مقالات

أنت السؤال ... وأنا تفاصيل الجواب

مهند صلاحات / كاتب فلسطيني مقيم في الأردن

salahatm@hotmail.com

ذات يومٍ سُكِبت القهوة على قميصي فأحدثت عليه لوناً بنياً، خشيت أن يدوم طويلاً فهرعت لصنبور الماء أغسل القميص من بقع القهوة عليه.

 خشيت بأن يُقال أنني مدمن للقهوة، أو أني أعشق القهوة فأشربها بشراهة لذلك سُكِبت على ملابسي.

 وذات مرة حين ضممتك لصدري وعشنا تلك اللحظة معاًُ، وتنفسنا معاً نفساً واحداً، و وزفرنا زفره واحده.. علقت بعض بقايا أحمر الشفاه على ذات القميص الذي سكبت عليه القهوة ذات يوم.

 لم يصبني الهلع من المشهد، بل وأني لم أهرع للماء لغسله، ولم أفكر حتى في استبداله، بقيت مصراً على أن أسير فيه بين الناس متباهياً كالطاووس بألوانه الزاهية ببقية أحمر شفاه تركتها قبلة منك على قميصي، وعدم مبالٍ إن قيل يقبلها بشراهة.

 وحين سألتك ذات مرة في لقائنا: كيف اجمّع ما خرج من صدرك وأتنفسه؟

  يومها كتبتِ إليَّ بعد رحيلك كلام كان يساوي بالنسبة لي كل ما كتب العرب من أدب حين قلتِ: أقسم أن الهواء تغير.. ليتني حبست أنفاسكَ في رئتيّ.

 وذات مرة حين كان الظلام موحشاً، وحين أصبحت الغربة المنفى الأخير، وصارت الوِحدة موتاً بطيء، و الصمت ليل طويل، طويلٌ جداً كلحظات انتظار لقاءنا مرة أخرى، تساءلت يومها ككل مرة أكون في وحدتي: متى نعود معا ؟ شعرت بأنك تعبت من كثرة تفكيري فيكِ، أرهقكِ كثرة الأفكار التي احتشدت كجماهير تحتج على رفع أسعار الخبز في رأسي، فأنسلت روحي مني حين شعرت بأني أتعبتك من كثرة ما فكرت فيكِ.

 ارتعدت رعباً حتى تلاشيت، لا يلملمني في تلك اللحظة سوى أن تضحكي وأن أسمع صوتك يداعب مسامعي كعادته، وفي هـزيع أخير من اللـهـفـة كنت أموت شوقـا ً إليك، وكانت كل لحظةِ شوقٍ تمرُ فيكِ كأنها عمري كاملاً، وكـل يـوم ٍ يـمـرُّ كأنه دهرٌ طويل.

 ما هو الموت؟ سألتني، وكيف يشبه الحب؟ اخبرني بالله عليك.

 هو أن أهيم فيك شوقاً حتى لا أدري أين أنا ومن أكون، نحن لا نعرف ما هو الموت لأننا لم نجربه، يسميه البعض نهاية وأنا لا اسميه شيء لأني لم أجربه، وهو يشبه "الحب"، لأن كلاهما نعيشه مرة واحدة فقط، وإن دخلناه لا نعود منه أبداً ولا حتى نعود إليه.

 -

 -

 -أنا

 وعن لوحة المعلقة على جدار المقهى حيث جلسنا سألتني: لماذا الرمل يبكي وحيداً في القاع، والزبد يرتقي للأعلى، ألا يكفي هذا الرمل احتضان البحر!! ماذا يريد أكثر؟؟

 هكذا أنا فيكِ ومعك، لا أكتفي بالرقود في داخل قلبك فقط، لا بد من حالة فريدة من التموج والرقص الجميل كراقصة الفلومنكو في كل أنحاء المكان والجسد.

 عطشتك كثيراً كوجع السؤال حين يتوه الجواب، ومع أن الفلاسفة يقولون بأن الجواب يُخلق قبل السؤال، إلا أننا أحيانا لا نجد الجواب، أن نحتار بين الأجوبة التي تتناثر، وأحيانا يكون عليّ أن أختار: أموت، أو أستعين, بفقدان عقلي لكي أنسى موتي، وأن أختار بأي طريقة بها أفقد عقلي في الحياة، وأن عليَّ أن أختار كيف أعطشك سيدتي، ومازال كأسي مملوء بخمرك، وعليَّ أن أختار كيف أبغضك وأنا مازلت أحبك.

 خذي مني زجاجتي، وعادتي القديمة في معاقرة قهوتي، ودفتر يومياتي، ورائحة عطري، وصت فيروز من أذني، ووجوه كل النساء من ذاكرتي، وتفاصيل كل البلاد من عيوني، والهياكل العظمية من قبور أجدادي، وأفكاري المنطقية وغير المنطقة، والأرض البور التي ورثت عن جدي من أمي، وصورتك من على سريري، باختصار خذي كل شيء، ما أملك وما لا أملك، وما أطمح أن أملك، وأعطني يوما حيادياً فقط لا أبكي فيه على شيء، ولا أفقدك فيه.

 فأنا يا حبيبتي من قبيلة تموت جماعات، جماعات، جماعات، تنتحر أحياناً كالحيتان، وكالسمك على ضفاف النيل والفرات، فأنا حين أحيا فيك أنسى الممات.

 أيتها المرأة السؤال التي لا ينتهي فيها السؤال، تسألينني كيف الحال.. ؟

 لا جديد ..

 سوى أني توقفت عن صب القهوة في فنجانين كل صباح، صرت أشربها في كوب.

 

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com