كانوا باهتون لا يحملون شيئاً من قيم أو معتقد صحيح .. ضائعون ومحاصرون يلفهم الضجر ويقمطهم الخواء الروحي الذي يعتليهم فيشعرهم بالضياع .. فراحوا يتضاحكون .. يتنافسون ويتسابقون ويتقاتلون مع بعضهم بلا حرج أو تكلف .. يخوضون شتى الشهوات ويغامرون بجمعها بلا حساب .. لا حدود أو ضوابط .. ولا معتقد واضح يجمعهم غير أشلاء من طقوس الماضي ..

الصحراء من حولهم مترامية .. تكنسها أعراب هنا وهناك .. وقبائل متناحرة وفوضى واضطراب يشملهم .. أحدهم يعاقر خمراً .. وآخر يذبح عبداً .. وثالث يقتل نفساً .. ورابع يئد بنتا له ويسبي حراً .. وهذان اثنان يتعاركان حول امرأة وشياه ..! ، أخوة أو أبناء عمومة و جيران .. بشر غُلبوا على أمرهم أو استحكم عليهم الجهل والفوضى والشيطان ....

_ من أعطاك الحق لتسرق شياهي ....؟

- ومن خولك لتسبي نسائي .... ؟

- إذاً سأقتلك حتماً ....

- ومن الذي قال أني سأعتقك اليوم ....؟

- ....

- ...

 كان يحتدم بينهما صراع يقوى، تتشابك فيه العشائر فتلد حرباً متصلة لعقود من الزمن ، راح ضحاياها بشر خلقوا ليكونوا قرابين وضحايا لنزاعات وجدال عقيم .. أسلحة وسيوف تصطك مع بعضها هنا وهناك .. ودماء تنزف وتصطبغ حولهما .. والأرض تهتز والسماء تكفهر ، وغضب الأملاك بادي .. لكنه جاءهم رحمة ... رحمة تمتد لتشمل العالمين من البشر من الأولين والآخرين ...

  لمعت نجمة في الأفق لتعلن بدء ضياء جديد راح يغزو الكون بفيض أنواره .. وحين ازداد الصراع حدة أشرق هو بابتسامة ندت عليهم .. فترطبت الدنيا بميلاده وعادت لها بهجة الحياة .. لم يكونوا يعرفون أنه سيضيء بنوره أكثر مما عرفوا نور القمر وهو يكتمل في السماء .. لا شيء آخر ..

وحين أشرق عليهم بنوره .. دعاهم الفضول ليتعرفوا إليه أكثر فأكثر .. فلمس بحناياه قلوبهم، وبسط برحمته البركة في أرضهم ، فصارت خضراء زاهية .. امتلأت ربوعها بالخير وارتوت ينابيعها بفيض عذب من العطاء والتواصل الإنساني .. حتى ازدهرت به الرياض والبساتين وصدحت فوقه البلابل لتتغنى بلحنه العذب من جديد ....

لقد ولد " محمد" نبي الهدي .. ولد رحمة للعالمين ...