بحوث

اسباب الطعن بعدم الدستورية

 فارس حامد عبد الكريم

ماجستير قانون / بغداد

تتوسد القواعد الدستورية المكانة العليا في سلم التدرج الهرمي للنظام القانوني في الدولة برمته، اذ هي تسمو على كل ما عداها من قوانين وانظمة وتعليمات او قرارات تتخذها السلطات العامة بما فيها السلطة التشريعية،فالدستور هو الذي يؤسس السلطات في الدولة،وهو الذي يحدد لها اختصاصاتها وطريقة ممارسة تلك الاختصاصات،فضلا عن ما يتضمنه من قواعد متعلقة بحقوق وحريات المواطنين وواجباتهم.

ومن جانب اخر يضع الدستور قواعد عامة وموجهات وقيود ينبغي ان تراعيها سلطة التشريع وهي بصدد تشريع القوانين،وهذه القيود قد تكون قيودا شكلية تتعلق بالشروط والاجراءات الشكلية التي يجب مراعتها عند تشريع القوانين واصدارها، اوهي قيودا موضوعية تتعلق بموضوع القانون وفحواه،فان حادت سلطة التشريع عن مقتضى تلك الموجهات والقيود وهي بصدد سن تشريع،أو حادت عن حدود الاختصاصات التي رسمها لها أو تحللت من القيود التي وضعها او انها خالفت بقانون أصدرته او انظمة وتعليمات تبنتها، مبدأً أو نصاً دستورياً، فانها تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها وحدود سلطتها وتحقق سبب من اسباب الطعن بعدم الدستورية، ويعد ما أقدمت عليه معيبـا وباطـلاً لمخالفته الدستور،ويسرى نفس الحكم على التصرفات المشوبة بعيب عدم الدستورية الصادرة من السلطة التنفيذية اومن السلطة القضائية.

 وفي ضوء ماتقدم، يتضح انه لايكفي ان يراعي القانون الصادر من السلطة التشريعية الشكل الذي يتطلبه الدستورفي القانون، وانما يجب ايضاً ان يكون متفقاً مع القواعد الموضوعية التي جاء بها الدستور وروح الدستور، فضلا عن ان الانظمة والتعليمات التي تصدرها السلطة التنفيذية، التي تعرف بالتشريعات الفرعية، ينبغي ان تكون متوافقة مع القانون والدستور من حيث الشكل والموضوع ايضا. وعليه فان اسباب الطعن هي اما عيوب شكلية او عيوب موضوعية:

 

المبحث الاول ـ العيوب الشكلية (عدم مراعاة الشروط والاجراءات الشكلية الواجب اتباعها ):

تتطلب الدساتير عادة، ان تمر عملية سن التشريع بسلسلة من الاجراءات الشكلية التي يتعين على سلطة التشريع مراعاتها حتى يكون التشريع دستورياً، ويترتب على عدم مراعاة قواعد الشكل الاجراءات الشكلية ان يولد التشريع باطلا بسبب انه معيب بعيب عدم مراعاة الشكل والاجراءات، مما يتعين الغاؤه عند الطعن به امام المحكمة الدستورية والتي تعرف في العراق بأسم (المحكمة الاتحادية العليا)،اذا ما تعلق الامر بمخالفة جوهرية لتلك القواعد والاجراءات.

 ومن امثلة الاجراءات الشكلية التي تتطلبها الدساتير المقارنة بصفة عامة، تحقق نصاب انعقاد مجلس النواب سواء بالاغلبية المطلقة او الاغلبية البسيطة، وجهة تقديم مشاريع القوانين او اقتراحها،وجوب ادراج مشروع القانون في جدول الاعمال قبل مناقشته،والاجراءات الواجب اتباعها لقراءة مشاريع القوانين،والنصاب اللازم للموافقة على سن التشريع وتصديق الجهة المخولة صلاحية التصديق والاصدار،وهي السلطة التنفيذية عادة،وان يصدر التشريع بموافقة الاغلبية البرلمانية التي حددها الدستور.

غاية الشكلية والتمييز بين الاشكال والاجراءات الجوهرية وغير الجوهرية:

 وجدت الشكلية في الشرائع القانونية القديمة ولازالت موجودة في احدثها، والشكلية البدائية هي شكلية رمزية تنطوي على القيام بحركات خاصة او التفوه بعبارات محددة يتوقف عليها تحقق الاثر القانوني، ويرى مؤرخوا القانون ان هذه الشكلية كانت تعبر عن رغبة عند الانسان القديم في اشباع غريزة حب المظاهر الخارجية البراقة التي كانت،بما تضفيه من رونق وبهاء على حياته، تقيم الحساسية مقام عقلية كانت لاتزال قاصرة.

 وتختلف الشكلية الحديثة عن القديمة في انها معقولة ومنطقية واكثر مرونة، وانها لاتكفي لوحدها لترتيب الاثر القانوني بل يجب ان تقترن بالارادة السليمة غير المشوبة بعيب من عيوب الرضا، فالارادة هي التي يقع عليها الشكل، ولم تعد الشكليات الحديثة مجرد طقوس تمارس ممارسة عمياء، بعد ان تمكنت البشرية في تطورات لاحقة من التمييز بين مضارها ومنافعها، وعرفوا مايترتب عليها من تعقيدات وتعطيل وجهد ضائع وعرفوا مالها من فضل في ايقاظ الانتباه والتحذير من الفخاخ التي تنصب للارادة،وبث اليقين في انتاج الواقعة اثارها المطلوبة وتهيئة الوسيلة لاثبات هذه الواقعة حين النزاع عليها. وكان للفقه والقضاء عبر التاريخ الفضل في التمييز بين ماهو مفيد وجوهري من الشكليات والتمسك به وبين ماهو ضار وغير جوهري من الشكليات ومن ثم استبعادها بطريقة او باخرى.

ويميز الفقه والقضاء المعاصر كذلك بين الاشكال والاجراءات الجوهرية وغير الجوهرية والغرض من هذا التمييز هو ترتيب البطلان على القرارات التي تفتقد لشكلياتها الجوهرية اما القرارات التي تفتقد للشكليات غير الجوهرية فلا تكون باطلة،وفي هذه الحالة نكون في مواجهة قرارات معيبة بعيب الشكل ولكن هذا العيب لا يؤدي الى البطلان،وقد اورد الفقه امثلة كثيرة من قضاء مجلس الدولة الفرنسي على الشكليات التي لم يعتبرها المجلس من الشكليات الجوهرية الموثرة على سلامة القرار،مثل الحكم بصحة انتخاب على الرغم من عدم السماح لعدد قليل من الافراد بالتصويت على خلاف القانون اذا كان عددهم من القلة بحيث لم يكن من شأنه ان يؤثر موضوعاً على النتيجة النهائية، او اذا كانت الاشكال والاجراءات المقررة هدفها تحقيق مصلحة الادارة لا الافراد، ولكن متى تكون شكليات القرار جوهرية ومتى لا تكون جوهرية، وهل يسري نفس المبدأ بالنسبة للقضاء الدستوري ؟

لايوجد معيار ثابت لتحديد ماهو جوهري او غير جوهري من الاشكال، وانما يعتمد تقدير ذلك على الذكاء والحدس والفهم الصحيح لطبيعة الاشياء ومنطقها والغايات المرجوة منها،الا ان مما لا شك فيه ان التشدد الزائد في مراعاة مختلف الشكليات والاجراءات على نحو واحد يؤدي بالنتيجة الى ضياع الوقت وعرقلة النشاط التشريعي دون ان تكون هناك قيمة حقيقية مقابل ذلك لتلك الشكليات، والملاحظ ان قواعد الشكل والاجراءات المصاحبة لعملية التشريع قد يرد النص عليها في الدستور ذاته، كما انها قد ترد في الانظمة الداخلية للبرلمان. وذهب الفقه في ذلك الى اتجاهين فذهب الاتجاه الاول الى ان العيب الشكلي يمكن ان يتحقق عند مخالفة التشريع للقواعد الشكلية سواء قد وردت في الدستور او في الانظمة الداخلية للبرلمان،بينما ذهب الاتجاه الاخر بان عيب عدم الدستورية لمخالفة الشكل لايتحقق الا اذا كانت الشكلية التي خولفت قد ورد النص عليها في الدستور ذاته. فالمعول عليه في الرقابة الدستورية هو ما ورد من شكليات واجراءات في الدستور، اما ماتضمنته النصوص القانونية الاخرى الاقل مرتبة من قواعد شكلية فان مخالفتها لا تؤدي الى عدم دستوريته.

والحال ان دستور جمهورية العراق قد تضمن اشكالا متنوعة من الاجراءات الشكلية،منها مايتعلق بتحديد زمن معين للقيام بتصرف ما، وقد يكون بعض هذه الشكليات الزمنية جوهرية او غير جوهرية، ونرى ان تقدير اثر عدم مراعاة الشكل على دستورية التشريع او التصرف انما يعود تقديره للقضاء.

