|
مقالات المرأة ذلك المخلوق البديع، هو كل المجتمع (3) موقع المرأة من المجتمع زهير الزبيدي / بابل بيّنا في الجزء الثاني، كيف أن التماثل في الخلق لايعني التساوي بالمهنة والواجب، ومن يريد فرض التساوي بالحقوق والواجبات بين الجنسين، هو إنما يريد توظيف الجهد البشري بالضد من مصلحة الفرد والمجتمع، تحت شعار الحياة السعيدة بالمظاهر العامة للمجتمع، أما البيوت وسعادتها التي تؤسس لها المرأة ـ كما سيأتي في موضوعنا هذا ـ فلا أهمية له لدى هؤلاء المفكرين والمفلسفين للسعادة االبشرية حسب مصالحهم، ورؤاهم التي تهيأ الأجواء المناسبة لأهدافهم التي تكلمنا عنها في الجزء الأول. فالاسلام يؤسس لمجتمع متساوي بالحرية والكرامة والإنسانية، ومتنوع مهنيا بالعمل، وفق موقع الفرد في المجتمع، وقيم ترسّخ لهذا الأساس السليم، ضمن مفاهيم خاصة وشفافة في التعامل مع الفرد من جهة، والمجتمع من الجهة الأخرى. بأن تترجم لنا هذه المفاهيم، المعاني العميقة، في التأثير على استقرار العائلة، بإعطاء الدور الرئيس للمرأة فيها ، ويكون هذا الدور مفروض بالفطرة أحيانا، ومتماهي مع الواقع الذي يحكم المجتمع، من ناحية مصلحة الفرد كفرد ضمن الأسرة مرة، وضمن المجتمع مرة أخرى. حيث أن لكل مجتمع محيطه وشعائره وطقوسه، التي يبني عليها إنسانه أحاسيسه الشفافة قبالة المخلوقات الأخرى، والفضآت الإنسانية المتباينة من حيث الصلة بالرحم، والتواصل العرفي والمعرفي، التي يجب أن تتحكم فيها القيم، التي تلتزم بالحفاظ على القيمة العليا للإنسان كخليفة لله في أرضه، ما يعني الرشد الإجتماعي والرشد الفردي، من حيث أنه ( لاينحصر الرشد بالفرد، ففي المجتمعات والشعوب توجد إمكانات وطاقات طبيعية وإنسانية وعملية وأمثالها، قد أودعت بأيدي الشعوب، وهذا الرشد يعني: قدرة الشعب والمجتمع على الإدارة وحسن الإنتفاع من هذه القدرات المادية والإنسانية ، ويقال لمثل هذا الشعب : إنه ( رشيد))[1] . ونحن عندما نضع المرأة الراشدة، في المقام الأول في بناء الأسرة والمحافظة عليها، من حيث أننا نفهم أن (الإدارة والقيادة التي نبحث عنها نوعا من الرشد ، إذ القيادة عبارة عن تعبئة القوى الإنسانية والإستفادة الصحيحة منها)[2] ومن هنا يظهر التباين بين عمق المفاهيم الإسلامية للإستفادة الصحيحة للقوى الإنسانية في بناء الإسرة وبالتالي المرأة التي تلعب الدور التبادلي بالقيادة الأسرية والإجتماعية، وبين تلك المفاهيم السطحية التي تدعو الى سلب المرأة، ذلك الحق الصميم، وتحويلها الى جزء من مجتمع يقاد وفقا لرغبات الحكام الطغاة، أو نظريات المال والمادة . يعتبر الاسلام أن المرأة هي الأصل للمجتمع، والملاذ الآمن له، والنبع الصافي الذي يفيض عطاء لهذا المجتمع، والمتحكم في أحاسيسه ومشاعره، من خلال رفده بالإشفاق، والعطف، والرحمة التي جعلها الله في المرأة جعل تكويني، وبما أنها الوعاء المعطاء للفكر والعلم والإبداع، يقول جل من قائل: { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( البقرة آية 223) ومعنى الحرث في التفسير بأن {قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، الحرث مصدر بمعنى الزراعة و يطلق كالزراعة على الأرض التي يعمل فيها الحرث و الزراعة،} ومعنى ذلك أن المرأة هي الأرض التي تنتج الانسان ذكرا كان أم أنثى، ولابد لنا من أن نستلهم من هذا المعنى القرآني ( الحرث) نستلهم قيمة المرأة في المجتمع، حيث شبه المرأة بالأرض المعطاء، ومن حيث أن الأرض لاتعطي إلا بالعناية التامة الصحيحة، والتعب والسهر عليها، بتلبية مستلزمات العطاء من الثمر الناضج من