بحوث

ثقافة ما ينفع الناس

 

الدكتور السيد علاء الجوادي

المقدمة

تقوم عملية الحوار الوطني في العراق على ركائز معينة تدخل بها حسابات سياسية وقومية ودينية ومذهبية وعشائرية وحزبية عديدة. وهي في معظمها تعبر عن خصوصيات الاختلاف او التنوع بين المكونات العراقية. 

وتفرز هذه الخصائص سلسلة من الملاكات والاطر الفكرية في التثقيف والاعلام. بل قد تقود بعض الاحيان الى الصراع الحاد الذي يصل الى الاقتتال بين ابناء البلد الواحد والمدينة الواحدة والعشيرة والبيت الواحد وبمبررات شتى كلها تدعي الحق وان الطرف المقابل هو الشر المطلق. 

وعندما تضاف للثقافة العدوانية عند الاختلاف ثقافة المحاصصة بعيدا عن الكفائة والنزاهة، تتكون منظومة فكرية ثقافية هي ابعد ما تكون عن الحوار الحقيقي بين المجموعات البشرية بما يعود مردوده الى نفع الانسان واعمار البلاد. بل تنتج ثقافة تخريب البلد، لا سيما اذا وقعت في براثن اجندات خارجية سوداء لها حسابات بعيدة المدى في تدمير العراق كبلد وشعب وانسان له دور ريادي في المنطقة والعالم. 

لا اريد من هذه المقدمة ان ألغي الاختلاف بين الناس فهو امر واقعي وموضوعي وطبيعي وموجود في كل بلدان العالم في التاريخ والواقع وسيبقى في المستقبل فالتنوع احدى صفات الكائن الحي وعلى رأسه الانسان. وينبغي اخذ عنصر التنوع دائما بنظر الاعتبار في مفرزاته السياسية او الثقافية او الاعلامية. يقول تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم... سورة هود/118. فثقافة ألغاء الاخر لاسباب الانتماء العرقية او القومية او الدينية او الطائفية او السياسية هي اساس هدم البلدان والاوطان. وكثيرا مما نشاهده من سلبيات في بلدنا اليوم هو من جراء هذه السياسات التي سادت في العراق لعقود. ولكن اريد ان اتناول الموضوع من زاوية اخرى مع التأكيد على ضرورة عدم تجاهل كل متغيرات معادلة الحوار الوطني. 

الثقافة التي اريد التأكيد عليها في الحوار الوطني العراقي هي ثقافة ما ينفع العراقيين كناس لهم حقوقهم في الحياة الكريمة، حالهم حال بقية ابناء الانسانية الذين يعيشون في بحبوة من العيش الهادئ المطمئن بل وحتى الرغيد في بعض الاحيان. والذي حرم منه الانسان العراقي منذ زمن طويل مع ما في العراق من خيرات كفيلة بجعل العراقي يحيى حياة لا تقل في مستوياتها عن الحياة التي يعيشها الامريكيون او الاوربيون او الخليجيون. 

المؤلم ان مستوى المعيشة في العراق يقارن اليوم باوطئ مستويات معيشة افقر بلدان العالم وهو من اغنى البلدان في العالم. هناك مصالح للناس ينبغي ان تكون محور او محاور اهتمام او اهتمامات المعنيين بالحوار لانها تؤثر على حياتهم ومستقبلهم وابنائهم وعوائلهم. والخطوة الاولى في هذا الميدان هو التثقيف الجاد بهذا الاتجاه. 

هذه الثقافة في عملية الحوار هي التي تضع الامور في نصابها وتجعل الحوار عند تحققه يظهر في الحياة الواقعية ضمن مظاهر ملموسة وليس شعارات لا يتمكن الراصد من التحقق من مدى الالتزام بها. وما يستتبع ذلك من ادعاءات وادعاءات مضادة ترجع عملية الحوار دائما الى المربع الاول او الى ما قبله. نحن نحتاج في الحوار الى ثقافة تركز على:

خير الناس من نفع الناس،

المسلم من سلم الناس من لسانه ويده،

كلكم لادم وادم من تراب،

التسابق في عمل الخير،

هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها،

حب لاخيك ما تحب لنفسك،

انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق،

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا....وامثالها وغيرها الكثير.

ومما لا شك به ان هذه المفاهيم، هي مفاهيم انسانية واسلامية وعربية ووطنية اصيلة. وهي كذلك بهذه الصياغة اللفظية كانت او تلك اسس التطور في المجتمعات واسس بناء الحوار الوطني منه او الدولي، فهل تم تفعيلها ثقافيا في عملية الحوار؟! 

بعض الاحيان يكون محتوى الحوار قائما على المغالبة والمشاطرة في تسجيل النقاط واثبات المواقف والتخندق ضمن شعارات لا واقع ولا حقيقة لها في عالم صراع الاصيل للانسان من اجل الحياة الكريمة. مما يرسم سؤالا كبيرا هو: الحوار لماذا ولمن؟؟!!

وعلى الاغلب يكون الجواب لمصالح ضيقة شخصية او فئوية او للاشيئ على الاطلاق!!  

ان التأكيد في عملية الحوار الوطني والمصالحة الوطنية على ملاكات معينة ينبغي ان لا يضيع المشترك الانساني الذي يعتبر عند الشعوب المتقدمة وعند الناس المتحضرين هو الاساس. 

تحقيق السلام الاجتماعي والعدالة بين المواطنين وتأمين الرفاهية لابناء الشعب، لو توافقت الاطراف المتحاورة على تحقيقها ستتحول بعد دورة زمنية مناسبة الى منافع واسعة وكبيرة ينعم بها الجميع.

فيتمتع بها العربي والكردي والتركماني والاشوري...الخ.

وتشمل المسلم والمسيحي والصابئي واليزيدي...الخ.

وتشمل الشيعي والسني والكاثوليكي والارثذوكسي...الخ.

وتشمل الاسلامي والقومي واليساري والديمقراطي واللبرالي...الخ.

وسوف لا يحرم منها اي عراقي ما دام موقفه غير متعارضة مع القانون. 

ان حرصنا على نشر هذا اللون في الثقافة وربطه مع عملية الحوار والمصالحة الوطنيتين سيفتح صفحات من العمل الجاد التي تقلل من المماحكات والمناكدات والحزازيات بين المتحاورين. 

وبمقدار ما تكون هذه الثقافة منتشرت وفاعلة في المجتمع بمقدار ما تكون عامل ضغط ايجابي يدفع الاطراف الداخلة في الحوار الى اتجاهات ايجابية نافعة لكل الاطراف. وسيضعه مع جماهير العراق او مع جماهير الوسط الذي ينتمي اليه وجها لوجه على المحك. وسيجابه دائما بسؤال كبير: ماذا حققت لنا ايها المتحاور من عملية الحوار؟؟؟  

ان مبادرة وزارة الحوار الوطني في الدعوة لهذا الملتقي بين مجموعة مختارة من اصحاب الفكر ومن عقول ابناء العراق المهتمين بالجانب الثقافي والعلمي والاكاديمي، لهو دليل على ايمان هذه الجهة المسؤولة رسميا عن عملية الحوار، بدور الثقافة في الحوار، وهو بحد ذاته يضع الامور في مكانها الصحيح. ونشكر معالي وزير الحوار الوطني الاستاذ السيد اكرم الحكيم على دعوته الكريمة لنا للمشاركة في هذا الملتقى الذي لم اوفق لحضوره لظروف قاهرة ولكني رغبت الا احرم من المشاركة به عبر هذه الصفحات المتواضعة.

سنركز في مقالتنا هذه على ضرورة التثقيف بقيم انسانية اجتماعية حقوقية نعتقد انها الاطار المنتج والمطور للحوار بين اطراف العملية السياسية في العراق. ان الافكار التي سنمر عليها هي من صميم ثقافتنا الوطنية والدينية والانسانية بل تكاد ان تكون موروثا عراقيا عريقا يحكي اصالة حضارتنا العراقية عبر الاف السنين. وهي متوافقة ومتطابقة مع قيم حقوق الانسان التي ركزت عليها الشرائع السماوية وشرعة حقوق الانسان الدولية المقررة من كل دول العالم المتمدن. وهي متطابقة مع اهداف وطموحات الشعب العراقي عبر نضالاته المريرة والطويلة ضد الدكتاتورية والقمع والارهاب والتميز الديني والعنصري والاجتماعي. 

واخيرا فهي متطابقة مع العملية الدستورية وما افرزته من دستور عراقي يعتبر المحضنة والاطار القانوني والسياسي الذي تتحرك من خلاله عملية الحوار والمصالحة الوطنية في العراق.

وقبل كل شيئ نود ان نؤكد على اهمية تحقيق الاستقلال الحقيقي للعراق فانه المدخل الاساس والحقيقي لكل خطوة وطنية اخرى. وبدون الاستقلال الناجز تبقى الجهود المخلصة والصادقة تتحرك في اطر محددة لان قرار القوى سيكون مصادرا اصلا من قبل من يستفيد من عوامل الفرقة لتعميق وجوده في ارض العراق.

وبعد تثبيتنا لهذه الحقيقة المهمة، سنحاول تناول المحاور التآلية:

1-             تحقيق الامن والسلام في المجتمع.

2-             تحقيق العدالة والمساواة بين كل ابناء الشعب.

3-             تحقيق التنمية الشاملة لتطوير المجتمع.

4-             تحقيق التكافل الاجتماعي ومكافحة الفقر.

5-              تحقيق السعادة والرفاهية المعيشية والحياة الكريمة لكل العراقيين.

هذه المحاور لو اصبحت اسس الحوار بين المتحاورين نكون قد تخلصنا من الكثير من محاور الحوار غير الحقيقية والتي لا تنتج الا الضياع. 

دور الثقافة

للثقافة دور مهم في تطوير وبناء المجتمع الانساني وقد تعتبر درجة التقدم الثقافي في المجتمع من ادلة تطوره ورقيه وعلى العكس فان الفقر الثقافي في المجتمع يعكس المستوى المتدني لواقعه. ويتبع ذلك الكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تضر الدولة والمجتمع والعائلة والفرد. فتضع الجميع في دوامة صراعات ومشاكل غير منتهية. وتمده بطاقات تدميرية وسلبية. 

ومن هنا فان ابرز صفات المجتمعات المتخلفة هو انحطاطها الثقافي الذي يجر الى انحطاط مماثل على الصعيد القيمي والاخلاقي. ومن اهم المظاهر السلبية في المجتمعات المنحطة ثقافيا هو نمو الدكتاتورية على صعيد المجتمع والدولة والمؤسسات. في المقابل فان القيم الثقافية المتطورة تساهم بتطوير المجتمع ورقيه.

ساهمت ثقافة البعثية والصدامية والعفلقية في تنمية منظومات ثقافية عدوانية ومتخلفة ادت الى تقهقر المجتمع العراقي الى عقود وعقود. مما انعكس بعد ذلك على استقلال البلد من جهة وانهدام بناه الفوقية والتحتية من جهة اخرى بل ادى الى اكبر من ذلك عندما شوهه التكوين النفسي للشعب العراقي العريق في حضارته وتاريخه وقيمه. 

