بحوث

مدخل الى مشاكل المرأة الشروقسطية

عبدالسلام الملا ياسين

abdulselam2002ahoo.com

أن أية نسبة لتخلف مجتمعاتنا قد نتجرء ونصرح بها دون وجل، يكون في جوهر أسبابها وبلا شك تهميش وأحتقار دور المرأة الشرقوسطية في الحياة العامة. فالقمع المهين لكرامة المرأة ماثل في بلداننا من خلال التعامل اللأنساني مع خصوصياتها النفسية والبيولوجية. تلك الخصوصيات التي تشكل مع خصوصيات الرجل دورة حياتية متكاملة وبديعة، بشكل يدعوا بحق الى التوقف والتأمل الطويل. فمثلما أنه ليس هناك أي دورة حياة للأنسان بدون الرجل، فكذلك ليس هناك أي دورة حياة قابلة للأستمرار بتعاقب الأجيال كما كان وكما هو ماثل في حياة البشر، بدون تلك المخلوقة الواضحة التي تملأ حياتنا بالرقة والحيوية والتي نسميها بالأنثى.

 أن كلمة الأنثى ومع الأسف مازالت تثير عند مجتمعاتنا انطباعآ سلبيآ، وهذه نتيجة لتراكمات نفسية وتاريخية ودينية. فالأنثى عند أغلب الشرقوسطيين لا تتجاوز في الحقيقة ان تكون أحدى اثنتين، فأما هي ممن يحرم وطئهن، أو ممن يجوز وطئهن!! فأن كانت من المحرمات (الأم، الأخت ..... الخ ) فالأنطباع الأوسع عنها، هو أنها مصدر تهديد دائم وثغرة في حصن العائلة يجب المرابطة عليها للحيلولة دون أختراقها. أما في حالة كونها ممن يجوز وطئهن، فهي أذن مشروع للمتعة واللذة وثغرة لدك حصون العوائل الأخرى الغريبة أو المناوئة أو العدوة... الخ.

 ان حياتنا الأجتماعية تخلوا تقريبآ من علاقات طبيعية بين الذكور والأناث، أي بعيدة عن التصنيف السابق ( محرم وطئها، جائز وطئها )، وذلك طبعآ بسبب القيود المفروضة على الأختلاط بين الجنسين. حتى في بعض مجتمعاتنا التي تجاوزت نوعآ ما مشكلة الأختلاط، فأن كلا الجنسين، يرون في الأختلاط مجرد فرصة اضافية لتعاطي الجنس بطرق غير شرعية. فالحاجز المضروب على الأختلاط بين الجنسين في مجتمعاتنا لم يكن يومآ من الأيام مجرد تفريق بين الأناث والذكور في الأماكن العامة، العمل والدراسة وغيرها، أي لم يكن في الحقيقة حاجزآ مكانيآ، بل هو حاجز نفسي ضارب في ذاكرتنا الجمعية الى درجة تجعل محاولات شق الطرق لتسهيل التواصل بين الجنسين محفوفة دائمآ بالمخاطر. فمجتمعاتنا وبما تحمله من أرث سلبي تجاه الأختلاط والجنس والمرأة تحدد هوية تلك الطرق ووجهتها مسبقآ على أنها: مجرد مشاريع فساد وأفساد تهدف الى أشاعة الجنس داخل مجتمعاتنا المحافظة. هذه الأثارة كافية بطبيعة الحال لخنق اكبر مشروع تثقيفي يهدف لحل مشكلة التخوف من الأختلاط أو على الأقل أنها قادرة على تفريغ المشروع من أهدافه الأنسانية والأجتماعية.

 من هنا يمكننا أن نرى ضيق الأفق المرصود لحركة المرأة، هذا الكائن الأجتماعي والعضو المهم في العائلة الأنسانية المتكونة أساسآ من ذكر وأنثى لا غير. أن حصر أهمية الأنثى كطرف ضعيف في العملية الجنسية، قد أفقد مجتمعاتنا القدرة على النهوض، فمع عملية الحجر المفروضة على النشاط الأجتماعي للمرأة عندنا، أصبحت مجتمعاتنا كمن يريد جاهدآ النهوض وهو يستعين بساق واحدة، ولكنه لا يستطيع ولن يستطيع ذلك وسيسقط بالتأكيد بعد كل محاولة. لذا فأن على مجتمعاتنا أن تدرك، أن الأنثى طرف في العملية الجنسية حالها حال الذكر، وليست محورآ كما تتصوره العقول المصابة بالكبت الجنسي المؤلم حقآ.

 أن المشكلة في حقيقتها قائمة في محاولتنا تعويض المرأة عن دورها المفقود والمسلوب أجتماعيآ، بتضخيم دورها في العملية الجنسية وبشكل سلبي لم يقدم للمرأة طوال تاريخنا غير القمع والقسر والقتل وهدر كرامتها الأنسانية.

 حسنآ هناك الكثير ممن سيعترضون علينا ليقولوا أن وضع المرأة ليس سيئآ الى هذا الحد، أي أنها ليست معرضة للقتل والقمع بالشكل الجماعي الذي قد توحي به كلماتنا في اعلاه. نعم قد يكون ذلك صحيحآ نوعآ ما، ولكننا ننبه هؤلاء.... الى أن حالة الفزع التي تعيشها المرأة نتيجة للتهديد الجاد والغير مصرح به، يجعلها غير كفوءة حتى في ممارسة الحرية النسبية التي أحسنت به أليها بعض أجزاء مجتمعاتنا. فالمرأة في مجتمعاتنا متوزعة بين أغلبية لا تملك أبسط شروط الشخصية الأنسانية المستقلة، وواقعة تحت القمع على مدار الساعة. أو مجموعة أقل من الأولى لها بعض المرونة في الحركة ولكنها تحت تأثير قمع نفسي يجعلها في حالة أنذار قصوى على مدار الساعة مما يفقدها حقيقة التنعم بهذه المزية البسيطة التي تختلف بها عن الأغلبية في المجموعة الأولى. أو المجموعة الثالثة والأخيرة وهي صغيرة نسبيآ وقد أنفتحت لها افاق مفتعلة في مجتمعاتنا الضيقة، نتيجة للأنحلال الأسري أو تراكمات المشاكل السياسية والأقتصادية والحروب والنزاعات ووو.. الخ، بحيث أصبحت في خانة الدعارة التي لها تأثير سلبي مزدوج على مجتمعاتنا، فهي من ناحية بيئة افساد لأجيالنا ومن ناحية ثانية هي نموذج يطرحه المتشددون حيال حرية المرأة للمقارنة بين مجتمع الفضيلة الذي يرونه بالطبع مجتمعآ ذو قيود حديدة صارمة على حرية المرأة، وبين مجتمعات الأنحلال الأخلاقي والأسري الذي يرونه بالطبع نتيجة للتساهل بشأن القيود التي يجب فرضها على حرية المرأة، والذي يكون نموذجه الأوحد والقريب هو مجتمع الدعارة.

