مقالات

قراءة في ديوان " عيناك لي وطن ومنفى "للشاعر يحيى السماوي

فاروق شوشة ـ القاهرة

 يهدي الشاعر يحيى السماوي ديوانه " عيناك لي وطن ومنفى " الى " أم الشيماء "شريكته في الحقل والخيمة وغبار السفر، ولأنه غادر وطنه العراق بعد أن خيم عليه الحزن والخراب، وتسلطت عليه قوى البغي والغدر والإذلال. صدر هذا الديوان ضمن مطبوعات دار الظاهري بجدة لعل صوته الإبداعي يصل الى الأسماع في كل مكان، فتتردد كلماته الحبيسة في صدره، والتي لم يتح لها أن تتنفس في أرضه ووطنه.

 

 يقول يحيى السماوي في القصيدة الأولى من الديوان وعنوانها " ترنيمة حب " :

 

حبك يا حبيبتي علمني أشياء ْ

 

أضاعني أشياءْ

 

علمني كيف أكون عاشقا ً

 

أنسج منديل الهوى من مقل العشب ِ

 

ومن زنابق الضياء

 

فعانقي ربابتي

 

واقتلعي جميع ما غرست في حشاشتي

 

من شجر النساءْ

 

وحطمي كلّ القناديل التي

 

ما مرّة ً أيقظت ِ الربيعَ

َ

في حدائق الشتاءْ

 

حبك يا حبيبتي

 

علمني الضحك كما علمني البكاءْ

 

فكيف لا تكتهل الأنهار في مدينتي

 

وكيف لا ينتحر الغناءْ

 

إنْ كانت الدماءْ

 

تسيل من فم الصباحات

 

ومن خاصرة المساءْ !

 

***

أمسِ انتصافَ الليل ِ

 

حين ودّع َ القمرْ

 

نجومه ونامْ

 

رسمتُ تحت خيمة الظلامْ

 

وردا ً وسنبلةْ

 

لكنّ قنبلة ْ

 

مرّتْ على بستاننا

 

وحينما استيقظت ُ يا حبيبتي

 

رأيتُ مقصلة ْ

 

تطلّ من شبّاكنا

 

وكان صحن ُ الماءْ

 

يفيض بالدماءْ

 

 

 والشاعر القادم من أرض السياب ونازك الملائكة والبياتي والحيدري ـ رواد حركة الشعر الجديدة الذين صاغوا نماذجه الأولى وخاضوا معركته مع القديم وانصاره المتحمسين واكتووا بنار الخصومة مع رموز التقليد ـ يخطو خطواته في الشعر غير بعيد عنهم، لقد قرأهم وهضم شعرهم وتمثلهم فنيا ً، وحاول جهده أن يحافظ على سمته وعلى خصوصيته الشعرية حتى لا يضيع صوته في زمام أصواتهم، وحتى تظل كلماته محتفظة بحدّتها وقدرتها على الإدهاش والتأثير في المتلقي.

 

يقول في قصيدة عنوانها "انني العاشق والناي المغني " :

 

بسط النهرُ ليَ الشاطئ والموجَ

 

فصدري غابة ٌ من شجر العشق ِ

 

وعيناي مساءان

 

استريحي بين عشبٍ وقناديل بخورْ

 

إنني حارسُكِ العاشقُ

 

ياما حرستْ عيناي بالأمسِ يواقيتَ عيون ٍ

 

وأزاهير ثغورْ

 

وعصافيرَ توسّدْن غصوني

 

كان مائي نَسَغا ً يرحل ما بين الجذورْ

 

فتعالي

 

لك عندي لغة ٌ للحبّ ِ

 

للجفن ِنعاس ٌ

 

للياليك ِ نهارْ

 

ولصحرائك أعشابٌ

 

لأغصانك وردٌ وهزارْ

 

فأنا نهرك ِ يا زنبقة َ الروح ِ

 

فكوني الضفتينْ

 

آن َ للعاشق ِ أنْ يغرس في حقل الأماني

 

ضحكتين ْ

 

ربما أبصرُ في عينيك صبحَ " الرافدينْ "

 

خذلَ الليلُ فوانيسي

 

فأسْرجت ُ قناديلَ البكاءْ

 

وتغرّبْتُ دهورا ً بين أرض ٍ وسماءْ

 

عاشقا ً أبحثُ عن عينيك ما بين جراحي

 

ووجوه الغرباءْ

 

فأنا النهرُ الخرافيّ ولكن ْ دون ماءْ

 

فتعالي

 

وأريني غادة ً تتقنُ فنّ اللثم بالأنمل ِ

 

أو تلمسني بالشفتينْ

 

وفما ً يصبح في وحشة ليلي نجمتين ْ

 

فأنا عندي لصحرائك عشب ٌ

 

لرقيق ِ الجيد ِ كفّ ٌ تُحْسِنُ اللثمَ

 

يدي تتقنُ أنْ تصبح في لحظة شوق ٍ

 

شالَ جيد ٍ أو سوارْ

 

سرقتني من غدي قارورةُ الوهم ِ وزهرُ الجلنارْ

 

وتعذبتُ بخمس ٍ :

 

جارة ٌ تفتح ليْ شرفتها كلّ مساءْ

 

مكّنتني فمها العذبَ وجيدا ً كان بستانَ ضياءْ

 

والبقايا ؟ جامعيّاتٌ تقاسمْن صبايْ

 

ومساحات هوايْ

 

كنّ لي خبزا ً وقنديلا ً ونايْ

 

وأنا ؟ غيمة وجد ٍ أمطر الشعرَ... المواويلَ

 

على أرض مُنايْ

 

فتعالي...إنني المنفيّ عن عشقي وعني...