نظرة بسيطة الى التثقيف الصدامي نجد انه احى ابلنعرات الطائفية والعنصريووالبدوية. وقد امتلئ الاعلام والتثقيف الصدامي باطنان من الثقافة المتخلفة التي تحتاج الى مدة زمنية طويلة للشفاء من اثارها السلبية الخطيرة التي لا زالت موضع التعامل اليومي كمفردات اساسية في التثقيف والاعلامي الصدامي. 

ومن الامثلة على ذلك:

1-    اتهام الاغلبية العراقية العربية الشيعية بالاصل الايراني

2-     والتثقيف العنصري المضاد للشعب الايراني بصورة فاقت حتى موقف النازية من اليهود ومع ان هذا الشعب هو شعب مسلم وجار ولنا معه الكثير من المصالح المشتركة والكثير كذلك من المشاكل التي تحتاج الى اطر سترتيجية دقيقة لعلاجها.

3-     واتهام ابناء العراق الاصليين بوطنيتهم حتى وصلت الى حد الطعن بعراقية اقدم مكون من مكونات الشعب العراقي وهم اهل الجنوب والاهوار بانهم من اصول هندية وهم في حقيقة الامر عراقيون منذ الاف السنين من عهود السومريين بناة حضارة العراق.

4-     كما ان الموقف من الاكراد من خلال انتقاص كرديتهم او تحويل اصلهم الى القبائل العربية او تبرير ابادتهم لانهم خونة.

5-     اضف الى ذلك ثقافة التكفير التي تماهت بها الصدامية البعثية مع الوهابية التكفيرية.

6-    وثقافة عبادة الدكتاتور والغاء هوية الشعب.

7-    ثقافة تحريف التاريخ العراقي والعربي والاسلامي والعالمي.

8-    ثقافة ادعاء الانساب الشريفة الهاشمية وكان رئيس النظام السابق هو المروج والممارس الاول لهذه المنهجية.

9-    ولا يفوتنا تركيز النظام الصدامي المنهار على ثقافة التخلف واحياء نعرة الثائر والتفاخر بالعشائرية واعتماد معاير غير انسانية في تقيم الانسان.

10-وفوق هذا وذاك اتهام كل معارض للنظام بالعمالة والفساد والخيانة.

11- وقد رافق كل ذلك اسفاف في تحريف الفكر الديني والقيم الرفيعة للمجتمع العراقي وللمضيف العربي العراقي ولطريقة انتخاب المشيخات العشائرية وفق اسس اصيلة وتقليدية تولدت عبر مئات السنين. 

وكنا نتمنى من القوى الحاكمة في النظام الجديد ان تهتم بتعميق القيم الاخلاقية المتقدمة والضرورية لبناء مجتمع انساني ديمقراطي تعددي فاذا بنا نجد ان الكثير من قيم التخلف اخذت مساربها في الصميم من تحركات النظام الجديد. 

في المجتمع العراقي ما زالت تعيش الكثير من قيم التخلف التي تتستر تحت لافتات
العشائرية والطائفية وتتمظهر بصيغ الأخذ بالثأر والشعور بالمظلومية والقتل لأتفه الأسباب، واغراق المدينة والمجتمع المدني بالممارسات والاخلاقيات الريفية والعشائرية والبدوية. نحن نحترم ونعتز باصولنا وانتماءاتنا ولكن ينبغي لنا ان نعيد مراجعة انفسنا لنكتشف ايجابياتنا وسلبياتنا من اجل اصلاح انفسنا وبناء مجتمعنا بما ينفعنا في الحياة. 

ومن المفارقات وانسياقا مع آليات الصدامية الثقافية والاخلاقية وتقليدا لصدام في ممارساته، نجد ان الكثير ممن ليسوا من ابناء العشائر بل ليسوا من الاصول العربية رأيناهم زمن النظام السابق واستمروا في النظام الجديد بترديد الشعارات العشائرية بعدما اعلنوا انتماء كاذبا لعشائر عربية عريقة، تقبلتهم ليعيشوا بامان في ظل مجتمع متخلف لا تأخذ به الحقوق الا بهذه الوسائل. 

وقبل ان يبادر البعض بالاتهام ومن دون دليل وقد يكون من مستضعفي هذه الحالة الشاذة نقول لا نسب اشرف من النسب الهاشمي ونسب اهل بيت الرسول والحمد لله فنحن منهم. وانما نقول ما قلنا باعتبار ان قيم البداوة هي قيم تعبر عن مرحلة متخلفة من مراحل التطور البشري. ومع ذلك ندعوالى الحفاظ على القيم الايجابية الموروثة من العشيرة والقبيلة والبيوتات الرفيعة من قبيل الضيافة والاحترام لكبار السن وإغاثة الملهوف وغيرها. 

شجعت معظم الانظمة العراقية على بناء قيم التحضر في المجتمع العراقي وكانت هذه هي اتجاهات الساسة العراقية العليا منذ تأسيس الحكومة العراقية حتى وصول صدام للسلطة. حيث تم ضرب القيم الاصيلة واستبدالها بقيم جاهلية وبدوية متطرفة وكأنها من وسائل الاسقاط عما يعرفه الكثيرون وعلى رأسهم شرفاء مدينة تكريت العريقة، من مجهولية صدام النسبية من خلال اعتماد آلية المبالغة في الادعاء لاخفاء الحقيقة. 

لقد درس العالم الاجتماعي العراقي الكبير الدكتور الاستاذ علي الوردي رحمه الله وبكل هادفية وموضوعية ظواهر الازدواجية في المجتمع العراقي. ومظاهر صراع البداوة والحضارة مبينا الايجابيات والسلبيات وتحركهما في المجتمع العراقي. وبدلا من الاستفادة من معطياته الفكرية كان النظام الدكتاتوري السابق يتحرك باتجاه احياء السلبيات على حساب ايجابيات المجتمع العراقي التاريخية. 

وقد استفادت القوى الارهابية وقوى الانتقام والاستزلام على الناس الفقراء والضعفاء من هذا الموروث الصدامي المتعفن متبرقعة بكلمات اسلامية ترددها المدارس التكفيرية الوهابية في بناء قاعدة فكرية وبشرية بعيدة عن قيم الاسلام والعروبة والعراقية والانسانية لخلق الفوضى والدمار والتخريب في المجتمع العراقي مع دعم خارجي واقليمي واضح لاسقاط التجربة الديمقراطة الجديدة في العراق.

وهكذا راحت مجموعات القتل الجماعي المسلحة والتفخيخ والاختطاف والارهاب تبث سمومها في تجربة وليدة جديدة لم يكتمل بنائها بعد. 

لقد وجدت هذه المجاميع المحاضن الدافئة لثقافة العنف والقتل والتكفير. وللاسف الشديد فان معظم الميليشيات العدوانية وفرق الموت والمجاميع المسلحة للقتل الجماعي والفردي في العراق، تنحدر أصلاً من القبائل والعشائر المستوطنة في المدن والمناطق القريبة منها والتي تريد تحويل العراق من بلد متحضر عريق الى بادية يغزوبها البعض البعض الاخر وتخضع لسياسة الكر والفر والسلب والنهب والقتل واعتداء القوي على الضعيف وسياسة انا وابن عمي على الغريب وانا واخي على ابن عمي وانا على اخي ان خلت لنا الارض.  

ونلاحظ على هذه المجاميع ايمان معظمها بثقافة الاقصاء والالغاء والعزل الاجتماعي وعدم احترام الأخر ككيان انساني فضلا عن الرأي الاخر. وتنطلق من فهم مغلوط ومشوه الفرقة الناجية واني دائما على الحق والمقابل دائما على الباطل. وفي الوقت الذي اسست هذه المناهج لثقافة العف فان ممارسات العنف ساهمت كذلك بتعميق مفهوم انا على حق وغيري على باطل.

ان الدين والقيم الدينية آلية ذات حدين فيمكن ان توظف الى العدوانية والغاء الاخر ويمكن ان توظف باتجاه احترام الاخر والحفاظ على حياته ودينة وعرضه وماله. وللاسف فان سيادة الثقافة الوهابية التكفيرية شجعت منهج العنف على حساب المنهج الانساني المتحضر. فالدين يحتاج الى رجال متخصصين وعقلاء في تقديمه للناس والحذر كل الحذر ان يكون اداة بيد الجهلاء او اعشار واسداس وارباع العلماء ممن حفظ جملة من الدين وضيع الكتاب بالاف جمله وفقراته.

الدين احد صمامات الامان في المجتمع ونحتاج بجد لنشر قيم دينية من قبيل:

- ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. كما جاء في القران الكريم.

- المجد لله في الأعلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة. كما جاء في إنجيل متى.

الدكتور السيد علاء الجوادي - بغداد السلام

في العشرة الاولى من الشهر الاخير من سنة 2009

الامن والسلام في المجتمع

من اهم المفاهيم التي نحتاج التثقيف بها والتي ينبغي ان تكون محورا مهما في مباحثات الحوار الوطني والمصالحة الوطنية هو مفهوم اساسية تحقيق السلم الاجتماعي. وهذه القضية ليست مجرد مفردة تدخل في ادبيات الحراك السياسي الجديد، انها مسألة خطيرة ينبغي التركيز عليها وبجدية في السنوات القادمة. 

في تحقيق السلم الاجتماعي نحتاج الى آليتين:

اولها: القضاء على ثقافة العنف والالغاء والكراهية.

وثانيها: احلال ثقافة الاستيعاب والمحبة وقبول الاخر.

مما يعني اننا امام معادلة ذات طرفين لا يتحقق جانب منها الا بتحقق الآخر ونحتاج الى برامج تثقيفية معمقة لاحلال ثقافة الكراهية والعدوان بثقافة المحبة والتسامح.  

لقد ان الاوان ان نحس بحقيقة اننا بشر ولسنا حيوانات مفترسة ضارية وافاعٍ سامة. وان الاخرين اخوة لنا وان القانون هو الذي ينظم العلاقات فيما بيننا وليست القوة العضلية او المسلحة. ينبغي تنتظم المجتمعات بصورة يشعر معها الانسان بانتمائه الانساني وان يفهم انتمائه الوطني من خلاله وتقوم على التفاهم والتعاون على البر والتقوى وليس على الظلم والعدوان. 

ونحتاج ان نكون في اعلى درجات المرونة والتنوع في تعاملنا مع ذلك، فلا يمكننا ان نحقق السلم الاجتماعي بصورة واحدة محددة، فنصهر الجميع في بوتقة واحدة سواء دينية أو دنيوية. 

وينبغي الا ننسى ان هناك أسس لا يتحقق السلم الاجتماعي الا بتحقيقها. يقف على راسها توفير الحقوق الأساسية للفرد والمجتمع تلك الحقوق التي تحفظ للانسان كرامته والتي هي منحة من الله رب الانسان والكون والكائنات. مع عدم اغفالنا للآلية المتداخلة بين توفير الامن والامان وبين توفير الحقوق الاساسية للانسان. 

ولعل سياسات النظام السابق في القضاء على الطبقة الوسطى والطبقة المثقفة كانت وراء العديد من المواقف المتطرفة البعيدة عن النزعة السلمية في المجتمع.

