مقالات

قصة مدينة

محسن ظـافــرغريب / لاهاي

algharib@kabelfoon.nl

أصل مدينة الحرية من بغداد العاصمة، يعود الى أحد أعيان العراق قبل مولد جمهوريته، هو السيّد عبد الهادي الجلبي. يحدّثنا المؤرخ حنا بطاطو في كتابه"العراق"/ الطبقات الإجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى مولد جمهورية العراق على أرض الرافدين، بأنّ
جلبي كلمة تركية الأصل، وهو لقب من إرث الخلافة الإسلامية العثمانية التي إنتقلت أصلآ
من عاصمتها بغداد الى أسطنبول، بيد أنه ظلّ سائدا حتى صيف 1958م وكان له بريقه عند
كبار تجار العراق. أما موظفو هؤلاء وعمّالهم فيُحيونهم دائما بلقب "جلبي". وفي بغداد، كان
أثرياء الجلبيين يقبلون عند السادة الملآك على أساس المساواة فيما بينهم، وكانت زواجات كثيرة تتمّ بين هاتين الطبقتين. وهكذا فقد وُجد رابط الزواج بين سادة الكيلاني والدله الجلبي
وبين سادة الآلوس وشاهبندر جلبي. وكان الباحث الأوربي كارستن نيبور كتب سنة1765م
في ذهنه عادات الزواج في بغداد حدثنا عنها في مظانها. ويُحّثنا البروفيسور العراقي "كاظم حبيب" من برلين في 10 آذار2005م عبر موقع " الحوار المتمدّن" الإلكتروني12/3/2005 إنّ حفيدة عائلة(*) التي تعيش في الولايات المتحدة قد إستعادت قطع عديدة من العقارات التي بُنيت عليها عمارات وأسواق حديثة، كانت تعود لعائلتها، قبل الحرب الكونية الثانية. وقد وقد حكمت لها المحكمة الألمانية بذلك، وهي مل تزال تطالب بالمزيد، لأنّ ذلك من حقها الكامل برأي محدّثنا من العاصمة الألمانية.
وقد إستملك أعيان العراق الأراضي الشاسعة، ومن بينهم رئيس مجلس الأعيان العراقي قبل
قيام البرلمان العراقي الحالي، الجلبي جدّ ثم والد نائب رئيس حكومة العراق الأسبق د. أحمد
الجلبي، ومن تلك الأراضي مدينة الهادي سابقا، الحرية حاليا، ولدى عودة الجلبي الحفيد من
الولايات المتحدّة الأميركية إستعاد تملك بعض أراضي تلك المنطقة الكائنة شمال غربي بغداد وكانت تضمّ دارا كبيرة، ومعمل للطحين. وقد وزع مؤسس جمهورية العراق، الزعيم عبد الكريم قاسم، بستان الجلبي على المحتاجين الذي شكلوا حزاما بشريا حول العاصمة بغداد من كلّ أنحاء العراق وهم من أصل فلآحي ظلّ يتضخم ويحتاج للبناء والسكن في البستان بغياب آل جلبي خارج العراق خلال نصف القرن الماضي، فتبع ذلك تغيّر إسم
مدينة الهادي الى مدينة الحرية( كما تغيّر إسم مدينة الثورة من بغداد الى إسما الحالي(مدينة الصدر) كما تغيّر حال سكانها ليشكلوا وسطا متعلما وطبقة إجتماعية وسطى قبل أن يفد
البعث ليمسخ بشذوذه المجتمع العراقي. وقد رغب الناس السكن في هذه المنطقة لأن مميزاتها كثيرة، أهمها القرب من العاصمة بغداد ومن الكاظمية المقدسة.
