً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل{{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} ومنهم المنهزم الذي لا يلبث أن يسقط ويختفي من حلبة الصراع {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين...}.{لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}

2- ضغط لاهل والاقربين: ومن الضغوط التي يواجهها العاملون في الحقل الإسلامي هو ضغط الأهل والأقربين خوفا على أبنائهم من أن يصيبهم في كل زمان ومكان من أذى. وبعضهم الآخر تأخذه العزة بالإثم ويكبر عليه أن يسبقه صغيره بالهدى فيحاول صده والضغط عليه بشكل وبآخر.ولقد حذر القرآن الكريم من الإذعان لضغوط الأهل آباء وأنباء وحض على الثبات والصمود والجهاد في سبيل الله فقال تعالى {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين} التوبة 24 ].ومن النماذج التي حكاها القرآن الكريم عن الضغوط التي يواجهها الدعاة إلى الله من الأقربين والأهل قصة إبراهيم عليه السلام مع عشيرته وأبيه حيث عرض لها في أكثر من موقع فقال تعالى {واذكر في الكتاب إبراهيم أنه كان صديقاً نبياً إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً ياأبت إنى قد جاءنى من العلم مالم يأتك فاتبعنى أهديك صراطاً سوياً يأنبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً قال أراغب أنت عن آلهتى ياإبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرنى مليا...}.وهذا مصعب بن عمير يتعرض لضغوط أمه وكان وحيدها ووريث زوجها الغنى المتوفي..فقد أقسمت أن تحرمه من ثروة أبيه فلم يبال أو يتراجع.. ثم أقسمت أن لا تذوق طعاماً قط حتى يترك دعوة الإسلام وصحبة محمد (ص).وعندما مرت الأيام وهي على ذلك وقد شحب لونها وهزل جسمها دخل عليها ابنها مصعب ليحسم الأمر معها وليقطع كل أمل في انكفائه إلى الجاهلية من جديد فقال (والله يأماه لو كانت لك مائة نفس خرجت نفساً نفساً ما تركت دين محمد )

3- ضغط البيئة الاجتماعية: ومن العوامل التي تساعد على تساقط العاملين وإسقاطهم عن مسرح الدعوة ضغط البيئة الاجتماعية العنيفة التي تؤدي به الى النموا والحصانة او الى الصمود و الحصانة او السقوط والضياع.إن العوامل التي تؤدى إلى انهزام الفرد أمام ضغط البيئة كثيرة منها:فقد يكون تكوينه في الأساس غير صحيح كأن تكون عنده إشكالات واهتزازات في العقيدة أو انحراف خفي في السلوك.وقد يكون التزامه في بيئته التزام خجل وتقليد ومحاكاة وليس التزام قناعة وإيمان وعندما انتقل منها إلى غيرها سقط مبرر الالتزام بسقوط عوامل الخجل والتقليد والمحاكاة وقد يكون السبب إعراضه في بيئته الثانية عن محيط الدعوة والدعاة وإقباله على بيئة الجاهلية و اصدقاء السوء الذين عاشرهم في محيطه الجديد.وهذا الخطر الكبيرالذي يؤدى حتماً إلى سقوطه.

ضغط حركات الضرار: هناك الكثير من الحركات التي لبست ثوب الاسلام وهي لاتحمل هم الاسلام الاصيل وانما تاسست بفعل عوامل متعددة الغرض منها تعطيل المشروع الاسلامي الاصيل او عرقلته او التشكيك بها لتحطيمها من داخلها وتهديمها باسم الاسلام.ففي كل مكان تبرز بين الحين والآخر تحمل اسم الإسلام لتخرب عقول الشباب وتعطل دورهم وتسمم أجواءهم فلا تجتذبهم للعمل معها ولا هي تتركهم حيث هم يعملون..إن ظواهر التعددية في العمل الإسلامي لا يمكن أن تكون أو تعتبر ظاهرة صحية لأن انعكاسها على الساحة الإسلامية سلبى ومن شأنه أن يجعل بأس العاملين بينهم يشغلهم عما هم بصدده من مهام وأعباء.

5- ضغط الوجاهة: ومن عوامل تساقط العاملين على طريق الدعوة ما يتعلق بالوجاهة ومشتقاتها.وهذا كله يدخل في مرض العجب والغرور حب الذات والكبر الأنانية التي كانت السبب في سقط إبليس حيث أخذته الغوة بالإثم فقال {أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين} الأعراف 12.لقد مر في حياة الدعوة أنماط من الناس كانت (الوجاهة) فتنتهم والمدخل الشيطانى إلى نفوسهم.كانوا في مقتبل العمر وقبل أن يلجوا إلى المجتمع من بابه الكبير مثال التزام والطاعة حتى إذا أحسوا في أنفسهم أنهم أصبحوا شيئاً أو أصبحت لهم منزلة اجتماعية مرموقة وقد يكونوا بلغوها على حساب الدعوة إذا بهم يتغيرون وإذا لم تتداركهم عناية الله ينقلبون على أعقابهم يحاربون المهد الذي احتضنهم والجماعة التي ربتهم ويكفرون العشير الذي أخذ بأيديهم إلى الإسلام ؟

نتائج التساقط

1- الاساءة البالغة للحالة الاسلامية ,باعتبار ان التعددية في المسير لهدف واحد يؤدي الى هدر الطاقات وخلق حالة من التزاحم وليس التنافس على عمل الخير ان كل واجهة تكمل عمل الواجهة الاخرى

2- اشاعة الفتن والتفسخ والتسمم في اجواء الحركة الواحدة مما تؤدي الى خسارة العاملين الجدد او القربين العهد بالاسلام والتدين.

