مقالات

الحلم المستحيل

 عبدالكريم الكيلاني

 طيفها الماثل قبالة شواطئي الصاخبة المليئة بالحرمان والحنين لايتوانى عن مطارحتي غراما ممنوعا من البوح، منكبّا في عزلته، لاذعا في وصاله، نديّا في شروده، وهجه يعمى الأبصار ويسحر القلوب، طيف عجيب لم أر مايشبهه منذ عقود بل أظنني أراه لأول مرة بتناقضاته المحببة الى نفسي.

حين التقيتها أول مرة شعرت بتلك الرعشة التي أصابت روحي وانسربت في مسامات سنيني كمطر صيفي أتى بها الأثير من حيث لا أدري لتحيل مدائني المهترئة الخربة إلى جنان خضراء، تحلق فيها الأطيار وتورق أزاهير السعادة من جديد بعد أن كادت تموت من أثر الجفاف الذي حل بتلك المدائن، هاهي النوارس تختال بتحليقها المنخفض فوق حارات مدينتي العامرة بالموت والرصاص دون أن تشعر بالخوف، ( الخوف ) الهاجس الذي خيّم على قلوب ساكنيها وهم يرقبون عن كثب أسرابا من الغربان تنهش في جسدها لتحيل شوارعها وأزقتها مرتعا خصبا لقتل الحياة يوما بعد يوم.

 تماثيل تترنح، وأسوار تتصدع، صباحات مغمسة بالدم ومساءات صاخبة بالبكاء والنحيب لثكالى وأيتام لاذنب لهم سوى أنهم يحبون الأرض والحياة والحرية.

اقتربت منها حاملا همّي وهمّ بلادي وحرمان روحي من الأمان الذي أصبح مستحيلا في الزمن الصعب الذي يمرّ بنا ونمرّ عبره بهدوء وقلق علّنا نعبره الى الضفّة الأخرى، بأقل خسائر ممكنة..

لاأدري لم أحسست بأنها الوحيدة التي يمكنها أن تشعرني بالأمان المفقود الذي أبحث عنه مع أبناء بلدتي منذ سنين ؟؟ !!

 ألأنها تحمل في عينيها وميضا ملائكيا لم أر مثله من قبل ؟؟

 أم لأنها استطاعت أن تحترف حنيني دون أن تشعر ؟؟

 أم لأنني شعرت بصدقها وبراءتها فانتميت لها بلا تردد فأصبحت لاأطيق فراقها ولو للحظة واحدة..؟؟ !!

لاأدري

_ من أنت سيدتي ؟؟

_ أنا كل جراحات العراق بلياليه ودجلته وفراته، أنا نخلة ميسان، وبساتين ديالى وقمر بغداد النازف منذ حين، أنا شناشيل البصرة، وربيع الموصل.. إقترب ايها الشاعر، كي نطلق حمامة السلام في وطننا الكسير..

_ ولكن سيدتي حاولت مرارا وبمدادي وصرخات أطلقتها دون جدوى.. ماذا أفعل ؟؟ أرى القيامة حاضرة في كل الحارات والشوارع والمدن.. أرى الناس سكارى وماهم بسكارى..بدأ اليأس يسيطر على روحي الغارقة في يم الموت اليومي..

__ لا تقل هذا سيدي فالغربان ستهرب لأنها لاتقوى على مقارعة الحب.. فابعد شبح اليأس عن نفسك واكتب حتى آخر قطرة من حبرك كي لاندع تلك الغربان تعبث بنا.. ونعيد للعراق أمنه وأمانه.

شعرت بانتشاء يسري مع سريان الدم في أوردتي.. صوتها الملائكي شدّني لها فعادت السكينة الى روحي،, هاهي تتوارى عن ناظري والبسمة لاتفارق محياها،,

_ سيدتي الى أين تذهبين وتتركينني ؟؟ أحتاجك في يومي ولحظاتي.. لاأشعر بالأمان الا معك ؟؟ أرجوك لاتتركيني

_ لاتخف سأكون قربك ولن أبتعد عنك ولكن لاتنسى أبدا أنني طيف أراودك في أحلامك..

_ من أنت سيدتي

بهدوء وسكينة جاء صوتها حاملا نذور الأمل لغد قد يكون حقيقيا

 _ أنا حلمك..

_ أحتاجك فكوني حقيقة.

_ أنا الحلم المستحيل فلا تتعب..

رجعت لصومعتي وحدي أرقب طيفها ينأى ويعود ولا أعرف هل سيتحقق هذا الحلم أم لا وهذا هو قلقي.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com