مقالات

الأمثال الشعبية .. الارث اللغوي

عدنان الهلالي

adnanalhilali@yahoo.com

الأمثال الشعبية كنز من التجارب الانسانية التي مرت على المجتمعات من قديم الزمان تجلت في حوادث ومواقف استطاع العقل البشري ان يصوغها بجمل قصيرة  ومكثفة الفكرة تنم عن استيعاب الانسان لهذه الحالة وادراكها والفطنة لها ومن ثم صياغتها بطريقة ادبية وبلاغية فقد عرف الامثال كثير من علماءنا الاوائل كما جاء في كتبهم فمثلا المبرد العالم العربي المعروف يعرف المثل ربانه مأخوذ من المثال وهو قول سائر يشبّه حال الثاني بالاول والاصل فيه التشبيه ،وقد عرفه ابن عبد ربه الاندلس صاحب كتاب العقد الفريد بأنه (وش الكلام وجوهر اللفظ  في كل زمان وعلى كل لسان فهي ابقى من الشعر واشرف من الخطابة )وعرفها عبد الله ابن المقفع صاحب كتاب الادب الكبير بقوله :(اذا جعل الكلام مثلا كان اوضح للمنطق واتقى للسمع واوسع لشعوب الحديث ).وكذلك عرفها الفرابي الفيسوف الاسلامي الكبير بقوله :(هو ما ترضاه العامة  والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه فيما بينهم وفتول به في السراء والضراء )

من هذه التعريفات للامثال اسواء كانت شعبية اي باللغة العامية او باللغة الفصيحة استشف ان للمثل تعريف تعريف واحد وان تعددت الكلمات فيه والتعريفات له لدى الاوائل من علماءنا فهو على العموم قول مأثور اتى عن الاولين تظهر بلاغته في ايجاز لفظه واصابة معناه قيل في مناسبة معينة فذهب ذلك القول مثلا يحتذى به في المواقف اللاحقة التي تمر على بني البشر .

وقد ادرك العرب الاوائل اهمية هذه الكنز اللغوي البليغ بنوعيه فجمعوها في كتب اعتنت بذلك مثل مجمع الامثال للميداني وغيره من الكتب الادبية وحرصوا عليها من الضياع والاندثار لانها ارث لغوي مهم لاجيال سبقت زماننا واخذت بالوصول الينا عبر الاجيال البشرية نتيجة الى عبرة او حكمة اسست على اثرها الخير الحضّ على التنبيه على سلوك معين وا الحث على سلوك معين ،والمثل الشعبي عده بعض النقاد اشبه مايكون بالرواية الشعبية اذا ماقيست بالمجتمع فهي تحمل جزء من ملامح مجتمع معين او جزء من ملامح شعب كامل كالاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية وكذلك اسلوب معيشته ومعاييره الاخلاقية ومعتقداته ،فهو بهذا يكون لون من الوان الادب معبر وطريف المنحى وقد تنوعت الامثال الشعبية فدخلت مفاصل الحياة المختلفة كالطب والوصايا الصحية والزراعية والتجاره وبقية التجارب الأخرى

فهو يشتمل على معنى اولا وغاية ثانيا فيجب توفرها في اي مثل من الامثال في العالم ،اما مصادر الامثال يكون حكاية او حادثة معينة حيث تتلخص هذه الحكاية او الموقف تكون خير مثال اذا ماحدث مشابه للامر السابق ،وقد رصد علماء البلاغة العربية الامثال حيث وجد المثل سبيله الى البلاغة وقد عرف هناك باسم الاستعارة التخيليلية حيث يوحي باجراء تشبيه بين حالتين الحالة الراهنة التي يسير بها القول المتمثل به والحالة الثانية التي صدر عنها ذلك القول ويكون المثل بمثابة اشارة موحية .

اما الابعاد للامثال فهناك عدة ابعاد منها الاجتماعية والتي تتمثل بارتباط المثل بالمجتمع واثره في البناء الاجتماعي والاسري والاقتصادي للناس مما يدلل تفهم الفرد للمثل وادراكه واحتواءه بصورة صحيحة للتراث الشعبي الذي نشا فيه الفرد وبالتالي استيعابه للتاريخ الذي منح الفرد  كل مكونات مفرداته وكذلك الجانب النفسي والتي تودي الى استخدام الفرد للمثل في الظرف المناسب والمكان الصحيح .

اما الفرق بين المثل والحكمة يمكن ان اشير لها بشكل سريع هي ان الحكمة كلمة ناتجه عن دراية وذات مضمون اعمق ونابعه من فلسفة ورؤيه لدى الشخص ادت به الى اطلاق هذه الحكمة وهي في كل الاحوال فراسة كما عبر عنها الرسول في حديثه الشريف (ص):(اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بعين الله ).

اما المثل هو حادث معين يقال كما اشرت سابقا في حديثي جمل قصيرة مكثفة الفكرة تقال في حادث معين فتصبح مثلا لما يلحق بالحوادث اللاحقة مع شخص اخر فمثلا المثل المعروف (حشر مع الناس عيد )هذا معروف لان الناس سواسيه هذا المثل لو قاله حكيم حسب تعريفنا بالحكمه  بانها فراسة لكان يقول:(حشر مع المؤمنين عيد )وقد وردت الامثال بكثرة حتى في نصوص القران المجيد وستظل امثالنا كنز لغوي نفتخر به من عمق تجارب ابناء الرافدين الاوائل.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com