والمحكمة الاتحادية العليا بطبيعة الحال لاتبحث في العيوب الموضوعية الا بعد ان تتاكد من خلو التشريع من المخالفات الشكلية للاوضاع والاجراءات التي تطلبها الدستور،ذلك ان العيوب الشكلية تتقدم العيوب الموضوعية.

وقد تبنى المشرع الدستوري العراقي في دستور 2005 النافذ عدد من الاجراءات الشكلية منها مايتعلق بنصاب انعقاد جلسات مجلس النواب وجهة تقديم مشاريع القوانين كما في المادة (59) بنصها (اولاً: يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه. ثانيا: تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالاغلبية البسيطة، بعد تحقق النصاب ما لم ينـص على خلاف ذلك) والمادة (60) بنصها ( اولا: مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. ثانيا: مقترحات القوانين تقدم من عشرة من أعضاء مجلس النواب، أو من إحدى لجانه المختصة.)

ونصت المادة (138) بانه ( خامسا:. ترسل القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب إلى مجلس الرئاسة لغرض الموافقة عليها بالاجماع واصدارها خلال عشرة ايام من تاريخ وصولها اليه باستثناء ما ورد في المادتين (118) و(119) من هذا الدستور والمتعلقتين بتكوين الأقاليم. ب. في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة، تعاد القوانين والقرارات إلى مجلس النواب لاعادة النظر في النواحي المعترض عليها والتصويت عليها بالاغلبية وترسل ثانية إلى مجلس الرئاسة للموافقة عليها. ج. في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة على القوانين والقرارات ثانية خلال عشرة ايام من تاريخ وصولها اليه تعاد إلى مجلس النواب الذي له ان يقرها باغلبية ثلاثة اخماس عدد اعضائه،غير قابلة للاعتراض و تعد مصادقا عليها. سادسا: يمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في هذا الدستور.)

والمادة (144) التي نصت على انه( يعد هذا الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره في الجريدة الرسمية وتشكيل الحكومة بموجبه.)

وتعدد الاغراض او الحكمة من الشكليات في المجال التشريعي،فقد يكون الغرض منها الاشهار بسلامة الارادة التشريعية وبان كل شيء سار على مايرام حسب الاوضاع الدستورية باعتبار ان الشكل هو المظهر المادي للتعبير عن الارادة، وقد تبدو مظهرا من مظاهر الرقابة المتبادلة بين السلطات كما في وجوب تصديق واصدار القانون من السلطة التنفيذية لنفاذه.

تـعـــديــل الـدســتـور: يكـتسب تعـديـل الدسـتور اهمـيـة خـاصـة، اذ يـحـاط تـعديله بضمانات شكلية وموضوعية متعددة فى دســاتـيـر الـدول الـديـمقـراطيـة،حتى لايكون تعديل الدستور وسـيلة القابضين على السلطة فى تكريس الحكم الدكتاتورى وكوسـيلة للانتقاص من حقوق وحريات المواطنين بحجج ومزاعم مختلفة،كالمؤامرات الخارجية والداخلية او المصلحة العامة....

وعلى هذا الاسـاس سـاد الاعتقاد فى فقه القانون الدستورى الحديث على وجوب اسـناد مهمة التعديل الدستورى الى الهيئة التى اناط بها الدستور هذه المهمة وبالطريقة والقيود والاجراءات التى حددتها الوثيقة الدستورية، فأذا كان الدستور قد انـشـأ بطريقة الاستفتاء الدستورى فأن مسألة تعديله يجب ان تناط بالاستفتاء الدستوري ايضا.

وحسب المادة (126) من الدستور، فانه ( اولا: لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/5) اعضاء مجلس النواب،اقتراح تعديل الدستور. ثانيا:لا يجوز تعديل المبادئ الاساسية الواردة في الباب الاول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام. ثالثا: لايجوز تعديل المواد الاخرى غير المنصوص عليها في البند (ثانيا) من هذه المادة الا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. رابعا: لايجوز اجراء اي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الاقاليم التي لاتكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني وموافقة اغلبية سكانه باستفتاء عام. خامسا: أ ـ يعد التعديل مصادقا عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء المدة المنصوص عليها في البند (ثانيا) و ( ثالثا) من هذه المادة في حالة عدم تصديقه. ب ـ يعد التعديل نافذا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.)

وجاء في المادة (142) من الدستور على انه (رابعا ـ يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر. هـ ـ يستثنى ما ورد من هذه المادة من احكام المادة (126) المتعلقة بتعديل الدستور، الى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة. )

ونصت المادة (131) من الدستورعلى انه ( كل استفتاء وارد في هذا الدستور يكون ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين مالم ينص على خلاف ذلك.)

يتضح من النصوص المتقدمة ان المشرع الدستوري العراقي قد وضع قيود شكلية متشددة على مسألة تعديل الدستور مراعيا بذلك ما أخذت به دساتير الدول الديمقراطية وضمانا لحقوق الشعب من تحكم الاغلبية البرلمانية في اي وقت من الاوقات ومحاولة تعديلها للدستور وفقا للمصالح السياسية الانية.

المبحث الثاني ـ العيوب الموضوعية: وهي عيب عدم الاختصاص والعيب الذي يلحق محل التشريع وعيب الانحراف بالسلطة التشريعية.

 

اولاـ عيب عدم الاختصاص:

 يمكن ان نعرف عدم الاختصاص بانه ( عدم توفر الصلاحية القانونية للقيام بتصرف معين). وتقوم فلسفة الطعن بعدم الدستورية في هذا المقام على مبدأ اساسي هو مبدأ الفصل بين السلطات.

ومبدأ الفصل بين السلطات مبدأ مهم تقوم عليه الدولة القانونية المعاصرة ونصت عليه الدساتير الحديثة،وهو احد الابتكارات التي اوجدها العقل البشري كمانع من نمو وترعرع الدكتاتورية في احضان السلطة المطقة التي تتجمع فيها كل انواع السلطات، وترسخ هذا المبدأ بكتابات رواد النهضة ( مونتسكيو، جون لوك، روسو )، ومفاد هذا المبدأ انه يجب ان لاتجتمع جميع السلطات ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) فى يد شخص واحد او هيئة واحدة، لأن اجتماعها بيد واحدة مدعاة للتسلط والتعسف والدكتاتورية المطلقة،مما ينبغي توزيع الاختصاصات بين سلطات الدولة الثلاثة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) على نحو يكفل تحديد المسؤوليات وعدم التداخل في مابين هذه السلطات تداخلا يؤدي الى تشتت الصلاحيات واهدار قيمة النصوص الدستورية وان تكون هناك رقابة متبادلة بين هذه السلطات، فـ (السلطة توقف السلطة ) كما يقول مونتسكيو.

وتستند الفلسفة الدستورية في هذا الشأن الى ان مؤسسات الدولة القانونية المعاصرة انما تستمد شرعية وجودها من الدستور فهو الذي انشأها وهو الذي يحدد اختصاص كل سلطة من هذه السلطات ومن ثم ينبغي على كل سلطة أن تقوم باختصاصها كما حدده الدستور من ناحية ولا ينبغي لها إن تقوم باختصاص غيرها من السلطات من ناحية اخرى، وهذا التقسيم يتطلب قدرا عاليا من التنظيم القانوني لتنظيم العلاقة بين هذه السلطات من جانب، وبينها وبين افراد الشعب من جانب أخر، وايجاد رقابة فعالة لضمان عدم انحراف اي من هذه السلطات عن الحدود القانونية المرسومة لها او التعسف في استعمال الحقوق المقررة لها على نحو يتعارض مع الغايات الاجتماعية لتلك الحقوق.

و تاخذ دساتير بعض الدول بمبدأ الفصل التام بين السلطات وهو مايعرف بالنظام الرئاسى كما هو الامر فى الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وهناك دول تاخذ بالفصل النسبي وهو مايعرف بالنظام البرلماني كما هو الامر في انكلترا والعراق في ظل دستور سنة 2005 مثلا.

صورعيب مخالفة قواعد الاختصاص: هذا العيب قد يكون عضوياً او موضوعياً أو زمنيا اومكانياً.

