مقالات

دراسة تحليلية تاريخية سياسية اجتماعية لقبسات من

 رسالات بلاد الرافدين وفريد حضارتها  السمحاء  (3)

هلال آل فخرالدين

hilal.fakhreddin@gmail.com

وكان من نتائج احتظان بلاد الرافدين للثقافات المختلفة ان توالدة في مدرسة العراق الادبية الوانا من الفن الجديد في الادب والنثر والكتابةوالخطابة وكان الدور الاساسي في ذلك لمعلمها الاول وفاتق الفكر وفاتح ابواب العلم وناشر الحكمة وواضع النحووطرائق الادب ومؤسس البلاغة الامام علي وتلامذة مدرسته و يراع اصاطين ابن المقفع والجاحظ والاصفهاني والبلاذري والاصمعي وابن سعد والصابي وابن العميد وابو حيان التوحيدي والمهلبي والصاحب بن عباد فانتجوا نثرا رقيقا واسلوبا رفيعا وقدرة على التعبير عن المعنى الكثير بالفظ القليل والرواة الذين روواة ايام العرب واشعار الجاهلية والمعلقات امثال حماد الراوية وحماد عجرد الى جنب رواة قصص الف ليلة وليله وكليلة ودمنة وظهور فن (المقامات) للهمذاني والحريري وبزوغ مدرسة التجديد في  الشعر في نمط اساليب راقية وقوالب بديعة  ومعاني رشيقه كان روادها الحسن بن هاني (ابو نؤاس) والعباس بن الاحنف وصريع الغواني ودعبل بن علي الخزاعي والعتابي الى جوار القديم باصالته وجزالة الفاظه وانصاره امثال الكميت الاسدي والبحتري وابي تمام وكانت مجالس الثقافة والادب والمناظرة عامرة بكبار رجال الادب والعلماء والحكماء وكان للوزراء دورا اساسيا في النهضة الثقافية والعلمية بما يبذلوه للادباء من عطايا وهبات وتوظيفهم في سلك الكتاب

وانتشر ت علوم واداب وفنون امم ذات حضارات قديمة كالهندية والفهلوية واليونانية وكانت (دار الحكمة) التي كان لها افضل في حفظ تراث الامم وبراعة المترجمين امثال  ثابت وسنان بن قرة ويوحنا بن ماسويه وحنين بن اسحاق وبمساهماتهم  ظهرت ترجمات تراث الاغريق في الفلسفة والمنطق والهندسة والطب والهند في الحكمة والفلك والنجوم والصين في العلوم والفرس في اخبار وسير الملوك ..

وزدهرة سوق الكتب في العراق وراج سوقها بمالم تحظى بمثله في سائر الاقطار والامصار وكانت هناك مكتبات كبيرة عامرة بماتحويه من امهات المصادر واصناف العلوم حيث كان  الامراء والقادة يتبارون في اقتناء النفائس من ذخائر المصنفات وفي بذل جليل الاموال لاقتنائها والسبق في الضفر بها حتى كان الفيلسوف المؤرخ مسكويه يعمل خازنا لمكتبة الوزير ابن العميد انظر تجارب الامم لابن مسكويه ج2ص 274-279-224والثعالبي في يتيمته ج3ص181-154 وكان يقتني الكتب حتى التجار والصناع والكسبة تفاخرا واعتزازا

كمابرزت مدرستا النحو العربي في الكوفة والبصرة ولكل واحدة منها خصائصها مميزاتها  في مناهج قواعد النحوا وكان لكل واحدة منهما فرسان بجدتها ومريديها

ومن نتائج هذ ظهرت القراءات القرانية المتعددة متاثرة بهاتين المدرستين ..