3- كشف خبايا وأسرار ما كان لها أن تنكشف لولا أجواء الفتنة الضاغطة ووقوع الألسن والآذان في قبضة الشيطان

نماذج تاريخية في التساقط:

1- سقو ط الثلاثة الذين تخلفوا عن القتال مع رسول الله في غزة تبوك لاسباب دنيوية

فيوم تخلف النفر الثلاثة- كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية- عن غزوة (تبوك) لاسباب واعذار جنيوية واهية ,فقاطعهم قاطعهم رسول الله (ص) وقاطعهم المسلمون جميعاً حتى ضاقت بهم الارض وضاقت بهم انفسهم ,فانقطعوا الى الله انقطاع التائب التصوح من موقفهم فتاب الله عليخهم ونزلت بهم اية..

 {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}التوبة118 , فبشرهم رسول الله بتوبة الله عليهم.

(توبة الله عليهم ):

.2- سقوط حاطب بن ابي بلتعة واستجابته لغرور الدنيا بكشفه الاسرار لاعداء

لما أجمع رسول الله (ص) المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبى بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله (ص) من الأمر في السير إليهم ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة وزعم لي غيره أنها سارة مولاة لبعض بنى عبد المطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله (ص) الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث الامام علي (ع) والزبير فقال (ص): (أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبى بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم ). ,فخرجا حتى أدركاها بالخليقة بنى أبى أحمد فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئاً فقال لها على(ع) إني أحلف بالله ما كذب رسول الله (ص) ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت: أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله (صً), فدعا رسول الله (ص)حاطباً فقال: يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال حاطب: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكنى كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانتهم. فأنزل الله تعالى في حاطب {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}.. إلى قوله {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين مه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} الممتحنة 1-4

3-تساقط بعض المسلمين في مسالة بناء مسجد الضرار

ويوم أراد بعض المنافقين من المسلمين أن يشقوا الصف الإسلامي ويقيموا مسجداً ظاهره الرحمة وباطنه فيه المكر والضرار بالمسلمين أمر رسول (ص)الله صلى الله عليه وسلم هدمه. لانه كان يمثل مؤامرة كبيرة على الاسلام نتيجة لتساقط هؤلاء في حب الدنيا وطمعا في المقام الدنيوي الزائل ونزلت بهم أية من الله {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقا بين المؤمنين} التوبة 1.7

4-حديث الإفك

ولما رمى أهل الإفك من المنافقين والمرجفين رسول الله (ص), في زوجته عائشة بغية إضعاف مكانته وتخذيل المسلمين من حوله تأثر من الصحابة من تأثر وسقط في هذه الفتنة واصبح بوقا لاهل النفاق وصمد من صمد يذب ويدافع عن زوجة رسول الله (ص) حتى جاء حكم الله في ذلك وهو أحكم الحاكمين., {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} النور -11 {لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً} النور 12] {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} النور 15 ].

4- تساقط بعض الصحابة يوم السقيفة بعد وفاة رسول الله (ص)

5- تساقط بعض المسلمين يوم صفين

6- تساقك بعض المسلمين في النهروان

7- تساقط بعض المسلمين في موقعة الجمل

8- تساقط بعض المسلمين في حادثة النخيلة مع الامام الحسن

9- تساقط بعض المسلمين في معركة الطف

10- هناك الكثير من الشواهد التاريخية حتى يومنا هذا للتساقط

 

هل نتوقف اذا حصل التساقط ؟

قد يتصور البعض ان التساقط لبعض الرموز سوف يطال المبادئ وهذا هو الخطا الكبير الذي يتصوره البعض من الناس.وإن أضاء لنا مثقف أو مجاهدٌ أو عنصرٌ قياديٌ عتمة الطريق، وإن قدم أمثولة في الوعي أو التضحية والفداء جديرةً باتباعها سنة، فذلك لا يعفيه من النقد والتمحيص، ولا يسوغ له الانحراف بعدها بقليل أو كثيرٍ عن مصلحة الأمة، ولا يجعله فوق المبدأ، بل نقدره ما برح ريادياً في تحقيق المصلحة العامة، وننهره إذا بدأ يسير عكسها، ومن واجبنا أن نقول له أخطأت ومن واجبنا ان نسدده ونتواصى معه بالحق والصبر.فالأولى ولايموت العمل بسقوط العاملين اذا كانت الاهداف مقدسو والاعمال مشروعة ومن حقنا ان نمارس النقد بعقل بحكمو وتحليل الامور من خلال الاسلام لا ان نقييم الاسلام من خلال الافراد.

والحمد لله رب العالمبن

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com