1ـ عدم الاختصاص العضوي (العنصر الشخصي): والعنصر الشخصي في الاختصاص يعني أن يقوم بالاختصاص الدستوري الجهة أو الشخص الذي حدده الدستور للقيام بهذا الاختصاص دون غيره. كما في الايجاز التالي:

أ ـ اختصاصات السلطة التشريعية العضوية: السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص الاصيل في التشريع ولا يجوز الخروج على هذا الاصل الا بنص صريح في الدستور. حيث نصت المادة (61) من الدستور على انه (يختص مجلس النواب بما يأتي: اولاً: تشريع القوانين الاتحادية.) واعمالا لما تقدم فان ليس للسلطة التشريعية ان تفوض السلطة التنفيذية للقيام باعمال التشريع كليا اوجزئيا الا اذا تضمن الدستور نصاً يمنحها هذا الحق،

ب ـ اختصاصات السلطة التنفيذية العضوية: تباشر السلطة التنفيذية اختصاصاتها وفقا للدستور والقانون، وإذا حدد الدستور اختصاصا معينا وعهد به إلى هيئة من هيئات السلطة التنفيذية او الى شخص من اشخاصها كرئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، فان له وحده دون غيره ان يباشر ذلك الاختصاص وعلى ذلك فانه لا يجوز لاي منهما ان يفوض اختصاصاته لغيره الا اذا نص الدستور او القانون على جواز التفويض لان القاعدة في التفويض ان لاتفويض الا بنص. واذا حدد الدستور اختصاص السلطات الاتحادية على سبيل الحصر وترك ماعداها الى السلطات الاقليمية او المحلية،فلايجوز ان تفوض احداهما سلطاتها للاخرى مالم ينص الدستور على جواز التفويض، وفي هذه الحالة ينبغي مراعاة قواعد وشروط التفويض العامة فضلا عن ما يضيفه المشرع من شروط خاصة.

 وفي اطار نظام تفويض الاختصاص نصت المادة (123) من الدستور على انه ( يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات أو بالعكس، بموافقة الطرفين وينظم ذلك بقانون.)

 اختصاصات السلطة القضائية العضوية:اذا كان الفصل في الدعاوى المدنية والدعاوى الجنائية هو اختصاص عهد به الدستور الى السلطة القضائية حصريا فان هذه السلطة لا تستطيع إن تتخلى عن هذا الاختصاص لصالح غيرها من السلطات.

يترتب على ما تقدم انه لا يجوز لاية سلطة عهد إليها الدستور باختصاص معين إن تترك او ان تفوض هذا الاختصاص لغيرها من السلطات،لان في ذلك تفويت لقصد المشرع الدستوري، ومن هنا كان التفويض غير ممكن في الاختصاصات التي عهد بها الدستورالى جهة معينة الابناء على نص صريح فيه.

2ـ عدم الاختصاص الموضوعي: ويقصد به ان يكون التصرف الصادر من سلطة معينة هو من اختصاص سلطة اخرى.

 ويتعلق العنصر الموضوعي للاختصاص بترتيب نوعية الاختصاصات بين السلطات المختلفة في الدولة وكذلك امر ترتيبها داخل السلطة الواحدة من حيث الموضوع، فاذا كانت قواعد الاختصاص الشخصي تفرض ان تباشر كل سلطة اختصاصاتها بنفسها، فان قواعد الاختصاص الموضوعي تحدد لكل سلطة ما يتعين او يحق لها انه تتخذه من تصرفات قانونية في حدود سلطاتها. ومخالفة العنصر الموضوعي في الاختصاص يشكل عيبا دستوريا بعدم الاختصاص الموضوعي. ويلاحظ ان اغلب الباحثين العرب يخلطون بين هذا العنصر وعيب المحل او الموضوع في التشريع، ويسوقون في هذا المقام امثلة تتعلق بعيب المحل (الموضوع)،وسنوضح الفرق بينهما عند دراسة العيب الذي يلحق محل التشريع او موضوعه.

أ ـ اختصاصات السلطة التشريعية الموضوعية: السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص الاصيل في التشريع ولا يجوز الخروج على هذا الاصل الا بنص صريح في الدستور. حيث نصت المادة (61) من الدستور على انه (يختص مجلس النواب بما يأتي: اولاً: تشريع القوانين الاتحادية.)، ومن ثم لايجوز لاية سلطة في الدولة مباشرة اعمال التشريع سواء بشكل صريح او ضمني، ومثال التشريع الضمني ان تصدر السلطة التنفيذية انظمة او تعليمات تتضمن مواضيع جديدة لم ينص عليها التشريع الاصلي التي صدرت الانظمة او التعليمات تسهيلا لتنفيذه، او ان يفرض القاضي عقوبة لم ينص عليها القانون، وهذه التصرفات وان ظهرت بمظهر قرار اداري او حكم قضائي فانها تعد تشريعا في حقيقتها ومعناها.

الا انه يلاحظ ان بعض الدساتير قد حددت مجالاً او مواضيع معينة يختص البرلمان بالتشريع بشأنها حصرا وترك ماعداها للسلطة التنفيذية،ومن ذلك الدستور الفرنسي لسنة 1958، الذي اشرف على وضعه الجنرال ديكول شخصيا كشرط لقبوله العودة الى للسلطة، الذي وزع الوظيفة التشريعية بين الجمعية الوطنية والسلطة التنفيذية، بحيث أصبحت هذه ألاخيرة هي صاحبة الولاية في التشريع، واصبح اختصاص الجمعية الوطنية في التشريع محدداً على سبيل الحصر، بحيث اذا شرع في غير المواضيع المحدده له بموجب الدستور طعن بعدم دستوريته لمخالفته العنصر الموضوعي في الاختصاص. ويلاحظ ان اغلب الباحثين يدرجون مثل هذا التطبيق ضمن عيب عدم الاختصاص الشخصي، في حين ان عيب عدم الاختصاص الموضوعي هو الاظهر في هذا المقام، فالعنصر الشخصي يتعلق بمارسة الاختصاص شخصيا دون تفويض، والحال انه لايوجد في هذا المقام تخويل غير مشروع للغير او تفويض انما تم توزيع الاختصاصات الموضوعية بين سلطتين هما السلطتين التشريعية والتنفيذية بنص الدستور فان باشرت احداهما ماهو مخصص للاخرى من مواضيع, فان عيب عدم الاختصاص الموضوعي هو الذي يتحقق.

ب ـ اختصاصات السلطة التنفيذية الموضوعية: تباشر السلطة التنفيذية اختصاصاتها وفقا للدستور والقانون، وإذا حدد الدستور اختصاصا معينا وعهد به إلى هيئة من هيئات السلطة التنفيذية او الى شخص من اشخاصها كرئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، فان له وحده دون غيره ان يباشر ذلك الاختصاص وعلى ذلك فانه لا يجوز لاي منهما ان يفوض اختصاصاته لغيره الا اذا نص الدستور او القانون على جواز التفويض لان القاعدة في التفويض ان لاتفويض الا بنص.

التشريع الفرعي: في ظل دستور العراق لسنة 2005، فان سلطة وضع التشريع الفرعي ( الانظمة، التعليمات، النظام الداخلي ) تقع على عاتق السلطة التنفيذية، بما لها من اختصاص اصيل مخول لها بموجب الدستور ابتغاء تنفيذ التشريع العادي او تنظيم المرافق العامة ومن قبيل التشريع الفرعي مايعرف في مصر باللائحة سواء كانت تنفيذية او تنظيمية او لائحة ضبط، والتشريع الفرعي هو ادنى انواع التشريع مرتبة.ويشترط في التشريع الفرعي ان يكون متوافقا مع الدستور والقانون من حيث الشكل والموضوع، حيث نصت الفقرة (ثالثا) من المادة (80)من الدستور على انه (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية. ثالثا: اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين.)

وهذا يعني ان اية سلطة في الدولة لاتملك وضع انظمة او تعليمات عدا السلطة التنفيذية مالم ينص الدستور على خلاف ذلك.

وقد نص الدستور العراقي على اختصاصات السلطة التنفيذية، حيث نصت المادة (67) منه على انه ( رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لاحكام الدستور.)

ونصت المادة (78): رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بادارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته، وله الحق باقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب.

 ونصت المادة (80) على صلاحيات مجلس الوزراء.

ج ـ اختصاصات السلطة القضائية الموضوعية: مهمة القضاء الاساسية، تحقـيـق الــعـــدل فـى المجتمع وحماية الحريات العامة وحقوق المواطنين والفصل في المنازعات وتفسير وتطبيق القوانين على الحالات التى تعرض امامه،ويتمتع القضاء في الدول القانونية بأستقلال عن باقي السلطات في الدولة حتى يتمكن من تحقيق مبدأ المساواة امام القانون، وليباشر عمله بحيادية ومن دون تردد أو ضغط، بما يضمن حسن سير العدالة.

وحدد دستور جمهورية العراق طبيعة عمل وتكوين واختصاصات السلطة القضائية، حيث نصت المادة (87) منه على انه (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفقا للقانون.)

 ونصت المادة (88) منه ( القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولايجوز لاية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة.)

 واشارت المادة (89) منه الى تكوين السلطة القضائية بقولها (تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الاعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الاشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الاخرى التي تنظم وفقا للقانون.)

وحددت المادة (91) منه اختصاصات مجلس القضاء بقولها (يمارس مجلس القضاء الاعلى الصلاحيات الآتية: اولا: إدارة شؤون القضاء والاشراف على القضاء الاتحادي. ثانيا: ترشيح رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الأِشراف القضائي وعرضهاعلى مجلس النواب للموافقة على تعيينهم.
ثالثا: اقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للـموافقة عليها.

