بحوث

الإعلام وومنظمات المجتمع المدني في العراق

 

 حيدر الزركاني/ مدير مركز

 المرايا للدراسات والإعلام

 شكلت مؤسسات  المجتمع المدني جزءا مهما من  الحياة العراقية  بعد التاسع من نيسان 2003 . وأخذت  تلك المؤسسات على اختلاف أنواعها  تلعب دورا لا يمكن إنكاره في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.  رغم محدودية التأثير في ضل الظروف التي يمر بها البلد اليوم. في وقت لعب الانفتاح الإعلامي الذي صاحب التغيير دورا أساسيا في تشكيل تلك الظروف التي حدت من تأثير تلك المؤسسات التي كان من واجبها إن تكون أكثر قدرة على مساعدة المجتمع  لتجاوز تلك الظروف. وذلك نتيجة لحداثة التجربة  وضعف الخبرة وقلة الامكانات.     
ان تطوير مؤسسات المجتمع المدني  أمر أساسي لإحداث التغير والتأثير على مستويات الوعي وقدرته على العمل الجماعي. وهو أيضا أمر أساسي لديمومة النظام الديمقراطي وتطويره حيث ان الديمقراطية ليست هدف سياسي يمكن تحقيقه والوصول إليه لمرة واحدة فقط وإنما هي عملية حيوية يجب تنميتها والحفاظ عليها والاستمرار في تطويرها.

 المفهوم والمقومات  :

 لقد حدثت زيادة كبيرة في حجم ونطاق وقدرات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم على مدى السنوات العشر الماضية، وساعد على ذلك عملية العولمة واتساع نطاق الحكم الديمقراطي، وثورة الاتصالات والمعلوماتية ، والتكامل الاقتصادي. إذ  أن عدد المنظمات غير الحكومية الدولية زاد من 6,000 منظمة في عام 1990 إلى 26,000 منظمة في عام 1999. كما أصبحت منظمات المجتمع المدني من العناصر الفاعلة الهامة في تنفيذ المساعدات الإنمائية الدولية. فقد ذكرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن منظمات المجتمع المدني كانت توجه حوالي 11-12 بليون دولار أمريكي في شكل معونات إنمائية سنويا إلى البلدان النامية . كما أصبحت منظمات المجتمع المدني عناصر فاعلة في تقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية الأخرى كمكمل للعمل الحكومي، خاصة في المناطق التي يكون فيها الوجود الحكومي ضعيفا مثلما هو الحال في أوضاع ما بعد انتهاء الصراعات.وأصبحت منظمات المجتمع المدني أيضا بمثابة قنوات هامة لتوصيل الخدمات الاجتماعية وتنفيذ مشروعات التنمية الأخرى، ولا سيما في المناطق التي يضعف فيها التواجد الحكومي، أو في حالات ما بعد انتهاء الصراعات، أو حيث تلعب خبرات المجتمع المدني وتجاربه دوراً متمماً للعمل الحكومي.

كما برز تأثير منظمات المجتمع المدني في صياغة السياسة العامة العالمية على مدى السنوات العشرين الماضية. ويتمثل هذا النشاط الديناميكي في حملات الدعوة الناجحة بشأن قضايا مثل حظر استخدام الألغام الأرضية، وإلغاء الديون، وحماية البيئة، التي حشدت آلاف المؤيدين في مختلف أنحاء العالم. ومن الأمثلة الحديثة العهد على حيوية المجتمع المدني العالمي  المنتدى الاجتماعي العالمي   الذي يعقد سنويا منذ عام 2001 في قارات مختلفة. وقد عقد المنتدى الاجتماعي العالمي الأخير في نيروبي بكينيا في يناير 2007، وجمع بين قادة حوالي 50,000 منظمة مجتمع مدني لمناقشة واقتراح بدائل أكثر إنصافا واستدامة للنماذج الحالية للعولمة الاقتصادية.

