مقالات

هل نسي التاجر نهج البلاغة؟

خلدون جاويد

khaldoun3@hotmail.com

 الانتباه! والانتباه في كل يوم، الى ان تاجرا ما أو آخر راح يثري، وان قارئا للذكر يقول مالايفعل، وخطيبا راح يحرض على سفك دم اخيه بعد ان كان قد تخرج من مدارس الآيات وحجرات التوحد والزهد. وفي زمن تخبو فيه الرحمة يقتضي التذكير بما انحفر في ذاكرة التاجر وسواه " ويل لكل همزة لمزة. الذي جمع مالا وعدّده، يحسب ان ماله أخلده " وخاصة الى تجار الثراء السلطوي القديم، والجدد من تجار السفك والخطف والترويع. والى سماسرة المناصب والرشوة والانهيار الاخلاقي من كل صوب وحوب. ان سلامة المجتمع مسؤولية عامة شاملة والمسك بثوابته الاساسية وازع ٌووجوبٌ، وعدم الرجوع الى المنابع الاولى في زمن الانهيارات خيانة لانسانية الانسان وروحانيته وجوهره.

 ان التراث العلوي زاخر بالتعاليم النابعة من تحليل المجتمع والاستنتاج عنه. وللامام علي بن أبي طالب (ع) فهم ٌ مرموق، ومواقف نموذجية بالعدالة والدعوة اليها والدفاع عنها. وفي ضوء ماورد اعلاه نطل على ماقيل بصدد الخير والشر في صياغات وألفاظ أخّاذة اذ يرد في كتاب (روائع نهج البلاغة): " قارن اهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم. بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم. ".

 ان ميزة هذه النصيحة، التي تضمنتها وصية الامام الى ابنه الحسن، لهي مما يتعظ به من قبل اؤلئك الدائبين على فعل الخير كي يتواصلوا خيرا والشريرين كي ينبذوا الشر. والشر فعل ليس بالضرورة ان يكون مباشرا بل يمكن استخلاصه من سرقة جهود الآخرين. وما أشبه قول الشعر بقول الحكمة لدى ايليا ابو ماضي.

 

وقد يكون نضار في خزائنه

دما سفكناه أو جهدا بذلناه

 

وفي الديباج الماسي للشاعر محمد مهدي الجواهري، المقارع للفوارق الطبقية والقائل:

 

لكن بي جنفا عن وعي فلسفة

تقضي بأن البرايا صُنّفت رتبا

وأن من حكمة أن يجتني الرطبا

فرد ٌ بجهد الوف ٍ تعلك الكربا

 او في قول الدراية والحكمة للشاعر حافظ ابراهيم وهو يسخر من الظلم وسطوته التي تصاعد منسوبها او ربما سيتصاعد فيطغى بأنظمة الاستغلال:

 

لقد كان فينا الظلم فوضى فهُذّبت

حواشيه حتى بات ظلما ً منظما.

 

 ولقد ورد على لسان الامام علي (ع) مايتماهى مع الشعر ذي الابعاد الطبقية اعلاه وذلك في كتاب (روائع الامام علي): " ما رأيت نعمة موفورة الاّ والى جانبها حق مضيّع " او ان يقول: " ماجمع مال الاّ من شح أو حرام " أو: " لاتنال نعمة الاّ بفراق اخرى " بل يذهب الامام علي في حكمته الى ضرورة التوازن في ان يتمتع الفقير بأبسط حقوقه، فان الصورة التي يقف ضدها الامام، ومن معه من الحكماء والانسانيين. انما هي بشاعة المجتمع القائم على وفرة للقلة وقلة للكثرة من الناس. حقا تتشابه هنا نبوغات الشعر ببلاغات الحكمة والمواقف الفلسفية التي ترى الى ضرورة التساوي بين بني البشر وان يعم الخير الجميع. ولقد خرج الامام علي من معطف الفكر والنظرية الى الواقع الذي اقتضى اتخاذ الموقف حيث تتناسغ الثورة في شخصة واهل بيته حتى امتدت لتفتح تيارا ثقافيا واسعا. فلقد عوّل على معسكر الخير ونهض به من الكلمة الى الفعل وهو القائل: " لو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته ". وماذا كان سيقول ازاء هؤلاء الطغاة الجدد من الغاصبين المرعبين المهددين السفاحين الأوغاد الأدنياء ممن يستبيحون دم العراقيين ولايبقون لأحد حرمة او امانا او كرامة ؟

 انه من العجب العجاب ان تجد امة تمتلك نهجا بلاغيا بهذه الروعة وتتخلف عن اداء البلاغة بهذا التغاضي والشحة. وان امة تمتلك الروائع من الكلم القدسي النبيل وتهوي الى هذا الدرك من استباحة الذات والتناحر الاجتماعي.

 انه زمن التجارة بذبح البشر وارهابهم واستباحتهم، زمن لإزهاق الأرواح بفتوى أكثر من مجرم محلي وخارجي يدعي انه خليفة الله في ارضه. بفعل خزائن لا تطفو الاّ على الدم، خزائن تكونت مابين صدق الكلمات وكذب المواقف. انها التجارة أي الجريمة. ولكل زمن تجارة تبدأ باستئثار النقد، ومن ثم العبيد، والعهر، وتنتهي بالقتل المأجور الذي نحن الآن ساحة له وفي احتدام ضروس للقضاء عليه وعلى المضللين من اتباعه ممن يعتقدون ان اجرهم الحلال يتأتى بخطف وقتل الاطفال والنساء وهدم بيوت الناس على رؤوسهم. ان للظالم جولة ومن ثم ينكفئ. لابد من انكفاء قتلة الشعب العراقي الطيب البرئ. شعب ابتلى بالتجار من كل الأنواع، بل انه يواجه تاجرا دمويا من نوع جديد يجدر القول فيه: اذا سقط التاجر اصبح سفاحا.

 وفوق ذلك، فمهما خربوا وسلخوا وأحرقوا ونالوا فان جوهر الشعب باق ٍ، وجوهره هو وجوده رغم الإفناء وخلوده رغم الإحراق اليومي، ومهما انتقصوا عددا منه فإنه المجد والخلود:

 

" لن أتحدث عن هذه الدنيا الخانقة

وأنا في طرب والعالم كله في مأتم

أنت تأخذ البيدق منا، ولكنك لا تأخذ الملك

نحن ووجه الملك، فليكن ثمة ألف بيدق ناقص "

 

ـــــــــــــــــ

* من رباعية شعرية لمولانا جلال الدين الرومي.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com