 أن فكرة العملية الجنسية رغم أنها طبيعية الى درجة يمكن الجزم معها، بأنه ليس هناك أنسان منذ أن وجد البشر على كوكب الأرض لم ينغمس فيها بصورة غريزية أو مدركة طوال فترة حياته النشطة جنسيآ، ألا أنها في عقول شبابنا... وحتى شيوخنا... تسلك طرقآ غير طبيعية في تفريغ الشحن النفسي. أن مرد ذلك بطبيعة الحال يكون في معظم الحوال للتهويل والتصوير المبالغ فيه لمخاطر تلك العملية على أستقرار المجتمع وصيروراته المعتقدية والنفسية وسلامةبنيته الأجتماعية. فذاكرة الأنسان الشرقوسطي تصبح وفي وقت مبكر من حياتها مثقلة بأوهام متطرفة حول الجنس والعملية الجنسية.

 وهكذا يتم تناقل هذه الخرافات التي نتصورها فضائل مطلقة عبر ذاكرة الأجيال التي كانت وما زالت المحفز الرئيسي للسلوكيات المتطرفة تجاه المرأة بصورة عامة وتجاه العملية الجنسية بصورة خاصة. فحينما يبلغ الذكر في مجتمعاتنا مرحلة النضوج الجنسي ويكون وجهآ لوجه أمام عملية تفريغ الشحن البيولوجي، تبدء عملية شحن قسري لذاكرته، حيث تعبأ هذه الذاكرة بأبشع أنواع الكبت النفسي المسلط على التوق الأنساني الغريزي الطبيعي للجنس. ولا تتوقف المسألة عند عملية الشحن السلبي تلك، بل يضاف أليها الحرمان من مميزات الأطلاع على الثقافة الجنسية، زائدآ العراقيل الساذجة واللأنسانية التي تفرضها الأغلبية الغير واعية على أيجاد فرص عقلانية لتقارب مفاهيم الفتيان والفتيات حول الحياة الجنسية الشرعية، لتهيأة المناخ النفسي للزيجات المبكرة الناجحة.

 من تلك العراقيل نجد مثلآ، الوصاية السلبية على أرادة الشباب من كلا الجنسين في أختيار شركاء الحياة، فرض شروط تعجيزية على الشباب الذين ينوون الأقتران.... كفرض مبالغ معينة على الراغبين بالزواج منهم.... تؤدى الى العروس أو أهلها كمبالغ نقدية أو عينية يعجز عن الأيفاء بها أغلب شبابنا. كذلك تغليب العوامل الأجتماعية والدينية والطائفية وحتى القومية على رغبة الفتيان والفتيات في أختيار شركاء حياتهم.

 في الحقيقة هناك حواجز ضخمة نعمل جميعآ ليل نهار لنضعها عثرة أمام مستقبل أبنائنا وبناتنا. ومع هذه الحوجز نكون قد قضينا تمامآ على حلم التطور تقنيآ وثقافيآ، أذ كيف نستطيع أن نصدق وهم القدرة على تخطي مجتمعاتنا لحاجز التخلف الذي تقبع خلفه بعيدآ عن ركب العصر وشبابنا مكبلين بتلك السلاسل البغيضة، والتي يكون الكبت الجنسي اساسها جميعآ.

 أن تدهور وضع القيم الأجتماعية التي توفر حلول تبسيطية لعقدة الجنس في المجتمع الأنساني، ومن ثم تحول ذلك التدهور الى قيم جديدة متحجرة لا يمكن أزاحتها أو القفز عليها رغم كل ما يجري حولنا في العالم، جعل ذلك من الجنس في النهاية عقدة العقد الشرقوسطية. هذه العقدة تشكل اليوم بؤرة المشاكل النفسية بين أفراد مجتمعاتنا وعلى كافة مستوياتهم.

 أذن علينا قبل الشروع بمعالجة مختلف المشاكل في مجتمعاتنا الشرقوسطية وخاصة المتعلقة منها بالجنس أن نبدء بفرملة الذاكرة الشرقوسطية أستعدادآ لتحميلها بما هو منطقي موضوعي ومتناغم مع رؤيتنا للدين والتراث والحياة بصورة عامة.

 أن التدني الواضح في الوعي الجنسي لدى البالغين من الجنسين لهو مؤشر واحض على حالة الأنفصام ( خاصة في لحظة ردود الفعل تجاه كل ما هو أنثوي رقيق ) لدى الأغلبية الساحقة من الذكور في مجتمعاتنا. وبشكل أقل وضوحآ عند الأناث خاصة في أعمار ما بعد الأربعين، من اللاتي أستسلمن للواقع المرير وأنغمسن فيه بالنهاية. لقد تمكن المجتمع الذكوري من تحويل الأنثى الى أداة قسر بيد الرجال لتمرير الأوهام التي يثيرونها حول المرأة الى الأجيال الجديدة. وتلك الأوهام تدور بالطبع حول نفس المحور، ألا وهو نفي أمكانية أن تأخذ الأنثى أي دور طبيعي مستقل داخل المجتمع بعيدآ عن الوصاية اللامنطقية للرجل. أن الأمر وصل ومع الأسف الشديد الى درجة أن الأنثى صارت تحتقر نفسها بنفسها، فهناك من النساء الشرقوسطيات من يصرحن بأن رجل واحد يساوي مئة أمرأة!! أو كيف يمكن للمرأة أن تصل الى موقع الرجل أن كان الله تعالى قد جعلها أساسآ لخدمته؟! أن الرجل أفضل من المرأة والدليل أن الله أختار من الرجال أنبياء وأولياء ولم يختر من النساء!! ويستشهد الجميع طبعآ بمناسبة وبغير مناسبة بالأية الكريمة ( الرجال قوامون على النساء ) دون أن يوضحوا لنا المقاصد الحقيقة من وراء الأية، وهل هي تصريح بأن الله تعالى الذي خلق الذكر والأنثى، يستخدم عزلآ عنصريآ بين الجنسين؟! رغم أننا نرى أن الله قد اعطى للمرأة دورآ أعظم من الرجل في ديمومة الحياة الأنسانية.