 لقد   تفاوت تعريفات المجتمع المدني بدرجة كبيرة استناداً إلى اختلاف النماذج الفكرية، والأصول التاريخية،  وسأورد هنا التعريف الذي يستخدمه   البنك الدولي  لتعريف مصطلح المجتمع المدني الذي يشير إلى مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والمنظمات التي لا تهدف إلى الربح. ولتلك المنظمات وجودٌ في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية، أو ثقافية، أو سياسية، أو علمية، أو دينية، أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة كبيرة من المنظمات تضم: جمعيات المجتمعات المحلية، والمنظمات غير الحكومية ، والنقابات العمالية، ومجموعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات العمالية، والمؤسسات. ولعلي اجد هذا التعريف اكثر واقعية و اتساقا مع طبيعة منظمات المجتمع المدني  . وعلية  فان مقومات المجتمع المدني .  تقوم على :

1-الاستقلالية عن كل الضغوطات الخارجية الرسمية أو شبه الرسمية والتخصص في الأعمال والمشاريع التي تنفع المجتمع  .

 2-  التطوعية والاختيار الحر، ويعني هذا أن خدمة المجتمع مبني على المساهمة الحرة والفعل التطوعي دون إلزام وإجبار . ويكون الالتزام بالواجب والاستجابة للضمير الإنساني والمواطنة هي المحفزات الأساسية للمشاركة في التجمعات المدنية.

3-  تكامل المجتمع المدني مع الحكومة عن طريق البحث والتحقيق وتقديم الاقتراحات والاستشارة و إعلان الاحتجاج البناء والنقد الهادف أو المساهمة في التغيير البديل والبناء الفعال لصالح الإنسان مع تحقيق التنمية الشاملة.

وينبني المجتمع المدني كذلك على مجموعة من الشروط الجوهرية

كتحقيق الديمقراطية وإرساء دولة  القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والاعتراف بحريات المواطنين الفردية والجماعية، وتكوين نظام انتخابي تمثيلي شفاف ونزيه يخدم مصلحة الوطن والشعب على حد سواء. ومن ثم، فعلاقة الديمقراطية بالمجتمع المدني علاقة وطيدة  .

يحتاج السير بنجاح إلى طريق التطور الديمقراطي الى ثقافة ترسخ في المجتمع التعاون واحترام الآخر والتنافس والصراع السلميين.

أما الشروط الأخلاقية التي ينبني عليها المجتمع المدني فتكمن في التسامح وتقبل الآخر والإيمان بالاختلاف والاعتراف بالرأي المخالف وحب الغير وإيثار منطق الحوار والاختلاف والتعايش والأخوة، ونبذ العنف والتهميش والإقصاء والتطرف والإرهاب.

دور الإعلام

ومن هنا تبرز الحاجة إلى الإعلام   بوصفه  وسيلة لتحويل وإيصال وترويج المادة المعرفية للإسهام على نحو رئيس في تنمية وولادة رأي عام مجتمعي يسعى ليكون مظهراً اساسياً وواقعا معاشا مؤثرا،  لهذا تظل الرسالة الإعلامية  أداة معرفة وتوعية وتوجيه وإثارة وتحفيز وتمويه وتزييف في ان واحد. ويدل الواقع على أمكان استخدامها كأداة ضبط وضغط وقمع للجماهير ولغة لمخاطبة الغرائز وتزييف الوعي  او اداة للبناء والتنوير في المجتمع الديمقراطي ،  وكثيرا ما وصفت الصحافة الحرة بأنها أكسجين الديمقراطية، لأنه ليس بوسع أي منهما البقاء بدون الآخر اذ أصبحت وسائل الإعلام في المجتمعات الديمقراطية حول العالم تؤدي وظيفة إضافية كحراس أو حماة يراقبون نشاطات السلطتين السياسية والقضائية في الحكومة. وحافظت وسائل الإعلام على بقاء الديمقراطيات ونجاحها بإعطاء صوت لمن ليس لهم صوت.

