مقالات

الاستهلال .. الخطوة الأولى في النص الابداعي

علي هاشم المالكي

alialmalki1980@yahoo.com

قد تكون الخطوة الأولى أصعب الخطوات احياناً على اعتبارها الحاجز الأول لبداية أي مشروع وخاصة إذا كان المشروع ابداعياً, فطالما كتبنا الجملة الأولى من اعمالنا الفنية والأدبية مرات عديدة, وربما تفاجئنا بعد حين من الكتابة المجلة الأولى بأنها لا ترقى الى مستوى الغاية من العمل وانها لم تعبر كليا ًعن ما يسبح في اعماق النفس وربما انصرفنا كلياً عن اكمال المشروع الابداعي لاننا فشلنا في تخطي عثرة الخطوة الأولى فالتساؤل الأكثر اثارة في الموضوع هل ان هذه الجملة الأستهلالية تملك العمل الفني بحيث تحدد مسار العمل كله؟ وهل امتلاك هذه الجملة للعمل متأت من خلال بنائها وتماسكها ودقة سبكها ودلالتها وسلامتها الفكريه وترابط نسيجها بالأضافة الى القوة الأيمانية المخزونة فيها, ام انها مجموعة ما ترشح في ذهن الأديب بعد ان اكتملت الفكرة لديه, وهذه التساؤلات ستقودنا بالضرورة الى سؤال آخر هو هل إن الأدباء والفنانين كانوا ما زالوا يبتدؤون موضوعاتهم عفوياً حيث تلتقي هذه الطاقة العفوية مع الأسرار الخفية والنوازع الداخلية لدى الأديب ام ان الأستهلال يخضع للتقنين والأنظمة الكلامية المعمول بها في هذا الميدان وذاك.

و ان النص الابداعي لايمكن نقده والوقوف كلياً على اجزائه وخصائصه إلا من خلال معرفة صفاته وسماته التكوينية، والاستهلال من اهم هذه العناصر ان لم يكن المفتاح الحقيقي لفهم النص الابداعي، فهو النواة المخصبة التي ستتحول ضمن مراحل نمو النص الابداعي الى جنين ومن ثم الى كيان له رأس وايدٍ وقوام واحشاء ويحمل في كيانه طباعاً وسلوكاً ومشاعر واحاسيس وافكاراً وتاريخياً.

صادف وان كانت هذه النواة جزءاً مشوهاً فيستلزم هذا التشويه ولادة مشوهة لجنين هجين.

وللاستهلال الجيد وظيفتان، الاولى جلب انتباه القارئ والسامع وشده الى الموضوع، فاذا هرب ذهن المتلقي وضاع انتباهه فقد ضاعت الغاية من العمل.

ولا يتم هذا الا بادوات كلامية حسنة وباسلوب مثير وتعبير رشيق. والوظيفة الثانية هي تلميح الكاتب ولو بالنزر اليسير عما يحويه النص والابتداء والاستهلال الحسن لا يتحقق الا ضمن اطار السبك الجيد الصحيح فانه مدعاة لاقبال السامع على بقية النص ولهذا قال تعالى (الم، حم، طس، طسم، كهيعص) ليقرع اسماع قوماً قلوبهم غلف وعلى آذانهم وقر فيثيرهم ببديع ليس كمثله بديع.

ولا بد للاستهلال من ان يكون بكلام توليدي منتج ومؤثر في باقي النص، وتحمل الكلمة فيه شحنة من الايماء والاحالة والتأويل ويكسب بنائه من خلال الجملة فان كانت فعلية يصبح بناء الاستهلاك اكثر فاعلية وتوسعاً لما يكسبه الفعل من طبيعة خلاقة، اما ان كانت اسمية فيحدد عمق الدلالة في الاستهلاك نوع الاسم ومدى اقترابه وابتعاده عن القارئ، واهم مايساهم فيه الاستهلاك في عملية بناء النص هي فاعلية الترقب والشدة وهما عنصران مهمان في قراءة اي عمل له استهلال غامض ويعد جزءاً من العمل الابداعي.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com