مقالات

نصب الحرية (المقابر الجماعية)

لؤي قاسم عباس

oaay_kassim@yahoo.com

الأمل مفردةٌ جميلةٌ في الحياة... لكننا بحاجةٍ إلى اليأس بعد أن طال الأمل. ذهبنا نبحثُ عن اليأس ما بين الركام والحطام ونقلبَ تلك العظام وكلنا املٌ في ان نصل الى اليأس من مصير أحبتنا وأهلينا فلقد مضى عقدٌ ونيّفٌ من الزمان والمصير لا زال مجهولاً...

وقفتُ ما بين الجموع المحتشدة والتي أحاطت بالة الحفار وهي تقلب الرمال والأحجار ، لقد اختلطتْ اجسادٌ بتلك الرمال حتى لم يعد احدٌ قادراً على ان يفرق ما بين ذرة تراب أو ذرة من جسد... ولم يبق من تلك الأجساد الا عظام شاخصة تحكي للأجيال أن هنا نفوساً وئدتْ وهي لا تدري باي ذنبٍ قُتِلَتْ.

كان صوت الة الحفار يجلجلً في المكان... وفي لحظة انطلق نياح امرأة ليتخترق عنان السموات ويهزّ عرش الله ، فلقد رأت بقايا قميص ابنها وبلا شعورٍ منها أسرعت بتمزيق جيدها وكأنها تمزق روحها صارخة " ولدي.. ولدي " أسرعت الى بقايا ذلك القميص تشمهُ وتضمهُ الى صدرها ، لملمت كل العظام التي تحيط بذلك القميص وعادت بأبنها محمولاً بخرقة. شيّعت انظار الحاضرين ذلك النعش بدموعٍ وعبرات وهي تهتف " الله اكبر على كل من طغى وتجبر "...

لم تكن تلك العظام هي الوحيدة ما بين ذلك الركام فهنا وهناك عظامٌ هي بقايا إيادٍ مكبلة بالحديد وجماجم معصوبة العينين.

وشاءت الأقدار ان تحتفظ ببعض الأوراق الشخصية لتلك الضحايا. فتلك هوية شخصية لطالب ٍ لم يبلغ في حينها السادسة عشر من العمر وتلك ساعة مميزة أحاطت بمعصم اليد استدل ذوي صاحبها عليه من خلالها. ومن بين الركام كانت دمية قد التصقت بصدر طفلة قرر الأوغاد اغتيالهما معاً. وتلك عباءة نسائية ظلت صاحبتها مجهولة الهوية مع عشرات الأجساد والتي محت السنين معالمهم بحيث يصعب على ذويهم التعرف عليهم... لم يكن لأولئك الضحايا ذنبٌ سوى أنهم عشقوا الحرية أكثر من الحياة فبذلوها من اجل الحرية وبنوا بأرواحهم نُصُبَ الحريّة في كل أرجاء العراق ، لتبقى شاخصة للزمان وتروي للأجيال أن الحرية أغلى من الروح...

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com