فهل استطاعت مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية في العراق من خلق خطاب إعلامي مؤثر في مراكز  صنع القرار المختلفة ؟

في الحقيقة هناك حاجة  متبادلة تجمع  بين مؤسسات المجتمع المدني والاعلام  تكمن في حاجة الأولى للإعلام  من خلال  السعي للتعريف بتلك المؤسسات ونشاطاتها وأهدافها وإيصالها الى اكبر عدد من الناس ،و

لفت نظرهم  الى القضايا  التي تطرحها   والسعي الى تحريكهم من اجل الدفاع عنها  كإطلاق الحملات التي تخص قضية عامة  او أبداء رأي معين او الاعتراض على رأي  كما ان التغطية الايجابية لنشاطات مؤسسات  المجتمع المدني تساعدها  على

الحصول على مزيد من الدعم

ضم عدد اكبر من الأعضاء

جمع الاموال

الحصول على هبات على شكل خدمات او هبات عينية

تشعر الاخرين باهمية عمل المنظمة والتطوع للعمل فيها

إما حاجة الأعلام الى مؤسسات المجتمع المدني فهي :

لصياغة خبر  او كتابة مقالة معمقة

استيضاح رأي المنظمات في قضية ما تهم المجتمع

 السعي مناقشة قضية  عامة بحضور عدة شخصيات

وغير ذلك من الامور

التجربة العراقية

ان المراقب لطبيعة  العلاقة بين مؤسسات  المجتمع المدني والإعلام في العراق اليوم يلحظ بان اهتمام وسائل  الإعلام بالمجتمع المدني، تركز على تغطية الأنشطة التي تقوم بها تلك المؤسسات ،  فيما اعتبرت  بعض تلك المؤسسات  التغطية الاعلامية امر توثيقا فحسب .  وبرغم ذلك فان عددا من الصحف العراقية خصصت صفحات خاصة  تنشر من خلالها مفاهيم و مفردات المجتمع المدني  كما في جريدة المدى والاتحاد والمؤتمر فيما خصصت جريدة الصباح ملحقا اسبوعيا متخصصا  ناهيك عن التغطية الاخبارية لنشاطات تلك المؤسسات في مختلف تلك الصحف وفي مختلف القنوات الفضائية والارضية العراقية  و بادرت بعض مؤسسات المجتمع المدني لتملك وسائل اعلام خاصة بها من اجل نشر أهدافها و نشاطاتها كالمجلات والنشرات  وإذاعات الـ FM   وانتاج البرامج التخصصية في التلفزيونات المحلية والفضائيات  وإطلاق  مواقع الانترنيت .

ويبقى تقييم هذه التجربه بشكل موضوعي قاصرا نتيجة لغياب الدراسات الميدانية  عن مدى تأثير الخطاب الإعلامي لتلك المؤسسات في الجمهور

ان خصوصية الحالة العراقية وما أنتجته  من افرازات  سياسية واجتماعية واقتصادية تمثلت بالصراع السياسي الطائفي العنيف وانتشار البطالة والفساد الإداري  جعلت المتلقي العراقي يتلقى جرعات مضاعفة وبشكل يومي  من الخطاب المتشنج عبر وسائل الإعلام خاصة تلك الموجهة ضد التجربة الجديدة  وبأسلوب حرفي متقن  . دفعت بخطاب المجتمع المدني الداعي الى   التسامح ونبذ العنف والحوار الى مرتبة الادنى  في سلم اهتمامات تلك الوسائل في وقت افتقرت فيه  وسائل الاعلام العراقية وتلك المملوكة لبعض مؤسسات المجتمع المدني الى العمل الحرفي الذي يشد الجمهور و يجذب انتباهه  .و  في اعتقادي ان تراجع وتيرة العنف و انخفاض حدة الصراع السياسي  مع    مراجعة علمية وعملية للدور الوظيفي لوسائل الاعلام في نشر وإشاعة ثقافة المجتمع المدني، وتكريسها من اجل صياغة تصورات واضحة واستراتيجيات عمل وسائل الاعلام في توصيل المبادئ والقيم التي تنطوي عليها ثقافة المجتمع المدني،  يؤدي لاستثمار امثل لوسائل الاعلام، بوصفها اداة ثقافية تتسم بالتأثير الواسع النطاق والسريع في المواطنين. اذ ان العراق بحاجة حقيقية  للدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني  ، لتنمية الحس الثقافي والاجتماعي المعاصر ، والذي يكون بديلا حقيقيا لثقافة العسكرة، والتي جاءت بسب الحروب والانقلابات العسكرية والسياسية، وهذا ما يجب ان تقوم به منظمات المجتمع المدني   

·       ورقة بحثية قدمت في الحلقة الدراسية الثانية لاتحاد الصحفيين في النجف الاشرف كانون أول  2007.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org