 لم تستطع الأديان السماوية برغم تأكيدها الكبير على أحترام كرامة المرأة وصونها، من بلورة ثقافة مجتمعية أكثر ليونة وعدالة مع مطالب المراة في الشرق الأوسط. ولو أننا فكرنا بصمت ووجهنا ضمائرنا بصورة صادقة الى أنصاف المرأة، لسمعناها ملئ أذاننا تصرخ بصمت من أجل أن نعيد لها قيمتها الطبيعية المسلوبة، لتكون بيننا كفرد طبيعي لها مالنا وعليها ماعلينا، كما أراد لها الله وكما هو أستحقاقها كفرد أصيل في العائلة الأنسانية. وبالرغم من أن مطالب المرأة الشرقوسطية لم تتجاوز وحتى يومنا هذا أحترام شخصيتها الأنسانية وخصوصياتها النفسية والبيولوجية، التي تعتبر عند الأغلبية من مجتمعاتنا شيئآ أدنى بالمقارنة بشخصية الرجل وخصوصياته ( هناك من يذهب الى أحتقار المرأة فقط لكونها أمرأة ) والتعامل معها كجزء بنٌاء يمكن الأعتماد عليه في أي مشروع جاد لخلق مجتمع متوازن الأطراف من خلال موازنة العلاقة بينها وبين الرجل، والكف نهائيآ عن التعامل مع المرأة كملجأ لراحة الرجل وأشباع رغباته الجنسية، فأن كان الأمر ولا بد، أذن علينا عند ذاك أن نعطيها الحق أيضآ في أعتبار الرجل ككائن معتوه لا يربطها به غير الجنس، بالرغم من أنه لايمكن حصر علاقة الرجل بالمرأة في أطار جنسي ضيق، فهناك علاقات أنسانية من نوع أخر لها مكانتها الكبرى في قمة الهيكل الأجتماعي ( فقد تكون المرأة أمآ أوأختآ أوبنتآ أو عمة أو خالة ....الخ ) من العلاقات التي لا يمكن معها أن نضيق مجال الروابط بين الرجل والمرأة في الحدود المذكورة رغم أهميتها وفاعليتها.

 أن أشد ما يؤلم الأنسان هو ما يراه من أنتقائية في التعامل مع الأنثى بطريقة متجرأة حتى على التشريعات السماوية، التي يعتبرها الغربيون اليوم السبب الرئيسي لتدني حقوق المرأة في مجتمعاتنا ذات الأغلبية المسلمة. فعندما يكون هناك مكيالين في التعامل مع خطئين من نفس النوع، سنرى كيف ستتغلب العصبية للقيم القبلية على التشريعات الدينية، وهذا ما يدفعنا الى الأعتقاد بأن تهم الحداثة الغربية ليست ألا أثارة للغبار حول الأهداف السامية للتشريعات الأسلامية، وخاصة في مجال الحد من أسباب الأنحلال الأجتماعي، الذي صار اليوم يأخذ حيزآ كبيرآ من أهتمام علماء النفس والأجتماع في الغرب نفسه، فاتحآ بداية طبيعية لأعادة النظر في الكثير مما رمته الحداثة الغربية خلف ظهرها جزافآ.

 أما عن الكيل بمكيالين ضد المرأة ولصالح الرجل بشكل مخالف لصريح الأيات القرءانية، فنورد المثال التالي لكي تتوضح صورة المجتمع الموغل في الفحولة اللاعقلانية بأبشع صورها، والتي أفرزت لنا أمثلة سيئة من أجيال تقمع المرأة ثم تلتف حول نفسها فتقمع نفسها بنفسها، فالكل عندنا يخفض رأسه أمام ذلك الثور الهائج الذي يتحدى بذكوريته وفحولته المدمرة كل شيء في الأرض، وأحيانآ يتحدى حتى السماء ( الأغلبية من العوام تتوهم بخيالها المريض أن الألوهية هي المصدر الأساسي للفحولة والمساند لها في الأرض) ناهيك عن المفكرين والسياسيين الذين مازالوا يؤمنون أن أفضل وسيلة لقيادة المجتمع هي أبراز العضلات والتظاهر بالعنتريات ( التي هي أحدى أفرازات الظاهرة الذكورية وأستشرائها في كل مفاصل الحياة على حساب الأنوثة التي يجب أن تأخذ دورها في موازنة تلك الظاهرة ):

 فمثلآ عندما يسمع أحدهم هناك في شرقنا الأوسط من أن ولده الشاب اليافع يرتاد أماكن الدعارة الجنسية أو يقيم علاقات جنسية خارج الأطر الشرعية، قد يغضب ويعنف الأبن، وقد يكون أكثر تساهلآ فيكتفي بأن يرعبه بنظرات قاسية، وقد يتساهل كليآ في الأمر ويربت على كتف الأبن ويقهقه، ثم يلتفت الى جماعته الممتلئين بالفحولة من حوله فيفتل شاربيه فرحآ بان ولده قد أصبح رجلآ كاملآ وبدأ يسير على خطوات أبيه. حسنآ ... لو اننا تخيلنا مشهدآ اخر يسمع فيه نفس ذلك الفحل مفتول الشاربين بأن أبنته التي لم تتجاوز الخامسة عشر تلاطف ابن الجيران الذي بعمرها، ماذا سيحدث برأيكم؟؟ طبيعي جدآ أنه لن يترك الطفلة حتى يورثها عاهة مستديمة، فأن كان الكلام قد كثر في الحي عن تلك القصة الطفولية فطبيعي جدآ أن تتحول الحارة الى أرض معركة حقيقة، وغالبآ ما يتساقط فيها أثنين أو ثلاثة من الرجال صرعى من العائلتين بسبب تلك القصة. أما أذا أرتكبت تلك الطفلة جريمة ممارسة الجنس دون أدراك للعواقب، فأن جسدها سيصبح مشجبآ لكل الذخيرة الحية التي تحتفظ بها العائلة في أماكن متفرقة من البيت، الذي له القدرة على دعم حرب حقيقة في أية لحظة.