بينما وضعت المادة (98) منه قيودا على تصرفات رجال القضاء بقولها ( يحظر على القاضي وعضو الادعاء العام ما يأتي: اولا: الجمع بين الوظيفة القضائية والوظيفتين التشريعية والتنفيذية او اي عمل آخر. ثانيا: الانتماء إلى اي حزب أو منظمة سياسية، أو العمل في اي نشاط سياسي.)

واشارت المادة (94) الى انه ( قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة.)

 وهذا يعني ان اية سلطة أخري في الدولة عدا القضاء لا تملك إن تفصل في جريمة جزائية او ان توقع على فاعلها عقوبة جزائية، فان قام ايا منها بذلك فان ما يصدر عنها يعتبر مشوباً بعيب عدم الدستورية لتخلف العنصر الموضوعي في الاختصاص.

 

3ـ عدم الاختصاص الزمني:

قد يضع الدستور قيداً زمنياً على ممارسة اختصاص التشريع من قبل السلطة التشريعية أو من قبل السلطة التنفيذية، فإذا لم تراع السلطة التي تقوم بتلك المهمة القيد الزمني وأصدرت التشريع في وقت لم يكن لها الحق في ممارسة هذا الاختصاص، تكون قد خرجت عن الحد الزمني المحدد دستورياً لإصداره، ويترتب على ذلك مخالفة التشريع للقيد الزمني الذي جاء به الدستور.

ومن الفروض التي تحقق فيها تخلف القيد الزمني في الاختصاص ان يحدد المشرع اجلا لاصدار تشريع معين فيصدر التشريع قبل حلول ذلك الاجل، او ان يقر البرلمان تشريعا بعد حله،ومثل هذا التشريع لا يملك المجلس سنة لان زمن اختصاص المجلس قد انتهى.

أو أن يصدر رئيس الجمهورية تشريعاً في حالة التفويض التشريعي بعد انتهاء المدة الزمنية المحددة لممارسة هذا التفويض. كذلك عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية فانه لا يستطيع إن يباشر أي اختصاص من اختصاصاته التي ينتهي حقه في مباشرتها بانتهاء المدة التي حددها الدستور لولايته.

ومن امثلة القيود الزمنية التي جاء بها الدستورالعراقي النافذ، ماجاء في المواد التالية:

ماجاء في المادة (142)( أولا ـ يشكّل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من أعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب، خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور. وتحلّ اللجنة بعد البت في مقترحاتها.
ثانيا ـ تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعة واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، وتعد مقرة بموافقة الاغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس. ثالثا ـ تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب، وفقا لما ورد في البند (ثانيا) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ إقرار التعديل في مجلس النواب. )

ونصت المادة (56) على انه (اولاً: تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة. ثانياً: يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسةٍ واربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة.)

كما نصت المادة (57) على انه ( لمجلس النواب دورة انعقاد سنوية بفصلين تشريعيين أمدهما ثمانية اشهر، يحدد النظام الداخلي كيفية انعقادهما، ولاينتهي فصل الانعقاد الذي تعرض فيه الموازنة العامة الا بعد الموافقة عليها.)

وحسب المادة ( 126/ثانيا)، فانه (. ثانيا:لا يجوز تعديل المبادئ الاساسية الواردة في الباب الاول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام. )

 

4ـ عدم الاختصاص المكاني:

تحدد بعض الدساتير مكاناً معيناً تمارس فيه السلطة التشريعية مهامها، كما هو حال الدستور المصري الذي حدد مكان انعقاد مجلس الشعب في القاهرة، ولايجوز عقده خارجها الافي حالة الضرورة،بحيث انه اذا مارس الاختصاص خارج النطاق المكاني المحدد في الدستور فان التشريع الذي يصدر في هذه الحالة يكون غير دستوري لمخالفته قواع الاختصاص المكاني. وحسب الدستور العراقي فانه لايجوز للسلطة الاتحادية ان تمارس صلاحياتها مكانيا في الاقاليم،فيما عدا ماخصها بها الدستور، جيث نصت المادة (121)على انه (اولاً: لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لاحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.) ويترتب على مخالفة العنصر المكاني في الاختصاص بطلان التشريع.

يتضح مما تقدم انه اذا قام عيب عدم الاختصاص الدستوري في أي عنصر من عناصر نص تشريعي معين، فان مثل هذا النص يكون معيبا بعيب عدم الدستورية، ويكون للمحكمة الاتحادية العليا،عندما يطعن أمامها في مثل ذلك النص إن تقضي بعدم دستوريته لمخالفته للقواعد المنصوص عليها في الدستور.
ثانياـ العيب الذي يلحق محل التشريع:

إن محل التشريع هو موضوعه،وموضوع التشريع هو المركز القانوني الذي تتجه ارادة المشرع الى احداثه،وهو أنشاء حالة قانونية معينة أو تعديلها أو إلغائها،فالتشريع الذي يسن بشأن الخدمة العامة يكون مضمونه خلق مراكز قانونية متعددة منها المركز القانوني للموظف العام والرئيس الاداري وطبيعة سلم التدرج الوظيفي وواجبات الموظف العام وحقوقه،وغير ذلك من مراكز قانونية،ويتعين أن يكون محل التشريع متفقا مع مضمون الدستور ومبادئه العامة ملتزما بالضوابط والقيود التي تضعها القواعد الدستورية. فان منح القانون،على سبيل المثال، موظفي جهة ادارية معينة امتيازات وحقوق تفوق مامنح لغيرهم من موظفي ادارات الدولة الاخرى، من دون مبرر واقعي او قانوني يكون سندا للتمييز، فان المشرع يكون بذلك قد خرج على مبدأ دستوري مهم هو مبدأ مساواة المواطنين امام القانون، وهذا هو العيب الذي يلحق محل التشريع او موضوعه.

التمييز بين عيب عدم الاختصاص الشخصي والموضوعي والعيب الذي يلحق محل التشريع او موضوعه:

ان الفروق الجوهرية بينها، هي ان الاختصاص الشخصي يعني ان يمارس الاختصاص شخصيا، اما الاختصاص الموضوعي فيتعلق بجهة ممارسة موضوع الاختصاص ( تشريعية، تنفيذية، قضائية ) بينما يتعلق موضوع التشريع او محله بمضمون التشريع ومحتواه، ويتضح الفرق بينهما من خلال الفروض التالية:

ــ اذا خولت السلطة التشريعية اختصاص التشريع الى السلطة التنفيذية، دون سند من الدستور، تحقق عيب عدم الاختصاص الشخصي.

ــ اذا باشرت السلطة التنفيذية اختصاص التشريع من تلقاء نفسها، دون سند من الدستور، تحقق عيب عدم الاختصاص الموضوعي.

ــ اذا قامت السلطة التشريعية بسن تشريع يخالف مضمون مبدأ او قاعدة دستورية،او قامت السلطة التنفيذية بوضع

 انظمة او تعليمات (تشريع فرعي) خالفت فيه مبدأ او قاعدة دستورية، تحقق عيب محل التشريع.

 مما تقدم يتضح مفهوم العيب الذي يلحق محل التشريع،ويظهر هذا العيب بصور مختلفة:

 

اولا: مخالفة مـبـدأ ســمـو الـدسـتور:

 نصت المادة (13) من الدستور على هذا المبدأ الدستوري العريق بقولها (اولاً: يُعدُ هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزماً في انحائه كافة وبدون استثناء. ثانياً: لايجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم أو اي نص قــانوني آخــر يتعارض معه.)

ويـراد بـمـبدأ سـمـو الدسـتور ( عـلـو الـقـواعـد الـدسـتوريـة عـلى غـيـرهـا من من القـواعـد القـانـونيـة المطبقة فى الدولـة ). ويترتب على هذا المبدأ أن أى قانون اوتشريع فرعي او قرار ادارى صادر من الـدولـة يجب ان لايكون مخالفـا للدسـتور وكـل مخـالفـة له تـوصـف بعـدم الـشـرعيـة. اذ يـعد الدسـتور بمثـابـة وثيــقة عـهـد بين القائمين على السلطة والشـعـب، ويحكم الدستور النظام القانونى فى الدولة برمته. وهناك اسـتثناء يرد على هذا المبدأ يعرف بنظرية الضرورة واصله قاعدة رومانية قديمة تقول ان ( سـلامـة الـدولـة فـوق الـقـانـون ) ومفادها ان المبادىء الدسـتورية شـرعت للظروف الاعتيادية الطبيعية فأذا تعرضت الدولة لخطر جسيم او ظروف استثنائية كحرب داخلية اوخارجية فيمكن وفق شروط وقيود قانونية اتخاذ تدابير استثنائية ولو خرج ذلك على بعض القواعد الدستورية،حرصا على سلامة الدولة ويخضع كل ذلك لرقابة السلطة التشريعية والقضاء لبيان مدى ضرورة الاجراء المتخذ.