بدأ البناء في هذه المدينة، عند بدايتها، لذلك سميت هذه المنطقة (الحرية الأولى)، والتي فيها أربعة شوارع، الأول (شارع الكازينو)، نسبة إلى وجود مقهى في بداية الشارع، أما الشارع الثاني يسمّى (شارع المختار) نسبة إلى وجود مختار المنطقة فيه، أما الشارع الثالث يسمى (شارع الزهاوي) نسبة إلى سكن عائلة من بيت الزهاوي،أما الشارع الرابع فهو (شارع المشتل) نسبة إلى وجود متنزّه في نهايته. وعندما توسع السكن إمتدت هذه المدينةغربا بإتجاه منطقة "سجن أبو غريب" الذي أزيل مع إزالة إرث البعث الشاذ، فأخذت تسمّى (الحرية الثانية)، وعلى جهة اليمين كانت تسمّى (البستان) لوجود البستان الكبير فيها، ويفصل عن هذا الحي، دور تمّ بناؤها من قبل وزارة العمل والشؤون الإجتماعية لذوي الدخل المحدود من العسكريين وبخاصة(ضباط الصف في الجيش القديم) فأخذت تسمّى بدور الشؤون، كما سكن هذا الحي أشقاؤنا الفلسطنيين الذين وفدوا مع مولد جمهورية العراق برعاية الأب القائد المؤسس للجمهورية ولجيش التحرير الفلسطيني الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم داعم ثورة الجزائر الظافرة سنة 1962م، بعد نزوح الفلسطيين من فلسطين سنة نكبتها1948م، سيّما من ميدان قتال الأب القائد المؤسس قاسم في كفر قاسم، لأجل قضية العرب المركزية التي تاجرت بها دعاية نكبة العراق في شباط الأسود 1963م حتى سقوطها بعد حلم صبر العراقيين أربعين سنة في نيسان 2003م مع تصفية العرب لقضيتهم فلسطين. هذا وأن هناك حيّ يسمى ب (الدباش) و(الدولعي) نسبة إلى سكن المنطقة مختار المنطقة المرحوم (إبراهيم الدبّاش)، كما أن هنك منطقة جديدة سكنها نوّاب ضباط الجيش القديم الذي مسخه البعث، سُميّت حيّ نوّاب الضبط.
لقد عاش أهالي هذه المدينة، حياة هانئة وهادئة، يتناخون فيما بينهم، ويتزاوجون،لم يعرفوا معناُ للطائفية و المذهبية والعشائرية قبل حقبة البعث الشاذة، رُغم أنّ كلّ من تحدّر من عشائر العراق كافة، حطّ الرحال حول عاصمته بغداد ليهتدي بمدينة الهادي( الحرية) فمنهم الساعدي والخزعلي والدجيلي والعريبي والمشهداني والدوري وحتى من وصفهم رئيس محكمة الشعب فاضل عباس المهداوي في حينه بعبارته الشهيرة" عفية مدينة ما بيها واحد شريف"! تكريت/ التكريتي، والعبيدي، والمفرجي والياسري ومن قوميات أخرى فمنهم الكردي والتركماني وغيرهم، ومنهم من جاء من النجف وكربلاء والناصرية وديالى والكاظمية ومن كل محافظات العراق.
الغالب السياسي الذي كان تتسم به هذه المدينة هو(الإتجاه التقدمي والعروبي)، لكن عثّ البعث العدمي العبثي نخر في أعمدة أركانها وكان تنظيمه المحظور يندسّ بخبث في التجمعات والتظاهرات حبا منه بالظهور التطفلي لفقره الفكري، وعند إستقبال الأب القائد المؤسس قاسم قدّس الله نفسه الشريفة في بغداد أوّل رئيس لجمهرية الجزائر الديمقراطية الشعبية(أحمد بن بلا) عام 1962م، دسّ كلاب البعث أنفهم البوليسي المرغم والمرتبط بالمخابرات الأميركية والمصرية فأطلّ البعث الرث بقرنيه الخائن والعميل في تظاهرة كبيرة، كان لأهالي مدينة الحرية نصيبا كبيرا فيها، وكان الهُتاف الذي سمعته بغداد (يا بن بلا أهلا بيك حزب الشيوعي يحييك) مع أصوات نشاز مزايدة(حزب البعث يحييك)!.
