مقالات

خواطر متقاعد

مها الخطيب / بابل

من أصعب ما يمر به الإنسان من لحظات في حياته هي عندما يغوص في ذكريات عمره مهما طال او قصر محاولا البحث عن وجه او معلومة او حتى إجابة عن سؤال لطالما أرقت إجابته عيونه ليال عديدة متوالية....؟ وأصعب من كل هذا عندما تجد بان حقك يضيع من إمام عينيك مرة تلو أخرى وأنت تمني نفسك بتحسن الوضع حتى لتجد في نهاية الأمر من يقول لك أسف انتهى رصيد وجودك وفترة صلاحيتك معنا.

 لطالما تساءلت طوال سنوات خدمتي 35 في مجال التعليم في صفوف متهالكة على من فيها ودعت ضحكات بريئة واستقبلت أخرى استمتعت بزواج وولادة أبناء بالنسب وبالعمل وبالحياة وبكيت لفاجعة صديق ومع ذلك بقيت أتسال كيف سيكون الشعور عندما تنتهي مدة خدمتي القانونية.

 كيف سأتحمل شظف العيش ب150 إلف او أكثر بقليل كيف سأدفع النفقات الجامعية لأخر العنقود ....؟او دواء شريكة العمر... التي شاخت بسنوات أمل بغد أفضل حيث تحج وتزور وتركب وتلبس ما تجود به وعود من يملك الأمر وانتهت بفراش ودواء تستقطع مستحقاته من رغيف خبزنا اليومي وهي تسألني كيف سيكون أمري وأمرك بعد إن تنتهي مدة حصولك على راتبك الكامل الذي جادت به جيوب المحسنين بعد سقوط الطاغية....؟ وانأ أجيبها بتساؤل يا ترى كيف سيكون شعوري حينئذ..

جرس المدرسة الهرم الذي تعب من الدق ل35 سنة من دون كلل او ملل وأرضية الصف الثالث ونغمات أصوات رجال ونساء المستقبل وهي ترتفع بقراءة موطني الجلال والجمال والبهاء...وانأ انظر لعلم العراق يطير فرحا بسماء صافية يهمس احد زملائي المعلمين ضاحكا لجاره على الأقل لا يوجد مفخخة في السماء ... اسمعهم وفي سري ضحكة مكتومة وانظر إليهم عاتبا وارتدا يبتسمان لي ويهمسان كيف سيستحمل غياب رفعت العلم بعد 35 سنة إدمان وهل ستنجح كل المشاريع والأفكار في اقتلاع روحه من هنا في ذكرى العلم كل صباح خميس وهو جالس على عتبة الدار هناك في داره وتساءلت في سري هل استطيع بعد انتهاء مدة خدمتي...؟

أعوام مضت يا قلمي وأنت تداعب وجوه صفحات عدة ترسم ضحكة تارة ودمعة تارة أخرى.... زرقاء او حمراء ولكن تبقى تتمتع بلعبة التزحلق على الأوراق وأعراس أفكاري بنيت بها على صفحات دفتر الخطة اليومية .

..... كم ستشتاق إليها لماذا يكسرون هذا القلم ويقولون كفى واسكت حتى عن مجرد الكلام وأدسه بجيب سترتي القديمة وانأ اسأله هل ستتحمل الم الانكسار بعد سنوات مرحك ولعبك الطوال....

انتبه هذا ما ناداني به سائق الأجرة لقد وصلت إلى غايتك وابتسمت وانأ أدس النقود في يد السائق لا زال الوقت مبكر حتى بعد مرور خمس وثلاثون عام على العطاء فالشجرة القديمة تعطي أجود الثمر بعد سنوات شبابها وأفضل الشراب ترتشفه الشفاه من أوعية تعتق بها طوال أشهر وأشهر تتلاحق تكسبها لون ومذاق لا تستسغه إلا النخبة.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com