بحوث

منظومة الثقافة والقيم في المجتمع ودورها في حماية النظام الديمقراطي

 فارس حامد عبد الكريم

ماجستير قانون / بغداد

 تنبع قوة الانسانية الحقيقية من الطاقات الكامنة في العقل والموهبة والابتكار، نتاج ذوي العقول النيرة والضمير الحي الذين يسعون لخلق عالم يسوده السلام والرفاه والمحبة.

 ذلك ان الانسان يتمتع بقابليات فذة ومرونة في التفكير تجعل منه قادرا على أن يصنع الخير كما يصنع الشر، والديمقراطية والحرية واقرار الحقوق العامة والتعايش الاجتماعي السلمي اساس التنمية الانسانية والارض الخصبة لاستثمار نتاج العقل والطاقات الانسانية، فضلا عن انها افكار انسانية خلاقة ابتدعها العقل البشري كسلاح فذ في صراعه الطويل المر المستمر مع رموز الشر وقوى الظلام وكانت دائما انجع وسيلة لانتصاره، وعلى خلاف ذلك فأن الطغيان واهدار الحريات العامة والتناحر الاجتماعي هي مصدر كل شر وخراب وهزيمة للأنسان ولطاقاته الخلاقة.

وفي فضاء الديمقراطية الرحب تبرز اهمية مؤسسة الثقافة والاعلام ومنظمات المجتمع المدني كجزء فاعل من منظومة الثقافة والقيم في المجتمع التي تتشكل تلقائيا من الموروث الثقافي وصورته الحاضرة التي تتكون من الادباء والشعراء والفنانين ورجال الدين والعلماء في اية مجالات ورجال السياسة والتربية وغيرهم، الذين يسهمون شخصيا ومن خلال ابداعاتهم في تشكيل هذه المنظومة وتحديد ملامحها. اما الاعلام فهو وسيلة التعبير عن هذه المنظومة فضلا عن انه جزء مهم منها، ذلك ان تنوع وسائل الاعلام يشجع على نشر النتاجات الثقافية، العلمية والادبية والسياسية، بل انها تشكل حافزا للكتابة والابداع والتجديد فضلا عن انها منابع ثقافية تيسر من عملية المعرفة وسبل الاستزادة منها، ولاغنى عن هاتين المؤسستين ابدا في الحياة الديمقراطية الحقة.

وللمنظومة الثقافية والاعلامية دور جوهري في حماية النظام الديمقراطي وتعزيز قيمه وتقويمه وفي توجيه المصالح السياسية العامة العليا وفي بناء منظومة القيم الاجتماعية وابراز الهوية الثقافية العامة واعطائها شكلها الواضح المحدد.

ولمنظمات المجتمع المدني دور بارزفي بعث روح التضامن والتعاضد بين ابناء المجتمع المدني وفي استثمار طاقات الانسان الخلاقة والمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي حر يقوم على القيم الاخلاقية العميقة.

ذلك ان التناسق الاجتماعي، رغم تنوعه، الذي تساهم في بنائه هاتين المؤسستين، يؤمن لاي مجتمع ركائز قوية لبناء الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية ومساعدة ابناء الشعب على تحقيق امانيهم وتطلعاتهم المشروعة من خلال المساهمة الجماعية في السياسات العامة في المجالات الاجتماعية والتربوية والصحية وحقوق الانسان ودعم سياسة مكافحة الفساد وغير ذلك من مجالات.

ان الاعلام الحر ومنظمات المجتمع المدني هما نتاج الفكر الديمقراطي الحقيقي، والديمقراطية ميدانهما المفتوح لجمع كل ابناء الشعب بكافة طوائفهم حول اهداف وغايات سامية، ولهذه المؤسستين على تنوعها الثر دور مهم في بناء قيم المجتمع المدني الديمقراطي، ذلك ان بناء الديمقراطية الحقة يتطلب وجود مواطنين ينظرون الى ابعد من مجرد مصالحهم الشخصية والفئوية ويمتلكون حرصا حقيقيا على مقتضيات المصلحة العامة، ويمتلكون ايمان حقيقي بالنظام الديمقراطي وثقافته ويعتمدون معايير موضوعية دقيقة للاختيار الانتخابي، ومهمة تنمية هذه الثقافة العامة موكول الى هاتين المؤسستين للقيام به في ظل الوضع الراهن في العراق، وهي مهمة جوهرية، بل هي أمانة ثقيلة، لان نتائجها واثارها ستمتد وتغطي حياة ومستقبل الاجيال العراقية اللاحقة.

