مقالات

دراسة تحليلية تاريخية سياسية اجتماعية لقبسات من

 رسالات بلاد الرافدين وفريد حضارتها السمحاء (10)

هلال آل فخرالدين

hilal.fakhreddin@gmail.com

حرية التسامح والبعد عن اجواء التعصب

 وخلال القرن الرابع الهجري بلغت الحضارة الاسلامية أوجها واكتمل بنيانها وعلا صيتها وغطى الافاق عطائها وظهرة الموسوعات الحديثية والفقهية والرجاليه والادبية والطبية والفلسفية والعلمية لعلماء كبار موسوعيين تعاطو كثيرا من العلوم والاداب والحكمة والفن وكانت مدارسها وجامعاتها العلمية يشد اليها الرحال من الافاق البعيدة للاغتراف من معين علومها وبلغة المدى في الامتداد والسعة ومن تظلل الامم والشعوب المختلفة بظلالها الوارفة والتنعم بمباديء الرحمة والسلام والتسامح وصيانة الحقوق وقيم العدالة ..

 يقول الدكتور حسين منيمنه في بحثه عن  تاريخ الدولة البويهية ص 286 حيث كانت مركزا لمختلف أصحاب المذاهب والفرق و بجو من الحرية والتسامح مما أبعد عنها أجواء التعصب والفتن نتيجة للابعاد الحضارية الطويلة التي اسهمت في صقل النظام بعكس الاقوام الجاهلة والمنغلقة والقبائل الرعوية المترحلة كا البدو والسلاجقة والترك  ويؤكد في ص283 قائلا ان هذا السلوك المعتدل وغير المتعصب من قبل البويهين تجاه اهل ملتهم (المسلمين)وشعوب ممالكهم والذي كان واضحا اكدته سياستهم مع الاطراف والقوى الداخلية والخارجية  التي لم تستند على الاطلاق الى اسس طائفية او مذهبيه  كذلك اختيارهم لموظفيهم وكبار رجال دولتهم من وزراء وقوادة جيش حيث كان الوزراء وكبار رجال الدواوين من الشيعة والسنة وحتى في احيان قليلة من المسيحيين  ...ان البويهيين لم يقيموا دولة شيعية فلم يفرضوا مذهبهم كمذهب رسمي ولم يدفعوا السكان الى الالتزام به واصلا لم يكن هذا الامر على الاطلاق هدفهم  وكان المكسب الساسي للمذهب الامامي الاثني عشري من وجود البويهيين في السلطة هو حريتهم في التحرك والعمل بصورة علنية ووثوقهم بوجود سلطة تحميهم ويقول في ص286 ان الدولة البويهية الشيعية  لم يظهر منها  اتجاه مذهبي متطرف معادا لاهل السنة وان السلطان بهاء الدولة البويهي قضى على جماعات من السنة والشيعة لانهم كانوا يحرضون على الفتن من اقامة احتفالاتهم  ولم يجد اي حرج في نفي فقيه الشيعة ابن المعلم -الشيخ المفيد-عن بغداد رغم مكانته عند البويهيين وعدم انسياق الشيعة للتعصب الطائفي واستغلال الاحوال السياسية للاستعلاء والفوز بالمناصب والتهافت على التسلط لتعويض مالحقهم من اضطهاد وتنكيل في ظل اجواء التعصب والالغاء والمطاره و غياب اي مظهر او اي شكل من اشكال الصراع السني –الشيعي  حتى ان ككثير من وزراء وكبار رجال الدولة البويهية كانوا فيها من اهل السنة  امثال عباس بن الحسين الشيرازي الذي كان متعصبا للسنة وفي ايام وزارته ارتكب جريمة شنيعة باحراق الكرخ وبلغ عدد من قتل اثر الحريق بالالوف وتدمير مئات البيوت والدكاكين واختلطت بشغب وفعال (العيارين والزعار) انظر المتظم لابن الجوزي ج8ص44-47-55-59-90-والذهبي دول ج1ص 180 -276-283-287 تجارب الامم لابن مسكويه ج2ص304- 305 وابن الاثير ج7ص49

والملاحظ ان هؤلاء  والقتلة والمجرمين الذين  يطلق عليهم في السابق (العيارين والزعار) لعل اشباههم من ازلام النظام المقبور والاشقياء هم الان  من يعيث الفساد ويزرع الرعب  في العراق كما يظهر في ر اسغلالهم للاوضاع السائدة ونشر الرعب والارهاب وسعيهم لتفجير حالة الاحتقان لاجل استمرارهم في النهب والذبح حتى يستفحل دائهم وتعم بليتهم ويتزايد خطرهم