ان تنمية وتوسع الطبقة الوسطى كما نعتقد يساعد على تحقيق وتأمين اساس من أسس ذاك السلم.ويعتقد بعض المفكرين ان مجتمعا مكونا من اقلية غنية واقلية فقيرة وطبقة وسطى واسعة تكون به عملية الصراع اقل عنفا وبالتالي لا تكون هناك حدية بين الطبقة الفقيرة والغنية.

ومن الواضح ان المجتمع المتنشط مدنيا، والذي تشيع به الفرص المتساوية للجميع ويعمه القانون المرتكز على المواطنة، يمتلك أسسا لا غنى عنها لتحقيق السلم. 

ان زرع نظام قيمي ثقافي يقوم على أساس حرية التعددية، وتفعيل السياسة التعليمية والتربوية الانسانية للدولة ومنظمات المجتمع المدني سيكون لها الدور الكبير في زرع تلك القيم من رياض الاطفال الى الجامعات، وهنا يبرز بوضوح دور المدرسة والأصدقاء والأسرة والمحلة والعشيرة التي يفترض انها ستعلمه على ضرورة التحصن بقيم التسامح التي تسود بالتربية والتعليم كما بينا. 

نحن نفهم ان السلم الاجتماعي هو بناء كافة العلاقات والتعاملات الحياتية بين أبناء المجتمع والدولة على الاسس السلمية وفي المقابل رفض العنف والارهاب وسياسات ومناهج الالغاء. هناك من يختلق فرصا للصدام والصراع الاجتماعي من خلال مصطلحات الوطن والوطنية والمواطنة في الوقت الذي تذهب به الدول المتقدمة الى اشاعة قيم السلم الاجتماعي من خلالها. 

وقد عانى الشعب العراقي من ظواهر خطيرة جدا فبرز على صعيد كياناته السياسة ذات الجذور العنفية والطائفية من يكثر من ترديد مصطلحات السلم والسلام والتعايش لكنه في واقع امره يأمر باتجاه الصراع الدموي والعدوانية والاقتتال. ففي المحافل العامة تره داعية سلام وفي ظلام الليل تتلطخ يديه بدماء ابناء الشعب المظلومين. فالشعارات الرفيعة السامية ليست لقلقة لسان وتشدق بالفاظ بل هي ايمان ومعايشة وممارسة حية. 

هناك نوع من قصور النظر عند البعض فعندما يتحرك باتجاه العنف ينسى ان للعنف دورة اذا ابتدأ الطرف بها فانها سرعان ما سترتد عليه وقد قيل في ادبياتنا الاجتماعية يشر القاتل بالقتل ولو بعد حين. مما يعني الادراك الاجتماعي المبكر لفكرة دورة العنف ودوامته. 

ومن المماحكات في ثقافة العنف والسلم هو ان كل طرف يتهم الطرف الاخر بانه المبادر للعمل السيئ. وقد يتفق الطرفان في القاء التهمة على طرف ثالث غائب. نحن لا ننكر دور التحالفات الإقليمية والدولية في اذكاء الصراع على مناطق النفوذ ولكن ينبغي الا ننسى نظرية المفكر الجزائري الاسلامي الكبير مالك بن نبي في القابلية على الاستعمار مما يعيد الكرة الى شباك اهدافنا فالعنف والارهاب لا يمكن ان يكون نتاج بضاعة مستوردة فحسب ما لم يكن هناك نوعا من الطلب المحلي عليها. 

ان استشراء العنف سيكون على مصالح الشعب وتطوره وسيستغل أمراء حرب وطوائف، وزعماء ميليشيات، ورؤساء عصابات الجريمة المنظمة وفرق الموت، الاجواء الديمقراطية في فرض مصالحها الفئوية الضيقة لتعميق الانقسامات الداخلية، وتسريع عملية الفرز الطائفي والأثيني والديني، لتشكل مناطق عازلة بين ابناء الشعب الواحد ليصب في صالح تقوية شروطها التفاوضية ولو على حساب الهوية الوطنية العراقية. مما يعني انتكاسة العملية الديمقراطية لان الديمقراطية الحقيقية لا تنموالا في مجتمع امن يستطيع كل فرد في المجتمع ان يقول رأيه بحرية كاملة نابعة عن وعي عميق.  

ان غياب حكم القانون والانفلات الأمني وتزايد التبريرات والشعارات الدينية التكفيرية والاتهامية وسوء الحالة الاقتصادية، وانعدام فرص العمل، وانتشار الفقر والبطالة وغياب الحماية الأجتماعية للمواطن وسوء توزيع الثروة الوطنية، والحيلولة دون استئثار مجموعة دينية او قومية او عائلية او وظيفية بها ستساهم كلها في تضعيف السلم الاجتماعي لصالح العنف والاحتراب والتنافر. كما ان غياب القيم الاخلاقية عن العمل السياسي سيصب بنفس الاتجاه. 

لقد قدم الاسلام مجموعة من الضوابط الاجتماعية لتحقيق السلم الاجتماعي ومن التوازن داخل الأسرة والمجتمع لذلك فالخلل في أي منها سيؤدي إلى شيوع الخلل في أداء الركن الآخر.  

وياخذ العنف الاجتماعي عدة اشكال ينبغي للمعنيين ان يلتفتوا اليها في عملهم من اجل السلم وسنشير الى بعض منها:

1- العنف المادي الصادر عن الشخص بحق نفسه أي العنف الذاتي كالانتحار ونلاحظ ان معظم حالات الارهاب والعنف والتفخيخ في المجتمع العراقي هي مصاديق واضحة لذلك.

2- هناك سلوك عنفي اخر يقوم به الانسان ضد نفسه ويجر الى تسخيره بالوان اخرى مثل الادمان على المخدرات والمسكرات والمفاسد التي تجعل منه اداة طيعة لتحقيق اهداف تخريبية في المجتمع. وقد لاحظنا ان العديد من الانتحاريين كانوا من مدمني المخدرات.

3-العنف من خلال اللغة واللسان كما في حالة استخدام الفاظ مؤذية كألفاظ السب والسخرية. وقد تميز حزب البعث الصدامي العفلقي على السباب والطعن والفحش الكلامي ضد كل من يخالفه حتى لو كان من ابناء المجموعة الصدامية نفسها.

4- او عنف بصورة التمييز العنصري والاستهزاء بالاصل العرقي والقومي للمواطن. وادبيات النظام السابق وممارساته مليئة لحد التخمة من هذا اللون من الممارسات العدوانية ضد الاخرين. فهذا فارسي مجوسي وذاك صفوي حقير واخر كردي عميل واخر رافضي كافر وغيره تلكيفي مسيحي...!!!

5-او عنفا فقهيا كاصدار فتاوى التكفير واهدار النفس المحرمة، وقد برع بذلك رجال الدين الوهابي الرسميين منهم وغير الرسميين واخرها تكفير الكلباني السعودي امام الحرم المكي بتكفير المنتمين لمذهب ومدرسة اهل البيت النبوي.

6- او عنفا اعلاميا يتمظهر بشكلين اولهما مصادرة حق الانسان في التعبير عن رأيه وثانيهما تسخير وتسليط اقلاما منتمية لخط سياسي معين لتسقيط شخص او شريحة اجتماعية بلا دليل قانوني او معلومة موثقة وبدون حساب او رقابة. 

ان ثقافة السلم ليست مجرد ثقافة نظرية كما قد يتصور البعض وانما هي ثقافة نظرية من جهة وقيم ومبادئ ومفاهيم وثقافة سلوكية ومواقف ومشاعر واتجاهات عملية وسلوكيات من جهة ثانية متمازجتان ومتكاملتان.

ان ثقافة السلم لا توجد كثقافة مستقلة ومنفصلة تماما عن المنظومة الثقافية للمجتمع بل هي تتداخل معها وتنبث فيها وتلتحم بها وبالتالي يقسمها الى ثقافة سلم وثقافة عنف وارهاب.  

ان التخلف الاجتماعي قد يمارس بحد ذاته العنف ضد ثقافة السلم فيعتبر ثقافة السلم هي ثقافة الجبن والخوف والتردد وعدم الانتماء للعروبة والاسلام والوطن والعشيرة .. الخ وهو نتاج للثقافة القائمة وانعكاس لها وبالتالي فهو يتطور ويتوسع او يتقلص ويضمحل مع التطورات الثقافة. 

ينبغي لنا ان لا نقع بوهم ان ثقافة السلم تنتشر بالسلم وحسب. لان هناك الكثير من المعوقات تقف لها بالمرصاد لذلك نشر ثقافة السلم في المجتمع تحتاج الى نضال مستمر دائم في صفوف الامة والناس. والى دولة قوية تحرس الامن والقانون. 

ومن اهم المعوقات والطعنات التي توجه لثقافة السلم تكون نابعة من:

ـ شيوع ثقافة اللاسلم والعنف وبمبررات شتى.

ـ وجود شبهات حول ثقافة السلم تدور حول محور كونها ثقافة الضعفاء وثقافة السلم وثقافة الانهزامية.

ـ الانسان في المجتمعات البدائية اوالتي عانت من فترات طويلة من الحكم الدكتاتوري يميل الى استعجال اهدافه ولو بالنهج اللاسلمي.

- انتشار مصادر ثقافة اللاسلم والعنف وتحت مسوغات قومية ودينية وحتى طبقية. وقد ساعدت بشكل واضح القنوات الفضائية والشبكات الالكترونية والديمقراطية غير المسؤولة في شيوع ذلك.

ـ ثقافة السلم ثقافة تتعارض مع احكام الاسلام.

ـ عدم جدوى الدعوة للسلم وثقافته في عالم تحكمه القوة. 

هذه مجموعة من المطاعن التي توجه لثقافة السلم وتشكل بمجموعها منظومة قوية تقنع الكثير للانتماء لطريق العنف والاتجاهات الارهابية. 

في المقابل لهذه المنظومة الفكرية ينبغي التأكيد ان السلام العالمي هو الهدف الخالد لكل المجتمعات البشرية في كل وقت. إنها مشكلة اجتماعية ماسة في عالم اليوم. 

وحيث ان الفرد هو الوحدة الأساسية للمجتمع. فالأفراد المسالمون يبنون العائلة المسالمة, والعائلات المسالمة تبني أمة مسالمة, والأمم المسالمة تخلق عالم مسالم, لذلك، نقول أن مشكلة السلام العالمي يمكن أن تحل جدّياً على مستوى الفرد. 

يمكن أن يصبح هدف السلام العالمي حقيقة عملية عندما ينموأفراد كل أمة بالكامل. ومادام الأفراد غير قادرين على معالجة أمورهم الخاصة بطريقة مسالمة ومتناغمة وسعيدة، ستبقى النزاعات الوطنية والعالمية متعذراً اجتنابها.

