بحوث

حماية المستهلك وحقوقه الانسانية في الشريعة والقانون

 فارس حامد عبد الكريم

ماجستير قانون / بغداد

تستند مباديء حماية المستهلك الى قواعد العدالة ومبدأ تكافؤ الفرص ،ويمكن تعريف المستهلك بشكل مبسط بأنه : كل شخص يقتني سلعاً اوخدمات لاشباع حاجاته وتحقيق اغراضه المشروعة  في مختلف مراحل حياته.

ومنذ مطلع القرن العشرين بدأت حركة اجتماعية ومن ثم رسمية واسعة لحماية حقوق المستهلك وتوفير الحماية القانونية له ، وبدأت الدول في تشريع القوانين التي تحمي حقوقه والتي تتضمن محاربة الغش التجاري وحمايته من الأضرار الصحية الناتجة عن استعمال مواد كيميائية او أغذية فاسدة وفحص السلع المستوردة ومحاربة الاحتكار ووضع مواصفات قياسية للانتاج والاستيراد والتصدير، فضلا عن تأسيس اجهزة رقابة تتولى ملاحقة المخالفين للقانون وعدم السماح بترويج الإعلانات المظللة والزام المنتجين بالاشارة الى الاضرار الجانبية للمنتوج مثل السكائر والادوية والمواد الكيمائية فضلا عن توسيع فرص الاختيار للمستهلك للمفاضلة بين السلع من صنف او نوع واحد واختيار مايناسبه .

وقد اهتمت الشريعة الاسلامية الغراء بالمستهلك وحقوقه وعبرت عن ذلك النصوص القرأنية الكريمة  واحاديث الرسول الشريفة ، فحرمت شريعتنا الغراء الغش والتدليس والاحتكار والمنافسة غير المشروعة ونظمت قواعد التعامل التجاري واخلاقياته ووضعت بناءاً على تلك النصوص انظمة شرعية  لحماية المستهلك سبقت كل الانظمة الوضعية مثل خيار الرؤيا وخيار العيب وخيار الشرط  وخيار مجلس العقد وفسخ العقد او ايقافه بالخطأ والغش والتغرير مع الغبن والاستغلال  .

 يقول تعالى في سورة الاسراء: (وأوفوا الكيل اذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم).

 ويقول تعالى في سورة المطففين: (ويل للمطففين، الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون، واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون الا يظن أولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين).

ويقول عز من قائل في الاعتدال والاستهلاك الرشيد في سورة الاعراف: ( وكلوا واشربوا ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين ) وقوله تعالى في سورة الاسراء : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسوراً )

ويقول الرسول(ص): ( إن الله يحب اذا عمل أحدكم عملاً ان يتقنه ) .

 ونهى الرسول (ص) عن الاحتكارحيث يقول: (لا يحتكر إلاّ خاطئ ) .

ويقول الرسول(ص) في حق الخيار: (البيِّعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه، حتى يتفرقا) وللرسول (ص) قوله المأثور ( من غشنا ليس منا ) ،  وقال (ص): ( المسلمون على شروطهم، إلاّ شرطاً حرَّم حلالاً، أو أحلّ حراماً )  وعن الاتقان والاخلاص في العمل قال الرسول (ص ): (إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن عمله) ويقول (ص): (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) وكذلك نهى الرسول (ص) عن المنافسةغير المشروعة ، فالرسول(ص) يقول: ( لا يَسمُ المسلم على سَوْمِ أخيه ) وقوله (ص): ( لا يَبع الرجل على بيْع أخيه ) .

قال الإمام علي( ع ): سيأتي على الناس زمان عضوض، يعضُّ الموسر على ما في يديه، ولم يؤمر بذلك، قال تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم) ويبايع المضطرون، وقد نهى النبي(ص) عن بيع المضطر وبيع الغرر، وبيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها .

