مقالات

سلسلة : كتابٌ قرأتُهُ - الرصافي

ســامي العامري / كولونيا

alamiri60@yahoo.de

الكتاب : الشخصية المحمدية(*)

المؤلِّف : معروف الرصافي .

الناشر : دار الجمل . الطبعة الأولى . 2002

الكتاب الذي أحاول التعريف به اليوم ضخمٌ بشكلٍ يُثير الترَدّد في تناوله! [[ 766 صفحة من القطع الكبير ]] ويتحدّث عن قضايا تجاوزتها المجتمعات والأمم وشعوب الأرض منذ مئات السنين وصارتْ في ذمة التراث وتغيّرت تواريخ وجغرافيات إلاّ عندنا نحن العرب وبعض البلدان التي تدين بالإسلام ولكن من قال لك أننا نضع للزمن وزناً ونقيم لهُ إعتباراً ؟

قد يشفع للمؤلِّف أنه عاش في أوائل القرن الماضي لذلك نُقَيّم كتابه وفق معطيات عصره ونعتبره جريئاً بوقوفه ضدّ الكثير مما كان يُعتبر في عصره مُسَلّماتٍ وثوابتَ ومقدَّساتٍ أمّا أن يبقى هذا الكتاب كشأن الكثير من الكتب الأخرى ممنوعاً من التداول لحدّ الآن إلاّ في المغتَرَبات فتلك هي بلا ريبٍ خارقة الخوارق! بل غاية في إنحطاط العقلية التي تطلق على نفسها دينيةً والعقلية السياسية وجمودهما وهزيمة أعلام التنوير , ولكن الى متى ؟ ليتني أعلم .

فأين هو الكفر او الزندقة إذا تعرّضتُ للحديث عن زوجات النبيّ كما ذكر مؤرّخون أثِقُ بحيادهم ؟ او مَن هو المؤَهّل لأن يفتيَ بتكفيري إذا أعلنتُ عن قناعة وانا الشيعيّ من حيث المولد أنّ النبي لم يوصِ بالخلافة من بعده لعليّ الخ.... ؟

وقبل كلّ هذا ما جدوى فضول الحديث عن أحقيّة أبي بكر او علي بالخلافة ؟ وهل ينفع اليوم في شيءٍ أنَّ النبي أوصى بذلك ام لم يوصِ ؟

انني ما زلتُ أضعُ رِهاني على العولمة بمحو كلِّ هذه التفاهات والى الأبد .

إنّ الحاكم العربي كان وما زال لا يريد من الإنسان العربي أن يرى أبعد من أنفه لأنّ في ذلك فضيحتَهُ كحاكم متسلّط إمَّعَة ولكن هيهات فرغم ما تحملهُ الثورة التقَنيّة من سلبيّات وإفراغ للكثير من معاني الحياة تظلُّ كابوساً يحاصر كلَّ طاغية في منامه وصحوه سواء أكان الطغيان هذا سياسيّاً ام دينيّاً ام إجتماعيّاً ام أبَويّاً .

بدءاً يتحدّث الكتاب عن طريقة تفكير العرب في الجاهلية ومحمد قبل النبوة وغار حرّاء وسفر محمد الى الشام ومحمد والجنّ وبيعة العقبة والهجرة الى المدينة وقصة الوليد بن عقبة والحارث بن سويد وقصة فَقْد الناقة والكثير من الإستطرادات عن حياة النبي وأصحابه قبل وبعد البعثة وغزواته وما يسمّيه الغلو في محمد وجواسيسه وقصة عامر بن الطفيل وحول : هل القرآن منزل من السماء وهل سقط منه شيءٌ عند جمعه وقصة آدم كما يراها وكيفية حمل مريم والفرق بين قول اليهود والنصارى والله والمكان ورؤية الله الخ ...... ولا ينسى أن يدلو بدلوه كذلك في قصة الإفك , قضية عائشة مع صفوان بن المعطّل فيبحث بحماسٍ واضحٍ عن أدلّة على براءة عائشة وكأنّ القضية تعنيه هو شخصيّاً

يتمّ كلّ هذا ضمن رؤية توحي بأنّ المؤلف لا يريد لها حظّاً من التقليد والكليشيهات المتعارف عليها من حيث اسلوب المعالجة واستخلاص النتائج .

وللمؤلِّف في كتابه هذا الكثير من الإستدراكات والإعتراضات على طقوس الحجّ والصيام وطريقة الصلاة وغيرها ممّا يتعلّق بالفقه والتشريع ومما ليست له أهمية كبيرة

من جانب آخر يَعتبر البعضُ الرصافي وفق مقاييس عصره شاعراً مُجَدِّداً لأنه أدخل في قصائده الصاروخ  والكهرباء ! الخ...

ولكنْ من المؤكَّد أنّ له بعض الفضل في إلحاحه بصدد حرية المرأة او مساواتها شأنَ الزهاوي وحافظ وغيرهما والوقوف بوجه الإستعمار والحاكم - الدُمية , وفي مجال الدعوة الى نشر التعليم ولكنّ نظمهم لم يرتقِ الى الإبداع والشاعرية اللّتَين حفلتْ بهما قصائدُ مَن سبقوهم إلاّ فيما ندر .