 والملاحظة الجديرة بالتمعن واجالة النظر هو ان اكابر العلماء و الاساتذة الشيوخ كانوا كسبة واصحاب حرف مختلفة امثال العالم العبقري الفذ الفراهيدي صاحب العروض فقد كان يبيع الملابس المستعملة (الفراد)والعالم الكبير الفراء من صناعة الفرو او بيع الفراء والزجاج من حرفة صناعة الزجاج والسكاكي والخياط والوراق وابو مسلم معاذ الهراء النحوي  كان يبيع الثياب الهروية  فنسب اليها  وكان استاذ الكسائي وهذا في تنوعي حرفي ومهني  وثانيا ان هؤلاء النخب ورموز العلم لم يكونو يعيشون في ابراج او قصورا او عالة اوكلا على الخرين بل كانو يكدون ويكسبون الى جانب اغترافهم للعلوم وتدريسهم لها وتاليفهم  وتصنيفهم لجليل المعارف والاداب والفنون  ..

ان علماء الاثار اثبتوا من خلال التنقيبات التي تشير ان حضارة بلاد الرافدين هي أول من اخترعة الكتابة(المسمارية) التي تعتبر الخطوة الاساسية والرئيسية في التمدن والتحظر والرقي البشري على الاطلاق ..وكانت السباقة في ميدان العلوم كالفلك والتنجيم والرياضيات والهندسة وكانوا السباقين في طرح نظرية مربع الوتر يساوي مربع الضلعين التي زعموا فيما بعد انها للعالم الاغريقي فيثاغورس والتي عرفت ب(نظرية فيثاغورس) ..

وكان اهل بلاد الرافدين اول من وضع لبنات التطور الحضاري والتقدم التكنولوجي من خلال اختراعهم للعجلة الدائريه وتصميمهم  للعربه ..لكن الشيء المهم في هذا هو انهم لم يجعلوا من علومهم وابتكاراتهم واختراعاتهم وسائل للدمار والفناء الشامل او استغلالها في مأرب خبيثة حيث وضعوا لذلك اسس يجب الالتزام بها والتمسك وفي هذا المجال يؤكد العالم الموسوعي جابر بن حيان الكوفي –تلميذ الامام الصادق-الذي اشتهر بالكيمياء  بان لايعلم هذه الصنعة اي (الكيمياء)الا من كان صلب الايمان قوي الدين لاتغره الدنيا فيبيع ثمرة علمه بدراهم معدودة فيسبب  الضررا كبير على الناس وهو القائل :(لاتعلموا الكيمياء  الا لرجل تأمنون دينه وخلقه)..فانك تلاحظ المبدئية في اسمى صورها وارقى تجلياتها

وكان الى جنب المسجد والجامع في تدريس علوم الاسلام بالصيغ القديمة ان ظهرت طرق التدريس الجديدة في المدارس لعلمية التخصصية كمدرسة مرجان ودار الحكمة وجامعةالمستنصرية  في تلبة متطلبات وحاجات العصر فتدريس الطب والفلسفة والحكمة والمنطق والفلك والجغرافية والرياضيات والهندسة .

والى جنب المسجدفي  تدريس علوم الاسلام بالصيغ القديمة،ظهرت طرق التدريس الجديدة التخصصية كمدرسة مرجان ودار الحكمة والجامعة المستنصرية لتحاكي متطلبات العصر فراحت تتناول الطب والفلسفة والحكمة والمنطق والفلك والجغرافية والرياضيات والهندسة والصيدلة الى جنب دراسة التفسير والحديث واللغة والادب والفقه.

وفيما يتعلق بالاعياد والاحتفالات حيث كان سائر السكان من مختلف الطوائف يشاركون بعضهم بعضا الغبطة والفرحة بالمشاركة في الاحتفال بالاعياد المختلفة ..فقد كانت اعياد النصارى كثيرة واهمها أحد الشعانين وعيد الفصح وعيد الميلاد بالاضافة الى عدد من اعياد القديسين  انظر المقدسي في حسن التقاسيم ص429  كما كانت الاديرة بمواقعها وبساتينها الفسيحة وحاناتها الشهيرة ملتقى اهل اللهو  واللذات وغالبا ما اقترن ذكر الاديرة بذكر الشراب والغلمان في شعر الشعراء  انظر كتاب الدياراة للشابشتي والثعالبي في يتيمة الدهر ج2ص408