تحقيق العدالة والمساواة بين كل ابناء الشعب

من المفاهيم الاخرى التي نؤكد على ضرورتها في هذا المضمار هو التأكيد في عملية الحوار الوطني على ثقافة تحقيق العدالة والمساواة بين كل ابناء الشعب. وللعدالة الاجتماعية مدلول واضح بين الناس يتفق عليه الاستاذ الجامعي المتخصص والفرد البسيط من ابناء المجتمع وان اختلف كل منهما في صياغته اللفظية في التعبير عن مكنوناته العقلية والفكرية. وسنمر على جملة تعاريف للعدالة فيما يأتي:

-       في قاموس ليبيتي روبير: إن العدالة هي التقدير الصحيح والاعتراف الكامل بحقوق وجدارة كل فرد واحترامها.

-       أما قاموس لاروس: فيعتبرها الفضيلة والخصلة الأخلاقية اللتان تحفزان على القسطاس واحترام حقوق الغير.

- وقال سقراط أن العدالة: إعطاء كل شخص حقه.

- وقال أرسطوأنها: ممارسة الفضيلة والسلوك المستقيم في علاقتنا مع الآخرين.

- وقال هنري برجسون: العَدالَة في كل الأزمنة تثير في الذهن أفكار المساواة والنسبة والتعويض.

- وفي التفسيراللغوي فإن العدالة تعني التوسط في الأمر من غير زيادة ولا نقصان، والعدل ضد الجور، وتعديل الشيء تقويمه.

وكلمة العدل لغويا تعني القصد في الأمور، أو عبارة عن الأمر المتوسط بين الإفراط والتفريط ومقابلها الظلم والجور. ومصطلح العدل يرمي إلى المساواة في إعطاء الحقوق والإلتزام بالواجبات دون تفرقة لأي سبب من الأسباب سواء كان دين أو جنس أو لون.

- وفي الاسلام فانها كما قال الله عز وجل في محكم كتابه الكريم عندما بين تكريمه لبني آدم وانه خلق الإنسان في أحسن تقويم، لذلك فإن مهمة العدالة هي تحقيق احترام هذا التكريم للإنسان. 

قال الله تعالى في القرآن الكريم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ. سورة النساء، آية 58.

كما يقول: َلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى سورة المائدة، آية 8. 

وقد تعرض مصطلح العدالة الاجتماعية لكثير من التشويه، وافرغ من مضمونه واستخدم كشعار في مرحلة المد القومي والثوري والشعارات الاشتراكية في كثير من البلدان العربية التي قادها العسكر بشعارات يسارية لإدانة المرحلة السابقة من خلال وصمها بالرجعية والرأسمآلية والبرجوازي...الخ وإضفاء المشروعية على حكومات الانقلاب العسكرية لذلك كانت محاولات ابعد ما تكون عن الجدية في تحقيق العدالة الاجتماعية. بل استخدمت ذريعة لتعطيل الحياة السياسية مقابل حلم العدالة الاجتماعية وتحقيق الكفايات ومحاربة الاستغلال والتحالفات الاقطاعية.  

وينبغي لنا في عملية التثقيف بمفهوم العدالة الاجتماعية الا يغرب عن بالنا أن الغرب لم ينتصر على الشيوعية والنظم الاشتراكية المغلقة والمستبدة من خلال الضغط السياسي والعسكري فقط، بل ومن خلال تطوير نظم الرعاية الاجتماعية وتطوير منظومة الإنتاج وعلاقات رب العمل بالعامل بما يحقق معه حالة من الكفاية والرفاه والحقوق الاجتماعية والمادية بما يعينه للمعيشة بصورة لائقة.  

كما ينبغي لنا ان نثقف باتجاه ان العدالة السياسية والعدالة الاجتماعية، عنصران متكاملان في معادلة الإصلاح الاجتماعي وتحقيق العدالة.

ويبقى الإسلام نظاما يوازن بين مجموعة الحقوق لبناء نظام العدالة الاجتماعية. من خلال أصوله الفكرية والعقائدية والفقهية. فهو يضمن الحريات العامة ويؤكد على مبدأ المشاركة الاجتماعية والسياسية كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، مما يعني ان العدالة السياسية حسب نظريته مضمونة من خلال مبادئ الشورى الملزمة التي يمكن أن تكيف ديمقراطياً بكل يسر. مضافا لذلك في تعليماته التي تدعوالى كفاية وضمان الاحتياجات مما يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية ومن ذلك المبدأ الاسلامي في ان الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار.  

كما أرسى الإسلام العديد من القواعد والأسس التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع. ومن أهم هذه الأسس هي العدالة الاجتماعية بما تحمله من معاني وقيم رفيعة تساعد على القيام بمجتمع يتمتع بالسلام والإخاء والمحبة والرخاء. والعدالة في الإسلام لا تطبق فقط على المسلمين، إنما جعلت لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن معتقداتهم. 

من الضروري التركيز في التثقيف ان العدالة الاجتماعية تعني إعطاء كل فرد ما يستحقه وتوزيع المنافع المادية في المجتمع، وتوفير متساوي للاحتياجات الأساسية. كما أنها تعني المساواة في الفرص, أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود الاجتماعي.

انها المساواة بين جميع البشر في المنشأ والمصير. فلقد قال الله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً سورة النساء، آية 1

وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ سورةالحجرات، آية 13.

كما قال: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً سورة الإسراء، آية 70. 

فالكرامة مكفولة لكل إنسان والفرق بين الناس عند الله هي درجة تقواهم وليس جنسهم أو لونهم. لقد بنى الاسلام جوا من الشعور بالعدالة الاجتماعية مما جعل خليفة المسلمين عمر بن الخطاب يقول فيه: إن رأيتم في إعوجاجا فقوموني. فيقول له رجل من المسلمين وقيل انه سلمان الفارسي: لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بحد سيوفنا. فما يزيد الخليفة عمر الا أن يقول: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه. 

ومثالا اخر من سيرة الخليفة عمر بن الخطاب عند قوله: إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، ويشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم ولكن استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم عليه الصلاة والسلام، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له على يرفعها إلى حتى أقص منه.

فقال عمروبن العاص: ياأمير المؤمنين أرأيت إن أدب أمير رجلا من رعيته أتقصه منه؟

فقال عمر: ومالي لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه؟ 

ولو اردتم الرجوع الى صوت العدالة الانسانية علي بن ابي طالب فقد زينت سيرته العادلة صفحات تاريخنا باروع امثلة العدالة الاجتماعية ويكفي منا نظرة لعهد الامام علي لمالك الاشتر لنكتشف او وثيقة انسانية منظمة ومحددة في العدالة الاجتماعية. وكذلك لو رجعنا لرسالة الحقوق للامام علي بن الحسين السجاد لوجدنا بها نظرة متكاملة عن العدالة الاجتماعية من خلال حقوق كل مكون اجتماعي على الاخر

إن العدالة الإجتماعية في مفهومنا هي سعي لتحقيق مجتمع تتساوى فيه الفرص للجميع، بحيث لا يفرز الأفراد بسبب دينهم أو طائفتهم أو عرقهم أو عائلتهم أو أي بصنيف يعمد الى التمييز ما بين إنسان واَخر. 

وعلى الدول أن تكون ساعية لتحقيق التساوي بالفرص والحقوق لشعوبها. وذلك يعتمد على سياسة إقتصادية تكون لمصلحة الطبقات الدنيا في المجتمع، وتعمل على تقليص الهوة بين الأغنياء والفقراء. فدور الضرائب هو إعادة توزيع الدخل، بحيث تفرض ضريبة تصاعدية على الأرباح والثروات، لتستطيع الدولة من القيام بدور تـأمين الحقوق الأساسية لكل أنسان، من التعليم والإستشفاء والبيئة السليمة وحتى الطعام الى تقديمات أخرى. 

والعدالة الإجتماعية لا تقوم إلا من خلال إنماء متوازن لجميع المناطق داخل نطاق الدول، وإنماء على جميع الأصعدة الرياضية والثقافية والإجتماعية. وعبر إعتماد إنماء متوازن على عدة صعد تقوم الدول بالحد من الهجرة الداخلية تجاه المدن التي تؤدي لإفراغ القرى وتراجع جودة الحياة في المدن كما تؤدي الى هجرة خارجية وخاصة من قبل الشباب بحثاً عن فرص أفضل لبناء حياة كريمة ومصانة لهم ولأولادهم.  

ان التثقيف بمفهوم العدالة الاجتماعية من اهم الضرورات الثقافية في المجتمع لتوجيه أفراد المجتمع بدأ من الأسرة، الأب والأم والعلاقة الناجحة بينهم وإعطاء كل فرد من أفراد الأسرة حقه في الحب والرعاية والاهتمام الذي يؤدي بدوره الى ترسيخ قاعدة صلبه لاكتساب مفهوم العدالة الاجتماعية.

ان جوهر العدالة الاجتماعية حلم إنساني عام في القديم والحاضر والمستقبل أياً كان وضع الإنسان ومنطقته الجغرافية ومكونات حضارته.  

دون العدل والعدالة والرعاية الاجتماعية سيبقى المجتمع متخلفا وراقدا في سبات عميق لن توقظنا منه أي جرعة من جرعات الديمقراطية أو عطرها، وبدون العدالة الاجتماعية سيبقى الأحمق في خانة الحكيم وسيبقى الجاهل في مركز المتعلم وسيبقى الخائن في خانة المخلص، إن العدالة الاجتماعية تعني إلغاء المحسوبية والوساطات غير المشروعة ومحاسبة المقصر علنا بدلا من التستر عليه، والعدالة الاجتماعية تعني تكافؤ الفرص على ضوء مقياس الكفاءة فقط.  

يؤشر المرحوم الاستاذ سيد قطب في كتابة المشهور العدالة الاجتماعية في الإسلام: مفهوم العدالة الاجتماعية لدى أيدلوجيات أخرى كالشيوعية مع توضيح ما يراه الكاتب من أوجه القصور في معالجة تلك الأيدلوجيات للعدالة الاجتماعية شمولية مفهوم العدالة الاجتماعية في الإسلام بما يشمله من العدالة في توزيع الثروة ومن رفض العنصرية والطبقية ومن المساواة بين الحاكم والمحكوم. يتميز الكتاب بكونه يحفل بالعديد من الأمثلة والقصص التاريخية الشيقة التي تصب في دعم أفكاره ولكن الكتاب يعجز في بعض الأحيان عن تحقيق الموضوعية الكاملة في تناوله لأفكاره. 

اهتم الإسلام بالعدالة الاجتماعية حيث إنها من أهم أسس تحقيق التنمية والإخاء، وهذه العدالة تشمل المسلمين وغير المسلمين. ويقصد بها توزيع المنافع المادية والاحتياجات الأساسية بشكل متساوي وكذلك توفير الفرص بصورة متساوية لجميع الأفراد مما يسمح لهم بالصعود الاجتماعي. 

وقد جسد الرسول والصحابة أروع الأمثل لتطبيق العدالة الاجتماعية والعطاء، ومن ثم تحققت التنمية للمجتمع الإسلامي، إلا أننا نلاحظ الآن غياب الممارسة الفعلية للعدالة الاجتماعية مما أدي إلى غياب التنمية، ومن ثم أهمية استرجاع العدالة الاجتماعية فكل عضوفي المجتمع له دور في تحقيق العدالة وذلك من خلال تقديم عطائه من أجل تنمية الأفراد وتوفير فرص عمل لهم وتعليمهم وتوفير الاحتياجات الأساسية وتحقيق حد الكفاية لهم، وبهذا يتسنى لنا النهوض ببلدنا وتنمية مجتمعنا.  

