مقالات

أعظم الشعراء ضد شرور الحرب

خلدون جاويد

khaldoun3@hotmail.com

 في جانب من شعر محمود سامي البارودي حول الحرب، ميدان للرصد والاستعراض، فهل الوصفية المجردة على تلك الدرجة من الخطأ؟ وهل - الكاميرا عين - هو موقف حيادي، أم ان تصوير مشهد ما يعني التجسيد الواقعي الذي يكمن في طياته التحريض؟

 ان النموذج الشعري الوصفي، في تقدير البعض، لايقل أهمية في تراكماته الضرورية كمادة ضرورية للبحث ولتناول سبل المعالجة.

 وعلى ذات الأهمية الاسلوبية للبارودي، مع اضافة مرموقة من لدن الشاعر محمد مهدي الجواهري ندخل في طقس من التعبئة ووجوب اتخاذ الموقف من اجل التغيير والانتماء الى حلبة الصراع المقاوم للحرب ومشعليها ودعم قضية السلم والتحرر. وأما تأملات الزهاوي في هذا الصدد فهي خلاصة رائعة للتعبير عن جموح الذات الانسانية نحو تفجير الطاقات السلمية باتجاه التقدم والسعادة. كما ان شعراء عديدين هم ملائكة الرحمة بين الناس ممن ينطقون بروح السلام والعدالة بين الناس واحترام ابسط حقوق الانسان في العيش الكريم الآمن.

 عموما فان الواقع المعاش يفرز الارادات السامية لتجنب الحرب ولابد ان يتحقق ذلك بعد أن ذاقت الشعوب الأمرين وكابدت ألم الجراح وضغط المنايا وأهوال وبشاعة القتل الذي أخرج الانسان من انسانيته وعاد به الى مملكة الحيوان.

 هاهو البارودي كأحد أهم الفرسان الشعراء في القرن العشرين، يتناول الحرب من زاوية التفصيل - المأساوي، فيدفعنا الى ضم اصواتنا اليه بغية تحاشي منظر اليتم والبكاء الذي تخلفه الحروب.

أدناه قصيدة ( حسرة التاريخ في النفس):

 

هو ماقلته فاحذرَنْها صباحا

غارة تملأ الفضاء رماحا

تترك الماء لايسوغ لظام ٍ

وتردّ الدَمَ الحرام مباحا

لاترى بينها سوى عبقري

يألف الطعن نجدة وارتياحا

لهِج ٍ بالحروب، لايألف الخفض

ولايصحب الفتاة الرداحا

مسْعر للوغى، أخو غدوات ٍ

تجعل الأرض مأتما وصياحا.

 

 وأما ارتقاء الشاعر محمد مهدي الجواهري فهو في اتخاذ موقف متحيز ضد الحرب، منتم الى السلام وداع ٍ اليه. ان الصياغات الشاعرية المعبأة بالحكمة وصدق لحظة الابداع والشوق الملتهب في النصوص لتستنهض الأجيال على استلهام الدروس والعبر من القصيدة المنحازة فلسفيا الى جبهة التعايش المناهضة لدعاة الحرب والمنظرين لها وأدناه قصيدة ( انشودة السلام ) :

 

 من آدم – ورؤى هابيل ترعبه –

تنزلت بالسلام الآي والسوَرُ

تبارك السلم شهما كله أنف ٌ

من عزة ٍ، وحيياً كله خفَر ُ

وبئْسَت الحرب قزما عنده صلَفٌ

من التعالي، وفي سيقانه قصَرُ

عجبت للحرب بلهاء، ومنطقها

ان اغمضت او أبانت – منطقٌ هذر ُ

ترجو على نفسها البُقيا ويفرحها

من لايُبَقي على شئ ٍ ولايذر

ومايزال لها، شمطاء فاركة

خليل سوء ٍالى مهواه تنحدر

الشاربون دماء الناس مابذلوا

منها على الشهوة الدنيا وما ادخروا

والنائمون على انات ثاكلة

والهانئون اذا ما استُحصِد البشر

 

أما الشاعر جميل صدقي الزهاوي فقد وجد في السلام مرتعا للعلم. وماهو الاّ مقياس للصراع بين الجهلة الأوباش وقوة العلم وانتصار العقل. وان السلام بحد ذاته دحر للهمجية وجسر للحياة : قصيدة ( في حرب الحياة ) :

 

بالعلم قد ملكت شعوب

الغرب ناصية المعالي

ما أن أرى كالجهل في

الأقوام من داء عضال ِ

من يستعن بالعلم

يفتتح البلاد بلا قتال ِ

العلم في حرب الحياة

يعد من أمضى النصال ِ

البس سلاح العلم ثم ادع ُ

الخصوم الى النزال ِ.

 

 ان الزهاوي شاعر التفكر وحب الحكمة وجهاد النفس في سبيل الوصول الى تصور علمي حقيقي عن هذا العالم، انه يضم صوته لا الى الأمان المجرد بل هو يرى ان العلم يصلح لحرب الحياة. ان الحياة بلا شك صراع دائم. والعلم هو السلاح الماضي. والجهلة القدماء والمعاصرون يحاولون جاهدين ابعاد العقل في منطقتناعن التفكر والتفلسف في الحياة وعن الاطلاع على آخر المبتكرات العلمية ونعم الاكتشافات الالكترونية، بينما تسابق الحضارات الزمن من أجل الريادة والتقدم على غيرها. ان الزهاوي شاعر الفتوح بلا قتل، فهو اذن شاعر العلم والسلام :

 

من يستعن بالعلم

يفتتح البلاد بلا قتال ِ

 

 وختاما، ما أفدح الدعوة الى السلم والعلم! انها بحد ذاتها جبهة نضال دؤوب وطريقها ليس مزروعا بالورد بل لابد من ضحايا على طريق المحبة الانسانية. ان تحب مجرد ان تحب فانك تُكره! وان تنتمي الى السلام فانك مهدد بالقتل!. يالهذا العالم الضروس! الذي مهما استكبر واستجبر، فانه لن يقوى على منع اضعف طائر في الوجود عن الدفاع عن عشه.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com