مقالات

رشدي العامل طفل باحث عن مذاق النار

 

الدكتور صدام فهد الاسدي / البصرة

saddam_alasadi@yahoo.com

عرفوا الصوفي((من صفا من الكدر, وامتلا من الفكر, وانقطع الى الله من البشر,واستوى عنده الذهب والمدر)فهل تمثلت تلك الرؤى في شعرية رشدي؟وهو يتخذ من قول سمنون((الا تملك شيئا ولايمتلكك شيء))طريقا خاصا لصوفية رشدية تلفت النظر ويتخذ من قول الجنيد((الصوفي كالارض يطرح عليها كل قبيح ولايخرج منها الا كل مليح) طريقا لمعاناته الذاتية,وفي شعره تطلعات مبكرة للصوفية بطراز خاص ابتداها في قصيدة تداع وبلورها كاملة في تهجد من هجرة الالوان الى الطريق الحجري((هذه الليلة ,لم يقترب الوجه,وتنأى العينان,وترتحلان ,وتبقى الصورة)) وانتهى بالتهجد (ايهذا المطر,اننا ننتظر؟زادنا الجمر,ماؤنا رمال رماد؟؟؟قل لنا هل تشرق الشمس ام نبقى نقطع الدرب على زاد المعاد),وقد كبرت صوفيته الذاتية باحثة عن امراة انتمت اليه وغادرت مسرح عواطفه(ام علي)(كانت عيونك تسال هل ارضع الطفل صدري يجف الحليب به))وقد اشار الى امه رمزا طفوليا لاينساه((كنت طفلا اراوغ نفسي)(وترنو عيونك مازلت طفلا))تلك صورة الام التي مازالت تعلق وشاح الحزن الاسود على مكتبته الحزينةوهي التي قالت في وصفه عبارة رائعة((ان الابناء ياخذون امهاتهم الى المتنزهات والمسارح اما رشدي ففضيلته ان لم يترك سجنا او مستشفى لم يرني اياه))وبتلك الاشارات الصوفية ماذا طلب رشدي من الدنيا؟(ارجوك ان تعلمي الطفل مذاق النار)وقد استعار الندى من جفون الزمان وظل خائفا من غرز اللون في المقلة فهذا الصوفي العاملي يعلن عن اباء نفس صوفية ((انا اكره النبع الشهي اذا تمرغ فيه قحف)بل يريد غابا(لاتقيح به الجراح))وانتقى طعاما بسيطا((طعام لايعبأ في علب الكلمات)وارتدى في رحيله كفنا غير مكلف((كفني ابيض مثل ثوب العروس))وقد هز عذق الجمال الجسدي وتمسك بالروحي ((احلى انت,انت الطلع,انت البرعم,والثمر المتلالىء بين الاغصان))والضمير يتكرر(النخلة الشجرة تتكافىء بعطائها الثمر

وفي احتفالية للطبيعة الجامد برسم فنان شاعر ((الشموس التي عبرت , والنجوم التي انطفات ,والصباح الجديد,وعرس النهار))هذه تبعث نسيجا شعريا صوفيا بافتراق وانبعاث جديد بدلالة العرس ,ولعل نوعين من التوافق الصوفي والهيمان الذاتي يصرح عنهما الشاعر ليبرر صوته الصوفي المغروس داخل الروح دون ان يرتدي ثوب الصوفي(الشفاه التي ضحكت,والعيون التي ابتسمت,والحقول التي امتلاءت بالبذار,لوحة صاغها الوهم تنأى ويبقى الجدار))فماذا يريد بالجدارانها حالة الكشف والغموض والاخفاء الباطن والستر لتبقى الاحلام معلقة غريبة على الاخرين بديلة عن تعويض روحي,بل انها عذابات رشدي وتداعياته داخل جذب وفناء وانعدام داخل الجسد وخارج الروح الطفلة التي لاتمزقها رياح الزمن,وما اللذات والتناقضات الا قبول روحي للقدر,,, والخمرة البديل الذي يسفر به الى رحلة المتصوفة الغائبين عن الحضور الباحثين عن يوتبيا المثال وسمو نفس افلاطونية غائبة عن الخضوع تقول للزمن(لامستحيل امام الروح)تبحث عن جمال محض وجلجلة صوت قدسي في فضاءات الطبيعة البديلة عن الاحبة,لذا كان التهجد بديلا عن تحرر الجسد من القهر الى حد الفناء في راحة الروح وخلاصها من القهر المسلط على الجسد والصوفية عنده موقف ,انتماء وثقافة وعزلة وغربة في محطات الكأس والنادل والمقهى حتى الفجر,انه الطفل الحالم الباحث عن العذاب السعيد المحترق في لذة الجرح (لو اخبرتك ان البستان,جف وان سواقيه تلوب بلاماء)مادلالة البستان؟اليس الرجولة التي غادرت الجسد ولكن الروح ظلت ترقص بدون حراك ولكنها تنتشي بنشوة عارمة,هذه فضاءات رشدي وهذه طقوسه التي خلقها لنفسه شاعرا من طراز خاص حقا(كل الشفاه تقبل جرحك لو شئت ان يركد الموت بين النزيف)لاني مع الشمس اوقظ عيني لعلي ارى عينك الساهرة)وعلى البعد يلتذ رشدي ببقايا نظرة من عين سهرت ,كل هذا العذاب المريح فجر لديه حرب الواقعات مع نفسه واهله وزوجه,ولعله اراد ان يهتك الاستار ويفضح الاسرار داعيا الى الفناء الخالد ضمن صوفية ممتعة باحثة عن قلب يرسل مشاعره الى طريق الله (طريق الحقيقة الازلية )الثابت,الله الذي خلق الجمال هبة للانسان (الله جميل يحب الجمال)لذا جاهد رشدي بصوفية ابن عربي والم ابن الفارض بالرغم من عدم التزامه الديني(كل الجراح الحمر في قلوبنا عبادة)(فاذا مارحلت عن هذه الدنيا فتطوافها حياة وموت)اليس هذا ايمان مطلق بالنهاية فلماذا العبث في الجسد وفناء الروح وهكذا اعترف في النهاية(الذبول)(انا ضيف الاسى,انا رنة القيد وصمت العيون في التمثال

ضاع صوتي وجف نبعي وغارت في عروقي دماء تلك الغوالي

انا وهم خبات في الظل ظلي ,لايرى العابرون الا خيالي

انا نهر لولاك ظل مسيري بين طين الاسى وحزن الرمال

هكذا تنحى الشاعر العملاق بنفس ابية ان يقترب من النبع الذي شرب منه القحف ,وظل لم يلمس السكون ولا العدم انما فاض بشجون سرت من جمر ودم وزهور من الندم,كلها مسها الموت فانهزم

مااروع رشدي العامل شاعرا رائدا يحمل عذابه الازلي السعيد وظلت القصيدة تتحكم بروحه الى درجة العذاب المطلق التي شيدها سفينة لنفسه حتى انتهى طيرا يشم لونه المدفون في اسرار تكوينه(الطائر المذبوح,يشم لون عشه فتستفيق االروح)وللقراء البحث عن تلك الروح العاملية الغائبة الزاهدة.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com