مقالات

ملامح ضائعة

عقيلة آل حريز

zoooom_6@hotmail.com

لو أننا نصدق ونعدل في أحكامنا لكنا بحال أفضل.. لو أننا فقط نعيد النظر في بعض الأمور لوجدنا بها اختلاف أكبر ولما ضاعت ملامح الأشياء من بيننا وغابت حقائقها كلياً عن إدراكنا.. لو أننا كنا أكثر قسوة لما اضطررنا لأن نحرث أرضاً مزروعة بالشوك ونتصدر الحقائق التي لا يرتضيها من حولنا.. ولربما لم نشعر بهذا الضيق الذي يعترينا ولما اضطررنا لأن نقاتل بعضنا في المشاعر قتال مكابرة مزيفة.

أحياناً تستدرجنا الحقائق للاعتراف بها أمام من نحب فنقسو عليهم بما نعرف ونؤذيهم بحقائق مؤلمة لا يرتضونها... فنتساءل لماذا لا نمتلك حرية الصمت ونمتلك أن نتركهم يختارون بأنفسهم ما يرغبون؟؟.. على الأقل لن نتصدر الجوانب المعارضة في حياتهم ولن نكون نحن أول من يغتال أمنياتهم بحروف تذبحها حقيقة الكلمات.. أهي العدالة.. أم الإحساس بالنزاهة.. أم الخوف والواجب ومسؤولية الضمير..

 من الصعب أن نبقى عاجزين عن قول الحقائق لهم وكشف الستار عن أمور يجهلونها.. ومن الصعب أيضاً أن نبدأ نحن بتحريك الريح أمامهم خاصة حين ندرك أنهم يضعفون عن تحملها ونتيقن من كونهم لم يخلقوا ليتصدوا لها وحدهم.. إن مباشرة انتهاج الصدق والوضوح مع الآخرين أمر يبدو مستصعباً للغاية.

 يدفعنا أحياناً حبهم والواجب حيالهم للاقتراب بهدوء رغم ضيقهم بنا لمراقبة الأمر عن كثب ومن ثم البوح بما نعلم... نخشى عليهم من وجع الحقيقة فنصرفها لهم على دفعات من حساب قلوبنا ليتقبلوها بدون صدمات.. لكن الحقائق موجعة على أية حال.. وكلما ازدادت مساحة الوجع عندهم ضاقت علينا نحن مساحات الكلمات التي قد لا يسعفنا بها الموقف.

نتساءل ونحن نرقب حيرتهم يتوجعون في صمت مهلك أمام أعيننا بينما لا نمتلك شيئاُ غير الدعاء.. أكان من الأفضل لنا ولهم أن نصمت فيغرقون في بحر الجهل أم أننا نخبرهم بأشياء ندرك تماماً أنها كبيرة وضخمة تفوق احتمالاتهم وتفوق ما يرتضون من آمال يبنونها على ضوء أحلامهم؟؟!!

 من أسوء الأمور أن تمر بنا لحظات تعاقبنا فيها الحياة على منهاج كنا نسلكه ونؤمن أننا لا نُحسن غيره ،، ثم يفاجئنا الواقع بقوله " كان من الأفضل أن تبقوا بعيداً بحقائقكم في الظل.. كان من الأفضل أن تبدلوا طريقتكم للأسوأ!!"...

ترى.. أي ظل هذا الذي نمكث داخل محيطه بلا حراك كتماثيل مصمتة!.. لقد عرفنا الظل على أنه النور... الخير والحقيقة... العدالة... الوضوح والصراحة... الجدية في التعامل مع الأمور... لكن الظل الذي يهمسون لنا به هنا يعني "الصمت الأبكم ".

 لكن من أين لنا أن نحسن الصمت ونحن نبصر الجرذان من حولهم تحدق فيهم بنهم ، تسعى بسرعتها المخيفة نحوهم لتنقض عليهم... تعبر فوق أجسادهم، تتسلق أرواحهم لتأكل من أمنياتهم وتباعد بينهم وبين أحلامهم فيصبحوا هياكل لا تجيد العزف مع الحياة...

