مقالات

 الديمقراطية والفيدرالية والسلم الأهلي في العراق 2-2

ورقة عمل قدمها الباحث إلى مؤتمر لجنة دعم الديمقراطية المنعقد في

لندن يومي 27-28 أكتوبر 2006

د. خالد يونس خالد / السويد

Khalid_k2009@yahoo.se

اشكالية الديمقراطية

العملية الديمقراطية في العراق لاتخلو من مشاكل. الأغلبية تحكم، والاقلية قد تجد نفسها على طول الخط خارج اللعبة السياسية، وإن كانت في البرلمان. والأغلبية تتجاهل مطالب الأقلية تحت مظلة الديمقراطية، والأقلية تلجأ إلى ممارسة العنف كبديل عن الممارسة الديمقراطية. فإذا اتبعت الأغلبية سياسة التشدد، مثل حالة العراق، تصبح الأقلية في الهامش. وإذا أتبعت الأغلبية سياسة مرنة جدا، تؤدي إلى تجزئة الدولة، حيث تلجأ قومية معينة أو طائفة معينة إلى الانفصال. بالنسبة للعراق، الاشكالية مخيفة حين يكون آية الله في سلطة أعلى من سلطة الدولة، فتتواجد اتجاهات روحانية معينة، وأماكن عبادة قوة لشحن عقول الناس نحو توجه وحيد الجانب لقيادة السياسة والدولة بوسائل غير ديمقراطية.

 الديمقراطية تواجه عوارض في مسيرتها، مثلا: المطالب السياسية لقومية معينة أو ديانة معينة خارج إطار المصلحة العامة توجه إما إلى الدولة أو ضد مجموعة أثنية أو دينية أخرى. هنا يظهر صراع في اطار الديمقراطية. وفي حالة انعدام المؤسسات المدنية يتبلور العنف بين الفصائل المختلفة.

 

الفيدرالية

الفيدرالية وسيلة لتقريب وجهات النظر، بشكل يؤدي إلى بناء مجتمع يستوعب جميع الاتجاهات القومية والدينية بالتمتع بحقوقها في إطار دولة إتحادية يجب أن تتوفر فيها الديمقراطية البرلمانية والتعددية. ومن أجل نجاح هذه العملية لابد من توفر ثلاثة شروط في مراحل ثلاث، طبقا لرأي المفكرة السياسية مارينا أوتوي التي عايشت تجربة البلقان:

المرحلة الأولى: مرحلة التحرير، وهذه المرحلة تتطلب بضعة سنين، وتتطلب دعم المجتمع المدني وحرية الصحافة.

المرحلة الثانية: مرحلة تدريب وتعليم الجماهير في الحملات الانتخابية الديمقراطية ، بوجود مراقبين دوليين.

المرحلة الثالثة: مرحلة التفاهم والتماسك بين الأطراف المختلفة، وذلك بتقوية المؤسسات المدنية، وبناء مجتمع القانون، والتأكيد على الثقافة والصحافة وحقوق المواطن وواجباته.

 الاشكالية هي عدم وجود الديمقراطية بهذا المعنى لعدم توفر الشروط التي ذكرناها لحد الآن. وأقول بكثير من الحزن، لايتوفر حتى شرط واحد من هذه الشروط. إذن كيف نبني مجتمعا فيدراليا بدون بلورة العملية الديمقراطية؟

 

ماهي شروط الفيدرالية؟

  يقول الكرد وقادتهم مثلما يقول المجلس الاسلامي الأعلى والحكيم المؤيد لإيران أن الفيدرالية ضمان لحماية الحقوق للجميع. والسؤال الكبير هو، مدى صحة هذا الإدعاء إذا كانت الفيدرالية تبنى على الرمال المتحركة على قاعدة ديمقراطية مهزوزة، كالقش بين أمواج البحر العراقي التي تحصد أرواح المدنيين؟

   كثير من الباحثين يشيرون إلى الفيدرالية باعتبارها حلا ديمقراطيا وخيارا سلميا تلائم الدول الديمقراطية التي تضم مجموعات أثنية ودينية مختلفة. ومن هؤلاء الباحثين جون كوكلي الخبير في حل الصراعات الأثنية، يقول أن الفيدرالية تسوية لضمان الحكم الذاتي للقوميات المتواجدة في الدولة الديمقراطية. لاحظوا التأكيد هنا على كلمة الديمقراطية في الممارسة لنجاح الفيدرالية. السلطة تنقسم بين المركز والإدارات الأقليمية مع ضمان لحقوق الأقليات. لكن من جانب آخر يحذر باحثون آخرون، ومنهم دوجاك، كما نقله الباحث السويدي بيتر فالنستين المختص في أبحاث السلام والصراع، من مخاطر الدساتير والمؤسسات الفيدرالية في حالة انعدام الأتفاق العام بين الأطراف المتنازعة. وهذا مانجده في حالة العراق، وهذا مالايبشر بالخير، وهذا مايدفعني بعدم وجود الفيدرالية بسبب عدم بنائها على أرضية ديمقراطية، ولا سيما في حالة انعدام الأتفاق العام. هناك مخاطر أخرى لفيدالية هشة يشير إليها السويدي فالنستين، مثل حالة الهند، حيث السلطة المركزية القوية والمسيطرة على الاقاليم كليا، مما تؤدي إلى اضعاف سلطات الأقاليم بشكل لايكنها ممارسة حقوقها.    

