مقالات

دراسة تحليلية تاريخية سياسية اجتماعية لقبسات من

رسالات بلاد الرافدين وفريد حضارتها  السمحاء  (1 ـ 2)

هلال آل فخرالدين

hilal.fakhreddin@gmail.com

يتحتم على في البداية ان اشيرا معترفا باجلال كبير ومن غير مبالغة او مصانعة والتاريخ والواقع شاهد على ذلك بان العراقيين هم الشعب الوحيد لا في المنطقة فحسب بل والعالم اجمع لم يحدث فيه قط بين اي من طوائفه وعراقه واديانه -على الرغم من تنوعها وتباينها -لا حرب  ولا ادنى احتقان الا ماشذ من ممارسات للسلفيين في زمن خلافة المتوكل العباسي وبدعم منه .

مما هو واضح ان بلاد الرافدين مهد الحضارات ومهبط الرسالات ومنبع الاديان وينبوع الثورات وبؤرالمعتقدات والمذاهب والفلسفات وملتقاها وتلاقحها وتعايشها وانتشارها  ..

ففي فجر ايامه  كان مهبطا لأولى رسالات التوحيد لأوائل الانبياء ابناء النبي ادم كشيت وادريس نوح وهود وصالح ويونس وابراهيم وذو الكفل والعزير وهجرس (ع) في المدن والحواضر الى جنب الكهنة ومعابد الالهة (مردوخ)و(الزقزرة) والسحرة (هاروت وماروت) والدراويش اصحاب الاساطير والخرافات وملحمة كلكامش بجنب علماء الزرادشتية واحبار اليهود التلمودية وكهنة الصابئة واساقفة النساطرة وحكماء عباد الشمس والقمر والنجوم وما تلاها من صحابة وتابعين وأئمة وعلماء وصلحاءومفكرين وارباب مقالات وغلاة و وزعماء ثائرين في مواكب من نماذج شتى  وكل هؤلاء ورعاياهم واتباعهم وانصارهم كلا في ديدن مساره ووفق مضمار اعتقاده ومذهب افكاره واهوائه ولكن ضمن رحيب اسرار الكون واغوار مفاهيم الانسان وطرق الحياة وسبل الهوى ..!!!

ولم يحدثنا التاريخ قط ان نجم بينهم احتكاك او صدام على الرغم من تباينهم في الافكار والمفاهيم والاليات ..

وقد بزغت في بلاد الرافدين اعرق الحضارات واقدمها على الاطلاق حيث نشاة كل واحدة منها وازدهرت وسادت ثم بادت من سومرية واكدية واشورية وبابلية وحضرية وفارسية ويونانية حيث كانت كل واحدة منها تضيف لبنة في سلم الرقي الحضاري والتطورالانساني  والتلاقح الفكري والتعاون البناء المشترك  في ارقى صوره واسمى معانيه.

حتى اطلة الرسالة الخاتمة على ربوع ارض السواد وانتشر الاسلام كان انتشاره في الرقعة التي جمعت كل هذه الفرق والمذهب وشهدت بينها مجالس المناظرة ومصارع النزاع وكانت الفلسفة الاغريقية قد بلغت اوجها وترددت أقاويلها ومناقضاتها في العراق وأطراف فارس حيث يتصدى للتعليم أطباء النساطرة ومعهم كتب الاغريق في الحكمة والمنطق والجدل واشباه هذه الموضوعات فلم يبقى سبب من الاسباب التي تنشيء الفرق والمذاهب الاوقد تهيأ للظهور من جميع نواحيه عند قيام الاسلام

بعد الفتح الاسلامي لبلاد السواد  وكون السبب الذي طوى كل الاسباب جميعا هو قيام الدولة مع قيام الدين الاسلامي في وقت واحد  وهو مالم يحدث في بني اسرائيل ولافي عالم المسيحية وعليه تدور الخلافات بين الفرق جميعا من قريب او بعيد

ظهرت المدارس العلمية لحواضر كلا من الكوفة والبصرة وبعدها بغداد ولكل منهما عبقها واريجها وعطرها..

وفي تلك الاجواء انتشر مذهب اهل البيت ونبع مذهب ابي حنيفة وابن حنبل والشافعي وانقرضة مذاهب كثيرة نذكر المشهور منها كمذهب الحسن البصري والشعبي ومحمد بن جرير الطبري وابن المسيب والثوري وابي ثور والاعمش .

 وكان هناك الكثير من المعممين والمحدثين والفقهاءالعلماء من سار في ركاب السلطان وحظى بالجاه والمال ونشر البدع والاهواء والى جنبهم   فريق من العلماء الاتقياء واهل والورع والزهاد في الدنيا ابتعدوا عن بهارج الاطماع ومصاحبة السلطان خوفا من الوقوع في مصائد الشيطان

وقد برزت مدرسة الحديث والاثر والسلفية والى جنبها مدرسة الرأي والنظر والقياس وانبثق تيار اصحاب العقل من الشيعة والمعتزلة علما بان الشيعة هم الطائفة الوحيدة التي لم تغلق باب الاجتهاد لكونه رحمة الهية وسنة كونية تواكب تطورالحياة والتجديد وتعمل العقل الى جوار ارباب التقليد والجمود على النصوص وفتاوى السلف والاشاعرة والمرجئة والقدرية وكثير من الفرق والطرق الضالة واهل البدع والاهواء والغلاة..