يتحقق الرفاه الاجتماعي من خلال توفير سبل العيش الكريم اقتصادياً واجتماعياً للمواطنين أفراداً وجماعات وذلك لتعزيز سلامة المجتمع وتماسكه وتوطيد استقراره. ويتمثل ذلك في الاستجابة لجميع الحاجات الإنسانية الأساسية وتلبيتها، خاصة فيما يتعلق بفئات المحتاجين والفقراء وتحقيق الرفاه الاجتماعي مسؤولية مشتركة، لا بد للجميع أن يسهموا فيها، وهو مطلب لكافة فئات المجتمع وشرائحه، وتسعى الأجندة الوطنية إلى تعزيز دور كافة الشركاء، وتوسيع أطر وآفاق التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية مباشرة بالتنمية، مثل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وكذلك الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة، وهيئات ومؤسسات القطاع الخاص.  

التنمية لتطوير المجتمع

لقد حدد الله رسالة الإنسان في الأرض بقوله تعالى: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها هود:61 ويتم الإعمار المطلوب بالتنمية المتواصلة والسعي الدؤوب في الأرض. وقد أصبح هذا السعي من أهم أولويات هذا العصر وخاصة أن مشكلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتبر من أهم المشكلات التي تواجه المجتمعات المعاصرة. وقد جاء الإسلام ليحارب السلوك السيئ مثل الكسل والاتكآلية وعدم السعي الذي يتنج عنه التخلف والفقر لبناء كيان اقتصادي واجتماعي واستقلال سياسي يتجاوز الواقع المتخلف.  

التنمية في الإسلام هي التنمية الشاملة للإنسان الذي يؤدي وظيفته في القيام بأعباء الاستخلاف في الأرض وإعمارها. والتنمية الاقتصادية في الإسلام هي مسئولية مشتركة تجمع بين الحكومة والفرد. ولا يؤيد الإسلام التنمية الرأسمآلية التي تضمن حرية التعبير ولا تضمن قوت اليوم، كما لا يؤيد التنمية الاشتراكية التي تضمن قوت اليوم وتمنع حرية التعبير. ويركز مفهوم التنمية في الفكر الإسلامي على محاولة القضاء على الأسباب التي تؤدي إلى حدوث المشكلة الاقتصادية. كما تسعى إلى الوصول إلى تنمية المجتمع للنواحي غير المادية، حيث السمو بأرواح الأفراد وإعلاء الروابط الإنسانية وحل المشاكل الاجتماعية وذلك لا يتحقق إلا بتنمية الاحتياجات الأساسية أولا وتنمية ثروات المجتمع وتحقيق رخاءه. روي عن عمر بن الخطاب: السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. مما يعني ان الرزق لا يأتي بدون جهد سهلا كأنهه مطر من السماء. وقول الله تعالى:

وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.

وقوله تعالى:

فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه سورة الملك ايه 15.

لقد اكد الاسلام على العمل الصالح الذي يعتبر الاساس الحقيقي للتنمية. فقد روى في كتاب البخاري عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال: لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه.

 

وروى أصحاب كتب السنن: عن أنس بن مالك: أن رجلاً من الأنصار، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أما في بيتك شيء قال: بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء. قال: إئتني بهما... فأتاه بهما فأخذهما رسول الله ص وقال: من يشتري هذين قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: أشتر بأحدهما طعاماً وانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به... فشد فيه رسول الله ص عوداً بيده ثم قال له أذهب فاحتطب وبع..ولا أرينك خمسة عشر يوماً. فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم!! فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً.

فقال رسول الله ص: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكته في وجهك يوم القيامة؟ إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع.

وفي هذه الرواية تصوير رائع لعملية التنمية وخلق فرصها حتى مع قلة الامكانيات المتاحة. وهو درس في التثقيف بانجاه العمل التنموي في المجتمع.

والتنمية لا يمكن لها ان تتطور وتحى الا ضمن مجتمع به بحبوحة من الحرية السياسية او ما يطلق عليه اليوم بالديمقراطية يقول الامام علي بن ابي طالب http://www.saffar.org/images/prefix/a2.gif في الدعوة لترسيخ الحرية السياسية:

فَلا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، ولا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ-أي عند أهل الغضب- ولا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ -أي بالمجاملة- ولا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالاً فِي حَقٍّ قِيلَ لِي ولا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَو الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَو مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ ولا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي نهج البلاغة خطبة رقم 207.

بل ان الحرية السياسية عند الامام علي تشتمل على حرية المعرضة في ابداء ارائها بالطرق السلمية وبعيدا عن رفع السلاح بوجه المجتمع. فقد روي ان الامام علي خطب بالكوفة فقام رجل من الخوارج فقال: لا حكم إلا لله، فسكت علي، ثم قام آخر وآخر، فلما أكثروا عليه قال http://www.saffar.org/images/prefix/a2.gif: (كلمة حق يراد بها باطل، لكم عندنا ثلاث خصال:

لا نمنعكم من مساجد الله أن تصلوا فيها،

ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا،

ولا نبدؤكم بحرب حتى تبدؤونا به.

راجع القاضي النعمان: دعائم الإسلام/ج1صـ363، الطبعة الأولى1426هـ، مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت.

وفي الامام علي للكوفة سعى للتنمية الاقتصادية والمعيشية للبلاد وهكذا عاشت الكوفة مرفهة متنعمة بالعيش الكريم في ظل حكمه. فقد روي أن علياً خاطب أهل الكوفة قائلاً:

ما أصبح في الكوفة أحد إلا ناعماً،

وإن أدناهم منزلة ليأكل من البر,

ويجلس في الظل،

ويشرب من ماء الفرات.

انظر العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج40ص 327، الطبعة الثالثة1403هـ، دار إحياء التراث العربي ،بيروت.

ولا يخفى ان الكوفة يومذاك من مدن العالم الكبرى التي يسكنها الناس من مختلف الاديان والاعراق والصناعات والاتجاهات. قال السيد حسين البراقي (ت 1322هـ) في كتابه تاريخ الكوفة: كانت الكوفة واسعة كبيرة تتصل قراها وجبّاناتها إلى الفرات الأصلي وقرى العذار فهي تبلغ ستة عشر ميلا وثلثي الميل، قال ياقوت في المعجم: ذكر أن فيها من الدور خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر، وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب، وستة آلاف دار لليمن

راجع السيد حسين البراقي، تاريخ الكوفة ص 134، الطبعة الثانية1960، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

ومن وصف الامام علي لاهل الكوفة نجد انهم كانوا في عيشة ناعمة وهي وصف لدرجة التطور الاقتصادي في المدينة وتوفر المعيشة المعقولة لسكانها حتى ان افقر الطبقات فيها وفرت لهم اساسيات المعيشة من الاكل والسكن والماء.

ولم يكن ذلك من مكاسب المسلمين خاصة بل ان الرفاهية الاجتماعية والضمان المعيشي شمل كل الناس. يحدثنا التاريخ أنه مرَّ شيخٌ مكفوف كبير يستجدي الناس، فقال أمير المؤمنين http://www.saffar.org/images/prefix/a2.gifما هذا؟

فقالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني!.

فقال أمير المؤمنين http://www.saffar.org/images/prefix/a2.gif: استعملتموه، حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال.

انظر الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 6، ص 292، حديث رقم811، الطبعة الثانية، دار الكتب الإسلامية، النجف. 

وتقدم سيرة امير المؤمنين درسا بليغا للقيادات السياسية في المجتمع وهو ما ينبغي ان يضمن ثقافة المصالحة الوطنية ويركز عليه. وهو ان الرئيس او القائد لو تمكن من مصادر القوة والاموال ينبغي له الا يستغلها لمنافعة الشخصية بل ان يعلم انها موارد الناس وما هو الا مستأمن عليها. يقول http://www.saffar.org/images/prefix/a2.gif(ولَو شِئْتُ لاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ، ولُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ، ونَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ، ولَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَ ايَ، ويَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ولَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَو الْيَمَامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، ولا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ) نهج البلاغة: كتاب 45. 

ويضع الامام علي الاسس للتنمية والتضامن الاجتماعيين وهو ما تطالعنا به وصيته لولديه السبطين الحسنين:

أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ،

 وأَلا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وإِنْ بَغَتْكُمَا،

 ولا تَأْسَفَا عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا،

 وقُولا بِالْحَقِّ،

 واعْمَلا لِلأجْر،ِ

 وكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً، ولِلْمَظْلُومِ عَوْناً.

 أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلَدِي وأَهْلِي ومَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي

بِتَقْوَى اللَّهِ،

ونَظْمِ أَمْرِكُمْ،

وصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا  http://www.saffar.org/images/prefix/a1.gifيَقُولُ (صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ).

اللَّهَ اللَّهَ فِي الأيْتَامِ، فَلا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ، ولا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ.

نهج البلاغة كتاب 47. 

وفي عهد الامام لمالك الاشتر يؤكد على ضرورة التعامل الانساني مع الناس غض النظر عن انتمائه الديني وخلفياته الاخرى فيقول:

وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ،

والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ،

ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ،

فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ.

ويكون كل ذلك في اطار الدعوة للتنمية في المجتمع اذ يقول الامام في العهد نفسه:

هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الأشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وجِهَادَ عَدُوِّهَا واسْتِصْلاحَ أَهْلِهَا وعِمَارَةَ بِلادِهَا.....ولْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلابِ الْخَرَاجِ).

ويؤكد كذلك الامام علي على المسؤولية التضامنية بين ابناع المجتمع بمختلف القطاعات فيقول:

واعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلا بِبَعْضٍ ولا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ.

ويوصي الامام مالك الاشتر في اختار موظفي الخدمة العامة وفق شروط دقيقة ليؤدوا عملهم على خير ما يكون الاداء, فيقول:

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً ولا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً.. . ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ والْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأمَانَةِ والرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ.

ويؤكد في عهده كذلك على رعاية مصالح الفقراء في المجتمع فيقول:

ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَى والزَّمْنَى... وتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ-أي تستصغره- وتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ، لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ والتَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ. 

نذكر هذه النصوص لنشير ايضا الى ضرورة تعميم ثقافة التنمية في المجتمع ويكون التأكيد اكثر في بناء الحوار الوطني والمصالحة على اسس من ثقافة التنمية قبال ثقافات الكسل والاتكآلية والخمول وعدم تحمل المسؤولية.  

نحتاج في عراق ما بعد التغير الى العديد من المشاريع التنموية. وينبغي ان تكون مشاريع ذات بعد وطني غير طائفي يتبناها ابناء شعب العراق بصفتهم الوطنية العراقية ينمي ويضمن حقوق كل العراقيين.

