مقالات

أفلاطون .. لم تكن الحالم الوحيد!!!

كوثر الكفيشي

وضعت طفلتي الصغيرة في سريرها وتوجهت إلى سريري وأنا أتعثر بأذيال الظلام، آه وصلت أخيراً إلى السرير بعد نهار طويل، لقد قضيت يوماً من دون ماء وكهرباء فما أصعب هذه الحياة، حاولت أن أستسلم للنوم غير أن ضوضاء الخارج كان يطرده كلما حاول المجيء، ياللإزعاج كانت أصوات المولدات عالية جداً وتدوي في أرجاء المنزل نظراً لهدوء الشارع، ومن هنا بدأت معركتي مع النوم حاولت أن أستسلم غير أن نفسي كانت تأبى ذلك وإذا بلساني يتحرك لينطق يا لتعاسة هذه الحياة و يا لسعادة الأجانب وحياتهم، يا إلهي لماذا ابتليتنا بصدام ولم تبتل الإنكليز بمثله، هنا سمعت صوتاً يناديني بإسمي وعند التفاتتي وجدت إمراة عجوز جالسة على سجادة حمراء، دعتني إلى جولة معها سألتها إلى أين؟ أجابت: إلى مرافئ وخلجان وجبال وأودية التاريخ... ماذا جولة في التاريخ!!! يا للروعة جلسنا سوية على سجادة علي بابا وأخذنا نجوب بحور التاريخ وإذا بالسجادة توقفت وأنزلتنا، ضحكت ماهذا هل يعقل ها أنا قد عدت إلى العصور الفرعونية القديمة أخذت أنظر إلى العبيد الذين يضربون ويهانون يالتعاستهم ها هم الفراعنة يسومونهم سوء العذاب يقتّلون أبنائهم ويستحيون نسائهم وهم كالحجر، عند هذا الحد لم أتمالك نفسي وأخذت أصرخ بهم يا ويلكم ها هو مستبدكم يريد أن تكون رعيته كالغنم دراً وطاعة وكالكلاب تذللاً وتملقا، ولكن الله خلقكم أعزاء وسنة الحياة تريدكم أن تكونوا كالخيل إن خُدمت خَدمت وإن ضربت شرست، نعم على الرعية أن تعرف مقامها هل خلقت خادمة لحاكمها تطيعه إن عدل أو جار وخُلق هو ليحكمها كيف شاء بعدل أم اعتساف أم هي جاءت به ليخدمها لاليستخدمها يا لبشاعتكم كيف تسمحون لمن يتزوج أخته أو أمه أو ابنته مدعياً سلامة ونقاء الدم الملكي ليحكمكم ... عندها نشف ريقي... فطلبت من المرأة أن تأمر السجادة بالطيران لمغادرة هذه المناظر البائسة، وبالفعل طارت أجل طارت لتحط بي أوه ما هذا هؤلاء الرومان بالتأكيد هذه هي الأعمدة الرومانية الجميلة وها هم الناس يرتدون الثياب الرومانية التي أشاهدها دائماً في الأفلام القديمة، ولكن ماهذا الظلم ماهذا البؤس ها هم يعبدون أباطرتهم ويقدسونهم أعظم تقديس فها هم يقدسون أغسطس و من بعده كلاوديوس ومن بعده نيرون الرهيب هذا الذي كان أبن لأم رهيبة، أجل أمه أغربينا التي قتلت زوجها ومن بعده أرادت أن تقتل إبنها نيرون نفسه فبادر وقتلها أي تغدى بها قبل أن تتعشى به، وكانت فترة حكمه وحكم من سبقه ومن تلاه كابوس من المؤامرات والدعارة والإغتيالات فيا ويلكم أي أناس تعبدون أتعبدون الإنسان المستبد بالطبع للشر فلا استغراب إن تجاوز الحد لأنه لم ير حاجزاً من حديد فلو رأى على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم فكان بحق عدو الحرية ـ عدو الحق وقاتلهما، وهكذا أخذ يتحكم في شؤونكم بإرادته لابإرادتكم ويحكمكم بهواه لابشريعتكم فوضع كعب رجله على أفواه الملايين منكم ليسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته وساعدته الطبقة الحاكمة من الشيوخ و الأرستقراطيين.