و في تفسير مبدأ سمو الدستور تقول المحكمة الدستورية العليا في مصر في حكم لها صادر بتاريخ 12/2/1994 (أن القواعد الدستورية تحتل من القواعد القانونية مكاناً عالياً لأنها تتوسد منها المقام الأسمى كقواعد آمرة، ويعني هذا المبدأ أن النص الدستوري يسمو ويتقدم على ما عداه من نصوص قانونية فيتوجب أن لا تخالف تلك النصوص أي قاعدة دستورية، إذ أن "كل سلطات الدولة الحديثة من تشريعية وتنفيذية وقضائية تخضع للدستور بحسبان أن الدستور هو سند وجود هذه السلطات جميعاً وهو مصدر شرعيتها فإذا كان ذلك كذلك فإنه لا يتصور أن يصدر عن السلطة التشريعية قانون يخالف الدستور وكذلك أيضاً لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تصدر قرارات مخالفة للدستور الذي هو سند وجود هذه السلطة وهو الذي أعطاها ما تمارسه من إختصاصات..). وعليه فإن السلطة التشريعية تلتزم، طبقاً لهذا المبدأ، بأن لا تصدر أي قانون يخالف أو يناقض النص الدستوري والقيود الموضوعية الواردة فيه.

 

ـ مخالفة القيود الموضوعية الواردة بالدستور.

 تتضمن الدساتير عادة العديد من القيود التي لا يجوز للهيئة التشريعية وهي بصدد استعمالها لحقها في التشريع ان تخرج على مقتضاها، ومن هذه القيود على سبيل المثال وليس الحصر، شخصية العقوبة وعدم رجعية القوانين الجنائية مالم تكن اصلح للمتهم,حظر اسقاط الجنسية عن المواطنين، وحق التنقل والسفر.

وهذه القيود تتراوح بين السعة والتضييق، فقد يتولى الدستور صراحة تحديد نطاق موضوع معين تحديداً كاملاً بحيث يحرم المشرع عند مباشرته من أية سلطة تقديرية، فإذا حظر الدستور رجعية القوانين وأقدم مجلس النواب على سن قانون يجيز الاثر الرجعي في هذه القوانين فان المجلس في هذه الحالة يكون قد شرع في موضوع لا يملك التشريع فيه لان الدستور حظره عليه،كذلك الامر عندما يقرر الدستور مبدأ مساواة الموطنين جميعا أمام القانون فان مجلس النواب لا يملك إن يسن تشريعا يخل بقاعدة المساواة حتى وان كان في ذلك الإخلال مظهر من مظاهر العدالة،كان يمنح فئة من المجتمع او ابناء فئة معينة ميزة معينة تميزهم عن غيرهم مما يخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص , فإذا صدر مثل ذلك التشريع فانه يعتبر غير دستوري لان موضوع التشريع خالف قاعدة دستورية أصلية هي مبدأ المساواة بين المواطنين جميعا أمام القانون.

وتبنى الدستور العراقي الاصل العام الذي يتيح لمجلس النواب التشريع في أي موضوع من الموضوعات باعتباره صاحب الاختصاص الاصيل في التشريع،الا انه اورد قيودا موضوعية على سلطته لضمان عدم انحراف التشريعات عن المباديء والقيم التي تبناها الدستور، كما يتضح من النصوص التالية:

نصت المادة (2) من الدستور على انه (اولاً: الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع:

 أـ لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام. ب ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.)

كما جاء في المادة (18) منه ( أولاً: الجنسية العراقية حقٌ لكل عراقي، وهي أساس مواطنته. ثانياً: يعدّ عراقياً كل من ولد لأب عراقي أو لأمٍ عراقية، وينظم ذلك بقانون. ثالثاً: أ ـ يحظر إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة لأي سببٍ من الاسباب، ويحق لمن اسقطت عنه طلب استعادتها، وينظم ذلك بقانون.)

ونصت المادة (95) على تطور قانوني مهم بقولها ( يحظر انشاء محاكم خاصة أو استثنائية.)

 وكذلك الامر بالنسبة للمادة (100) منه بقولها (يحظر النص في القوانين على تحصين اي عمل أو قرار اداري من الطعن.)

ونصت المادة (112) من الدستور على ضوبط ادارة النفط والغاز.

ونصت المادة(114) من الدستور على الاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم.

 وحيث إن هذه القيود الموضوعية قد نص عليها الدستور صراحة يتوجب على السلطة التشريعية مراعاتها عندما تقوم بمهمتها بسن القوانين، فلا تخرج عنها وإلا كانت عرضة لتقريرعدم دستوريتها من قبل المحكمة الاتحادية العليا.

 وإذا كان من المقرر إن الأصل في المشرع انه يملك سلطة تقديرية. إلا انه في أحيان محدودة تكون سلطة المشرع مقيدة وفقا لما ينص عليه الدستور.

 

مدى السلطة التقديرية للمشرع:

يتمتع المشرع بسلطة تقديرية تتصل بمحل التشريع الذي يختص بسنه كلما كانت قاعدة الدستور قد تركت له حرية الاختيار بين عدة حلول كلها في ميزان الشرعية سواء. فيستطيع بذلك ان يحدد بحرية محل التشريع الذي منحه الدستور حق إصداره، وعلى العكس من ذلك يكون المشرع متمتع بإختصاص مقيد أو سلطة مقيدة فيما يتعلق بمحل التشريع عندما لاتترك له قواعد الدستور إمكانية الاختيار بين عدة حلول، بعبارة أخرى إن السلطة التقديرية متمثلة في قدرة المشرع في الاختيار بين محلين أو أكثر.

أما الاختصاص المقيد فيبدو في عدم امكانية الاختيار، لإنه لايستطيع أن يختار إلا محلا معينا هو الذي ينطبق مع النص الدستوري الذي أوجبه وإذا لم يلتزم المشرع هذا التطابق في تشريعه، كان تشريعه مشوبا بعيب مخالفة الدستور.

وعلى ذلك ومن منظور رقابة المحكمة الاتحادية على دستورية القوانين، نتناول تلك الرقابة الدستورية عندما تكون للمشرع السلطة التقديرية وكذلك عندما تكون سلطة المشرع مقيدة:

أ ــ رقابة المحكمة الاتحادية عندما تكون سلطة المشرع تقديرية:

الاصل في الرقابة الدستورية عل القوانين انها رقابة مشروعية لا رقابة ملائمة، واستقرت اراء الفقهاء واحكام القضاء الدستوري على انه عندما يتمتع المشرع بسلطة تقديرية فانه لاتعقيب على سلطته هذه مادام انه قد التزم حدود القواعد العامة للتشريع وما تضمنه الدستور من قواعد وموجهات وقيود.

ومن البديهي ان السلطة التقديرية لاتعني اطلاق سلطة المشرع ولا تصل الى حد إهدار أصل الحق الذي قرره الدستور أو حتى الانتقاص من ذلك الحق, ذلك ان نظام (السلطة التقديرية) الممنوحة للمشرع (او القاضي او رجل الادارة) انما يهدف الى اضفاء شيء المرونة على اعمال المشرع بهدف تمكينه من معالجة الوقائع العامة وتطوراتها المستقبلية، معالجة تتفق مع الاحوال العامة للمجتمع وروح العصر وقت التشريع لا وقت سن الدستور.

وفي هذا الصدد قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بانه (وان كان الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية وان الرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد الى ملاءمة إصدارها إلا إن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور.. ومن ثم فان تنظيم المشرع لحق المواطنين في الانتماء الى الأحزاب السياسية ومباشرتهم للحقوق السياسية ينبغي إن لا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه إذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور وحرم فئة من المواطنين منها حرمانا مطلقا ومؤبدا على ما سلف بيانه مجاوزا بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق الأمر الذي يحتم إخضاعه ما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.)

يتضح في ضوء ماتقدم إن محل التشريع يجب إن يظل في إطار الإحكام والقيود التي فرضها الدستور وان تمتع المشرغ بسلطة تقديرية.

ب ـ رقابة المحكمة الاتحادية عندما تكون سلطة المشرع مقيدة:

إذا كان الأصل ان للمشرع سلطة تقديرية في ملائمة محل التشريع للظروف والحاجات الاجتماعية الراهنة، فان المشرع الدستوري يلجأ في احيان معينة الى تقييد سلطة المشرع وذلك بالنسبة للثوابت التي يتبناها المشرع الدستوري ويرى فيها احكما غير قابلة للتقديراو التبديل مهما مر الزمان او تغيرت احوال الجتمع وظروفه.

من ذلك ما جاء في الباب الاول (المبادئ الأساسية) من دستور جمهورية العراق من قيود على ارادة المشرع لاتقبل التقدير، حيث نصت المادة (1)( جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.)

 ونص المادة (2) (اولاً: الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع: أـ لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام. ب ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ج ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور. ثانياً: يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والآيزديين والصابئة المندائيين.)