مما لا شك به ان هذه المشاريع ستكون مشاريع حضارية كبيرة تعبر عن افاق وواقع العراق العظيم ومعطياته الحضارية والانسانية الكبرى وخير ضمانة لمثل هذه المشاريع التنموية انها مشاريع تتأثر بصورة اساسية بالعامل السياسي الا انها بحد ذاتها مشاريع ليست سياسية على المدى القريب. 

انا اعتقد انها مهمة وطنية كبرى ان تبادر الكفاءات العراقية الوطنية المخلصة الى تشكيل مجاميع متخصصة لممارسة التخطيط والعمل التنموي من اجل حفظ الكيان الانساني والحضاري للعراقيين وتامين حقوقهم وتتحرك على الصعيد الحضاري والاجتماعي والانساني والثقافي والديني والاقتصادي وما شابه ذلك. 

ومن الثوابت في هذه المشاريع التنموية انها يجب ان يلحظ في عملها بصورة اكيدة الخصوصية العراقية التي تختلف عن الخصوصيات الاخرى في العالم. فظروف العراق ليست هي ظروف لبنان ولا الخليج او ايران او الدول الاوربية وغيرها. 

وفي فهمي ان المشروع التنموي العراقي ينبغي ان يتحرك من اجل بناء وتنمية المجتمع المدني الصالح لشعب العراق. وهو لذلك ليس مؤسسة دينية بالمعنى المعروف للمؤسسات الدينية الاسلامية اوغيرها. فهو اقرب الى المفهوم الحياتي العام الذي يشمل بخيره كل المواطنين. فهو بذلك ليس حوزة علمية او مرجعية دينية او قيادة سياسية اسلامية او غيرها او قيادة حزبية معلنة لحزبيتها او غير معلنة وينبغي ان يتأكد ذلك من خلال التنفيذ والواقع. 

لقد تغير عالم اليوم تغيرا كبيرا لا سيما بعد احداث الحادي عشر من سبتمر التي كانت بمثابة الاعلان العالمي لدخول البشرية بعهد جديد ولعل العراق كان من اكثر بلدان العالم تأثرا بهذه المرحلة. وقد اسقط النظام الكتاتوري الصدامي واقيمت الديمقراطية في العراق كل ذلك يدعونا بجد للتبشير بالفكرة التنموية لتطوير المجتمع العراقي. من هنا ينبغي لنا الا نغفل هذه الحقيقة ونحن نفكر ببناء المشروع التنموي في العراق وبما يتناسب مع حقيقة العراق وامكانياته واحتياجاته. 

كما ينبغي للمشروع او المشاريع التنموية العراقية ان يمثل او تمثل طبيعة المجتمع المدني العراقي بصورة متوازنة, لاتجعل منه تابعا لاحدى مكونات المجتمع.  

وسيكون كل عراقي قادر على الاغناء مسولا مسؤولية مباشرة عن انجاح هذه المشاريع وتتوجه المسؤولية بدرجة اكبر الى قطاعين اجتماعيين ومهنيين مهمين هما: اولا: الرجال المتخصصين بالعلوم الدينية (رجال الدين اوعلماء الدين). لا سيما رجال الدين العاملين المعروفين في الساحة العراقية وممن لهم خدمات متميزة في خدمة الناس والمجتمع. وثانيا الى الرجال المتخصصين بالعلوم الحديثة والتخطيطية والتكنولوجية من الاكاديميين او التكنوقراطيين واصحاب التخصصات العليا. القادرون على المشاركة التخصصية المبدعة.

وهنا لا بد من الاشارة الى الحاجة الخاصة لقطاعات محرومة من العراقيين وتحتاج الى رعاية متميزة لخصوصيتها في وضع العراق المعاصر من قبيل: الاكراد الفيليين والتركمان والايزديين والشبك والمسيحيين والصابئة. والمناطق المحرومة لا سيما التي عانت من التدمير المنظم لكيانها. وعوائل الشهداء والمساجين والارامل والايتام وضحايا المقابر الجماعية والانفال وضحايا الارهاب والمهجرين والمعوقيين بالولادة او بسبب الحروب او الارهاب. 

مما لا شك به فان لمؤسسات المجتمع المدني دوراً هاماً في عملية التنمية، فعلى سبيل المثال لعب نظام الأوقاف في الماضي دوراً هاماً في تنمية المجتمع، ولكن تم تهميش الأوقاف لفترة طويلة مما أدى لنسيان مفهوم الوقف وآلياته لدي أفراد المجتمع ككل. 

إن طبيعة الحياة هي التقدم - التغيير هي ظاهرة ثابتة في الخليقة. من خلال التغيير يتقدم الوجود. إن خير الوجود يعتمد على التقدم لأن التقدم من خلال التغيير هو طبيعة الحياة. يكون الازدهار أساس السلام, سعادة التقدم هي أساس السلام. من أجل التقدم، على الفرد أن يكون أكثر إبداعاً يوماً بعد يوم.  

إن طبيعة الحياة هي التقدم والتغيير هي ظاهرة ثابتة في الخليقة. ومن خلال التغيير يتقدم الكيان الاجتماعي. إن استنباط الخيرات في الطبيعة يعتمد علىالخطط الصحيحة وادواة التقدم. ان التقدم من خلال التغيير هو طبيعة الحياة. ويكون الازدهار أساسا من اسس السلام. ومن أجل التقدم، ينبغي على المجتمع بكل فراده ومؤسساته وقواه في حالة إبداع متواصل وحسب القاعدة الاسلامية من تساوى يوماه فهو مغبون ومن كان امسه افضل من يومه فهو مجنون.  

التكافل الاجتماعي

 التكافل الإجتماعى يقصد به إلتزام أفراد المجتمع بعضهم نحوبعض, فكل فرد عليه واجب رعاية المجتمع ومصالحه. وليس المقصود بالتكافل الاجتماعي في الإسلام مجرد التعاطف المعنوى من شعور الحب والمودة، بل يتضمن العمل الفعلي الإيجابي الذي يصل إلى حد المساعدة المادية للمحتاج وتأمين حاجته بما يحقق له حد الكفاية. وذلك يكون عن طريق دفع الزكاة، فإن لم تكفي فيؤخذ من الأغنياء ما يكفي للفقراء.  

والإسلام يكافح الفقر ويقرنه بالكفر لأثره السيء على المجتمع ككل. فيقول الرسول صلى الله عليه واله وسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى كما تعوذ الرسول من الفقر فقال: اللهم إني أعوذ بك من الكفر، وأعوذ بك من الفقر.  

تعد الزكاة إحدى الأدوات لتحقيق الضمان الاجتماعي. وفي العصور الإسلامية الاولى كانت الزكاة ببيت المال مسئولية الدولة لتوزع المال لمستحقيه بالعدل ولسد الاحتياجات الأساسية للفقراء وتوفير وسائل للعملالشريف لهم من اجل كسب لقمة العيش. فهي أول مؤسسة للضمان الاجتماعي.

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً سورة النساء، آية 1

وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ سورةالحجرات، آية 13.

كما قال: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً سورة الإسراء، آية 70.

فالكرامة مكفولة لكل إنسان بالتساوي ولا يمتاز بعضهم على بعض الا بالتقوى فالفرق بين الناس عند الله هي درجة تقواهم وليس جنسهم أو لونهم. 

إن العدالة الاجتماعية بما تتضمنه من مساواة بين جميع أفراد المجتمع حتى بين الحاكم والمحكوم وبما تتضمنه من تكافل اجتماعي تعد من أهم القيم التي قام عليها الإسلام ومارسها الرسول صلى الله عليه وسلم واهل بيته واصحابه بدقة لبناء مجتمع قوي ومتماسك يقوم على اسس الإخاء والمحبة والترابط.

وقد جاءت آيات قرآنية كثيرة تؤكد على مفهوم التكافل بين افراد المجتمع ومن ذلك قوله تعالى في كتابه المجيد:

وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. سورة المائدة/الآية 2

ويذكر الله عز وجل صورة مفصلة عن التكافل والتعاون الاجتماعي فيقول تعالى:

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً،

وَبِذِي الْقُرْبَى

وَالْيَتَامَى

وَالْمَسَاكِينِ،

وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ

وَابْنِ السَّبِيلِ

وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ

إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً،

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ

وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ،

وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً،

وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ، وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً،

وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً. سورة النساء/الآيات 36 - 39

ما اجمله واكمله من منهج في التكافل الاجتماعي وما احرانا ان نثقف الناس به وما اجدرنا ان يكون هذا المنهج بين المتحاورين والمتصالحين من الاسس القوية للمصالحة والحوار.

والتكافل يظل في الاسلام مبدأ لا يمكن الحياد عنه حتى لو كان الطرف الذي يراد له الكفالة فاقدا لبعض شروط الاهلية ذلك لانه مع وجود هذا الخلل في شخصه الا انه يبقى مستحقا لان توفر له حياة كريمة. يقول الله تعالى:

وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً،

وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ

وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً. سورة النساء/الآية 5  

وهذه درجة متقدمة جدا في رعاية هذه الشريحة الاجتماعية بصورة متوازنة.

ويقول تعالى: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا. سورة الطلاق/الآية 7

ويقول تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. سورة البقرة/الآيات 261-262

ويحذر الله تعالى من ظاهرة خطيرة تلقي باثارها السبية على المجتمع فيقول:

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً. سورة النساء/آية 37

ويقول كذلك: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. سورة آل عمران/آية 180

ويقول تعالى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ. سورة محمد/آية 38

ويقول تعالى: إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ سورة الحاقة/الآيات 33-34

ويقول تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ سورة الماعون/الآيات 1-3

ويقول تعالى: كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ، وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. سورة الفجر/الآيات 17-18

ويقول تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ سورة المدثر/الآيات 42-44

ويقول تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. سورة آل عمران/الآية 180

ويقول تعالى: ويعتبر الاسلام الانفاق على الفقراء هو حق وليس منة بيقول الله في كتابه الكريم: ) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ سورة الإسراء/الآية 16  

كما ان سيرة الرسول الكريم اكدت على ضرورة رعاية الفقراء وتوفير الحياة المناسبة لهم وقد رويت العديد من الاحاديث عن التكافل بين ابناء المجتمع. روي عن ابن عمر عن النبى ص: لا حسد إلا فى إثنين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار.

وعن أبى سعيد الخدرى قال: بينما نحن فى سفر مع النبى صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله ص: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا فى فضل.

وعن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا.

وعن أبى ذر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما نحوأحد وأنا معه، فقال: يا أبا ذر، فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال كذا وكذا - عن يمينه وشماله وقدامه وخلفه - وقليل ما هم ثم قال: يا أبا ذر، فقلت نعم يا رسول الله بأبى أنت وأمى، قال: ما يسرنى أن لى مثل أحد أنفقه فى سبيل الله، أموت وأترك منه قيراطين، قلت: أو قنطارين يا رسول الله: قال بل قيراطين، ثم قال: يا أبا ذر: أنت تريد الأكثر، وأنا أريد الأقل.  

روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخوالمسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلم ستره الله يوم القيامة.

رُوى عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلقا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم فى حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله.

وعن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن أناسا من المصدقين جباة الصدقة يأتوننا فيظلموننا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضوا مصدقيكم.  