 أذن رأينا كيف أن نفس ذلك الفحل الذي ربت على كتف أبنه الزاني قتل أبنته لأنها أرتكبت نفس الخطأ أو أقل منه، رغم أن الشريعة الأسلامية تكتفي بعقوبة الجلد لكلا الجنسين، وتعتبر قتل الأنسان جريمة كبرى لا يغفر لها وأن كانت المقتولة فتاة زانية. من هذا المنطلق الضيق الأفق تحاول مجتمعاتنا الولوج الى عصر الحداثة التي تصنعها اليوم الثقافة الغربية الطاغية على العالم، هذه الثقافة التي قد لا تختلف كثيرآ عن ثقافة مجتمعاتنا بمستوى السلبية أن أمعنا النظر فيها، ما عدا أنها تلوح ببقرة جنسية هائجة لا يحدها أية أعتبارات للقيم الأنسانية المحددة للعلاقات الجنسية في المجتمع ( التي أن صقلت بالمحبة والعقلانية لكانت أفضل بكثير من التمرد الذي يثيره الطرفان على بعضهما البعض )، أن أغلب فتياننا وفتياتنا يقفون بحيرة أما الندائين، نداء الثقافة الشرقوسطية التي تتعهد بتغيير كل أنماط حياتها ماعدا الأنفتاح على الثقافة الجنسية وأعطاء الأعتبار للمرأة وعدم تمييزالرجل عليها عند التعامل، ونداء الثقافة الغربية التي ترى في المرأة غريزة، شهوة، الة جنسية متحركة علينا أن نطلق لها العنان لكي تجري في كل مكان، بغية توفرها عند الحاجة وفي كل مكان أيضآ وبدون أية ضوابط أخلاقية.

 أن على الطرفين: الأول الذي يرفض قيم الفضيلة ويجعل الأمر شخصيآ، حتى لو كان الأمر يمس القيم العائلية التي نتميز بها عن باقي الأحياء، والثاني الذي يفرض الفضيلة بأنتقائية فجة ويعتبرها ملزمة على المرأة، بينما تجاه الرجل فهي كيفية ومرنة ويمكن التنصل منها، أن على الطرفين أن يتوقفا عن تمزيق هيكل القيم الأجتماعية الأنسانية بجرها بصورة غبية وبأن واحد بأتجاهين متعاكسين ( شرقآ وغربآ )، لأن أستمرار ذلك سيكون ثمنه كبيرآ على الأجيال البشرية القادمة. أن أستمرار الطرح الغربي لحرية المرأة بالشكل الحالي القسري في بعض مجتمعاتها ( قانون منع الحجاب في فرنسا مثلآ ) والمساواة الغير ذكية والمتحدية لطبيعة المرأة ذاتها، يجعل المجتمعات الشرقوسطية تزيد من مقاومتها لأي تغيير وأن كان منطقيآ، وذلك يعني ببساطة توقف كل تغيير في الجوانب الأخرى من حياة مجتمعاتنا، لأن المسألة الجنسية هي كمركز بيت العنكبوت الذي تتصل به كل نشاطات الأنسان بطريقة أو باخرى. أذن خلاصة القول، أن الجزء الأعظم من مشاكل مجتمعنا هي بسبب القمع الجنسي والجهل بالثقافة الجنسية التي تنشر الكبت في نفوسنا، والذي يفرخ لنا بدوره القسوة والعنف في كل زوايا الحياة، وأن الجزء الأعظم من المشكلة الجنسية هي العلاقة المضطربة والغير متوازنة بين الرجل والمرأة في قوانيين دولنا وأعراف مجتمعاتنا، والتي تكون فيها المرأة ضحية يأسى العاقل على حالها، فيتحول المجتمع جراء ذلك الى طفل كبير لا يعرف من أسس المعاملات الأجتماعية غير التي تدار بالعضلات وهي كثيرة في ثقافتنا، فتكون مجتمعاتنا بذلك صاحبة الأمتياز وبحق للقب مجتمعات أبو عنتر.

  

الخطوة الأولى لحل مشاكل المرأة والمجتمع

 أن المشكلة الجنسية هي بالذات المشكلة المركزية لمجتمعاتنا (أن التوصل الى هذه الحقيقة قد يحتاج الى أمعان في دراسة أحوال مجتمعاتنا على ضوء علم النفس الأجتماعي )، وهي التي ترمي بمعظم أثقالها وأسقاطات تلك الأثقال على وضع المرأة في الحياة العامة والخاصة. حيث تأتي الأعتبارات المغلوطة والقياسات الساذجة التي ترمي كل أختلاط بين الجنسين بالعار و تصنف كل محاولة لتثقيف المجتمع جنسيآ ضمن المحرمات، ألا في حدود ضيقة حتى على المقاسات التي أجازها التشريع السماوي. أن تلك الأعتبارات تجعل وبطريقة طفولية عبثية من قيمة المرأة شيئآ يقاس على أساس مدى أرادتها في العملية الجنسية، وحيث أنها تكون غالبآ بلا أرادة في داخل مجتمعاتنا، أذن فهي الطرف الأضعف وقيمتها الأجتماعية ثانوية في ذهنية أصحاب تلك الأعتبارات. ورغم الحجم الهائل للتطور الفكري والتقني الذي طال كل شيء في حياتنا المعاصرة تقريبآ، ألا أن نظرة المجتمع الذكوري الى المرأة ظلت محكومة بتلك العقلية المريضة، حيث ظلت تقيم وضع المرأة على أساس من المقارنة المفتعلة الباحثة وببدائية واضحة عن من هو الفاعل ( المنتصر جنسيآ ) ومن هو المفعول به ( الخاسر أو المهان جنسيآ ) في أطار المشاركة في العملية الجنسية .

