مقالات

مقابلة صحفية مع الإمام علي (ع)

سليمان الفهد / كاتب وسياسي عراقي

Sulaiman_alfahd@hotmail.com

الأحداث تتسارع على كل الجبهات في العراق ولبنان وفلسطين والقادم أعظم. ولم أجد موضوعا اكتب عنه يجمع كل تلك الهموم، فكان لأوراقي القديمة مخرجا لحيرة الكتابة عندما وجدت موضوعا في مجلة المستقبل العدد 314 في 26 شباط 1983 للكاتب والصحافي رياض نجيب الريس، الذي يستفسر به من الإمام علي (ع) لشؤون معاصرة، شغلت بال الجميع. وقد مهد لموضوعة مقدمة نفسية وتاريخية، اجتذبت كثيرين من مفكري أوربا واسيا وقتها. حتى إن أسئلة مختلفة، ومن وزراء إعلام عرب، وردت للمجلة حول الموضوع.

 هذه الأسئلة العصرية وجهها كاتب معاصر إلى باب أساسي من أبواب المعرفة، لعل السائل الحيران يجد إرشادا وأمانا عند المسئول العارف، كما يقول في مقدمة حديثه. وهذه هي المقابلة انقلها كما كتبها لنا الكاتب واعتقد جازما رغم مرور أكثر من ثلاثة وثلاثين عاما عليها لم تفقد من محتواها شيئا أبدا لما يجري في يومنا هذا:

 " في زمن الأبواب المغلقة، ليس أمام الصحافي خيارات كثيرة. وفي زمن البحث عن طريق امن وسط ظلمة هذه الأيام، ليس هناك من يجرؤ أن بتباسط مع صحافي عن مدلولات اليوم طموحا للوصول إلى معالم الغد.

 داخل هذا الزمن العربي الرديء، وفي أشهر التمزق الذي عاشه المواطن العربي منذ الغزو الإسرائيلي للبنان، وسقوط الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، باعترافها ومن دون اعترافها، تحت ظلال" السلام الإسرائيلي "، لم أجد أحدا اعرفه في العالم فأطرق بابه لأسأله عن الذي يجري، ولماذا جرى وكيف يمكن أن يقف؟ صار اليأس كلمة نكررها صباح أو مساء كل نهار.

 رحت ابحث عمن يقول لي شيئا. قلت لنفسي: ليس في هذا العصر من هو على استعداد لان يمد رأسه من أية كوة مهما صغرت. حاولت أن اطرق بابا أساسيا من أبواب المعرفة، لعل صاحبه يجيب السائل الحيران.

 قررت أن ازور الإمام علي بن أبي طالب (ع) خليفة رسول الله وسيد الشهداء وأمير المؤمنين. ولم يسبق لي أن عرفت علي بن أبي طالب من قبل. كانت معرفتي به سطحية تاريخية، كمعرفة المئات من المسلمين أمثالي. فكان لابد أن اطرق كتاب السيد الشريف الرضي ليقودني إلى باب علي بن أبي طالب ويفتحه لي في ( نهج البلاغة) وهو الذي اختاره من كلام أمير المؤمنين (ع).

 وفتح السيد الشريف الرضي الباب في (نهج البلاغة) على مصراعيه، وكان هذا الباب بالنسبة لي في ساعات الظلمة الكثيرة التي مرت علينا: نورا ساطعا. ومن أنقاض الذل الذي تمسحنا فيه كلنا ومن بين دركات العار التي وصلناها، أتاح لي الشريف الرضي عبر أسابيع طويلة، راحة كبرى ساعدني فيها شرح الأستاذ الشيخ محمد عبده.

 وتوالت الأسئلة، وما كان أكثرها، وطالت الأجوبة وما كان أسخاها. ولاءن الأسئلة كانت من واضع اليوم فلم أشأ أن اجرح سيدي الإمام بأن أضع أجوبته في أيدي رقباء هذا العصر. لذلك ليس في حديثي المنشور اليوم: رأيه في أهل العراق ولا رأيه في أهل مكة والكوفة، والبصرة. وكما يقول سيدي الإمام: " من تذكر بعد السفر استعد "، فقد استعددت بأن يكون حديث بعيدا عن مزالق أيامنا المعاصرة هذه.

 ولعل أهم ما في أرائه غير المنشورة هو إنها تختصر الزمن كله. وكأن التاريخ لم يغير من طبائع هذه الشعوب ولم يعلمها درسا واحدا.

 كان لابد من بداية لحديثي مع الإمام علي بن أبي طالب (ع). فأستأذنه بسؤالي الأول:

1 –سيدي أمير المؤمنين. ما هذا الزمان الذي تعيشه أمتك ؟.

 -"يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعف في إلا المنصف. يعدون الصدقة فيه غرما. وصلة الرحم منا. والعبادة استطالة على الناس. فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء، وإمارة الصبيان، وتدبير الخصيان.(...لكن) إذا تغير السلطان تغير الزمان.(... و) صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه وهو اعلم بموضعه...(... و) آلة الرياسة سعة الصدر.(... لكن) من ملك استأثر."

2 – لكن كيف يواجه المرء، يا أمير المؤمنين، آلة الحكم، وسلطان الحاكم، والوضع العربي كما نعرفه اليوم عاجز ومشلول ؟.

 - " لا خير في الصمت عن الحكم كما انه لا خير في القول بالجهل ".

 3 – وهل يعمل الحاكم بمشورة المحكومين يا أمير المؤمنين ؟

 - " من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها.(...و) من استقل وجوه الآراء عرف مواقع الأخطاء ".

 4 – لقد أصبح الظلم من معالم أمتك يا سيدي الإمام. أليس لهذا الظلم نهاية ؟.

 - " الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم لا يطلب. (... و) يوم المظلوم على الظالم، اشد من يوم الظالم على المظلوم.(...و) يوم العدل على الظالم، اشد من يوم الجور على المظلوم ".

 5 – لكن سلطان هذا الزمان يضيق صدره بالعدل يا سيدي ؟

 - " من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق ".

 6 – أليس لهذا السلطان يا سيدي أمير المؤمنين من مواصفات ؟

 - " لا ينبغي أن يكون الوالي (...) البخيل، فتكون في أموالهم نهمته. ولا الجاهل، فيضلهم بجهله. ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه. ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم. ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ".

 7 – أين الوطن يا سيدي الإمام، وقد أصبحنا كلنا نعيش في غربة قاسية ؟

 - " ليس بلد بأحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك (...) الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة ".

 8 - لكن الفقر يا أمير المؤمنين، ليس هو غربتنا الوحيدة. يكاد الفقر يكون مقيما معنا في عصر الغنى العربي.

 - ألم اقل لابني محمد بن الحنفية: يا بني أني أخاف عليك الفقر فأستعذ بالله منه. فأن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل داعية للمقت.(...) الفقر هو الموت الأكبر (...) ولو كان الفقر رجلا لقتلته.

 9 – لقد شح عطاؤنا يا أمير المؤمنين. حتى يوم كثر مالنا.

 - " لا تستح من إعطاء القليل فأن الحرمان اقل منه. (...) ومن كثرة نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه.(...) إن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله.(... لكن) ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى.(...) فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له ".

 10 – لكن الحاجة تدفع إلى الطلب أحيانا كثيرة يا سيدي الإمام ؟

 - " أن حفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يد غيرك. ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس ".

 11 – والطمع ؟

 - " الطمع رق مؤبد ".

 12 – والعلم يا سيدي، أين منه المال ؟

 - " العلم خير من المال. والعلم يحرسك وأنت تحرس المال. المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق (...) العلم حاكم والمال محكوم عليه.(...) أن المال من غير علم كالسائر على غير طريق ".

 13 – أحوال العبادة في عالمنا قد ساءت يا سيدي الإمام. لم تعد تدري كيف يتعبد الناس يا أمير المؤمنين، وبماذا تؤمن ؟

 - " إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار. وان قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار ".

 14 – ما الفرق بين العاقل والأحمق يا أمير المؤمنين ؟

 - " لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه ".

 15 – والأحمق ماذا يريد عادة ؟

 - " انه يريد أن ينفعك فيضرك ".

 16 – والبخيل ؟

 - " فأنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه ".

 17 – والفاجر ؟

 - " فأنه يبيعك بالتافه ".

 18 – والكذاب ؟

 - " فأنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب ".

 19 – والمرأة يا أمير المؤمنين، أين هي من كل هذا ؟

 - " أن البهائم همها بطونها. وان السباع همها العدوان على غيرها. وان النساء همها زينة الحياة الدنيا والفساد فيها ".

 20 – والغيرة ؟

 - " غيرة المرأة كفر وغيرة الرجل إيمان ".

 21 – أليس من الصعب الحكم على النوايا يا سيدي الإمام ؟

 - " وما اضمر احد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه ".

 22 – كيف نعامل الناس يا أمير المؤمنين في ظل هذه الظروف الصعبة ؟

 - " خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وان عشتم حنوا إليكم.(... و) لا يمكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك ولا حاجب إلا وجهك. (... لقد ) هانت عليه نفسه من أمر لسانه ".

 23 – وأعداؤنا ؟

 - " إذا قدرت على عدوك فأجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه ".

 24 – وهل نصالح أعداءنا يا سيدي الإمام ؟

 - " لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا، فأن الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وأمنا لبلادك. ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه. فأن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن ".

 25 – كيف نسعى يا سيدي أمير المؤمنين بين الحق والباطل ؟

 - " الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت. (...و) الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل أثمان: إثم العمل به وإثم الرضا به (...و) من صارع الحق صرعه ".

 26 – وكيف نعمل إذن يا أمير المؤمنين ؟

 - " احذر كل عمل يعمل به في السر ويستحي منه في العلانية. واحذر كل عمل إذا سئل عنه صاحب أنكره أو اعتذر منه ".

 27 – والحياة، كيف نواجهها والحالة هكذا يا سيدي ؟

 - " ليس من شيء إلا ويكاد صاحبه يشبع منه ويمله، إلا الحياة فأنه لا يجد له في الموت راحة ".

 28 – والدهر كيف نعامله يا مولاي الإمام ؟

 - " الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فأصبر ".

 29 – لكن اللؤم يكاد أن يطغي على دهرنا هذا يا سيدي ؟

 - " احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع ".

 30 – بل كيف ندفع التهمة عنا ؟

 - " من وضع نفسه مواضع التهمة لا يلومن من أساء له الظن ".

 31 – والإصرار على الجهل. كيف نحترس منه يا سيدي ؟

 - " من كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق ".

 32 – حتى لو أصبحنا اليوم من غير أصدقاء ؟

 - " اعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، واعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.(...) لكن لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك ".

 33 – أين الأمل في كل هذا يا أمير المؤمنين ؟

 - " من وثق بماء لا يظمأ ".

 34 – أليس من مسك لختام حديثنا هذا يا سيدي أمير المؤمنين ؟

 - " ما أكثر العبر واقل الاعتبار ".

( اعتمد هذا الحديث على كتاب ( نهج البلاغة ) بأجزائه الأربعة، وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وكما شرحه الأستاذ الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com