وروى اصحاب الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سبق درهم مائة ألف درهم !فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال:رجل له مال كثير، أخذ من عرض ماله مائة ألف درهم فتصدق بها. ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ إحدهما فتصدق به، ف هذا تصدق بنصف ماله.

فى حديث انس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فارق الدنيا على الإخلاص لله وعبادته لا يشرك به، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض.  

روى ابوداود بإسناده عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من فعلهن طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام.ولا يعطى الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط اموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره.

ان اعطاء الفقراء حقوقهم كما يقول الله تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ سورة الذريات الآية/19

ويقول تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ سورة المعارج، آيات 21-24

 

ويعتبر الاسلام عدم اعطاء المحتاجين حقهم جريمة كبيرة يقول تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى ، لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى ، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ، وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ، وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ، إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ، وَلَسَوْفَ يَرْضَى. سورة الليل، الآيات 14-21

 

ويحدد الاسلام شرائح اجتماعيى ممن يستحق ان تخصص له الدولة راتبا معينا وهذه الشرائح مذكورة بقوله تعالى:

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. سورة التوبة/الآية 60

لقد اكد الاسلام على رعاية الفقراء ودعى بقوة لفلقضاء على الفقر واعتبر التكافل الاجتماعي من خلال نظام الزكاة والصدقات آلية للتنفيذ. ومرة اخرى ما احرانا ان نؤكد على هذا المحور الحقيقي لخدمة المجتمع وكم هو نافع للمجتمع التركيز على هذه القيم الانسانية الرفيعة بدلا من التبشير بقيم العنف والاستغلال والبخل وتبذير الاموال ووضعها في غير مواضعها الصحيحة. وسنذكر عددا من الايات القرآنية باعتبارها موادا للتوعية والتثقيف باتجاة التكافل الاجتماعي. يقول الله عز وجل في ايات كريمات:

* فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. سورة التوبة/آية 11

* وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ سورة التوبة/آية 58

* فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى سورة الليل، الآيات 5-10

* َجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ. سورة الأنبياء/الآية 73

* قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. سورة البقرة/الآيات 263-266

* وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ. سورة آل عمران/180-185

 

ويحذر الله في كتابه الكريم من استغلال المتلبسين بالدين لاموال الناس فيقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ. سورة التوبة/الآيات 34-37  

ويحذر كذلك من المعرقلين لهذه العملية لخدمة المجتمع فيقول تعالى:

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ. سورة التوبة/الآيات 79-84  

وفي المقابل يبين الله تعالى صفات القيادة التي ترعى الفقراء في المجتمع فيقول تعالى:

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ. سورة الحج/الآيات 40-41  

ويمدح التضامن والتكافل الاجتماعي بين ابناء المجتمع فيقول:

‏ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. سورة التوبة/الآية 71  

وتستمر ايات القران في ذكر فضل التكافل الاجتماعي والتعاون بين الناس في الشؤون المآلية وهذه طائفة اخرى من الايات الكريمة بهذا الخصوص:‏

* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. سورة الأعلى/الآية 14

ويقول تعالى شأنه: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ. سورة النور/الآية 33

* قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ. سورة المؤمنون/الآيات 1-4

* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. سورة البقرة/الآية 277

* فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ. ‏سورة الروم/الآيات 38 - 39

* فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ. سورة البلد/الآيات11-16

* وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً سورة مريم/الآيات 54-55

* وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ. سورة البقرة/آية 83

* وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. سورة البينة/الآية 5

* تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ سورة النمل/الآيات 1-3

هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. سورة لقمان/الآيات 3-4

* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ. سورة البقرة/الآية 177

* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً. سورة النساء/الآية 77

* لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً. سورة النساء/الآية 162

* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ. سورة المائدة/الآية 12

* إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. سورة المائدة/الآية 55  

وفي احاديث رسول الله الكثير من المواقف والتوجيهات بهذا الشأن. فعن أنس قال: أتى رجل من تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إني ذو أهل ومال وحاضرة - يعنى الجماعة تنزل عنده للضيافة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله ص: تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل.  

وعن جابر قال: قال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله؟ فقال رسول الله ص: من أدى زكاة ماله ذهب عنه شره.

وفي حديث إرسال معاذ إلى اليمن: أعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم.

عن أبى الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة قنطرة الإسلام.
عن الامام الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة. واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع.

وعن عبد الله ابن معاوية الغاضرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده وعلم أن لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، وافرة كل عام.ولم يعط الهرمة ولا الدرنة. ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم. فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره.  

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار‏، ‏ فأُحْميَ عليها في نار جهنم‏، ‏ فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره‏، ‏ كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد‏، ‏ فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار‏.‏‏‏ رواه مسلم‏.‏

وعن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏‏ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّلَ له يوم القيامة شُجاعا أَقْرع حتى يُطَوّقَ به عنقه‏.‏‏‏

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: والذي نفسي بيده لا يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، قالوا: وما بوائقه؟ قال: غشه وظلمه ولا يكسب عبد مالا حراما فيتصدق به فيقبل به ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى لا يمحو السىء بالسىء، ولكن يمحو السىء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث.

وعن أبى ذر قال، قال رسول الله ص قال: في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البر صدقته، ومن رفع دنانيرا أو دراهما أو تبرا أو فضة لا يعدها لغريم ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة.

وقال عليه الصلاة السلام: ما من صاحب مال لا يؤدى منه حقه إلا إذا كان يوم القيامة مثل له ثعبانا أقرع له زبيبتان سودوا ن يطوقه فينهشه بلهزمتيه:أي بشدقيه يقول له: أنا مالك أنا كنزك في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.

وعن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله ص: ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون: ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم فيقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأدنينكم ولأبعدنهم.  

وعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله قال أبو قلابة وبدأ بالعيال ثم قال أبو قلابة وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم الله به ويغنيهم.

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك.

 

وهناك حديث به العميق من المعاني وجدير ان يتأمله المصلحون فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني فأتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله.  

ومنه نستنتج طبيعة نظرة الاسلام لظاهرة الفقر والانحرافات الاجتماعية ودور التكافل الاجتماعي وبذل الاموال في الاصلاح الاجتماعي.

وعن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.  

نشر السعادة في المجتمع

امتاز المجتمع العراقي وعبر القرون على الحزن لاسباب كثيرة. واصبح البكاء من ابرز صفاته. والبكاء مع فوائده الكثيرة على الصعيد النفسي وصعيد تنمية الحس الانساني والعاطفي عند الانسان الا انه غير الصحيح ان يستم المجتمع بسمته فتتغلب على كل ممارساته. تعيش شعوب الارض تهدف الى تحقيق السعادة والفرح والراحة بينها. ولم يمنع ذلك لا الشرائع السماوية ولا المنطق الانساني اومعطيات العلم والطبي.

 

وقد اختلف المفكرون والفلاسفة حول تحديد معنى السعادة. لقد وجدها البعض منهم في الملذات الجسمية. وهؤلاء يقولون إن سعادة الإنسان لا تختلف في جوهرها عن سعادة الحيوان. وعلى نقيض هؤلاء الفلاسفة الشهوانيين نجد فئة أخرى من الفلاسفة يقولون إن السعادة تكمن في محاربة الشهوات والسعي وراء الروحانيات. فسعادة المرء تكمن في النسك والتصوف والتمسك بالقيم الروحية. وهؤلاء الفلاسفة يرون السعادة في مناصرة الروح، معتقدين أن الإنسان في جوهره روح لا جسد.
إن السعادة لا تتحق بالمبالغة في رعاية جانب من شخصيتك ونسيان باقي الجوانب. إنك تصير شخصية متكاملة وسعيدة إذا كنت عادلاً بازاء جسمك وروحك وعقلك ووجدانك. 

ومن المعروف، كذلك، أن دخول الفلسفة اليونانية إلى العالم الإسلامي، اثر على تصورات مفكري الإسلام. وقد انقسموا حول مفهوم السعادة إلى فلاسفة عقليين ومتصوفة. وتناقش مفكروالإسلام,

هل أن السعادة عقلية أم جسدية؟ 

وهل ترتبط السعادة عندهم بالفرد أم بالمجتمع؟

كان فخر الدين الرازي يربط السعادة بحصول اللذة لدى الإنسان, واللذة العقلية أشرف من اللذة الجسدية، لأن هذه الأخيرة بهيمية. فحين يكرس الإنسان حياته لتحصيلها، فإنه ينحدر إلى مصاف الحيوان. أما اللذة التي تنال بالعقل، فهي التي يسموبها الإنسان عن الحيوان، وهي التي يتفاضل الناس فيها بعضهم عن بعض.

 

وفي الوقت الذي لا يستطيع الباحث اهمال دور الرفاه المادي في احلال السعادة في المجتمع تبقى السعادة في جانبها النفسي والشعوري السبب الرئيسي في تحقيقها. يقول الله عز وجل يقول في سورة الرعد:

إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ. سورة الرعد الاية11 

ويقول تعالى:

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. سورة الانفال، الآية 53.

مما يعني انه لا يمكن ان يحدث أي تغيير في الخارج حتى يحدث تغيير في الداخل. ومن الواضح اننا مهما حاولنا التغيير سياسياً أواجتماعياً أواقتصادياً سوف لا ننجح بدون التغير من الداخل.  

إن مفهوم السعادة يرتبط بالمفهوم العام عند الناس بالجانب المادي الحسي، حيث يعتبر الإنسان سعيدا كلما تحققت لديه شروط مادية ترتبط بالمال والصحة، وما إلى ذلك من المنافع المادية.

ولكن السعادة من طرف اخر هي مشاعر وأحاسيس، وقد تختلف من شخص إلى آخر، أن السعادة هي ذلك الشعور في داخل الإنسان، وهذا تعريف مال إليه الماوردي كذلك في كتابه أدب الدنيا والدين، واشار كذلك ابن القيم لهذا المعنى وسماها سعادة الدارين وهو السعادة في الدنيا والآخرة. 

أن السعادة هي ذلك الشعور بالرضا في قرارة الإنسان، متى ما شعر الإنسان في قرارة نفسه بأنه راضٍ فهنا شعور بالسعادة. والسعادة قيمة من القيم الاجتماعية والنفسية المهمة لكنها ليست هي القيمة الوحيدة.  

وقد يبدو تعريف السعادة مطاطيا وطويلا وليس متفق عليه، ولكن العنصر الابرز بالسعادة هو شعور بالرضا من الداخل.

السعادة ترتبط بالطمأنينة، عندما يعيش الإنسان ويشعر بالطمأنينة في قرارة نفسه، فيسكن القلب. وعكسها القلق وعندما يكون الإنسان قلقاً متوتراً فهو قطعا بعيد عن السعادة. 

وفي تصورنا ان السعادة الى حد كبير هي التوازن داخل الشخصية وإعطاء كل شأن حقه والتعامل بروح متكاملة مع الجوانب الرئيسية في الحياة، مثل الجانب الروحاني وهناك الجانب الاجتماعي والجانب المادي. والتفاؤل مؤشر للسعادة وكل سعيد متفائل.