 أن النشاط الجنسي شيء أكثر من عادي في حدود الأعراف التي ترعى الروابط الأسرية والأجتماعية المميزة للجنس البشري، وهذا النشاط يمارسه جميع الأصحاء نفسيآ وجسديآ في العالم، ولا يحتقرها بهذا الشكل البدائي واللامنطقي غير شعوب منطقتنا جراء العقلية الجاهلة والروح القبلية الفحولية الجافة، التي تستهين بكل ما هو أنثوي، لطيف، حيوي، وشاعري. أننا نعرف جيدآ أن طرح الحلول للمشكلة الجنسية قد لا تكفي لأعطاء المرأة دورها الذي تستحقه في الحياة العامة والخاصة، ولكننا نرى أن حل تلك المشكلة المستعصية بأسلوب منطقي عقلاني قد يفتح في النهاية مجالآ أوسع لحل أشكالية تهميش دور المرأة في المجتمع، بحيث يكون هذا الحل نابعآ من داخل مجتمعاتنا، كي لا نضطر في النهاية لقبول الحلول العرجاء التي تحاول فرض نفسها من خارج منظومتنا الأخلاقية والحضارية، لأنها أي تلك الحلول لا تستطيع التكيف مع تضاريسنا النفسية والتاريخية والدينية بشكل ثابت ونهائي.

 أننا لا نتفق أبدآ مع من يرمون الدين كسبب لجهالة مجتمعاتنا بالثقافة الجنسية، بل نرى ومن خلال روح النص القرأني تسامحآ حضاريآ في خفض شروط الأنفتاح بين الجنسين الى أقصى حد تسمح به الأسس الأخلاقية التي يبنى عليها المجتمع الفاضل، ونجد تغليضآ وتشديدآ في الشروط الواجبة توفرها لفرض العقوبات وأحتساب الأخطاء والذنوب على النشاطات الجنسية الغير شرعية ( تصل الى حد التعجيز)، كشرط أثبات واقعة الزنى بتوفر أربعة شهود عدول يشهدون برؤية العملية الجنسية وكأنها جرت أمامهم تحت المجهر، وما التغليظ في تلك الشروط ألا لمعرفة المشرع بدقة وحساسية الموضوع، ولكي لا تكون تلك الحدود ( التي هي عقوبة للقلة من غير الأسوياء ) طريقآ لقمع (الأغلبية من الأسوياء ) الذين لا يمارسون تلك العملية كمتعة غريزية محضة، بل يرون الى جانب المتعة المهمة في ذاتها أيضآ، أهدافآ أجتماعية أسمى.

 قد يكون للتفسير الخاطئ للنصوص الدينية التي تنظم العلاقة الجنسية بين أفراد المجتمع كل هذا الأثر السلبي مما نراه من ردود فعل عكسية، تأججها الحداثة اللاواعية ضد المفاهيم الروحية، فبدلآ من أن تصبح تلك النصوص تنظيمية تحولت وللأسف عبر التفسيرات الخاطئة الى نصوص هدامة مما جعل الدين عرضة للنقد المسوغ على أثر التفسير الخاطئ حصرآ.

 في الحقيقة فأن الدين لا يلعب في واقع مجتمعاتنا ألا دورآ رمزيآ فيما يتعلق بالجنس، واللاعب الأكبر في ذلك هي الثقافة البيئية والتاريخية، التي يعزوها البعض الى فترات موغلة في القدم منذ ظهور الأنظمة الدينية في نهاية العصر النيوليتي وبداية عصر المدن وأختراع الأنسان للكتابة حيث أستبدلت تلك الأنظمة الألوهية ألأنثوية بألوهية ذكورية، أو كما يقول البعض الأخر أن مشكلة المرأة في منطقتنا هي أستمرار لمفاهيم وطبائع البداوة التي كانت تعيشها القبائل العربية قبل الأسلام ومن ثم تنامت مرة أخرى في ظروف الأنحطاط الثقافي الذي مرت به المنطقة بعد سقوط الدولة العباسية. ويراها أخرون بأنها مظهر مرتبط طرديآ بالوضع الأقتصادي والثقافي، بمعنى اخر كلما كان المجتمع أكثر رفاهية كان أكثر ميلآ نحو الأهتمام بالمفاهيم الأنثوية من أزدهار للفنون وشيوع الروحية الشاعرية واللطيفة في كل جوانب الحياة، وفي أزمنة القحط والجدب الأقتصادي والثقافي يميل المجتمع الى الحياة الخشنة وشيوع مفاهيم القوة والتسلط الذكورية.

 عمومآ فأن الدراسة الموضوعية الشفافة للأيات القرأنية بعيدآ عن الروايات والباطنيات تضعنا أمام قواعد تنظيم العملية الجنسية وتشكل مع مجمل النظام الحياتي الذي يبشر به القرءان طريقآ للأرتقاء بتلك العملية الى المستوى الأنساني اللائق، حيث تقنن تلك العملية في طقوس معنوية أجتماعية، لكي تكون لها قدسيتها دون أن تلغي توفرها بشكل يسير لكل البالغين، والهدف في تنظيمها هو جعلها سببآ لبناء مجتمع متماسك واضح المعالم وأرقى من المجتمع الحيواني. أذن في الحقيقة ليس في الدين أية عوائق تمنع توفر الجنس لكل من يحتاجه من أفراد المجتمع، ولم يكن الدين في حقيقته يومآ السبب في تفشي حالة الكبت الجنسي الذي ندفع ثمنه اليوم ضريبة باهضة وعلى كل مستويات الحياة، العلمية والفكرية والفنية وحتى السياسية، بل الدين مجرد محرض على جعل تلك العملية الأنسانية ممارسة أجتماعية عالية القيمة، أما أن تأتي مجتمعاتنا فتضطهد المرأة وتضع ألاف العوائق أمام زواج الفتيان والفتيات، ثم تفرض عليهم حضرآ جنسيآ وثقافيآ وتشهر سيف الحد فوق رؤوسهم، فالدين بصيغته القرأنية بريء من ذلك كله، فحتى الحدود ( التي يلوح بها الجاهلون بالمقاصد العظيمة في فرضها ) لا يجوز من باب العدالة التي أوجد الكون على أساسها، أن نطبق شيئآ منها ألا بعد تكامل شروط مجتمع الأسلام الحضاري ( أسلام النص الواضح )، وليس مجتمع أسلام الثقافة الجاهلية (أسلام التاريخ، من روايات وباطنيات وخزعبلات صوفية )، التي جاء أسلام النص القرأني الحنيف ليجتثها من واقع الحياة التي كانت قبل الأسلام مريرة وغير متوازنة كما هو حال الحياة في مجتمعاتنا هذا اليوم. من كل ذلك فأننا نرى أن طرح أي حل لمشاكل المرأة الشرقوسطية يجب أن يبدأ بطرح حلول عقلانية لمشكلة الجنس، وستكون تلك الحلول في النهاية كما توصلنا الى أثباته فيما سبق، حلولآ لمعظم مشاكل المجتمع.