قد يصابون بالذهول فجأة حين تضيع ملامح الأشياء من بينهم فلا يستطيعون تقدير الأمور الحاصلة.. وربما يلوموننا نحن عندما يفيقون من وهمهم ، فيبدءون بتصيد أخطاءنا وكأننا نحن من صنع آلامهم وأشقى حياتهم بحقائقنا ، ناسين أو متناسين نزيف أرواحنا الطويل من أجلهم وحسرات تعصرها موجات البكاء العارم في حضرة الحزن عليهم.. تُرى من الذي زاد من شقاء الأمور؟ معرفتنا نحن بحقائقها أم جهلهم هم بها!!

 ويبقى هنا السؤال واقفا ممتداً بحيرة كطاحونة الهواء المهتزة... يرقص في ملامح أفكارنا بلا توقف ، هل كان من المفترض أن نبتعد بخبرتنا عنهم فيواجهوا الحقائق وحدهم ويفهموها بعد حين... أم أنه علينا أن نخبرهم ولنبدأ معهم رحلة عذاب أخرى؟!

قد نبدو في نظرهم قساة إن فعلنا ،، قد نكون محل ارتياب هذا جائز ،، وقد نواجه نوع من الفتور والصدود منهم ،، وربما قطيعة أبدية لأننا تصدينا لأمنياتهم بحقائق بغيضة يكرهونها.. مؤكد قد يحدث كل هذا إن لم يعادونا بجرم إخلاصنا لهم ويجاهرونا عليه بالخصام.. آه.. ما أشقى أنفسنا بعذاباتهم!.

 وحين يصيبنا التعب ويحتوينا الفتور من ركاضنا الطويل نتساءل برجفة تهوي فوق صحة تقييمنا للأمور لتشككنا بصحة مواقفنا معهم... ترى كيف كان يمكن أن نقيس علاقتنا الإنسانية بهم ، وما الميزان الذي يمكننا أن نعتمده؟!.. ما الأسلوب الأمثل الذي كان علينا اعتباره مرجعاً لهذه العلاقة.. كيف كان يمكن أن نحتفظ بهم دون أن نؤذيهم بما نعرف، أو حتى نخف من وطأته عليهم؟ ، ما الذي أدى لكل هذه الجراح..؟.

ثم نبدأ بطرح تساؤلات أكثر اتساعاً... هل ترانا فعلاً أخطأنا لأنا كنا أكثر حباً.. أكثر خوفاً.. أكثر نبلاً وأكثرا وضوحاً وجدية معهم؟!.. وهل كان علينا أن نصمت ونحن نراقب الهموم تقتلهم وسعادة كاذبة تغرر بهم لتوصلهم لطريق مسدود؟!.. أم علينا أن نفعل أمراً آخر مختلف وهو الأكثر بلادة وخسة في عرف الأخلاق... هو أن نحزم مشاعرنا تجاههم في حقيبة ونرحل عنهم ببلادة ريثما تهدأ أمورهم وتستقر ، ثم نعود وكأن لاشيء من أمر عذاباتهم يعنينا.. هل نفعل كل هذا ونحن ندعي محبتهم والقلق على أمرهم؟!.. إنها حيرة فماذا ترانا نصنع معها!!...

تقتلنا الحلول وتكاد تقضي علينا هياكل الكلمات بلا مخرج.. وإن فعلنا هل نجد بعدها احتراما لأنفسنا عندما ننفرد بها؟.. وحين يعود الهدوء لهم، هل يسامحونا على وقوفنا الطويل بعيدا عنهم ننظر صراعاتهم ونعاين مذبحة تكاد تقضي عليهم بدون أن نقترب لنخفف من ألمهم، وإن لم يرحبوا بقربنا منهم... لستُ أظن أنهم يفعلون!!

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com