اما اهم اعياد الفرس التي كان خلفاء بني العباس يحتفلون بها  النوروز والمرجان انظر المقدسي ص441 التي تسربت الى مراسم دار الخلافة منذ عهد معاوية ابن ابي سفيان وما ادخله  امراء وقادة ووزراء بني العباس من مراسم في الاحتفال بها ويجلس الخلفاء للتهنئة ويتقبلوا الهدايا النفيسة من ارباب الدولة

وبطبيعة الحال فقد كانت هناك اعياد المسلمين الكبرى عيد الاضحى وعيد الفطر كما احتفلوا بعيد الغدير ومولد الرسول (ص) ورأس السنة الهجرية..

كما وان كل مدينة في العراق تشتهر بلون من الطعام يختلف عن المدينة الاخرى فالموصل مثلا تشتهر ب(الكبه) واربيل ب(البن) وبغداد ب(التشريب) والكاظمية ب(الكباب)وباب الشرجي ب(السمك المسكف)والبصرة ب(المسموطه وصيد الكدر) والنجف بتنوع الاكلات وبالخصوص الحلوى (الحلاوه)ومرق (القيمه)والديوانية ب(المفطح )وكربلاء ب(التاجين) والعمارة ب(الادام) والناصرية ب(الكيمر)والشطرة وسوق الشيوخ ب(الدهون )المعروف بدهن الحر والسليمانية ب(الدولمه)والسماوة ب(الخبز )والحلة ب(الباكله)وكركوك ب(الباجه)...الخ فاذا مددت السماط او (السفرة) العراقية فستكون متنوعة عامرة بما لذ وطاب من الماكولات والحلويات والمقبلات الشهية

فاذا اخذنا عينة صغيرة من بغداد ك(الشورجة)مثلا فيرى الناظر جامع مرجان السني الى جنب كنيسة الكرمليين وقريبا منهما مسجد حسين بروح الامامي الاثني عشري الى تكيا للصوفية والدراويش للذكر

فقد كانت نواقيس الكنائس تقرع الى جنب مأذن الجوامع ومنائر حسينية تقام فيها مأئم لاهل البيت وتعظيم شعائر ويجر هذا في اجواء من الصفاء والاخاء النادر ..

كما ان لكل طرف او صوب من بغداد لهجة خاصة ونكهتة متفردة في التعابير والالفاظ تختلف عن المحلة الاخرى فالمعظماوي لهجته وامثاله تختلف عن الكظماوي والجعيفري يختلف عن باب الفضل او باب الشيخ او عكد اليهود او محلة الكراد ..قيل عن الكرادي انه عرف بالطيبة والبلاهة (فطير)ويسيقون في هذا الباب قولهم

وركة فجل كله العجل      باكله زعريوش كرادي

ومما يستطرف من ذكرهم ويستملح من اخبارهم مزجهم الجد بالعب والالتزام بالهزل ...فهم في حال طربهم واستغراقهم في متعهم فاذا سمعوا الاذان قاموا الى الصلاة سراع لكي لا يفوتهم ثواب الفريضة في وقتها ..

والملاحظ على سوق نخاسة العراق ان تجارها كانوا يجلبون الاماء من كل حدب وصوب لاجل تلبية الطلبات المختلفة والاذواق المتباينة في هذا السبيل فهذه جارية صقلبية وتلك بربرية واخرى نوبيه وفارسيه وهنديه واذرية وسمرقنديه وتركيه وزنجية وكرجيه ورومية ...ولطراوة ارواحهم حلاوة نفوسهم وتعدد اذواقهم فقد اخترعوا لكل صنف منهن دورا في تلبية حاجاته  فهذه للمسامرة وتلك للمعاشره واخرى للتربية والخدمة واخرى للطبخ وغيرها للغناء والرقص غيرها للخلوة والمتعه وووو وقد وصفوا محاسن كل واحدة منهن وما تبرع به  الى جنب ماطنبوا به من وصف الغلمان بما لايسعني ذكره ..وبلغوا شأوا في المرح والانس ممالم تبلغه امة من الامم فقد زينوا الجواري بزينة الغلمان كمازينوا الغلمان بزينة النساء  فتلاحظ حتى في هذا المضمار توسعوا وتفننوا غاية التفنن للهو والمرح والمتعه .. ومن اراد المزيد فعليه بكتاب الجواري والغلمان وغيرها