 أننا نعتقد أنه من الحكمة والمنطق أن تنحصر الحلول التي نتوخى فيها أستقرار المجتمع جنسيآ في نطاق الأعمار الشابة ( من عمر 16 الى 25 ) لكي نركز جهودنا لبناء سد أمام نفاذ المشكلة عبر الأجيال، أما ما يبقى منها خلف السد فسيتكفل به الزمن والأعراف الجديدة للمجتمع، التي ستقلب حتمآ الصورة المأساوية عن النشاط الجنسي في عيوننا وتجعله نشاطآ بناءآ يعول عليه في تنظيم الحياة وأستقرارها.

 أن في سياق طرح الحلول أمر مهم، يجب أن لا يغيب عن حساباتنا ونحن نتعرض لحل مشكلة من النوع الذي يكون مجرد الكلام فيه أثارة لحساسية الأغلبية من الناس، ونقصد بالأمر: محاولة التحايل على التشريعات الدينية ذات العلاقة أو محاولة الألتفاف عليها بطريقة توفيقية. أن نتيجة مثل تلك المحاولات هي الفشل الذريع، لأن تلك التشريعات جزء من كل أيماني مقدس، أي مصانة عاطفيآ من قبل المجتمع (وأن كان المجتمع لا يبرهن أيمانه بالتطبيق ولكنه رغم ذلك مندفع تجاهها بعاطفة عمياء )، حتى وأن كان الهدف ساميآ وهو أيجاد حلول لمشكلة يعاني منها المجتمع ذاته، فالتسويف يجعلنا أمام طريق مسدود ينكفأ فيه المجتمع داخل أطاره الأيماني ويحتضن مشاكله، راضيآ بالثمن كيما يمس شيء من مقدساته، وهذا أمر طبيعي جدآ، ويمكننا أن نشبه ذلك بموقف المؤمنين من الشيوعية، فرغم شعاراتها الأنسانية في الجانب الأقتصادي وليس الفكري ( لأنها في الجانب الفكري تمثل قمة الرجعية المتسلطة ) من أشتراكية وتقسيم عادل للثروة في داخل المجتمع، ألا أن تجرئها على الدين ( الجانب الروحي) بشكل عام، وعلى حرية الفكر الأنساني بشكل خاص، جعلها عدوآ لدودآ للأغلبية الفقيرة المسحوقة من المؤمنيين، وجعل عدوتها الأمبريالية ذات الوجه القبيح أقتصاديآ والمقبول دينيآ وفكريآ محط ترحيب من ضحايا ألأمبريالية نفسها، لأنها لا تمس الدين من قريب.

 من ذلك يتبين أنه علينا طرح الحلول التي لا تتناقض مع التشريعات السماوية كي نأمن على طروحاتنا من أي هجوم بأسم الدين يكون قاتلآ لا محالة. وننفرد بعد ذلك في صراع أسهل (نسبيآ) مع الثقافة الجاهلية، وهي أهون من أن تقاوم الحلول المنطقية الصادقة الغير متجرأة على الكرامة الأنسانية.

 نبدأ بالشباب من الجنسين ذوي الـ 16 عامآ حيث أنهم وبالحسابات العلمية مكتملي الخصائص الجنسية عضويآ ونفسيآ. فعند عمر السادسة عشر يكون الأنسان في أحرج أوقات المراهقة (المرهقة في مجتمعاتنا حقآ )، وتكون أغلبية المراهقين في نهاية المرحلة الدراسية المتوسطة، التي هي المدخل لأعدادهم الى الجامعات والكليات، وهنا يتوضح لنا أهمية المرحلة بالنسبة لهم وللمجتمع. هنا تجدر الأشارة الى واحدة من الأخطاء التي ترتكب في حق الشباب في بعض مجتمعات الشرق الأوسط، ألا وهي عزل الجنسين في مدارس خاصة لكل منهما، بدعوى المحافظة عليهم من الأنحراف الجنسي، وهذا وهم كبير لأن الأنحراف الجنسي لا يرتبط بعمر معين بل يرتبط بالنفسية التي يحملها الأنسان، وقد يقترفها الأنسان في أي مستوى عمري بدون تحديد، خاصة عند توفر النفسية المكبوتة، المريضة، الأنتقامية. والعزل بهذه الصورة قد يزيد من الشحن النفسي عند الشباب والذي هو بداية للكبت.

 علينا جميعآ كعوائل لديها أبناء وبنات بهذا العمر أن ننظر الى المسألة بعين الحكمة، ونسلك في حل المشكلة الجنسية المحيطة بأبنائنا وبناتنا طريقآ حضاريآ نرضي به الجزء الحضاري من منظومتنا الأخلاقية الشرقوسطية، وروح عقيدتنا الأسلامية التي نراها رسمآ حيآ لأهم ملامح ثقافتنا وهويتنا الأنسانية أمام ثقافات باقي المجتمعات الأنسانية (التي نراها مكملة لثقافتنا وليست بديلة عنها ). لذا فأننا نطرح لحل هذه المشكلة نوعآ من الزواج المبكر نسميه الزواج المشروط: والذي لا يختلف في أصوله عن الزواج الشرعي وفق الشريعة الأسلامية، ألا في مسألة الشرط وهوغير مفسد، لأن هناك من الزيجات العادية ما تكون مشروطة بشرط معين ومحدد بذاته عند العقد. وشرط الزواج المشروط محدد غاية ومعنى، فغايته التقليل من قيمة التخوفات التي تثيرها العوائل أمام الزواج المبكر، أما معناه فهو عدم الأنجاب الى العمر الذي يتجاوز فيه الفتيان والفتيات المرحلة الجامعية (تقريبآ في سن 24 ) وعدم فرض بيت الزوجية، حيث يأتي الأثنان ( الأنجاب وبيت الزوجية ) في المرحلة الثانية بعد رفع الشرط، حيث يحضرالزوجان أمام القاضي أو من بيده عقد الزواج ليعلنا رغبتهما في الأستمرار كزوجين في زواج لا شرط فيه ألا الشروط التي تلزمها الشريعة الأسلامية وهي مصانة في الزواج المشروط كما الزواج الغير مشروط تمامآ بلا أدنى فارق، أو يعلنان رغبتهما في الأنفصال ( بعد هذه التجربة الطويلة يكون الأثنان قد كونا رأيآ دقيقآ في مدى النجاح المتوقع لأستمرار زواجهما في المرحلة الغير مشروطة ) وبناء حياة زوجية مع أخرين قد يكونوا مناسبين أكثر.