 

السلم الأهلي

نتحول إلى السلم الأهلي وعلاقته بالديمقراطية والفيدرالية. بدءا أقول أنه لايمكن للديمقراطية أن تعيش بدون أرضية سلمية صلبة. ولايمكن للفيدرالية أن تكون بدون ديمقراطية سلمية. يشير الباحث تيرانس ليونس المختص في قضايا تحويل المؤسسات من دولة في حالة حرب، بضرورة وجود أسس تعزز السلم في الدولة. ولايمكن لما تسمى فيدرالية أقليم كردستان أن تحمي حقوق الكرد بمعزل عن حقوق الشعب العراقي كله في عراق ديمقراطية سلمي.

  لا تنسوا هذه القاعدة الأساسية وهي: الديمقراطية السلمية في العراق ضمان لحقوق الكرد وليست الفيدرالية بمعزل عن الديمقراطية والسلم. يؤكد الباحث السياسي ليونس أن ما نسميه السلم الأهلي يتطلب وجود أجندة مشتركة، وأكرر القول أجندة مشتركة لنزع سلاح الأطراف المتحاربة، (وليست أجندة فردية لوقف إطلاق النار)، ليست أجندة فردية كالتي بين الكرد والشيعة في أغلبية برلمانية وعزل القوى الوطنية كالقوى اليسارية التي أصبحت معزولة عن المعادلة العراقية في الوقت الذي كانت هذه القوى من الأصدقاء الاستراتيجيين للكرد.

   الأجندة المشتركة شرط أساسي لبناء دولة المؤسسات الديمقراطية المترابطة بعضها ببعض، وليست منعزلة ومتصارعة مع بعضها البعض. ويؤكد ليونس أيضا على بناء جسور في إطار ديناميكي داخلي بين الأحزاب. والأهم من كل ذلك تحول السلطة تدريجيا من العسكر إلى المجتمع المدني.

   السؤال الكبير هو فيما إذا تتوفر هذه الأسس في ما نسميه العراق الفيدرالي؟ أقول بمرارة طبعا لا.

  يشير الباحث رولاند باريس في قضايا السلم الديمقراطي أن الدولة التي تعرضت للحروب، وخرجت منها منهمكة، تحتاج إلى تنظيم سلمي موجه قاعدته الأسس التالية:

أولا: ليبرالية الأقتصاد بشكل يؤدي إلى إضعاف التوتر في الاصلاحات الاجتماعية

ثانيا: تخفيف الضغط على السوق وإيجاد نوع من التوازن في الحاجيات الاجتمااقتصادية.

ثالثا: تنشيط الاقتصاد والتوظيف ومحاربة العجز المالي.

رابعا: التأكيد على تقوية الجوانب المالية للمناطق المختلفة، المؤسسات القانونية، المحاكم، قوانين المنافسة.

  ماذا عندنا في العراق وأقليم كردستان مقابل ماذكرنا؟ الفساد الإداري والمالي، إضعاف المؤسات المدنية أو عدم وجودها، وإذا كانت موجودة نسبيا فهي عائدة للأحزاب الحاكمة أو القوى الدينية. تقوية القوى العسكرية. حتى في أقليم كردستان، لاتوجد مؤسسات المجتمع المدني إذا لم تكن موجهة من قبل الأحزاب السياسية الكبيرة. الجيش العقادي في العراق، البيشمه ركه الحزبي العائد للأحزاب في أقليم كردستان.

 فكيف يمكن أن نحقق السلم الأهلي؟

 

الديمقراطية ودولة القانون

يؤكد روبرت دال بضرورة توفر شروط معينة في دولة ما لتكون ديمقراطية وهذه الشروط هي:

  1. انتخاب ممثلي الشعب الذين يقبضون على السلطة بأسم الشعب

  2. انتخابات حرة ومحايدة

  3. حق التصويت العام

  4. حق كل مواطن أن يرشح نفسه في الانتخابات

  5. حرية الرأي حرية التعبير

  6. بدائل لمصادر المعلومات

  7. حرية التنظيم وتشكيل المنظمات

لكن توفر هذه الشروط وممارستها ليست إلاّ صورة للديمقراطية، ويجب ألاّ نفهم الديمقراطية بهذا الشكل الصوري بمعزل عن السلم وربطهما بما تسمى "دولة القانون" أي حكم القانون وليس حكم الفرد أو الحزب أو الدين أو القومية أو الطائفية.

 يشير الباحثان السويديان ايفن سميث وأولوف بيترشون في قضايا السلم الديمقراطي إلى ضرورة عدم تضاد النظام السياسي مع دولة القانون، أو بعبارة أدق ضرورة توافق النظام السياسي في دولة القانون مع دستور الدولة لأن الدستور في كل دولة ديمقراطية هي مجموعة مباديء تنظم السلطة وتبين كيفية استخدام أو عدم استخدام السلطة الرسمية بدون تغيير الجوانب الهامشية من الدستور.