وبلغ باعهم  في مجالس الظرف والطرب والهو وموائد الشراب والطعام شوطا كبيرا لايجارى ولايضارع ومالايخطرعلى بال احد في الابتكار والتفنن ومن يريد الاطلاع فعليه بموسوعة الاغاني والمستطرف في كل فن مستظرف واخبار المتماجنين والخلعاء ..كما امتاز اهل العراق بخفة الروح والنكة وحسن المعاشرة وحدة الذهن والفطنة وقراء الضيف (العزوبه) ومضايفهم وديوانياتهم وبرانياتهم مشهورة ومظرب الامثال في الكرم الباذخ والجود وحسن الوفادة ..حتى يتمنى كل من يزورهم او يطرقهم من الوافدين والغرباء ان يقيم عندهم ويبقى بجنبهم وهم في هذا الصدد لايشق لهم غبار في احتضان الناس الغرباء افرادا وركبا حتى يرغبوا عن بلادنهم ويؤثروا الاقامة في العراق لسماحة اهله وطيب سلوكهم  ورفيع اخلاقهم ..

دار السلام دار الحضارة جنة الدنيا (بغداد)

 وهنا لايسعنى الا ان اذكر دار الخلافة بغداد (دار السلام ) دار الحضارة وموئل العلماء وملتقى الحكماء ومنتدى الادباء ومحفل الظرفاء وواسطة العقد وفريدة الدهر حاضرة تشابك الثقافة الحقيقية والاساسية واليها يسعى كل من يبغي التعلم او الشهرة وهي الممر والمستقر لكافة رجال العلم والادب والدين والفلسفة والفنون  حيث اجمع المورخون والبلدانيون وكتاب التراجم والرحالة  وغيرهم من المؤلفين القدامى على القول إن بغداد :ام الدنيا وسيدة البلاد وجنة الارض ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف ليس لها نظير في مشارق الارض ومغاربها سعة وكبرا وعمارة وكثرة مياه وصحة هواء ولانه سكنها من اصناف الناس وأهل الامصار والكور وانتقل اليها من جميع البلدان القاصية والدانية واثرها جميع اهل الافاق على أوطانهم  فليس من اهل بلد إلا ولهم فيها محلة ومتجر فاجتمع بها ماليس في مدينة في الدنيا ثم يجري في حافاتيها النهران الاعظمان:دجلة والفرات فيأتيها التجارات والميرة برا وبحرا كانما سيقت إليها خيرات الارض وجمعت فيها ذخائر الدنيا وتكاملت بها بركات العالم

وتقع بغداد في الاقليم الاوسط الذي يعتدل فيه الهواء في جميع الازمان والفصول فطاب الثرى وعذب الماء وزكت الاشجار وطابت الثمار وأخصبت الزروع وباعتدال الهواء وطيب الثرى وعذوبة الماء حسنت أخلاق أهلها ونضرت وجوههم وانفتقت أذانهم حتى فضلوا الناس في العلم والفهم والادب والنظر والتجارات والصناعات والمكاسب والحذق بكل مناظرة وإحكام كل مهنة واتقان كل صناعة وقال الخطيب في تاريخه لم يكن لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها وفخامة امرها وكثرة علمائها وأعلامها وتميز خواصها وعوامها ...

أنظر:البلدان لليعقوبي ص233-234 معجم البلدان ج1ص680-681  فضائل بغداد العراق ص4-6  مقدمة تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ص76-77

أبغداد جنة الدنيا تدمر ..أبغداد الحضارة تحرق ...أبغداد الاخاء ومعشر الحب  تنهب ..

فرفقا ببغداد دار السلام ...يا ابناء الابالسة ...ويااوغاد الجاهلية ...

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com