مقالات

المُقيمانِ في أُمنياتِ الحضور

نص نثري

مهند صلاحات / كاتب وصحفي

salahatm@hotmail.com

هوَ المقيمُ في حضورها، وهيَ الغائبةُ عن المكان.

وهوَ الذي يسكن أملَ أن يضمَ يديها لوجهه، كي لا ترى دمعاً في عينيه مقيم في لحظة الشعور باقترابِ موعدِ الرحيل.

وهيَ العاجزةُ عن إبقاءِ المكان مهجور.

 هوَ ... وهيَ يسكنان المجهوَل في عدمِ الحضور، ويقيمانِ في وحشة الغياب.

هيَ تشبهه حدَ صورتها المعلقة على جدار غرفته، وتعلقه قلادة على صدرها، وتسكنه كملكة الجنِ في الأساطير العربية.

وهيَ التي تحملهُ في أحشائها كما حملت الإلهة عشتار طفلها وحبيبها.

وهيَ التي تسكنُ روحهُ كما سكنت أيضاً عشتارُ روحَ الغاباتِ والأشجارِ منذ العصور السومرية والبابلية.

هيَ صوته في الحديثِ والصمت ... وهوَ الخطوط في الخرائطِ التي تلاحقها في كتب الجغرافيا. وفارس الطاولة المستديرة في داخلها، وهوَ سرُ الكأسِ الذهبيةِ في لوحةِ العشاءِ الأخيرِ معها.

 وحينَ يختلفان، يؤرقهما السهرُ الطويل، في انتظار أن ينتهيَ الذي ما كان يجب أن يكون.

فمنذ بدأ الغياب والغدُ لا يأتي، وهيَ لم تنتظر الغد، فمن لا ينام، لا يأتيه الغد، وكأنه يسرقُ يوماً زائداً من الحياة، ينتزعُ الوقتَ من الوقتِ، ليحيى أكثر، حباً في الحياة، أو ربما تمسكاً أكثر بالأمل.

لكن ...

ما فائدة يومٍ زائدٍ في الحياةِ وهيَ تشعر للحظات أنَ وجودها من دونه في الحياةِ زائد،

فليست الحياةُ في كلِّ أساليبها ومستوياتها، سوى سقوطٍ في بئرٍ، ومن ثم محاولة الخروجِ منه، وكلُ ما يفعلهُ البشر ليس إلا علاجًا لخطأ وجودهم، أو محاولةِ إثباتِ أنَ وجودهم لم يكن خطأ، لذلك يحاولونَ تجميلَ وجودهم بالنجاح.

 أي نجاحٍ ؟؟ ... لا يدري، ولا هيَ تدري، لكن هيَ محاولات، يحاولونَ التشبثَ بالأشياءِ التي تُشعرهم بالأمان، كالحُب مثلاً، حتى يعطوا لحياتهم شيئاً يستحقُ أن يكونوا موجودينَ لأجله.

 فالحُب اعظم اختراعٍ إنساني، هوَ أعظم من الإنسانِ ذاته، لأنَ الإنسانَ في الغالبِ هوَ من يفسد الحُب، ولم يحدث مرةً أن أفسدَ الحُب إنسانا، هوَ دائمًا -وفي التاريخ كلِّه، أطيب وأذكى منه – مع أنه خالقه ومبدعه.

هذا الشعور باختصار هوَ أساس الوجود.

الحُب: هوَ الإحساس الذي يعجزُ الإنسان عن وصفه، والجواب الذي لا يجده لتفسير حالة يعيشها دون أن يكون هناك سؤال.

أن تصبح روحه التي يتنفسها دون أن يَجدَ مبرراً للتنفس، شيئاً أخرَ أكثرَ منَ الحياة.

 الحُب: أن لا تسمح لهُ بأن يغادرَها، أو ينسحب، أو يرحل، لأنها لن تسمح له بأن يسرقَ نفسهُ منها، لأن مجرد فكرةٍ تردٌ في بالها بأن أحداً يمكنه أن يأخذهُ منها هيَ فكرةٌ مستحيلة، فكيف من الممكن أن تسمحَ له ذاته بأن يأخذ نفسه منها، كيف يستطيع أن ينتزعَ نفسه من داخلها، أن يمحو صورته المجنونةَ من ذاكرتها.

الحُب: هوَ أن يعجز أن يكونَ الحُبُ حالةً من التعب، حالةً تفوقُ التعب،

الحُب فعالية عالية تسبِقُ كل صلاة، كل نشاط في الحياةِ أو لأجلها، لذلك يُحبها.

هوَ المسافات التي تشبه المدى الممتد بلا حدود، والرغبة في الركوعِ بخشوع، وبحثٍ في الذكريات. هوَ الأمنيات، وكساء من عراء الإحباطِ اليومي، وروتين الوظيفة، ولذةِ الحضور.

يحبها... وهوَ موجود لأجل ذلك.

وهيَ تردد دائما :

أحبك، وهذا يكفي لوجودي.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com