من ذلك ما قرره المشرع الدستوري في المادة (18) التي نصت (ثالثاً: أ ـ يحظر إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة لأي سببٍ من الاسباب، ويحق لمن اسقطت عنه طلب استعادتها، وينظم ذلك بقانون.) فان المشرع العادي لا يملك إن يسن تشريعا ينظم فيه بعض حالات اسقاط الجنسية. في مثل هذه الأمثلة لا نتكلم عن سلطة مقيدة ولا منعدامه وإنما تتكلم عن امتناع المحل. نتكلم عن منطقة تخرج عن اختصاص السلطات المؤسسة خروجا كاملا. مثلا ما جاء في المادة (19) من دستور 2005 حيث تقول ( ثامناً: العقوبة شخصية.) هنا المشرع العادي لا يستطيع ان يقرر مساءلة الأبناء عن جريمة أبيهم، اوحجزهم حتى يسلم نفسه في حالة هروبه.

وهكذا الحال في بقية النصوص التي لم يترك الدستور العراقي أية سلطة تقديرية للمشرع، حيث انه اذا ماصدر أي قانون غير مراعياً للقيود التي فرضها الدستور فان مصيره يكون الحكم عليه بعدم الدستورية من قبل المحكمة الاتحادية العليا.

وفي حالات اخرى يكون فيها محل التشريع ممكنا ولكن سلطة المشرع في تنظيم ذلك المحل تكون مقيدة، ومن الأمثلة التي تضيق فيها سلطة المشرع هي المواضيع الجنائية التي تعرض الدستور لتنظيمها بنصوص لاتقبل اللبس، من ذلك مثلا ما جاء في المادة (19) من دستور 2005 حيث تقول (تاسعاً: ليس للقوانين اثر رجعي ما لم يُنص على خلاف ذلك، ولايشمل هذا الاستثناء قوانين الضرائب والرسوم. عاشراً: لا يسري القانون الجزائي بأثر رجعي إلا إذا كان اصلح للمتهم )

. في مثل هذه النصوص المقيدة لسلطة تقدير المشرع، تضيق سلطة المشرع الى مدى بعيد حينما يتولى التشريع في هذه المواضيع. وعلى سبيل المثال،لا يستطيع المشرع إن ينظم توقيع العقوبة الجزائية بقرارات إدارية لان العقوبة الجزائية لا تكون إلا بحكم قضائي، كما انه لا يستطيع إن يجيز الأثر الرجعي للقوانين الجنائية مالم تكن اصلح للمتهم. وهنا يوشك المحل إن يمتنع على المشرع العادي وعندما ينص الدستور على ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة. هنا أيضا تضيق الى حد بعيد سلطة المشرع، ولكنها لا تنعدم كما يري البعض فهو لا يستطيع مثلا إن يسن تشريعا يعتبر المتهم مدانا قبل الحكم عليه الا انه يستطيع ان يحدد مفهوم المحاكمة القانونية العادلة ومتى تكون المحاكمة قانونية ومتى لا تكون،في مثل هذه الاحوال يوجد قدر محدود من السلطة للمشرع لكنها لا تصل الى حد إهدار النص الدستوري.

وقد تتراوح سلطة المشرع بين التقدير والتقييد في ذات النص الدستوري ومن ذلك ماجاء في المادة (15):( لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولايجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة.) وماجاء في المادة (38) على انه ( تكفل الدولة وبما لايخل بالنظام العام والآداب: اولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر. ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.) وفي تطور دستوري واضح نصت المادة (42) ( لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة.) حيث يلاحظ ان هذه امادة لم تضع قيود ايديولوجية على حرية الفكر والضمير والعقيدة، كما هو حال اغلب دساتير دول العالم العربي التي تربط ممارسة الحريات بقيود من خلال استخدام تعابير مرنة، وطبيعي ان ممارسة هذا الحق تكون وفقا للقانون.

وفي ضوء هذه النصوص الدستورية، فان للمشرع العادي إن يتعرض لتنظيم الحق في الحياة والأمن والحرية من حيث الاتاحة او الحرمان او القيود على ان يكون ذلك بقانون يوكل امر تطبيقه للقضاء، الا ان له وفقا لسلطته التقديرية ان يحرم قسما منها او يضع عليها بعض القيود، وكذلك تبدو سلطته التقديرية واضحة في تحديد مفهوم النظام العام والاداب من حيث انه مفهوم مرن وواسع ويقبل وجهات نظر متعددة،الا انه مع ذلك يجد نفسه مقيدا بما فرضه الدستور من مباديء وإذا تجاوز تنظيمه لهذا الحق حدود التنظيم الى الانتقاص من جوهر الحق ذاته أو إهداره فانه عندئذ يكون قانونا معيبا ويخضع لرقابة المحكمة العليا وتحكم في هذه الحالات بعدم دستورية النص أو النصوص التي تنتقص أو تهدر الحق في حرية الرأي أو التعبير عنه انتقاصا يخل بالأصل الذي قرره الدستور.

وماجاء في المادة (28) ( اولاً: لاتفرض الضرائب والرسوم ولاتعدل ولاتجبى، ولايعفى منها، إلا بقانون. ) فالضرائب لاتفرض الا بقانون، الا ان سلطة المشرع التقديرية تتجسد في تحديد نوع الضرائب التي تفرض ونسبة الضرائب على المال الخاضع للضريبة، وكيفية تعديلها وطريقة جبايتها والاعفاء منها. وسلطته هذه مقيدة بالثوابت العامة التي جاء بها الدستور ومبديء حقوق الانسان، فان كانت له سلطة تقديرية فان ذلك لايعنى ان له ان يغالي في فرض الضرائب من حيث النوع والمقدار لانه ذلك يتعارض مع الحقوق الاقتصادية للمواطن وحقوق الانسان والمباديء الدولية بهذا الشأن.

ثالثا ـ مخالفة مبدأ ســـيـادة الـقـانـون: أن سيادة القانون تعني أن يتم تطبيق حكم الدستور والقانون على جميع السلطات في الدولة، التشريعية، التنفيذية، القضائية، وعلى كل المواطنين في المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية او الدينية او العرقية او الجنسية، وبغض النظـر ايضا عن الدور والمراتب الاجتماعية التى يحتلونها فى الحياة الاجتماعية العامة.

نصت المادة (5)على انه ( السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.)

وجاء في المادة (6)على انه( يتم تداول السلطة سلمياً عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور.)

المادة (14): العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.

 المادة (15): لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولايجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة.

 المادة (16): تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك.

ويمكن تحديد مظاهر سيادة القانون في هذا المقام كالاتي:

1ـ خضوع السلطة التشريعية للدستور: يجب على السلطة التشريعية ان تراعي احكام الدستور ومبادئه العامة والقيود التي اوردتها تلك المباديء على صلاحياتها التشريعية ولاتتجاوزها، ويتحقق ذلك من خلال وضع قواعد قانونية عامة ومجردة تطبق على كل من توافرت فيه شروطها القانونية.

ـ خروج القانون على قاعدتي العمومية والتجريد في التشريع: مبنى العمومية والتجريد في القاعدة القانونية هو اقامة العدل وتحقيق مبدأ مساواة المواطنين امام القانون وتحقيق الاستقرار في المجتمع، وتعني العمومية ان القاعدة القانونية تسري على جميع الحالات المتشابهة وعلى جميع الافراد بصفاتهم لا ذواتهم اما التجريد فيعني سمو القاعدة القانونية على التفصيلات وتحرر خطابها من الميل او الهوى او المحاباة، واذا تجردت القاعدة القانونية من العمومية والتجريد فلا تعد قاعدة قانونية في معناها وحقيقتها وانما ستارا لتفضيل شخص او اشخاص معينين بذواتهم او فئة معينة على فئات المجتمع الاخرى. ومن ذلك ان يصدر المشرع قانونا يحرم طائفة معينة من حق او حرية محددة أو يمنح طائفة من الطوائف امتيازاخاصا او ان يخص سلطة معينة برواتب ضخمة لاتتناسب مع رواتب الموظفين من الفئات الاخرى، لان ذلك يخل بمبدأ مساواة المواطنين امام القانون.

.ولكن لايمنع من ان يكون التشريع متصفاً بالعمومية والتجريد ان يقتصر تطبيقه على فرد واحد طالماً انه يقبل التطبيق على فرد اخر يخالفه في المركز القانوني الذي ينظمه هذا التشريع، وكما لا يمنع من اكتساب التشريع صفتي العمومية والتجريد من ان يكون تشريعاً مؤقتاً بمدة محدده كالتشريعات الصادرة في الظروف الاستثنائية.