 في ما يلي سنرى كيف أن الزواج المشروط يلغي ببساطته كل أسباب الممانعة التي تقف عائقآ في وجه الأختلاط الحضاري الشرعي بين الجنسين، في أماكن الدراسة والعمل والسفر والمناسبات والحفلات..... الخ من المظاهر الأجتماعية الأيجابية، التي قد تحرم منها الأنثى لأسباب شرعية. وكيف أن الزواج المشروط يرفع عن كاهل الفتيان والفتيات كل العوائق الأقتصادية والنفسية التي تعترضهم عند أعلان الرغبة في الزواج في سن مبكرة.

 

أولآ: مسألة الأختلاط بين الجنسين

 والتي تقف الأعراف ألاجتماعية والألتزامات الشرعية مانعآ أمامها. أن أختلاط الجنسين له فوائده الكبيرة من أدراك أحد الجنسين لأهمية الأخر، وفهم شخصيته الأنسانية، كما أن الأختلاط يرفع الكثير من أسباب الكبت المستشري في مجتمعاتنا اليوم(نفسيآ على الأقل). وكما أن للأختلاط فوائد فله مضار أيضآ، وهي كثيرة أن تركناه مشاعيآ بلا ضوابط ، فروح الأندفاع عند الشباب وعدم أكتمال الحكمة في رؤوسهم يجعل من أقتحام المحذور أمرآ مرغوبآ ومحببآ الى نفوسهم، بحيث نعطي المسوغ للأغلبية المحافظة في مجتمعاتنا للتشبث بالعزل القسري للجنسين وأستمرار حالة العوز الجنسي لدى الذكور والأناث في الجزء الأعظم من المجتمع. لذلك كله فأن الزواج المشروط الذي يبقي الشباب المتزوجين تحت رعاية أولياء الأمر الرسميين من الأباء أو الأمهات أو المؤسسات الحكومية الخاصة أو المنظمات الأهلية المخولة، يكون حلآ أمثل لكل المشاكل التي ذكرناها. أذن الأختلاط مهم وخطر في ان واحد، لذا علينا توخي الحكمة وتغليب مستقبل أجيالنا على الأوهام التي نعتقد أنها تحمي أسرنا وفي الحقيقة هي أهون من أن تقاوم حتى أغراءات الأفلام التي تشيع الأنحلال الأسري في كل العالم، لذا علينا أن نحصن أبنائنا وبناتنا بتوفير الجنس الشرعي لهم في عمر مبكر.

 أن أهم الشروط الشرعية للأختلاط هو وجود المحرم، وهذا متوفر في الزواج المشروط لوجود الزوج الذي سيكون غالبآ قريبآ من الزوجة بيئيآ وأجتماعيآ وكمرحلة دراسية أيضآ. أن توفر محرم للفتاة في عمر مبكر ومن نفس الفئة العمرية ومتفرغ للدراسة والنشاطات الشبابية الأخرى الى جانب الفتاة، سيكون مفيدآ جدآ كخطوة أولى من خلال أطلاق حرية الحركة للفتاة كي تتمكن من الأستمرار في الدراسة والتفاعل بشكل مميز أكثر في الحياة الأجتماعية والمشاركة الفعالة في النشاطات الشبابية التي تحرم منها الكثير من فتياتنا اليوم، وكخطوة اساسية لأنجاح أي مشروع مستقبلي لتحسين وضع المرأة في المجتمع.

 

ثانيآ: الحالة الأقتصادية

 كون الفتيات و الفتيان موجودين بيننا وفي هذه الفئة العمرية فأنهم بحاجة الى أعالة بغض النظر عن اية أمور افتراضية أخرى، لذا فلا فرق في أن يوفر لهم الوالدين الأحتياجات الضرورية وهم يعيشون معهم كعزاب ( مع كل المشاكل التي سيجنونها من حرمانهم من الجنس )، أو أن يوفروا لهم نفس تلك الأحتياجات وهم في زواج مشروط في غرف مستقلة عند أهل الفتى أو الفتاة أو بيوت مناسبة للشباب يمكن أن يتعاون المجتمع كله في توفيره، أو أن يعيش الشباب في الزواج المشروط حياتهم الطبيعية كل في بيت أهله. المهم أنهم سيكونون في راحة نفسية كاملة ومهيئين لأكمال دراستهم على أكمل وجه وخالين تمامآ من الأمراض والعقد النفسية التي تسببها حالات الكبت الجنسي. أن مثل هذا الزواج المشروط لا يحتاج الى أية زيادة مضاعفة عما أعتدنا عليه في وجود أبنائنا معنا كعزاب ( غير متزوجين )، بل يحتاج الى مضاعفة الحكمة التي في رؤسنا وأستبصار النتائج الأيجابية لهذا العلاج الأنساني والشرعي الذي نحن بصدد طرحه الأن. ومن المميزات الأقتصادية للزواج المشروط بالنسبة للزيجات العادية التي تجري اليوم، ما يلي:

 1ـ عدم وجود أية صيغ لتقديم المال أو المواد العينية لأهل العروس، بل كل ما في الأمر هو حلقات ذهب للفتاة والفتى للدلالة على أقترانهما. مع بقاء مبلغ المؤخر لأن فيه ضمانات مادية للفتاة في حالة عدم رغبة الشاب بأستمرار الأقتران بعد نهاية المرحلة المشروطة.

 2ـ ليس على الفتى أو الفتاة أو أهلهما التكفل بشراء أية مستلزمات منزلية.

 3ـ ليس هناك أية تكاليف أقامة أعراس، ويمكن أن تقام الأعراس بشكلها الحالي عند رفع الشرط والأتفاق على الأستمرار في زواج غير مشروط.

 ثالثآ: التخوف من الأنجاب في عمر مبكر.

 عدم الأنجاب هو الشرط الذي على أساسه يسمى هذا النوع من الزواج بالزواج المشروط، وشرط عدم الأنجاب يوضع للمبررات التالية:

 1ـ عدم أنشغال الشباب عن الدراسة التي هم في معرض أكمالها.