هذا يكفي أرجوك خذيني ...أجل طلبت هذا الطلب بعد أن رأيت ما رأيت، ولكن المحطة التالية لم تكن أرحم من سابقتيها حيث قد أنزلتني هذه السجادة داخل قصر يلدز السلطاني الهمايوني العثماني وأخذت أنظر إلى ظلمهم ها هم يقتلون بعضهم بعضا، لأن القوانين كانت تنص على أنه عند وصول أحدهم للحكم أن يقتل أخوته ويسجن أعمامه وأبنائهم خشية الإنقلاب والثورة والعصيان، ها هم كانوا يخصون الصبيان ويحرمونهم من حقهم الطبيعي الذي منحهم الله ليخدموا حريمهم، ويسبون النساء الأجنبيات للتسلية بهن تاركين زمام الأمور لنسائهم الأجنبيات، فها هو السلطان سليمان القانوني قد تزوج من روكسانا اليهودية التي دبرت المكيدة من أجل دفعه إلى قتل إبنه مصطفى من زوجته التركية ولم تكتف بذلك بل قتلت وزير زوجها لشكه بها، ولم يحرك إزاء ذلك السلطان سليمان القانوني العظيم كما يقال حجراً بل كان كالدمية بيد هذه المرأة اليهودية فتلاه من بعده أبناءه الذين شابهوا والدهم فطبقوا المقولة من شابه أباه فما ظلم ولكنه قد ظلم أجل هو ومن بعده قد ظلموا الرعية فأخذوا برأس الخيط أي العلماء وبدؤوا بتصفيتهم الجسدية كالكواكبي وغيره لأنهم أدركوا بأن العوام صبية أيتام نيام لايعلمون شيئاً والعلماء هم أخوتهم الراشدون إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا وإلا فيتصل نومهم بالموت، هكذا استغلكم الأتراك أيها العرب فأخذوا يتلاعبون في الدين فأفسدوه ولعبوا بالعقل فأفسدوه و أنتم كنتم كالجثث الهامدة فناموا أجل

ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوموا

يا لهوانكم أيها العرب ويا لذلكم وتهاونكم فصدق الله الكريم عندما قال: ((وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)).

أرجوكِ يا صاحبة السجادة العجيبة أجيبيني لماذا حدث ما حدث ولازال يحدث لنا بينما الإنكليز بمأمن من هذا كله لقد دامت حكومتهم حتى قيل عنها الإمبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس يوماً لماذا؟ ..لماذا؟ أجابت بعد برهة قصيرة: يا ابنتي السبب هو يقظة الإنكليز الذين لم يسكرهم إنتصار ولم يخملهم انكسار، فلم يغفلوا لحظة عن مراقبة ملوكهم، حتى إن الوزارة هي التي تنتخب للملك خدمه وحشمه فضلاً عن الزوجة والصهر.

نعم يا ابنتي فكما رأيتي فإن الإستبداد هو أعظم بلاء يتعجل الله به الإنتقام من عباده الخاملين و لايرفعه عنهم حتى يتوبوا توبة الأنفة. نعم الإستبداد أعظم بلاء لأنه وباء دائم بالفتن وجدب مستمر بتعطيل الأعمال، وحريق متواصل بالسلب والغصب وسيل جارف للعمران وخوف يقطع القلوب وظلام يعمي الأبصار، فهل لك الآن أن تجيبي عن سؤالك لماذا ابتلى الله العراقيين بالإستبداد الصدامي؟ ابتسمت وأنا أجيب بنعم لقد صدقت فإن الله عادل مطلق لايظلم أحداً فلا يولي المستبد إلا على المستبدين فلو نظرنا إلى واقعنا العراقي لوجدنا بأن الأب يظلم أولاده ويستبد عليهم، والأخ بأخته، والزوج بزوجته، وصاحب العمل بعامله، والرئيس بمرؤوسيه، والمعلم بطلابه، وهلم جرا فلو قدر القدر وشاء لأحد منا لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم حتى وربه الذي خلقه تابعين لرأيه وأمره، فلو لم نكن نملك نفوساً كنفوس المستبدين لما استبد بنا صدام، ولو كنا أحراراً لما سمحنا له بامتلاكه لنا 25 عاماً، هكذا فالمستبدون يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح معنى القول: كما تكونوا يولى عليكم.

عند هذا وقد استيقضت على صوت ابنتي الصغيرة فقلت لنفسي صدقت يا أفلاطون فقد حلمت بالمدينة الفاضلة ولكنك لم تكن الحالم الوحيد.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com