ونستطيع رد الخلاف هنا الى محور واحد وهو الخلاف بين أنصار الواقع وانصارالتغير او بين أنصار المحافظة وانصار التجديد حيث كان يؤمن بان (الواقع) هو قدر الله وقضاؤه الذي يدان به العبد في تبرير لكل مايرتكبه الحاكم من موبقات..!

ومن خالفه في ذلك يعتصم بالراي والتفسير ليفهم القدر الالهي على الوجه الذي ينهض به دليله ويسقط دليل خصمه

ثم تنفرج الطريق بين طلاب الواقع وطلاب التغير في كل مجال

فطلاب الواقع يقولون بطاعة السلطان القائم وطلاب التغيير يقولون بطاعة الامام المستتر ويقولون بعلم الظاهر وعلم الباطن او بعلم الحقيقة وعلم الشريعة

ويدور على هذا المحور من جانب اخر خلاف القائلين باسلام بني امية والقائلين بتكفيرهم والقائلين بارجاء الحكم عليهم الى يوم الدين (المرجئة)

ويغلوا من هنا فريق كالخوارج فيكفرون عليا ومن والاه ومن هنا فريق من الغلاة يؤلهون عليا وينكرون القول بموته وقد تبراء منهم الامام والائمة من ذريته  او في اقوال البيانية والسمعانية في ان روح الله حلت في علي ثم في ابنه محمد بن الحنفية

ويكثر الكلام بين هذه الفروض والظنون على ماهية الروح وماهية الحقيقة الالهية وما ينبغي لله جل وعلا من تنزيه ومايمتنع في حقه من التجسيم والتشبيه وتمتزج النوازع الذهنية بنوازع المصلحة والسياسة والعواطف المكبوتة فيستمد كل منها عونا من الاخر على الاقناع واستجلاب الانصار والاشياع

ومن البداية ان دعاة التغيير يتقون جهدهم سلطان الواقع حيث هو قائم عزيز الجانب مبثوث اعيون شديد السطوة في قمع الانفس فأبتعدوا من دمشق الشام واتخذوا لهم ملاذا مأمونا في كهوف ومغارات العراق او عند اطراف الدولة الشرقية ..!!

 هنالك لم يكن أحد من المتعلمين يشتغل بالامور العامة دون ان يعرض له البحث في الشريعة والحقيقة والظاهر والباطن واقوال المختلفين على القضاء والقدر وعلى صفات الله وحرية الانسان (الجبر ) او (الاختيار) اوخلاف واصل بن عطاء الغزال  في القدر وفي (المنزلة بين المنزلتين ) وطرد الحسن البصري له فاعتزلا إلى سارية من سواري مسجد البصرة فقيل لاتباعه (معتزلة) لاعتزالهم قول الامة في دعواها ان الفاسق من أمة الاسلام لامؤمن ولاكافر ..وماهية النفوس والارواح وما يصح ان يفرض عليها من العقاب او تجزى به من الثواب وكل أولئك هو موضوع الفلسفة الاصيل والحكمة القديم وقد تسرب الى مركز الدولة الاسلامية من تراث الامم الخالية

ولما ذهبت الدولة الاموية وقامت الدولة العباسية لم تبدل الحال لان العلويين والعباسين على السواء خبراء بالمذاهب والتفسيرات وكلهم من أنصار النظر والاستدلال

وقد قامت الدعوة في العراق باسم اهل البيت قبل أن تقوم صريحة باسم بني العباس ..

ثم ظهرت دعوة الفاطميين وعرفت سبيلهافي اقصى المغرب حيث كان الناس يؤثرون العلويين على العباسين لمنزلتهم من النبي وسموا قدرهم وعلوا فضلهم وسعة علمهم ولما لحقهم من تشريد واضطهاد وحرمان طوال حكم الامويين والعباسيين

وإذا عددت مايذكر ه عبد القاهر لبغدادي في الفرق بين الفرق ص25 على ظاهره كان هناك من الفرق التي يجمعهم اسم ملة الاسلام في الجملة  اثنتين وتسعين فرقة ... ويذكر في نفس المصدر ص120 في تسرب البدع وظهورها في الملة الى ابناء الاعاجم عند ذكره الفرقة (العمروية) اتباع عمرو ابن عبيد مولى بني تميم وكان جده من سبي كابل وما ظهرت البدع والضلالات في الاديان الامن ابناء السبايا ..

ويذكر احمد بن يحيى اليماني صاحب كتاب المنية والامل في شرح الملل والنحل ص53 وفي كل اهل مذهب ثقة يستندون اليه وعالم يعتمدون عليه وكلهم يحتج بقول الله ويروي عن رسول الله وقد كثر التدليس في الكتب والزيادة في الاخبار والتأويل لكتاب الله عزوجل على قدر الاهواء والمذاهب والاراء  فيجب على العاقل التيقظ والتحرز والتحفظ من التقليد الذي هلك به الاولون والخرون وجار عن قصد السبيل الجائرون اعاذنا الله من اتباع الهوى في الدين والانقياد لاتباع المقلدين ..!

ويمكن من خلال هذا  ان نتبين نباهة وذكاءوتفتق  العقلية العراقية وتحررها من القيود وسعة افقها وتلقفها لكل ماهو عقلي وسبرها للاغوار وتنقيبها في الاصول وتصريفها لخباي الامور ونقد الزائف واخذها بالاصيل وعدم خلودها الى الترهات والتقوقع على الراي الفطير والتحجر على التقليد لاتخرج من نطاقه ولاتفلت من فلكه مما هو سائد في أئمم واقوام حضارات اخرى..

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com