للرصافي في هذا الكتاب كذلك – وهذا في نظري هو المُهم - تأويلٌ يقترب من المعاصرة في فهمه لمعنى الوحي والنبوّة ويقترب من بعض دراسات علم النفس الحديثة بمحاولة ربطه بين الإضطرابات الذهنية من جهةٍ وسماع الأصوات ورؤية الصُوَر الناتجتين عن التأمّل الطويل من جهة ثانيةٍ ومن الطبيعي أنّ هكذا إجتهاداتٍ تجعله نُصْبَ أعين المُنبَرين للوقوف ضدّ مَن [ يتقوّل ] على الدين من أصحاب التفسير السلفي , وللرصافي في نفس الوقت دفاعاته شديدةُ الوضوح عن النبي وأصحابه ومنهم عمر وعلي , فيقول عن النبي مثلاً : أنه أعظم رجل عرفه التأريخ . هذا وهو باستهجانه لطقوس اللّطم والعزيّات لاحقاً انما يريد فقط التوكيد على المُثُل العليا التي يحملها استشهاد الحسين رغم أن هذا لا يعفي الرصافي من الضرب الساذج على أوتار العنصرية من خلال حرصه في التركيز على فارسية الحسن البصري وما ينسبه له من ضغينة على العرب .

ثم إنّ خوف الرصافي من سلطة رجال الدين مع ذلك جليٌّ فهو يريد قول ما هو أكثر من الملاحظات التي ذكرها حول طبيعة البيان في القرآن والتشكيك ببلاغة بعض السُوَر والآيات أو تفضيل إحداهما على الأخرى من واقعِ كونه شاعراً يتذوّق المفردة او العبارة اللغوية بشكلٍ أكثر رهافةً وحساسية من رجلٍ أمضى حياته بين كتب الفقه والأصول والنحو ليس إلاّ ولكنّ السيف المقدّس للرقيب كان يبرق قريباً من عنقه .

وعلى أية حال , قال لي جاري الألماني الطيّب بعدما دقَّ بابَ بيتي وبعد أن سأل عن حاجةٍ : أراك مهموماً ؟ قلتُ له : أنتم على وشك الخروج من عصر هندسة الجينات ونحن ما زلنا نتخانق مع مارتن لوثر!

.......................

إنّ السلفية لا تنطوي فقط على البعد الديني كما اعتاد بعض الناس أن يتخيّلها فهناك مَن يكتبون [ قصيدة النثر ] وعقولهم أشدُّ سَلَفيةً من الزمخشري نفسه , وبعضهم بدعوى الحرص على الأصالة يتّهمك تارةً بالشعوبية وتارة بالإباحية وغيرهما والأكثر طرافة أن بعضهم الآخر يتّهمك بالتخلّف لأنك لا تفتح أية صفحة من أية جريدة وتستخرج منها الكلمة الأولى من كلِّ سطرٍ ثمَّ تَصفُّ هذه الكلمات الى جانب بعضها البعض فتصبح بذلك قصيدةً حديثةً تُبشِّرُ بها منابرُهم ومجلاتهم وتحتفي بها كفتحٍ , هذه هي الحداثة عندهم , إذاً فما فرقها عن التَشبُّث بعمود الخليل وكلاهما تبسيط او مصادرة لمعنى الأصالة والإبداع ؟ رغم أن الثانية فيها الكثير من العفوية قياساً الى إفتراءات الأولى وهذا ما تداعى الى ذهني أيضاً وانا أحاول تقديم كتاب الرصافي سيّما وأنّ الرصافي كان معروفاً بصفته شاعراً قبل أيّ شيءٍ آخر فكما أنّ لإدّعاء امتلاك الحقيقة الإلهية المطلقة أعلامهُ ومُريديه خصوصاً في عراق اليوم فكذلك في عراق اليوم وعرب اليوم أعلام ومريدون في إدّعاء إمتلاك معجزة الحداثة فهي مفتاحهم السِرّي لدخول جَنّة المستقبل وحدهم , الرصافي إذاً وإنطلاقاً من هذه النقطة , يُعتبَر مُفَنِّداً للكثير من الآراء السَلَفية , ومدافعاً عن الأصالة ومنادياً بتنقيتها ما دام أنه يؤمن بفاعليتها وبأنها تدعو في جوهرها الى التقدم والرُقيّ .

ورُبَّ أصالةٍ من ماضي العصور خيرٌ من حداثةٍ بدون جذور !

 

****************

(*) وصلتْ كاتب القراءة هذه العديد من الرسائل الإلكترونية التي تشكِّك بصحّة نسبة الكتاب الى الرصافي وأخرى بأصالة الوثائق والمخطوطات أصلاً .

نقول هنا : اننا تناولنا الكتاب كما هو  , أمّا المسؤولية في حالة الإنتحال او  الزيادة وما شابه فتقع بالتأكيد على عاتق دار النشر وجامعة هارفرد وما نحن بالباحثين ولا المؤرخين .

 *****************

 يُطلب الكتاب من المنتدى الثقافي العراقي في كولونيا :

 www.irakischerkulturverein.de

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com