وبيع المضطر هو ان يكون شخص ما مضطراً إلى سلعة غير متوفرة في السوق الا عند بائع واحد، ويشعر الاخير بحالة الضرورة التي يعانيها طالب تلك السلعة، فيفرض عليه ثمناً عاليا ، أستغلالاً للمستهلك المضطر من دون مراعاةالأخوة الاسلامية والانسانية .

يتضح مما تقدم ان شريعتنا الاسلامية الغراء قد تبنت قواعد اخلاقية سامية للتعامل التجاري وضمان حقوق المستهلك وسبقت في ذلك القوانين الوضعية بفارق زمني كبير .

وقد اهتم المشرع العراقي بالمستهلك منذ تأسيس  الدولة العراقية واولاه عناية خاصة وأصدر الكثير من التشريعات التي تحمي حقوقه فضلا عن تأسيس العديد من المؤسسات التنظيمية والرقابية التي تعنى بحماية المستهلك مثل مركز بحوث السوق وحماية المستهلك التابع لجامعة بغداد والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية واجهزة الرقابة في الوزارات التي تعنى بالمستهلك كالتجارة والصحة والنفط  والبيئة وغيرها التي تعنى بوضع معايير الجودة او مراقبة تطبيقها ، وفي ظل النظام الدكتاتوري البائد وكتعبير عن سلوكه الشاذ في كل المجالات عرف هذا المجال مايعرف بالأمن الاقتصادي الذي تولى في سابقة لامثيل لها اعتقال وتعذيب التجار صغيرهم وكبيرهم ووصل به الاستهتار الى حد اصدار احكام الاعدام بحق مجموعة منهم بزعم حماية المستهلك وكان احيانا يعتقل البائع والمشتري معا، مما يثير التساؤل المشروع ، لمن كنت الحماية إذاً ؟

وقد تعرض المستهلك العراقي منذ تسعينيات القرن الماضي وليومنا هذا الى  الإستغلال والغش والغبن  والاحتيال بكل انواعه إبتداءا بمواد الحصة التموينية الرديئة والفاسدة التي توزعها الجهات الرسمية مرورا بالأدوية وانتهاء بابسط مستلزماته من المواد الصناعية والتجارية مما اثر بشكل خطير على صحته وبيئته بل وحتى نفسيته فضلا عن استنزاف موارده .

حيث اغرقت الاسواق المحلية بسلع وبضائع ومنتجات غذائية لاتتطابق مع الحد الادنى للمعايير الصناعية والتجارية المقبولة بشكل عام في التجارة بين الدول ، في ظل غياب سياسية اقتصادية في هذا المجال ،  فلاتعرف حقيقة مصدر الكثير من المواد الغذائية المعلبة  وأغلب السلع الكهربائية ، على سبيل المثال ، بدون ضمان حقيقي وتتعرض للعطل في الغالب بعد أيام من اقتنائها ، ومنها اجهزة الحاسوب واجهزة الاستنساخ والمولدات الكهربائية والمكيفات والاثاث والمواد المكتبية ...وغير ذلك ، كما ان الكثير من هذه السلع تحمل ماركات مزورة ومن اكثرها خطرا  الادوية التي تحمل اسماء علامات تجارية عريقة مزورة وكذلك المواد الانشائية المزورة . كما يطلب العديد من التجار المحليين من مصانع المنشأ انتاج سلع ادنى من معايير الانتاج المعتمدة لدى تلك المصانع بهدف الحصول على سلع رخيصة لتحقيق ارباح كبيرة ،  ان هذه التصرفات الجشعة غير المسؤولة التي تخالف ابسط قواعد العمل التجاري، الذي يقوم على الائتمان، تلحق اكبر الضرر بالاقتصاد الوطني وبأقتصاد الاسرة العراقية بل هي عامل من عوامل الاذى والازعاج والخسائر المادية لهذه الاسرة .