ومن جانب اخر ان وجود حصانة نيابية لعضو مجلس النواب لايعني انه يستطيع ان يرتكب من الجرائم مايشاء ويدخل في حماية مجلس النواب او كتلته النيابية، لان مبدأ سيادة القانون مبدأ دستوري في ظل دستور العراق لسنة 2005 ويجب احترام هذا المبدأ وان يقتصر استعمال حق رفض رفع الحصانة وفقا لاعتبارات الغاية الاصلية من تقرير هذا الحق، ان الغاية الاساسية من هذا الحق هو حماية النائب من الدعاوى الكيدية سواء جاءت من السلطة التنفيذية او من عموم المواطنين، وفي هذه الحالة ينبغي ان يقرر مجلس النواب رفع الحصانة من عدمها في ضوء جدية الاتهامات، ومن قرائن جديتها ان يكون طلب رفع الحصانة قد صدر من قضاء مستقل لايخضع للتأثيرات السياسية.

2ـ خضوع السلطة التنفيذية للدستور وللقانون: ومقتضى ذلك انه لايجوز للادارة بمختلف هيئاتها ان تتخذ اى عمل او تصدر اى امر او قرار الابمقتضى الدستور والقانون وتنفيذا لهما. ومــرد ذلـك الى امـريـن:

الاول: هو انه لكى يتحقق هذا المبدأ يلزم ان تكون الاجراءات الفردية التى تتخذها السلطات العامة منفذة لقواعد مجردة موضوعة سلفا فتتحقق العدالة والمساواة.

 الثانى: هو ان القانون يصدر عن هيئة منتخبة تمثل الشعب وتمارس السيادة بأسمه ومن ثم لايجوز للسلطات الادارية ان تلزم الافراد بشئ خارج الدستور او القوانين النافذة، فمن ناحية لا تستطيع الادارة حينما تدخل في معاملات مع الافراد ان تخالف الدستور اوالقانون ومن ناحية اخرى لا تستطيع ان تفرض عليهم شيئا الا اعمالا للدستور والقانون. وبخلافه يتحقق سبب من اسباب الطعن بعدم الدستورية اذا ما خالفت الادارة قاعدة او مبدأ دستوريا. ولكي يتحقق مبدأ سيادة القانون يجب ان تتوفرعدة ضمانات هي:

الضمانه الاولى: وجود حكومة شرعية منتخبة عادلة تضمن سيادة القانون، وتضع قواعد للسلوك الادراي القانوني والاخلاقي تلتزم الادارة بمراعاتها وهي بصدد اتخاذ قراراتها الادارية. وينبغي ان تحدد هذه القواعد الطريقة التي يتم بموجبها اتخاذ القرارات والتظلم منها امام السلطات الادارية او الطعن فيها امام القضاء.

 الضمانة الثانية: وجود رقابة فعالة على اعمال السلطة التنفيذية. سواء كانت هذه الرقابة برلمانية او رقابة قضائية تناط بالقضاء العادي او القضاء الاداري، أو بهيئات مستقلة وهذه من الافكار القانونية الحديثة التي اعتمدتها اتفاقية الامم المتحدة لسنة 2004 بعد ان فشلت الاساليب والنظم التقليدية في القضاء على ظاهرة الفساد.

 

الضمانة الثالثة: استقلال القضاء.

وبالنظر للطبيعة الخاصة للعمل الادارى ولكى تكون للادارة حرية التصرف فى مجالات معينة وكى تتمكن من مواجهة الحالات الخاصة بمرونة وسرعة فقد اعترف للادارة فى معظم القوانين باستثناءات على مبدأ المشروعية، كأعطاء الادارة سلطة تقديرية لتقرر هى مايجب فعله فى حالات محددة، ولمواجهة الظروف الاستثنائية التى تمر على البلد، كما ان هناك اعمال تقوم بها الادارة تعرف بأعمال السيادة وهذه تمس مصالح البلاد العليا ومن ثم لاتخضع للرقابة القضائية وانما تخضع للرقابة البرلمانية.

3ـ خضوع القضاء للدستور والقانون: نص الدستور على القواعد العامة التي تحكم اعمال السلطة القضائية، حيث نصت المادة (19) (اولاً: القضاء مستقل لاسلطان عليه لغير القانون. ثانياً: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة.ثالثاً: التقاضي حق مصون ومكفول للجميع.رابعاً: حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة. خامساً: المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرة أخرى بعد الافراج عنه إلا اذا ظهرت ادلة جديدة. سادساً: لكل فرد الحق في أن يعامل معاملة عادلة في الاجراءات القضائية والادارية. سابعاً: جلسات المحاكم علنية إلا اذا قررت المحكمة جعلها سرية.
ثامناً: العقوبة شخصية. تاسعاً: ليس للقوانين اثر رجعي ما لم يُنص على خلاف ذلك، ولايشمل هذا الاستثناء قوانين الضرائب والرسوم. عاشراً: لا يسري القانون الجزائي بأثر رجعي إلا إذا كان اصلح للمتهم. )
فأذا خالفت السلطة القضائية ايا من هذه القواعد كان تصرفها مشوبا بعيب عدم الدستورية.

قيود على اهلية التعاقد: نصت المادة (127)على انه ( لايجوز لرئيس الجمهورية ورئيس واعضاء مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونائبيه واعضاء المجلس واعضاء السلطة القضائية واصحاب الدرجات الخاصة ان يستغلوا نفوذهم في ان يشتروا أو يستأجروا شيئا من اموال الدولة أو ان يؤجروا أو يبيعوا لها شيئا من اموالهم أو ان يقاضوها عليها أو ان يبرموا مع الدولة عقدا بوصفهم ملتزمين أو موردين اومقاولين.)، فان قامت السلطة التشريعية بسن قانون يتعارض مع هذه القيود، كان التشريع معيبا في محله.

 

ثالثا ـ عيب الانحراف بالسلطة التشريعية:

 لايكفي ان يصدر التشريع مراعياً لما جاء في الدستور من قواعد وقيود، وانما يجب ان يكون هذا التشريع متلائماً مع روح الدستور وما استهدفه هذه الاخير من مقاصد وغايات ايضاً، فضلا عن المباديء العامة التي تضمنتها مقدمة الدستور.

1ـــ مقدمة الدستور: اختلف الفقهاء في القيمة القانونية لمقدمات الدساتير، فرأى البعض ان قوتها الالزامية تفوق قوة الدستور نفسه ويجب ان يراعيها المشرع وهو بصدد سن التشريعات، ويرى اخرون ان لها نفس القيمة التي تتمتع بها نصوص الدستور، ويذهب راي اخر الى التفرقة بين المباديء التي جاءت بها مقدمة الدستور وصيغت على شكل قواعد قانونية بالمعنى الصحيح وبين الاخرى التي صيغت على شكل توجيهات واهداف ومثل عليا للدولة والمجتمع، ويعطي للاولى صفة القواعد الدستورية الالزامية بينما يحرم الثانية من اية قوة قانونية ويعطيها مجرد قيمة ادبية.

ونرى ان اعمال الكلام اولى من اهماله، وان المشرع منزه عن اللغو، كما هو مقرر في قواعد التفسير، فكلما كان امر استخلاص قاعدة دستورية ممكنا من مقدمة الدستور فينبغي اعمالها،فما وضعت المقدمة عبثا،ويمكن ان يؤدي القضاء الدستوري من خلال احكامه دورا مهما في استخلاص القواعد الدستورية من مقدمة الدستور.

2ـــ ملاءمة التشريع لروح الدستور: عيب الانحراف التشريعي يتعلق أساسا بالغاية من التشريع وهي المصلحة العامة دائما، ولا يتصور تحقق هذا العيب الا حينما يمنح الدستور سلطة تقديرية للمشرع في مجال معين من التشريع،ذلك ان السلطة التقديرية هي التي تتيح للمشرع الخيار بين عدة حلول ووسائل،وعلى هذه الحال من سلطة التقدير ينبغي على المشرع ان يستهدف المصلحة العامة دون سواها، فان انحرف عنها واستهدف غيرها كتحقيق مصلحة فردية أو مصلحة حزب من الأحزاب،فان المشرع يكون قد انحرف بسلطتة التشريعية.

ولقد كان للفقيه الاستاذ الدكتورعبدالرزاق السنهوري فضل السبق في ابراز هذه الفكرة من خلال في بحثه ( مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية).

 وقد تبنى الاستاذ السنهوري وضع معيار الانحراف التشريعي قياسا على معيار الانحراف الاداري، حيث يقول (اذا قسنا الانحراف في استعمال السلطة الادارية لقلنا بان المشرع يجب ان يستعمل سلطته التشريعية لتحقيق المصلحة العامة،فلا يتوخى غيرها،ولا ينحرف عنها إلى غاية اخرى،وإلا كان التشريع باطلا،والمعيار هنا ذا شقين، ذاتي وموضوعي، والشق الذاتي يتعلق بالنوايا والغايات التي أضمرتها السلطة التشريعية وقصدت الى تحقيقها باصدارها تشريعاً معيناً والشق الموضوعي هو المصلحة العامة التي يجب ان يتوخاها المشرع دائماً في تشريعاته،وكذلك الغاية المخصصة التي رسمت لتشريع معين ). واتجه الاستاذ السنهوري،بعد ان استبعد فكرة الغايات الشخصية في تصرفات السلطة التشريعية،الى تبني معيار موضوعي يتمثل في المصلحة العامة التي يجب ان يهدف اليها المشرع،ورأى ان تقصي الانحراف يكون من خلال الفروض التالية:

اولا: الرجوع الى طبيعة التشريع ذاتها باعتبارها معياراً موضوعياً،ذلك ان التشريع يتضمن بطبيعته قواعد عامة مجردة،فان اصدرت السلطة التشريعية تشريعاً معيناً لايطبق إلا على حالة فردية فإن مثل هذا التشريع يعتبر معيباً بعيب الانحراف في استعمال التشريعية.