 

ضائعٌ بين وجوه الغرباءْ

 

صهوتي جرحي...فمن ينقذني مني ؟

 

ومَنْ يسكب في طين حياتي نسَغَ الدفء وماء الكبرياءْ ؟

 

فتعالي خنجرا ً أو غصنَ زيتون ٍ

 

بكاءً أو غناءْ

 

أطفأ النفيُ قناديلي

 

وضاقتْ بالعصافير فضاءاتُ منايْ

 

أتْعَبَ الدربُ خطايْ

 

لم يعدْ لي من حقول الأمس ِ

 

إلآ حطبُ العمرِ وبعضٌ من رمادٍ

 

وأنا العاشقُ والنايُ المغني فأعيدي لبساتيني وشاح الإخضرارْ

 

ربما أصبح يا زنبقة َ الروح ِسميرَ الياسمينْ

 

ربما ينبض قرب النهر ِ طينْ

 

ربما أصبح ـ كالأمس ـ نديم السامرينْ

 

 

 وبالرغم من أن معظم قصائد الديوان قد كتبها الشاعر في إطار الشعر الجديد محافظا فيها على البحر الشعري ووحدة التفعيلة، إلآ أن بعض قصائده جاءت في قالب القصيدة العمودية بصورتها المألوفة في ديوان الشعر العربي، والشاعر هنا امتداد لشاعرية العراق الكلاسيكية الشهيرة التي تمثلت في شعرائه الأعلام في العصر الحديث ـ الرصافي والزهاوي والجواهري وغيرهم من الفحول...والشعر طوع يديه في الحالين يستجيب لما تمليه عليه شاعريته ويستجيب له وجدانه بغض النظر عن الشكل الذي تصب فيه القصيدة. يقول الشاعر العراقي يحيى السماوي في قصيدة عنوانها " يا ضاحك الشفتين " :

 

 شفتان ِ ؟ أم جرحا خُزامى

 

 نزفا عبيرا وابتساما ؟

 

يا ضاحك الشفتين قد ْ

 

 أضرمت َفي حطبي الضراما

 

ثغري يخصّهما السلام َ

 

 فهل ترد له السلاما ؟

 

ضرّجت َ قلبي بالهيام ِ

 

 وما عرفتُ له هياما

 

إنْ كنت تجهل ما الغرام

 

 تعال نكتشف الغراما

 

نجمي خفيض ٌ يا جميل ُ

 

 وأنتَ نجمك قد تسامى

 

يا ما سمعنا أنّ صوتك

 

 يوقظ القيثار...يا ما

 

ويقال إنك منصف ٌ

 

 وإليك يحتكم الندامى

 

إني أضعتُ حدائقي

 

 وأضعتُ نهري والوئاما

 

ونسيتُ ـ يا حلو ـ الكلامَ

 

 تعال علمني الكلاما

 

واغرس على شفتيّ من

 

 شفتيك أزهار الخزامى

 

 

 إن أصالة شاعريته وتدفق طبعه ورقة لغته وجمال صوره هي استمرار للمعهود في صور الشعر العربي على أيدي كبار شعرائه ومبدعيه.

 

 ونختتم بهذا المقطع من قصيدته الجميلة " يقولون عني " التي يقول فيها :

 

 

وحاولتُ ألآ أحبك ِ يوما ً

 

فخاصمت عينيك ِ...طيرَ الكنار ِ

 

سكبتُ على بيدر العشق ِ مقتي...

 

وغيّرْتُ دربي

 

ولون َ القناديل... شكلَ المساء ِ

 

وأجراسَ صوتي...

 

وأسْدلتُ كلّ الستائر كي لا أراكِ

 

فأغْلقتُ بابي وشباّك بيتي...

 

وهاجرتُ عن شرفة ٍ أنت ِ فيها

 

وعن كلّ شيء أسمّيه أنت...

 

وقلتُ : انتهيتُ أنا وانتهيت...

 

فمن أين جئت ِ ؟

 

جميع النوافذ مختومة ٌ بالظلام ِ

 

فمن أين جئت ِ ؟

 

وحاولتُ عنك الهروبَ

 

وحين اعتزمتُ الرحيل َ

 

رأيتُ على بعد يومين موتي

 

***

 

عن مجلة " درة الامارات "العدد 74

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com