ذلك ان الديمقراطية في العراق في مرحلة المخاض العسير وهناك تشكيك في جدواها او امكانية تبنيها في العراق تحت ذرائع وحجج بالية شتى وهناك تفعيل متعمد للمأسي والبؤس في ظلها، ولكن العيب ليس في الديمقراطية بحد ذاتها، فالديمقراطية وسيلة لاهدف، فهي وسيلة انسانية متطورة لاحتواء الثقافات المتنوعة وطموحات ومصالح الناس المتعارضة لغرض تحويل الصراعات المحتمل نشوؤها، على اثر هذا التنوع والاختلاف، الى صراعات سلمية وفقا لقواعد محددة تسمى احيانا بـ ( قواعد اللعبة الديمقراطية ) ويلاحظ الناظر ان انجح الديموقراطيات التنموية كانت في الدول الاشد تنوعا واختلافا، وكانت سببا مباشرا في نهضة هذه الشعوب، بما اتاحته من تنظيم قانوني يقوم على الارادة الحرة للشعب وترسيخ قيم وأخلاقيات وتقاليد علمية، تقوم على سيادة القانون واحترام الحريات العامة والرأي الأخر واتاحة الفرصة للابداع الفكري ليأخذ دوره في الحياة العامة، وخلق نظم مؤسساتية فعالة تدعم الابتكار وأنتاج المعرفة، تتجسد ابتداءا في المؤسسات التعليمية التي تشجع على التفكيرالنقدي الحر والتي تحفز طالبي العلم والمعرفة على نقد المسلمات الاجتماعية و السياسية وتنمي فيهم روح الاستقلالية وانتهاءا بالمؤسسات البحثية والتطويرية التي تدعم الانشطة الابداعية والخلاقة، وتتوسط منظمات المجتمع المدني العلاقة بين هذه المؤسسات والمجتمع لتقوم بادوار خلاقة متنوعة سواء كانت هذه الادوار قيادية اوداعمة او مقيمة او مصححة للمسيرة بوسائلها السلمية، ويبنى كل ذلك وفق تنظيم قانوني يدعم النظام الديمقراطي ويحميه، وفي مثل هذه الاجواء تنشط التنمية والاستثمار وروح الخلق والابداع.

 لقد ذقنا في العراق طعم الدكتاتورية المر وأدركنا بعمق انها سبب كل تخلف وأندحار وهزيمة، واليوم نتذوق طعم الديمقراطية وصدقوني واقولها مخلصا انه رغم تأمر كل قوى الشر والموت مع كل شياطين الارض على الشعب العراقي فأنه يجد طعم الديمقراطية كطعم العسل بل هي أحلى وأذوق فما اجمل الحرية ولو كانت تنوشك في كل لحظة رماح الغدر ونفثات السم والشر..

لقد أستباح الارهابيون الغرباء وبعض الخونة المنافقين الدم العراقي وذبحوا اطفال الرافدين وأرسلوهم باكرا الى المقابر وهم بملابس عيدهم ونشوة طفولتهم دون ذنب الا لانهم اطفال العراق، اجمل وارق اطفال في العالم، بل انهم ابادوا عوائل بكاملها ذبحا، واعتدوا على من يُحلف بعفتها وطهارتها، واهانوا الحر الكريم الشجاع ابن مضائف العراق وخيراته، بل فعلوا ما لاتفعله البهائم حتى في بني جنسها من دون وازع من ضمير او اخلاق اودين أو حقوق انسان.

 كل ذلك في سبيل اسقاط التجربة الديمقراطية في العراق ولكننا نؤمن وبكل ثقة انها مؤامرة خاسرة سينتصر فيها الشعب العراقي الاصيل حتما وستحل البسمة في عيون اطفال العراق محل الدموع، لعنة الله والتاريخ على من ابكاهم ويتمهم...

 ذلك أن الشعب العراقي ليس وليد اليوم أو البارحة بل هو صانع حضارات ماهر، ويستحق الحياة الديمقراطية الحرة بكل جدارة، فهو اول من خطا خطوات الحضارة الانسانية في سومر واكد واشور وبابل، فالقانون عراقي والكتابة عراقية وكذلك العجلة،ومنه شع نور الاسلام وقيمه العظيمة الى ارجاء الدنيا، وقال الامام علي (ع)، يوم قدم العراق، مخاطبا العراقيين ( والله ماجئت لاعلمكم وانما لاعلم الدنيا بكم ) وفي زمن لاحق وفي حضرة الدولة العباسية كانت بغداد حاضرة الدنيا وعلى ارضها تجمع كل علماء الارض فأحيوا العمارة والفن فأضحت مركزا للثقافة العالمية وفيها اسس دار الحكمة، اول مركز بحثي منهجي في تاريخ البشرية، ولم يتغير حب العراقيين للحضارة والعلم والفن حتى في اقسى الظروف وخلال عهود من الدكتاتوريات المتعاقبة والحروب العدوانية،بل وحتى في ظل اقسى الهجمات الارهابية لم يتمكنوا من ارهاب فلذات اكبادنا ليتركوا رياضهم او مدارسهم الابتدائية ولم تدع ام حنون ابنها لتركها ولا أب، ايمانا منا بانهم في حفظ الله تعالى ورعايته.. ان أرادة الشعب العراقي لايمكن ان تقهرها سموم اعدائه.

نعم لم تتغير صورة العراق كثيرا منذ خمسينيات القرن الماضي، الا نحو الاسوأ، لذا فهو اليوم بحاجة الى ان يخلع ثوبه العتيق الضيق وينفض غبار الماضي الأليم ليظهر بصورته المشرقة التي يستحقها بثوب جديد وحلة زاهية.

وينبغي على منظمات المجتمع المدني تفعيل دورها في تعزيز ثقافة الديمقرطية والحوار السلمي والمصالحة الوطنية واغنائها بالجهد والدعم ونبذ الفكرالارهابي.

ونقول مخلصين للمثقفين والاعلامين الاحرار، ان العراق ساحتكم الكبرى وهو وطنكم العزيز وبدونه لن تكون لاي منا اية قيمة، فازرعوه اعلاما حرا ومحايدا واحموا تجربتكم الديمقراطية الناشئة والتجأوا الى شعبكم وحاجاته وطموحاته المشروعة فهو الاصل الذي تتفرع منه كل التوابع وهو معيار الحقيقة عندما تتنازع الايديولوجيات ان كنتم جزءا منها.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org