ومع ان السعادة ذات طبع نسبي ومع اهمية الرضا والاطمئنان لحصول السعادة الا ان الناس يختلفون في تعاملهم مع هذا المفهوم فمنهم من يطمئن ويرضى لأشياء مادية يطلبها في حياته من المال والجنس والجاه، من غير ذلك، فهو إذا كان هدفه هو هذا فقد يشعر بالرضا والطمأنينة، لكن ذلك يكون موقتا وقد يستتبعه شعور بالتعاسة والكأبة الشديدين. ومن هنا يعتقد البعض ان السعادة الحقيقية هي طلب رضوان الله. 

ولكي نركز على ثقافة ما ينفع الناس وبعيدا عن الصياغات الفلسفية نقول: ان السعادة مرتبطة لحد كبير باحتياجات الإنسان، واحتياجات الإنسان الاساسية التي تجعله يعيش بسعادة يمكن ادراجها بالاتجاهات الاتية:

1-            احتياجات بيولوجية

2-            واحتياجات أمنية

3-            احتياجات دينية

4-             واحتياجات الانتماء لمجموعة انسانية

5-             واحتياجات الاحترام والتقدير في المجتمع

6-            واحتياجات تحقيق الذات وتحقيق إنجازات ضمن المجموعة البشرية التي ينتمي لها الانسان اوضمن عموم المجتمع. 

ان النقص في اي حاجة من هذه الاحتياجات تؤثر على شعوره بالسعادة وبمقدار ارتفاع نسبة تحقيق هذه الاحتياجات تزداد فرص الانسان في الحصول على السعادة. لذلك فالسعادة حسب هذه الرؤية نسبية. 

ومن الواضح ان كل اومعظم هذه الاحتياجات ترتبط بالنظام السياسي الحاكم في البلاد. ونلاحظ ان البلدان المستقرة سياسيا تغمرها السعادة بدرجة اكبر من المجتمعات التي تعاني من الاضطرابات السياسية وشيوع الدكتاتورية اواستفحال الارهاب والعنف فيها. فلا يمكننا الحديث عن سعادة مجتمع ما بدون التغيير الحقيقي للبنية السياسية ظالمة، والبنية الاجتماعية ظالمة، والبنية الاقتصادية ظالمة. وقد قيل قديما ان الملك يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظلم!!! والغرب لم يتمكن من تحقيق الرفاه الاجتماعي ونشر السعادة بين ابنائه الا بعد تحرر الإنسان بالثورة على الظلمة.  

ويميل البعض الى تجريد المفاهيم واخراجها من واقعها الحياتي فيبالغ باعتبار السعادة أصلاً ليست في الخارج، وليست باكتساب المال أوفي الجاه وكأن اصحاب هذا الحديث يريدون تمشية امور الحياة القاسية وزرع التفائل والامل بامور وهمية غير ملموس, وهناك من بستغل الدين للوصول الى هذه القناعات فيبقى الغني على غناه والطاغية على طغيانه وللفقراء والمظلوم اطنان من الحقوق والمكاسب في اليوم الاخر وقد قال كارل ماركس الزعيم الشيوعي التاريخي في نقد هذا الاتجاه: الدين افيون الشعوب. ومن الجدير ذكره ان دينا بهذه المواصفات هو ما ينقده الاسلام ايضا وقبل ماركس باكثر من الف سنة. 

ولطالما ابهجني ان ارى شعارا لاحدى المنظمات الاسلامية العراقية العريقة ان شعارها هو السلم والعدل والسعادة وان ارى في الوقت نفسه شعار الحزب الشيوعي العراقي وطن حر وشعب سعيد. مما يعني ان التطلع الى السعادة للانسان والمجتمع هو طموح انساني اصيل بغض النظر عن العقيدة الاديولوجية التي يتبناها المنتمي.

ولا تذهبن الوساوس بفكر البعض فنحن في الوقت الذي نؤكد على توفير الاحتياجات الضرورية لزرع السعادة بالمجتمع نعتقد كذلك ان السعادة مع تحقق الظروف المادية لها تبقى مرتبطة بداخل الانسان. قد تنمِّي توفير الاحتياجات سعادة الانسان والمجتمع لكنها لا ولن تستطيع أن تنشئ سعادة ما لم تنشئ في الداخل. وهنا نطرح مفهوم القناعة الايجابية وليس القناعة السلبية التي نقدناها توا. فالقناعة كما قيل كنز لا يفنى.

وفي القرآن الكريم لمسات رائعة عن مفهوم السعادة والراحة النفسية يقول الله سبحانه وتعالى:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً، سورة طه الاية 124

ويقول:

أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ، سورة الرعد الاية 26 

ويرى القديس اوغسطين: ان سعادتنا تتوقف على سعادة الآخرين حولنا

اي اننا اذا اضعنا سعادة الآخرين لا يمكننا ان نحقق سعادتنا، وفي المقابل اذا احببنا الآخرين وسعينا في اسعادهم فإننا سنحصل على الحب والسعادة ايضا.  

وخلاصة القول ان السعادة هي حالة من التوافق والتوازن بيننا وبين الظروف المحيطة، وبمقدار ما نتمكن من تحقيق الانسجام والتفاعل الايجابي بيننا وبين من حولنا اي الانسان وما حولنا اي الطبيعة نكون قد تدرجنا في مراقي السعادة. واذا افتقدنا هذا التوافق الهارمونيكي احسسنا اننا فقدنا سعادتنا.

 

كيف يمكننا ان نحول هذا الحديث عن السعادة من صياغته النظرية الى صياغات حوارية توافقية بين الاطراف المتحاورة؟؟ انها مسؤولية كبيرة يتحملها القادة السياسيون والفكريون والاجتماعيون. وتتطلب منهم بناء الركائز المادية والمعنوية التي تؤدي الى ان يعيش المجتمع سعيدا هانئا. لذلك ينبغي لنا ان نشير الى اهم هذه الركائز.

1- الركيزة الوراثية يعني ان هناك ثمة استعدادات موروثة للسعادة يتلقاها المرء عن الوالدين وعن الأجداد القريبين والأجداد البعيدين. يقابلها استعدادات وراثية للكئابة وعدم الارتياح. وهذا يقتضي تنمية العلاج النفسي في بلدنا لا سيما وقد تعرضت النفسية العراقية الى مختلف انواع الاضطهاد الذي ينعكس على نفسيته بحلات اكتئابية متععدة المظاهر. ولا نستبعد ان الكثير من اعمال العنف والارهاب والانتحار نابعة عن الكئابة الحادة التي يعني من الافراد لا سيما الانتحاريون الذين يعيشون اقصى درجات فقدان الامل بالناس والمجتمع.

2-  الركيزة الصحية ان التدهور الصحي للفرد وللمجتمع يلقي بظلال كثيفة من عدم الراحة لذلك ينبغي التفكير بكثير من الجد بعلاج الامرارض الوبائية والمزمنة. ويعاني بلدنا العراق من العديد من هذه الامراض وهي ما ينبغي لكل مخلص لهذا البلد ان يضعها باول سلم اهتماماته. ليكن تنافسنا في الحوار والمصالحة بين الاطراف بمقدار تمكننا في الحصول عى مكاسب لمحاربة الامراض وتعميم الخدمات الصحية للمواطنين.

3-  الركيزة الثقافية: فنحن نعلم جيداً أن السعادة ترتبط بما يعتمل في ذهن المرء من مفاهيم، وبما يتمتع به من مهارات، بل وما يكتسبه من عواطف واتجاهات.

4- الركيزة الأخلاقية: ونحن عندما نذكر الأخلاق فإنما نعني بها سياسة سلوك المرء. فالسلوك المتبدي نتيجة وراثة أواكتساب إنما يقع في نطاق الظواهر النفسية. المجتمع الذي تنتشر به الاخلاق الفاضلة يكون اقرب بكثير من المجتمع البعيد عن الاخلاق والقيم الرفيعة. وقد اشار القرآن الكريم واشار تاريخ الشعوب والامم والدول الى اهمية العامل الاخلاقي في بناء المجتمع المتكامل السعيد.

5- الركيزة الاجتماعية تنطلق من كون المجتمع يزود الفرد بتقاليده الموروثة واتجاهات اخلاقية متباينة. وهي اما ان تكون عوامل اشاعة السعادة للناس، اوعوامل تعاسة وشقاء لهم. فالقيم الاجتماعية التي تضع افراد المجتمع تحت نطاق القسر والظلم واستعباد التي تنصب بصورة خاصة على بعض الناس أوقهر الطفولة أواستذلال النساء، إنما هو مجتمع لا يوفر السعادة لأبنائه.

6-  الركيزة الاقتصادية اشرنا الى اهمية هذه الركيزة وانه من البديهيات ان حصول الانسان على ما يشبع حاجاته الاساسية عامل مهم ومساعد على توفير السعادة له. وعلى العكس فإن الحرمان من الموارد الاقتصادية الضرورية لمعيشته يحيل حياته الى ضرب من الشقاء. أن الفقر المدقع الذي يخيم على حياة الكثيرين في بلادنا وعدم توافر ضروريات الحياة للفرد وعائلته يجعل الحياة مظلمة ويطن في صميم مقومات السعادة.

7-  واخيرا وليس اخرا فان الركيزة الدينية الروحية من اهم مقومات السعادة فإحساس الانيان بالخلود في حياة اخرى قبال عمله الصالح، وبالرعاية الإلهية له ولمصالحه، وان الخالق يؤمن له الحفاظ عليه وعلى زوجته وأبنائه لكل ذلك يبعث على الراحة والطمأنينة. 

والسعادة هي أساس السلام فإذا لم يكن الإنسان سعيداً، سيبقى الشعور بالسلام الذي قد يحصل عليه، قابلاً للاهتزاز دوماً. إن السلام العالمي هو في متناول كل أمة عندما تكون السعادة في متناول أفراد هذه الأمة. وإذا عاش أفراد كل أمة سريعاً في حياة مفعمة بالتناغم والسلام، سيكون السلام العالمي تلقائياً. ذلك ان الفرد يؤثر على محيطه من خلال كل فكرة وكل كلمة وكل عمل. وهذه التأثيرات إما أن تدعم الحياة أو تدمرها.

عندما يكون الناس غير سعداء، ومرهقون ومتوترون، يصبح الجو مشبعاً بهذه التأثيرات المدمرة للحياة، ويصبح السلام هشاً. عندما يكون الناس سعداء ومنتجون ومسالمون في داخلهم، سيعكس المحيط حولهم حالتهم الحسنة، ويكون السلام نتيجة طبيعية. ما دام الأفراد مستمرين في النمومع الضواغط والتوتر، يبقى السلام العالمي فكرة مجردة غير قابلة للتحقيق. 

وختاما نقول ان من اهم االشؤون المعمقة للحوار والمصالحة هو اشاعة ثقافة الامن والسلام في المجتمع. وثقافة تحقيق العدالة والمساواة بين كل ابناء الشعب. وتحقيق التنمية لتطوير المجتمع وتحقيق التكافل الاجتماعي. وثقافة نشر السعادة وتحقيق الرفاهية المعيشية والحياة الكريمة لكل العراقيين. 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org