مقالات

نازك الملائكة والقاعدة

 خلدون جاويد

khaldoun3@hotmail.com

من يطلع على ديوان نازك الملائكة الشعري والفلسفي يجد عبارة تتصدر المقدمة مفادها " اللآقاعدة هي القاعدة الذهبية " تلك الكلمة التي استعارتها من كاتب عظيم لم يحسب على الشعر بل على المسرح والحياة، انه الكاتب الايرلندي الشهير برناردشو، وأهمية الاستعارة التي تبنتها الشاعرة الكبيرة هي أن لاثبات على وجهة نظر في هذا العالم لأن اللوحة العامة له في حالة من التغاير والتناقض عبر قانون صراع الاضداد والى مالانهاية. وقد استفادت الشاعرة من تلك الجملة المهولة التي نجد مرادفاتها لدى الكثير من العظماء والأولياء والمفكرين في التاريخ الذين يدعون الى تبني تربية الأجيال لا على الصورة المكرورة بل بما يتفق مع العصر والاّ لكانت الحياة سما ً ذعافا ً قاتلا ً وصورة مقرفة مستنسخة أبد الدهر. روعة التعبير البرناردشوي وروحه الفلسفية قد جرى تطبيقه حقا وفعلا على يد الشاعرة التي حسبت على ريادة الشعر اكثر منه على الفلسفة، أروع قصائدها وخاصة اغنية الانسان انما هي مدرسة في التفكر والتأمل الفلسفي وتثنية النظر في الحياة والموت والانسان والقدر والحزن والسعادة والخير والشر وفي كثير من المفاهيم الفلسفية التي يمكن استقاء دروسها حسيا عبر أجمل مشهد وأروع لوحة شعرية على يد الشاعرة المتألقة بالهمّين الشعري والوجودي.

 أتت الشاعرة الكبيرة نازك مع زميلها الشاعر الخالد السياب بالجديد او المغاير للاسلوب التقليدي في الكتابة وأبدع كلاهما وأثرا بالجيل اللآحق بما لايقبل الشك. ولدى الشعوب العربية الاخرى تجاربها التجديدية في هذا الميدان، وعلى الرغم من الاتهام من قبل الكثير من المحافظين الذين هم إرضة الزمان الآكلة ودوده الناخر الكريه بأن هذا الوارد النغيل هو اوروبي اندساسي تخريبي ضد الهوية الى آخره من الرثاثة، فان الجديد انتصر، علما ان هناك دراسات تؤكد وجود اسلوب البند وسواه في الشعر العربي القديم. وانتصرت نازك وانتصر السياب والجيل الذي تلاه من ممثلي الحداثة وما بعدها.

 نازك الاستاذة العارفة المطلعة على العالم المحيط، قد قطعت شوطا بالاطلاع فهي الحاملة لشهادة الليسانس باللغة العربية، وتجيد الانجليزية والفرنسية والألمانية واللآتينية وهي الحاصلة على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من احدى الجامعات الأمريكية، هذه المرأة العالمة هي بوصلة طليعية في الزمان العراقي، وانها لاترى الى العالم على اساس الأحقاد بين بني البشر في الدين والجغرافيا، انها تطلعت الى الجميل في كنوز الشعر العالمي وقامت بترجمة ما أثار اهتماماتها. انها كائن عالمي فاتن، انها فضاء علم ومعرفة وتطلع الى الجديد سواء كان لدينا او عند الانسانية جمعاء.

 ان نازك والسياب وسواهما من الجيل الشعري اللآحق الذي يكتب بسبق اصرار عما هو جديد اسلوبيا انما هم شموع مضيئة في جبهة مضادة للفكر الظلامي الداعي الى سحبنا الى الخلف والتفكر فقط بالأمس، والعشق الأعمى للماضي. نعم للماضي في جمالياته ودعواته للسلم والسماحة والرحمة لكن في صورة اليوم والغد وهكذا عبر الفيلسوف فريدريك انجلز في ان النفي الجدلي الصحيح هو تلك ال ( لا ) التي تحمل في احشائها كلمة ( نعم ).

 نازك التي كسرت القاعدة وفرت امكانية على الحرية في التعبير، وكل الامكانيات التي توفر ذلك هي حالة صحية للشعوب، لتغيير الاساليب، لترقية الذات النفسية وللتخلص من ازماتها، من اطلاق المكبوت الممرض للنفوس، من التعبير عن حقوق المظلومين وحقوق المرأة بالذات وحقوق الانسان بصورة عامة. ان تهديم جدار الممنوعات قد أفضى، في الشعر حصرا وعلى يد شعراء الحداثة، الى ضفاف حالمة من القدرات الجمالية. اكسر قيدك تجد كم انت سعيد تحرريا وفسيحا في مقتنياتك الذهنية. ولذا كانت مناحي الشعر المعاصر مؤتلقة بجماليات ارقى، والأمر لا يقتضي في الحالات هذه سوى النضال ضد كوابح الحرية.

 تلك الكلمة ما أروعها " اللآقاعدة هي القاعدة الذهبية " تلك التي هزت صورة الشعر وستهز صورة كل ذي قياس وكل ذي قالب محدد في التربية والمرجعية الساسية والحزب الواحد وفي المحرم الفلسفي والممنوع السياسي. والمودة والديكور والاكسسوار وحتى الفلك والفيزياء والهندسة وكل العلوم. ان هذا الرأي لايمكن ان يُرضي الذين يعيدوننا الى الجُبّة والعمامة والدابة. ستظل عجلة التغيير أكبر وشاعرية الحياة اوسع من الدهاليز النتة والضيقة، وان شموع الحرية في الرأي المتحرر وكسر مقابض الأبواب الفكرية واطلاق الأسئلة الحارقة ازاء كل محصن وسري وغائم هو ديدن الشبيبة الطليعية المفتونة بنهار غد وماسوف يأتي به شعاع التحرر القادم من وميض جديد. وعلينا نحن واصالة ًعن انفسنا وايمانا بدور الجديد ان نسهم في دفع عجلة الحياة الى الامام وايضا تشبثا بالدور التاريخي الرائع لنازك الملائكة شاعرة الجيل وغيرها من القمم الشعرية العراقية والعربية والعالمية.

 طوبى لنازك الرائعة في فضاء ات عملها التغييري الخالد. طوبى لنازك شاعرية ً مرموقة متألقة. طوبى لنازك ذهنية ً فلسفية متأملة ومتألمة، وأخيرا لأنها نجمة هادية على طريق الشبيبة الطالعة للبحث عن النور في الجديد التحرري لا القديم المحافظ والقاعدي الممسطر الماضوي الدموي القتالي الذي لايعرف الحوار ولايؤمن به طريقا ً الى الجمال. ولتعش نازك زهرة فواحة في رياض الشعر والحكمة والافتتان.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com