   يجب أن يحمي الدستور الحقوق المدنية، حريات الرأي التي تتضمن حرية الرأي، التعبير عن الرأي، حرية المعلومات، حرية التجمع، حرية المظاهرة وحرية الدين. ولايمكن للدستور أن يكون فاعلا ليحمي هذه الحقوق والحريات إلأ إذا كانت السلطة الحاكمة سلطة القانون، وليست سلطة الفرد أو الدين أو القبيلة.

 

 كيف نفهم دولة القانون؟ كيف نصنف دولة معينة أنها دولة القانون؟

   يشير الباحثان إنكفار ماتسون وأولوف بيترشون إلى ضرورة توفر ثلاثة شروط أساسية في الدولة الديمقراطية لكي تكون دولة القانون، وهذه الشروط هي:

  1. يجب أن يتمتع مواطنوا الدولة بالحقوق الأساسية والحريات العامة، وأن يكونوا متساوين أمام القانون.

  2. يجب ممارسة السلطة الرسمية بشكل يتوفر شرط ضمان تطبيق القانون وحكم القانون

  ((rule of Law وليس (rule of Man)

  1. يجب أن تنظم السلطة طبقا لمبدأ تقسيم السلطات والفصل بينها، ومشاركة قوى الشعب فيها.

 هنا نتساءل مَن يحكم في العراق؟ هل أن العراق دولة القانون؟ هل هناك دستور يحمي هذه الحقوق والحريات في العراق وأقليم كردستان كجزء من العراق؟ مَن يملك القانون؟ هل السلطة موزعة بين القوى الوطنية أو مركزة بين أيدي الذين يمتلكون الأغلبية؟

 التحليل النهائي لبحثنا عن الديمقراطية والفيدرالية والسلم الأهلي هو أن الديمقراطية الناجعة شكل من اشكال حل الأزمات سلميا مثل حالة البوسنة. وفي حالة الحرب الأهلية أو ما تشبه الحرب الأهلية، فإنها تقضي على الديمقراطية مثل حالة لبنان في سنين الحرب الأهلية.

  ممارسة الديمقراطية في المجتمع المدني توحد الشعب، لكن لايمكن أن تكون هناك ديمقراطية يتيمة في حالة العراق اليوم، لأن الديمقراطية والسلم توأمان لاينفصلان في دولة القانون. والديمقراطية والسلم يسيران بخطين متلازمين لمحاربة الفساد المالي والإداري ومحاربة الإرهاب، ولن يتحقق ذلك بمعزل عن وحدة المجتمع الديمقراطي وسلطة القانون. لا نحتاج إلى تعليقات كثيرة أكثر من أن نقول أن العراق ليس دولة قانون، وبالتالي لا ديمقراطية بدون سلطة قانونية تعطي الحكم للشعب، ولايمكن أن تعيش الديمقراطية بدون سلام، ولن تكون هناك فيدرالية بمعزل عن الديمقراطية والسلم في دولة القانون.

 وختاما أود التأكيد على جملة نقاط أساسية لنفهم بعضنا بعضا، لا من أجل فرد أو حزب أو قومية، بل من أجل العراق، العراق، العراق.

يجب أن نرفض القول أن كل ماعندي صحيح وما عند الآخر خطأ. يجب أن نرفض احتكار الحقيقة. يجب أن تكون هناك صراحة بيننا وليست تقية. كل يأتي برأيه وكل يأتي بدليله.

أريد أن ألتقي مع الجانب الآخر لا لكي انتصر عليه بل لكي أتفاهم معه.

عندما نلغي الطرف العراقي الآخر نعطي له الحق في أن يلغينا أيضا، والنتيجة هي الخلاف، وليس الاختلاف، فتولد العنف. الحقيقة ليست متعددة إنما واحدة، لكن الحقائق متعددة في الاجتهاد.

في الحوار يجب الاتفاق بالاعتراف أن الشيعي والسني مسلمان عراقيان. أن المسلم والمسيحي والمندائي والأيزيدي عراقيون. أن العربي والكردي والكلدو آشوري والتركماني عراقيون.

  ليكن العراقي عربيا، كرديا، كرديا فيليا، ليكن مسلما، سنيا ، شيعيا، مسيحيا سريانيا او كلدانيا أو آشوريا، ليكن أيزيديا، مندائيا، ليكن تركمانيا ليكن ما يكن، ولكن يجب أن يكون عراقيا وطنيا. دائرة الكرامة هي العراق الوطني، والوطنية العراقية هي التي تضمنا وتحمينا أخوة في بيت واحد، في عراق واحد، في وطن واحد.

 

ملاحظة: لم ترد أسماء المصادر التي اعتمد عليها الكاتب في هذا البحث باعتباره جزء من دراسة أكاديمية مفصلة باللغة السويدية تُنشر لاحقا في كتاب ضمن سلسلة كتب الكاتب المطبوعة في السويد.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com