 ثانيا:مجاوزة التشريع للغرض المخصص له: اذا قرر المشرع الدستوري غرضا معينا لتشريع قانون ما، فان مجاوزة المشرع العادي لهذا الغرض يعيب تشريعه بعيب الانحراف بالسلطة التشريعية.

ثالثاـ كفالة الحريات والحقوق العامة في حدودها الموضوعية:يرى الاستاذ السنهوري انه يمكن ان تقسم الحقوق والحريات العامة الى نوعين،الاول لا يقبل التقييد بطبيعته ومن أمثلة ذلك حق المساواة،وحظر ابعاد المواطن عن بلاده، وحظر المصادرة العامة للاموال، فإذا ما صدر تشريع يقيدها كان باطلاً وذلك لمخالفة ذلك التشريع للدستور.

 اما النوع الثاني فإن المشرع يتدخل في تنظيمها وذلك بقصد تمكين الافراد من التمتع بها دون اعتداء على الغير،ومن أمثلةهذه الحقوق والحريات، حرية الرأي وحق التملك، كذلك اذا صدر تشريع يفرض قيوداً كبيرة على حرية القيام بالشعائر الدينية كان هذا التشريع باطلاً.

ونرى ان مثاله انه عندما يقرر الدستور الحريات العامة للمواطنين فانه يخول المشرع سن قانون بذلك والغرض من ذلك هو تنظيم استخدام المواطنين للحريات العامة حتى لاتتعارض حريات الفرد مع حريات الاخرين، فان خرج التشريع عن حدود التنظيم لاغرض اخرى، كتكريس الحكم الدكتاتوري، فان مثل هذا التشريع يكون قد تجاوز الغاية المرسومه له فيقع باطلا.

 رابعاـ احترام الحقوق المكتسبة وعدم المساس بها في غير ضرورة أو من غير تعويض: تحرص الدساتير عادة على تقرير مبدأ عدم رجعية القوانين وذلك احتراما للحقوق المكتسبة، ومثال ذلك عدم رجعية قانون العقوبات، وعدم رجعية سائر القوانين الا بنص صريح في التشريع، فالدستور يحرص على احترام الحقوق المكتسبة بحيث لايجوز المساس بها في غير ضرورة.

خامساـ مخالفة التشريع لمبادئ الدستور العليا والروح التي تهيمن على نصوصه: يقوم هذا الفرض على أنه توجد مبادئ تسود الدستور وتهيمن على أحكامه، وهذه المبادئ هي روح الدستور ويتم استخلاصها موضوعيا من نصوصه المدونة، ويقع على المشرع واجب مراعاتها وهو بصدد سن تشريع تفاديا للوقوع في الانحراف في استعمال سلطته الممنوحة له.

 وقد تصدى القضاء الدستوري المصري لهذا العيب في القضية الخاصة بانتخابات مجلس الشعب لعام 1984 التي حرم من حق الترشيح اليها الأشخاص الذين حاكمتهم محكمة الثورة المصرية في القضية المعروفة بقضية مراكز القوي عام 1971،تطبيقا لما سمي (قانون حماية الجبهة الداخلية) الذي صدر في مصر سنة 1978 الذي حرم هؤلاء الأشخاص من ممارسة حقوقهم السياسية مدى الحياة ولما تقدم بعضهم للترشيح للانتخابات،قررت الجهة الإدارية المختصة رفض اوراق ترشيحهم، عندها طعنوا بقرارات الادارة تلك أمام مجلس الدولة، وعند نظر القضية من قبل محكمة القضاء الإداري دفعوا بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978المشار اليه، ورأت المحكمة ان الدفع جديا فقبلته وقالت في أسباب حكمها ,( من المبادئ المسلمة في خصوص الحريات والحقوق العامة التي نص الدستور على تنظيمها بقانون انه اذا خول الدستور المشرع سلطة تقديرية لتنظيم تلك الحقوق فيجب على المشرع الا ينحرف عن الغرض الذي قصد اليه الدستور وهو كفالة ممارسة هذه الحقوق والحريات العامة في حدودها الموضوعية فإذا نقضها المشرع أو انتقص منها وهو في صدد تنظيمها كان تشريعه مشوبا بالانحراف.. والقاعدة ان كل حق عام اوكل الدستور الى المشرع تنظيمه بقانون فقد رسم الدستور للقانون الذي ينظمه غايات مخصصة لا يجوز للمشرع الانحراف عنها. ومن صور الانحراف في استعمال السلطة التشريعية مخالفة التشريع لمبادئ الدستور العليا.

ومن ثم كان على المشرع إن يلتزم تلك المبادئ في تشريعاته وان يتجنب الانحراف عنها فيما له من سلطة تقديرية وبهذه المثابة فانه إذا اصدر تشريعا يتعارض مع هذه المبادئ العليا كان هذا التشريع باطلا لما ينطوي عليه من انحراف في استعمال السلطة التشريعية. )

وواضح مما تقدم أن محكمة القضاء الإداري قد اعتدت بعيب الانحراف في استعمال السلطة التشريعية واعتبرت الطعن بنص المادة اعلاه جديا وحددت موعدا للطاعنين لرفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا. ولما عرضت الدعوى على هذه المحكمة قضت بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978، حيث تبين للمحكمة الدستورية أن النص المطعون به يخالف صراحة مادتين من مواد الدستور وعندها لم تجد مبررا للتعرض لعيب الانحراف في استعمال السلطة التشريعية وهو الذي استند إليه قرار محكمة القضاء الإداري.

وجاء في قرار المحكمة الدستورية العليا ( انه وان كان الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق انها سلطة تقديرية وان الرقابة على دستورية التشريعات لا تمتد الى ملاءمة اصدارها إلا إن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور ومن ثم فان تنظيم المشرع لحق المواطنين في الانتماء الى الأحزاب السياسية ومباشرتهم لحقوقهم السياسية ينبغي الا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه اذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور وحرم فئة من المواطنين منها حرمانا مطلقا ومؤبدا على ما سلف بيانه مجاوزا بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق الأمر الذي يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية… ) واستطردت المحكمة قائلة (... لما كان مقتضى نص الفقرة الاولى من المادة الرابعة من القانون رقم 23 لسنة 1978 بشان حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي حسبما يتبين من عبارتها المطلقة حرمان فئة من المواطنين من حقهم في الانتماء الى الأحزاب السياسية ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة حرمانا مطلقا ومؤبدا بما ينطوي على إهدار لأصل الحقوق ويشكل بالتالي اعتداءا عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين 62.5 من الدستور. )

 

المراجع العلمية:

ـ الدكتور شعبان أحمد رمضان، ضوابط وآثار الرقابة على دستورية القوانين، رسالة دكتوراه - طبعة 2000 - دار النهضة العربية.

ـ علي محمد بدير، د. مهدي ياسين السلامي د. عصام البرزنجى، مباديء واحكام القانون الاداري،1993.

ـ الدكتور يحى الجمل – القضاء الدستوري في مصر – طبعة 2000.

ـ الدكتورة سعاد الشرقاوي والدكتور عبدالله ناصف، القانون الدستوري والنظام السياسي المصري دار النهضة العربية 1993.

ـ د. محمد رفعت عبدالوهاب و د. ابراهيم عبدالعزيز شيحا،النظم السياسية والقانون الدستوري، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 1988.

ـ المستشار عز الدين الدناصوري والدكتور عبدالحميد الشواربي، الدعوى الدستورية،دار المعارف،الاسكندرية 2002.

ـ الدكتور أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، دار الشروق، طبعة 2000.

ـ الدكتور عبد المنعم محفوظ، علاقة الفرد بسلطة الحريات العامة وضمانات ممارستها، دار الهناء للطباعة، القاهرة.

ـ الدكتور احسان المفرجي، مباديء القانون الدستوري، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

ـ د.عبد الحي حجازي،موجز النظرية العامة للالتزام،مصادر الالتزام ج1، المطبعة العالمية،1955.

ـ د.سمير تناغو، النظرية العامة للقانون،1973,

ـ مباديء الامم المتحدة الاساسية بشأن استقلال السلطة القضائية- القرارين40/32 في 29نوفمبر 1985.

ـ دستور جمهورية العراق لسنة 2005 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org