حيث الكم والنوع، كذلك المرأة، بما أنها الحرث الذي يعطي للجميع، وينجب الجميع ، فقبالة النطفة من الرجل ، هناك الرحم الذي يحمل ويغذي ويمنح النفس كي تعتني بالجنين في خلال حياته، فهي تغذيه بالغذاء وتغذيه بالعطف والحنان، وهي القادرة على ذلك دون غيرها، حيث { أصبح من الأمور الطبيعية اعتبار الحرمان من عطف الأم ذي تأثير لايقاوم على الصحة العقلية للطفل وتبلد إحساسه، هذا الحرمان الذي يؤدي الى سلوك يوصف باللااجتماعي فيما بعد، كما أثبتت الدراسات في بريطانيا ( 1977BOWLBY ).} [3] من هنا فرض الاسلام على الرجل القوامة التي استغلها البعض بتفسير خاطئ لاهداف خبيثة، منها تشويه تعاليم الاسلام وتفسيرها تفسيرا لايتفق مع العرف العام الثقافي، إنما استنبط المعنى المحرف، من يريد اللعب فيه من ألأوساط العشائرية الفلاحية الجاهلة البسيطة، تلك الأوساط التي فرض عليها الجهل، بعد أن استعبدها الاقطاع ردحا من الزمن. أو تلك الطبقة الذكورية التي فسرت القوامة حسب مزاجها الذكوري التي تربت عليه عشائريا. على أي حال فالقوامة المفروضة على الرجل، هي جزء كبير منها، توفير أساليب العيش الرغيد بعيدا عن تحمل الأم تلك المسؤولية، لأنها ستتحمل القسط الأكبر من ( صناعة ) المولود قبل وخلال وبعد الولادة ، وإذا عرفنا أن المولود هذا هو لبنة من لبنات الجيل القادم الذي يشكل المجتمع المفترض، وأن يكون متطور عن الحالي، سنعرف أهمية الأم ودورها في عملية استخلاف الأرض باعتبارها الشريك الأساس الذي سيكون خليفة الله في أرضه، و منه ينطلق الدين لخلافة الانسان هذه، وبه يستكملها على الوجه الذي يؤدي بالمجتمع الى شاطئ الأمن والأمان، والسعادة الدنوية مع تحقيق السعادة الأخروية. عندما شبه القران الكريم المرأة بـ ( الحرث ) إنما أراد أن يعكس دور الأم على طفلها في النمو الوظيفي أولا ، والنمو الاجتماعي ثانيا، { لقد أثبتت دراسات حديثة أن للأم بالنسبة للطفل ليس لأنها تلبي حاجاته الجسمية فقط، بل يبدو أن الأمر أكثر تعقيدا بكثير ، فالطفل يولد كائنا اجتماعيا وهو بهذا الاعتبار يحتاج الى الآخر منذ ولادته ليشبع لديه هذه النزعة، وتأتي الأم لتشبع إحساسه بالأمن الإجتماعي} [4] نرى من ذلك كله الأدوار المتبادلة بين الزوجين ما يعطي الأولوية للأم في التربية والنمو والنضوج، من حيث أنها الرافد للطفل بالرحمة والمودة، التي أودعها الله في الزوجين ، والعاطفة الغريزية لدى الأم، والمسؤولية المباشرة له وهو في بطنها، لهذا يقول الخبراء { يجب ألا يكون التعليم مانعا من التوجيه الصائب مثل هذا التوجيه يعود الى الوالدين فهما وحدهما، وأخص الأم، قد لاحظا منذ شبّا الصفات الفسيولوجية والعقلية التي يهدفها التعليم الى تنظيمها وتوجيهها، لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة حينما استبدل المدرسة بتدريب الأسرة استبدالا تاما}[5] من هذا كله، وهناك أدلة كثيرة على دور الأم إنتقينا منها ما له دوره بالصميمية الموجودة بين الأم وجنينها، ثم بينها وبين طفلها ما يؤكد ضرورة سعة مساحة الحقوق للأم التي تمثل حقوقها وحقوق من تعمل جاهدة لانجابه ، ثم تربيته، ثم تخرجه للمجتمع شابا يانعا، ليملأ دورا مهما فيه من أجل حياة سعيدة لهذ المجتمع. لكن قد يسأل سائل : إذن لماذا هذه التعاسة التي تخيم على مجتمعاتنا الإسلامية لاسيما الأم التي تمثل محور الحياة الرئيسة في المجتمع؟ ما دامت تتمع في الاسلام ولدى الباحثين، بحقوق تفوق حقوق الآخرين ، هذا ما سنأتي عليه في الجزء القادم إنشاء الله تعالى .
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |