مقالات

وردة أدونيس ولألاء إيليا أبي ماضي

خلدون جاويد

khaldoun3@hotmail.com

 التماعات الشعر في الفلسفة مثل رفيف فراشات على مرج من الرومانس، أما بروق الفلسفة في الشعر فهي مقاسات الحكمة، ولكم يقتضينا من الانتباه كي لا نُخِل في ما هو أكثر من ميزان الذهب دقة وعروض الخليل حساسية، ان أية اخطاء في النظرية مدعاة لكوارث في الواقع.

 يقول ادونيس في قصيدة ( جسد – من ديوان فهرس لأعمال الريح ) ماهو باهر لكنه زائغ ٌ فلسفيا : " منذ أن تبدأ الوردة بالتفتح، تبدأ بالذبول، حياتها هي نفسها الموت ".

 تشير الفلسفة في عموم شروحاتها لمفهومي الحركة والسكون الى ان الحركة مطلقة والسكون نسبي. فاذا كانت الحياة حركة فلايمكن أن يكون النص الأدونيسي مطابقا للمفهوم أعلاه، اذ كيف تكون الحياة وهي حركة هي نفسها الموت؟.

 ان هذا هو التلفيق او الاستغفال الكامن في النصوص البراقة. هناك من اشار الى ان معنى هذا النص المقتبس من قبل ادونيس مأخوذ من فلاسفة الديالكتيك، لأنهم يقولون أن الأشياء تحمل موتها وهي حية.

 فهناك اذن بروق من الفلسفة في الشعر. ترسمها ريشة المشاعر بكل حرية لكن تبعاتها في تراكم الوعي البشري لها تأثيراتها السلبية او الايجابية شئنا ام أبينا.

 فهنا يتجاوز الشاعر ناسيا او متناسيا حركة الاشياء في الحبكة الحياتية او المسرحية اذا شاء. اذ لابد لأية قضية أو فكرة او رواية او دولة، عدا المستهل من وجودها، ان تمر في سير متصاعد نحو الذروة وبعد ذلك يبدأ السفح. ومسرحيا ( كلايمكس ) ومن ثم ( انتي كلايمكس ). والمرأة مادمنا نتحدث عن الورد فهي الاخرى، ليس مثل وردة ادونيس، ولا – انسان عبد الصبور – فهي لاتمر من الولادة الى الموت بالموت فورا! والاّ ماهذا الوجود البشري الحيوي الثر المحتفى به من قبل ازهار الجسد وعنوان الجمال؟

 الحياة موت!، وبذا فان هناك تشابها مع ماورد

لدى صلاح عبد الصبور الذي وجد تلك اللقيا الغريبة والعميقة : ( الانسان هو الموت ) لكن ومع سحرية ولمعان هذه التعابير اللغوية، الا ان الحياة في واقعها متصلة بالروح. وقد جاء في " الفاظ الصوفية " وغيرها وكما ورد أعلاه : " يقال ان الموت حالة الانسان بدون اتصال الروح به... " ]. ومهما يكن من معان مؤثرة وملموسة في ان الحياة تتسرب من بين اصابع اليد في كل لحظة أي اننا نذوي ونشيخ في كل لحظة فاننا واقع الحال لم نمت بعد، فالذبول اليومي هو طرح لعمليات جسدية حيوية. الموت لحظة الموت هو الحقيقة زمانا ومكانا. وقد ورد في الآية الكريمة مايؤكد : " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ". فهل المسافة الزمنية بين الولادة والموت لاغية؟ وهل يراد ان تقول الآية سلام عليه يوم يولد حيث مات لتغدو بذلك مقولة صلاح- ادونيس منطبقة على لب الحقيقة وروح الفلسفة. واقع الحال ان للشاعر الحق ان يقول مايشاء!....أما الآية فتقول " الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها "..... " وما كان لنفس ان تموت الاّ باذن الله كتابا مؤجلا ".... " وماتدري نفس بأي أرض تموت ".

 نعم الموت حق وحقيقة وخاتمة ولكن الحياة أيضا ذات قيمة جمالية ولها زمانها النسبي طولا او قصرا، كليا او جزئيا وهي محط النبل الانساني وامتحان له.