بعد عودة البعث الأولى والأخيرة في مؤامرة عسكر القصر المسروقة بعد شؤم13 يوم في 30 تموز1968م أخذت هذه المدينة حصتها من خراب حزب البعث وهدم فارسه الهدّام صدام، ولم يستطع أبناؤها من الإنخراط في الكليات العسكرية، بعد أن كانت محصورة للذين لديهم (شفاعة وساطات) وبخاصة من العوائل المترفة، إلآ من نافق البعث ليخدعه ويخذله واحدة بواحدة نكبة 1963م بنكبة 2003م ضمن سياق موجة الإنتهازية الطفيلية التي دفع ثمنها العراق الواعد وأجياله المضيّعة في داخله وخارجه من مقدراته، لذا فإنّ العديد من أبناء الحرية الذين كبلهم البعث بغله وأغلاله أصبحوا في مواقع قيادية في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الفارة مع الهدّام في ذكرى مولدهما نيسان 2003م القوّات المسلحة المنحلة معه في أيار من ذات العام من"ربيع بغداد"، وقد أصبحت بيوت أولاء الرعاع لاتسعهم فأضطروا إلى تغيير سكناهم إلى مناطق (الجهاد والعامرية والغزالية) وغيرها من بؤر الإرهاب الوهابي العالمي والتخريب البعثي الذي عاد متضخما من مستواه الرسمي الى الشارع كما كان أوّل مرّة.
لقد أسفحت هذه المدينة العديد من فلول البعث والفرارية العسكريين، مثلما أنجبت جنبا الى جنب مبدعين كبار في الفن والتمثيل والرياضة، ففي مجال تنظيمات البعث، فأنّ هناك من تبوأ مقعده من النار مثل(فيصل الساعدي، فاضل المشهداني) وغيرهما، أما في مجال الجيش المـُنحل ثم المـُحلّ فقد كان (سعدي طعمة الجبوري، الذي أصبح وزيرا لدفاع البعث، والهالك العميد الركن علي الحيالي، والهالك مظهر أحمد عطا والهالك علي البطاوي) وغيرهم من أتباع المهيب الركن الجبان صدّام المـُدان من عسكره الفار معه. أما في مجال الفن فقد أنجبت هذه المدينة المغني سعدون جابر، الفنان الفنان الدكتور فاضل عواد، الفنان المهاجر كاظم الساهر، وأشهر عازف كمان ريفي في العراق هو فالح حسن. أما في مجال التمثيل فقد أنجبت ممثلين كبار أمثال الفنان الكبير طه سالم وعائلته، والممثل الكبير مقداد عبد الرضا، والممثل الكبير عبد الخالق المختار. وفي مجال الرياضة فأشهر رياضي هو(صاحب خزعل) الذي كان يلّقب بالصخرة السوداء، وغيرهم ممّن ورطه البعث وألبسه لبوس المنفى.
هذه عـُجالة عن مدينة الحرية، إحدى ضحايا البعث الصدّامي المحظور الذي أفضى الى الإختلال والإحتلال، لتتفكك الدولة العراقية التي تلاقفها البعث ووسطه الوافد وأسياده كما الكرة في لعبة دولية وليتمزق كلّ النسيج الإجتماعي الوطني، فراحت كلاب البعث التي سمّنها صدّام الإجرام(وهو القائل: سمّنتُ الكلاب وجوّعتُ الذئاب) تقتل المواطنيين الأبرياء وتقوم بتهجيرهم منها، حتى إستشرى شرّ تفكير التفجير والتهجير والتكفير، مستهدفة الناس الوطنيين ومقتل المواطن غسان نجل من سُمي ظلما قياسا لإفساد البعث الشمولي، بحرامي بغداد طاهر يحى آنذاك، ليستعيد نائب رئيس حكومة العراق الأسبق الجلبي(البستان) بعد تأميم رئيس حكومة العراق الأسبق طاهر يحى لمعمل الطحين!

فكم من قصة لمدينة عراقية حريّ بنا روايتها لأجيالنا بصفتنا شهداء الزمن الردىء وعليه حمى الله كلّ الحمى الحبيب العراق؟!.

ــــــــــــــــــــــــ
Wertheim(*)
 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com