 

جو التسامح الكلي

ان المتصفح لكتب وموسوعات القرن الرابع التاريخية والادبية والجغرافية امثال تجارب الامم لابن مسكويه الاغاني لابي الفرج الاصفهاني او يتيمة الدهر للثعالبي والمسالك والممالك لابن حوقل او الاصطخري والمقدسي وكذلك ما صدر في العصر الحديث في وصف  مناخ واجواء ذلك العصر ككتاب ادم متز عن الحضارة الاسلامية في القرن الرابع حيث يلاحظ صورا رائعة من التعايش السلمي والتسامح الديني بين الاقوام والامم والاديان والمذاهب وذلك لما يتبعه النظام من دستور حضاري في اشراك كل افراد البلاد بتحمل مسؤلية السلطة والمساهمة في العملية السياسية من غير تميز او تفريق

يؤكد الدكتور حسين منيمنه في كتابه تاريخ الدولة البويهية ص288موضحا احوال اتباع اهل الديانات في عصرهم قائلا عاش اهل الذمة خلال العهد البويهي في جومن التسامح الكلي يكفي للدلالة على ذلك انه لم يسجل المؤرخون وقوع أية حادثة بين اهل الذمة (المجوس .النصارى.واليهود )بينهم طوال فترة الحكم البويهي  ولم يكن هناك ما يحول امام المجوسي او النصراني او اليهودي من ممارسة اي عمل او مهنة  وكان كسب المجوس من كري حميرهم يضربون عليها الافاق حسب مايذكره ادم متزفي الحضارة الاسلامية في القرن الرابع ج1ص85  اما النصارى واليهود فقد كان قدمهم راسخا في الصنائع التي تدر الارباح الوافرة فكانوا صارفة وتجار واصحاب ضياع واطباء على حين كان اكثر الاطباء والكتبة نصارى  الدوري في تاريخه ص33

كذلك تبوأ عدد من اهل الذمة مراكز مهمة وقد استهل الامير علي بن بويه حكمه وكان الى جنبه كاتب نصراني من الري بمثابة الوزير وهو ابو سعيد اسرائيل بن موسى  كذلك كان الوزير عضد الدولة نصر بن هارون من نصارى فارس  اما المجوس فقد برز منهم عبيد الله بن الفضل احد قادة جيش بهاء الدولة  الصابي في تاريخه ص379

كما تمتع اهل الذمة بحرية ادارة شؤونهم الدينية بصورة كاملة ولم تكن السلطات تتدخل في الشعائر الدينية الخاصة بهم وقد احتفظوا بأماكن عباداتهم فحتى هذا الوقت ظلت بوت النار تملى اماكن عديدة مرو الهب للمعودي ج2ص253-255 وكانت هناك العديد من الاديرة انظر الديارات للشابتي وياقوت في بلدانه ج2ص496 والثعالبي في يتيمته ج2ص395  وقد سمح عضد الدولة لوزيره نر بن هارون في عمارة البيع والاديرة  واطلاق الاموال لفقراء النصارى ابن الاثير في تاريخه ج7ص101 وابن مسكويه في تجارب الامم ج2ص408 اما ماحصل في السابق ولاحق من اجبار اهل الذمة على ارتداء ملابس خاصة بهم تميزهم عن المسلمين فلم نسمع عن مثل ذلك طوال القرن الرابع كله  ادم متز ج1ص101-102

ويقول الدكتور منيمنه في ص137 لم يتح لعضد الدولة استكمال مشروعاته فتوفي في سنة 373 بعد ان اعاد للخحلافة العباسية التي كان يحكم بأسمها الكثير من عزتها وقوتها ونفوذها السابق في الداخل والخارج واعاد الى بغداد مكانتها كعاصمة للخلافة فأعاد تعميرها مسكويه في تجارب الامم ج2ص405-408 وابن الاثير ج7 ص115

ولما قدم السلاجقة الى العراق غزاة متذرعين بالقضاء على البويهين الذين يهينون الخلفاء العباسيين  فقد عاملو الخلفاء بمنتى الصلف والصفق من الاهانة والاذلال ولب الاموال حتى غدا الخليفة كاحد صغار موظفي وخدمي السلاجقة  انظر تاريخ مسكويه ج2 ص145-146.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com