 والحياة باهية جديرة بالتطلع والغزل والعيش والافتتان. وادناه يقر الشاعر ايليا أبو ماضي بالحقيقة الاولى ( الموت ) لكنه يدعو الى حقيقتها الثانية : الجمال!. قصيدة ( ان الحياة قصيدة ) :

 

ماللقبور كأنما لاساكن ٌ

فيها، وقد حوت العصور الماضية

طوت الملايين الكثيرة قبلنا،

ولسوف تطوينا وتبقى خالية

أين المها وعيونها وفتونها؟

أين الجبابر والملوك العاتية؟

زالوا من الدنيا كأن لم يولدوا،

سحقتهمُ كف الفضاء القاسية

ان الحياة قصيدة أعمارها

أبياتها، والموت فيها القافية

متع لحاظك في النجوم وحسنها

فلسوف تمضي والكواكب باقية

 

 ان ايليا أبي ماضي يؤكد حقيقة مرة وقاسية الآ وهي النهاية! أو كما عبر الشاعر عنها جماليا وشاعريا ( القافية )، الاّ انه من زاوية أعم، يستقوي على النهايات المأساوية باتخاذ موقف الفرح بما هو موفور في اليد، بما في الحياة من لامتناهي حسن وبهاء. فمادمنا موجودين فان علينا ان نمتع اللحاظ بما نرى من ضوء، فكأنه يقول انظر واذهب. تمتع بما هو خالد واذهب لأنك ذاهب بطبيعتك. تفرج لأنك محض عين تمر على شعاع جميل ولأن الجمال المتجسد بهذه الكواكب هو الأبقى منك. ان الخسارة الأكبر والأفدح هي ان نرد على الفناء الطبيعي والمقدر بالتشاؤم، والحزن وافناء ارواحنا ومباهجنا قبل الرحيل. ان هناك افكارا ونظريات تشاؤمية لاترى الحياة رؤية طبيعية، ترسم مشهدها بما يدمر ويخرب الأرواح ويدفع بها الى العبث والانتحار والجريمة بحق الذات والآخرين. لكن الشاعر ( أبا ماضي ) لم يستق ِ من صورة الموت في قصيدته عبثا وخواءا بل اختار التمتع فهو حسي ولذائذي وهو – أي التمتع – مبهج وعامر بالخيال والسحر. وهو بدوره خالق ومطوّر للشعور بالفرح والسعادة.

 ان حياة الوردة ليست موتها، اذا كانت الحياة موتا، شعريا، فهذا غمط حتى للشعر وتجاوز على دقة الفلسفة التي تتوخى الميزان الشديد الحساسية ازاء عدالة الرؤى واصالة التفكير وعلميته والرياضيات وميكانيزم الكون. ما أعظم الشعر حين يرقى بالحياة الى ذراه الجمالية ولذائذيا ً، الى حد النسيان، نسيان الموت " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا " وما اروعه عندما يذكر بأن لحظة موت الأشياء قادمة لامحالة، فاعمل من الناحية المثالية " اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " ومن الناحية المادية من اجل توازن الحياة بالحرية البناءة والعدل والاحسان.

 الخلط شعريا يصب في المساجلة والمساءلة الفكرية والتأمل، وتستخرج دروسه الملتوية " حياة الوردة نفسها موتها " باعتبار اننا نحيا موتنا وبالتالي لاجدوانا حيثياً، وان لاجدوى من ميلنا بالتالي الى أي من جهتي الوردة الحياة او الموت، ومساواة البعدين يمازج ويداخل بينهما اعتباطيا، وبالتالي تأخذنا المعادلة تلك الى التشاؤم ذي التيارات والمدارس الخطيرة في العبث بالانسان وتخريجاتها أخطر عندما تجند شبيبة الحياة في مسار استصغار واستسهال الموت واشاعته.

 حياة الوردة هي حياتها الى الأقصى وتألقها وعناقاتها مع الضوء في كرنفالات لونية حد الذوبان والافتتان.

 حياة الوردة هي حياتها المتداخلة في لألاء ايليا أبي ماضي وحيث البكور الجميلة والصباحات ورفيف السلام والعناق البشري في فضاء السلام والرحمة.

 ان الشعوب تحيا، تدافع ضد الموت من أجل حياة الوردة، من اجل الفرح رغم الحزن، والعرس برغم الدم، والابتسام برغم الدمع، والسلام برغم الحرب، والأمان برغم الرعب، ان الشعوب تتقدم من اجل وردة ديالكتيك الحياة، حيث يكون الكأس مملؤء نصفه، والوردة تتغذى من كوثر الماء ومفاتن اللألاء!.

 حياة الوردة حياتها الى الأقصى وبرغم مايرين عليها من غبار زائل وتصور غافل.

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com