ان حماية المستهلك اضحى حقا معترفا به من حقوق الانسان حيث اقرت الجمعية العامة للامم المتحدة مجموعة من  الحقوق الخاصة بالفرد بصفته مستهلكا  في قرار لها وهو القرار 39/328 لسنة 1985 وهذه الحقوق هي :

1ـ الحق في تأمين الحاجات الأساسية  : وتشمل هذه المأكل والملبس والمسكن والصحة والتعليم .

ولضمان استيفاء هذا الحق طالبت الامم المتحدة الدول بإتخاذ اجراءات تكفل استيفاء هذا الحق كانشاء مؤسسات رقابية واعتماد المعايير الدولية للجودة وضمان توفر هذه الحاجات بشكل دائم وبأسعار مناسبة .

2- الحق في السلامة (حق الأمان ) : ومقتضى هذا الحق هو حماية المستهلك من المخاطر التي تسببها المنتوجات والسلع والخدمات . وحث القرار الدول على اصدار التشريعات التي تضمن الحق في السلامة.

 3- الحق في الحصول على المعلومات : ويعني ان تدون على المنتوج او الكتيبات التوضيحية  الملحقة به معلومات صحيحة وايجاد قواعد معلومات للمستهلك ومنع الاعلانات التضليلية .

4- الحق في الاختيار : اي الحق في انتقاء المنتوج او السلعة من نوع واحد التي تلائمه من حيث الجودة والسعر المناسب .

5- الحق في التمثيل والمشاركة في إتخاذ القرار : ينبغي الاستماع الى رأي المستهلك واشراكه في اعداد السياسات الخاصة بالإستهلاك وللمستهلكين انشاء جمعيات لحماية حقوقهم وايصال اصواتهم للجهات المختصة .

6- الحق في التعويض : ينبغي ان تكفل التشريعات حق المستهلك في الحصول على تعويض عادل في حالة تضرره من الخدمات والسلع التي اقتناها .

 7- الحق في التثقيف : وهو الحق في التمتع بالمعارف والمعلومات الكافية لتوخي سلوك استهلاكي رشيد وواعي ولتساعده على الاختيار الامثل للخدمات والسلع  المتنوعة وبما يلائم وضعه الاقتصادي.

8- الحق في العيش في بيئة نظيفة :ويكفل هذا الحق للمستهلك ضمان العيش في بيئة سليمة خالية من التلوث من خلال الاستخدام الموازن للموارد ومكافحة مصادر التلوث . وللمستهلك الحق في الاعتراض بشتى الوسائل القانونية على تلوث البيئة من المخلفات الصناعية وعوادم السيارات والمبيدات والاتربة لما توقعه من أضرار على صحته و صحة أسرته .

وفي العراق اوكل المشرع الى الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية دورا مهما في وضع معايير المواصفات العراقية وانظمة السيطرة النوعية في المرافق الانتاجية الوطنية والملكية الفردية ومجالات مطابقة السلع المستوردة والمصدرة للمعايير الوطنية والدولية ، مما ينبغي ايلاء هذا الجهاز اهمية خاصة وتطوير قابلياته البشرية والفنية حماية للمستهلك العراقي ودفع الاذى عنه،كما ينبغي تطوير التشريعات التي تعنى بحماية المستهلك بما يتوافق مع التطورات القانونية الدولية في هذا الشأن .

ان من حق العراقي ان توفر له حاجاته الاستهلاكية وفق مواصفات متنوعة يجب ان لايتدنى اقلها عن المعايير المتوسطة المقبولة ليكون له حق الأنتقاء من بين خيارات متعددة وان تخضع السلع المستوردة لفحص الجودة ، كما ينبغي تضمين التشريعات المتعلقة بالرقابة نصوص لحظر الاعلان  التجاري عن اية سلعة لاتحصل على شهادة الفحص ، لأن تثقيف المواطن اعلانيا عن سلع رديئة لاتعدو ان تكون عملية احتيال في وضح النهار.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org