 2ـ عدم تحميلهم وأهاليهم مصاريف أضافية جديدة قد يعجزون عن أدائها فيكون وضع العائلة في أحسن الأحوال سيئآ غير مناسب لتربية أولئك ألاطفال، فتعاد من جديد قصة المشكلة الجنسية والمشاكل الأجتماعية الأخرى من حيث نريد حلها.

 3ـ عدم توريط العوائل وبالتالي المجتمع بزيادات غير أيجابية في أعداد النفوس التي تسبب مع الوضع الأقتصادي الراهن، مشاكل أجتماعية وسياسية في المستقبل المنظور.

 رابعآ: التخوف من عدم الأهلية في أختيار شريك الحياة.

 قد يكون الزواج المشروط هو الزواج الأمثل في مسالة الأختيار التي قد يتخوف منها الأباء والأمهات عند رغبة أبنائهم أو بناتهم في الزواج المبكر. فلكون الزواج مشروط بعدم الأنجاب، فأنه يبقى أسهل من ناحية التبعات في حالة حصول أي فشل فيه في المستقبل لأنه سيكون بلا أطفال. ولوجود المرحلة المشروطة التي تبدأ بسن الزواج المشروط 16 عامآ وتنتهي بنهاية الفترة الجامعية 24ـ 25 عامآ، يجعل الشباب أكثر ألتصاقآ وتفاهمآ لأنهم بدأوا كأسرة وكشركاء حياة في وقت مبكر. ونقول لمن يظنون في الزواج المشروط عدم كمال الموضوعية، من حيث أنه يجمع الشباب في زيجة قد تنتهي في وقت معين، أنه لو توفر هناك لكل المتزوجين حاليآ في مجتمعاتنا ( خصوصآ النساء ) فرصة للأفصاح عن رأيهم بصراحة عن مدى رغبتهم في أستمرار زواجهم الذي يعيشونه الأن، فهل هناك شك في أن الكثيرين سيقولون: لو توفرت لدينا فرصة مراجعة بعيدة عن الضغوطات الأجتماعية لأخترنا البدء من جديد مع أناس أخرين، هذه حقيقة يعرفها كل من يعيش في مجتمعاتنا، والزواج المشروط يوفر للشباب من كلا الجنسين فرصة لبناء حياة زوجية مستقرة وعلى أسس حضارية رصينة، وتوفر في نفس الوقت لمن لم يجدوا القدرة على الأستمرار في زواج غير مشروط فرصة جديدة للبدء مع أخرين قد يكونوا مناسبين أكثر لهم.

 خامسآ: عدم قدرة الشباب على القيام بالواجبات العائلية في عمر السادسة عشر.

 أن الزواج المشروط لا يعني أبدآ ترك المسؤليات الى الشباب وهم في عمر غير قانوني 16ـ 18 فهم سيبقون برعاية الوالدين كل تلك الفترة، لذا فليست لديهم أية نشاطات أضافية عن المعتادة للشباب داخل أسرهم أو خارجها، وهنا نسأل من اين ستأتي الواجبات التي تتطلب القدرة على القيام مما قد لا يتوفر عند الشباب، وهم مستمرين في حياتهم الشبابية كطلاب أو أصحاب مهن يعيشون مع أهليهم كالمعتاد؟

 سادسآ: حاجة الوالدين أو العائلة الكبيرة الى جهد الفتيان والفتيات في العمل، وخاصة في القرى والأرياف.

 أن مشكلة تشغيل الشباب في الأعمال المنزلية والخاصة في فترة الدراسة، هي من المشاكل المستشرية في مجتمعاتنا، ولهذه المشكلة أسباب كثيرة من أهمها الضائقة المالية التي تحيط بأكثرية العوائل، ورغم أن تعويد الشباب على العمل وممارسته بصورة فعلية في وقت مبكر هي من الأمور الجيدة، ولكن يجب أن لا يكون ذلك على حساب فرصة الأستمرار في الدراسة والتعلم، وكحل مؤقت يمكننا حصر ذلك في فترات العطل الصيفية وستكون الفائدة أكبر وأهم. والزواج المشروط بصيغته المقترحة هنا، لا يلغي أمكانية الأستفادة من طاقات الشباب في توفير موارد مالية جديدة للأسر الضعيفة أقتصاديآ، لأن الشباب سيكونون متواجدين ضمن أسرهم وعوائلهم في حالة طبيعية، بل ان الزواج المشروط أفضل من الزواج المبكر الغير مشروط في هذه الناحية، حيث أن الزواج المبكر الغير مشروط يجبر حسب التقاليد السارية أن يكون للزوجين بيتآ خاصآ بهما أو أن يعيشا في بيت أهل الشاب، وفي كلا الحالتين فأن هناك جهة واحدة على الأقل ستخسر جهد الأبن أو البنت، الأمر الذي يبقى في الزواج المشروط على حاله كما لو أن الشابين لم يتزوجا بعد.

يبقى الزواج المشروط حلآ مطروحآ كغيره من الحلول التي تبحث عن مجالات أجتماعية أكثر ليونة وحكمة لتطبيقها، لأن مشكلة الجنس مشكلة كبيرة حقآ في داخل مجتمعاتنا، ولن تنفعنا الحلول التي تطرحها الثقافة الغربية من أشاعة الجنس وأعتباره مسالة شخصية، لأن طرح مثل هذه الحلول الأنهزامية أو أجبار المجتمع بالقوة أو بالأيحاء بتبني النظرة الغربية تجاه الجنس سيزيد المشكلة تعقيدآ، لأن ذلك سيجبر مجتمعاتنا على التقوقع أكثر على مفاهيمها الحالية التي لا علاقة لها بموروثنا الديني الخالص، بل هي مجموعة من المفاهيم التي تقوم عليها الحياة القبلية والصحراوية والتي وجدت طريقآ تتسلل منه الى منظومتنا الأخلاقية الأسلامية، والدليل الأخر على ذلك أن المفاهيم الموجودة في مجتمعاتنا تجاه الجنس والمرأة يتبناها الجميع أبناء الطوائف والأديان الشرقوسطية حتى الغير أسلامية من مسيحيين ومندائيين ويزيديين وغيرهم، وهذا دليل واضح على أنها مفاهيم مجتمعية بيئية أكثر مما هي دينية. 

ودمتم في رعاية الله ضمير الكون الأعظم

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com