مقالات

مقدمة في النظام الاقتصادي النفطي – ألأساس القانوني وأرضية الاستثمار

الحلقة الأولى

لؤي الخطيب / باحث في إعمار القطاع النفطي العراقي

بإستخدام التنمية المستدامة جامعة سـري – المملكة المتحدة

Ljawad@hotmail.com

تـعتـَبَر التركيبة القانونية أساساً تشريعياً في كل الانظمة الحضارية لبناء دولة المؤسسات التي توفر الحكم الصالح (Good Governance) لتوطيد الامن والاستقرار ودفع عجلة التنمية في كل مجالات الحياة. إن الارضية الشرعية تتكون من عدة مكونات تتدرج تشريعياً لتشكل بمجموعها القاعدة المتكاملة وتحديد الآليات التي تكفل سلامة التطبيق والتنفيذ. إن هدف هذه الورقة هو تقديم تعريف مقتضب وعام فيما يخص الإطار القانوني المتعلق باقتصاديات صناعة النفط والغاز، آخذاً بنظر الاعتبار التوجه الفدرالي الذي تسعى في تبنيه الكثير من الدول المعاصرة.

يتكون الإطار القانوني العام من مكونات متعارف عليها تشريعياً لتتضمن صيغاًً قانونية، تارة تكون مختصره وتارة أخرى مفصله حسب صفة وبيان الوثيقة القانونية وما يُنسَب لها من مهام وآليات ترتبط بتطبيقاتها. فيما يلي، عناوين وآليات هذا المكون القانوني للإطار المشار إليه:

 

دستور الدولة

يمثل الارضية الشرعية وقاعدة الهرم لكافة القوانين العامة والخاصة التي تعبر عن طموحات الشعب وفقاً لمكوناته الاجتماعية وفلسفته السياسية ونصه على شكل الحكم وطرق تداول السلطة والفصل بين السلطات مع ذكر الحقوق والواجبات وحماية حرياته دون الاسهاب في التفاصيل التي لا يتسع لها الحقل الدستوري. ولما كان القانون ضرورة اجتماعية تقتضيها المصلحة العامة للشعب وفقا ً للتطورات والمستجدات، تتولى السلطة التشريعية المخولة دستورياً مسؤولية تشريع القوانين المشار اليها في الدستور استناداً الى المباديء الواردة فيه ليتضمن القانون فيما بعد تفصيلا ً أوفى لسلامة تطبيقه. تحتوي الدساتير العالمية في غالبيتها نصوصاً تشير الى حق الشعب في المساواة في موارده الطبيعية، علماً إن هنالك دولاً قد اقتصرت على القوانين دون الدساتير كـ المملكة المتحدة لتشير نصوصها الى مشاركة الشعب في الثروات الطبيعية. أما في الولايات المتحدة، فإنها تملك دستوراً وقوانيناً دون الاشارة الى هذه المشاركة ليكون مالك الارض حراً في التصرف بما في أرضه من ثروات (Including Subsurface). وعوداً الى الانظمة الأكثر شيوعيا، لا بد من الاشارة هنا الى ان الاسلام قد نص على المشاركة في الموارد الطبيعية في هذا الشأن ولنا في قول رسول الله (ص) نصاً دستورياً واضحا ً (وما ينطق عن الهوى، إن هو الا وحي يوحى) في حديثه الشريف: الناس شركاء في ثلاث، الماء والنار والكلأ، وهنا تجدر الاشارة الى ان النار تمثل مصدر الطاقة وكجزء ٍ من الموارد.

 

قانون النفط والغاز

هو ما يصدر عن السلطة التشريعية استجابة لما ورد في الدستور متفقاً مع المباديء الدستورية كما ذكرنا آنفاً ولتغطية الفراغ القانوني وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، وفي حالة فقدانه السند الدستوري يُدفـَع بعدم دستوريته أمام القضاء العادي ويُعَطـل تطبيقه في القضية المطروحة وإلغاءه أمام المحاكم الدستورية إن وُجـدَت. في مثل هذه القوانين الخاصة تـُذكـر التفصيلات بصورة واضحة تجنباً للإبهام والغموض، ومثالاً عليها: قانون النفط والغاز، قانون الاستثمار العام، قانون البنوك، قانون توزيع الموارد الطبيعية ... الخ، باعتبارها قوانين خاصة. فعلى سبيل المثال، القانون المدني العراقي الذي يحكم العلاقات المدنية برمتها كالإيجار والبيع والشراء ... الخ وكافة الإلتزامات هو قانون يُمثـِل هذه العلاقات، علماً إن هناك من المعاملات ما تحتاج الى تشريع خاص بها لما فيها من خصوصية مثل قانون مراقبة إيجار العقار وقانون التأمين وقانون الأحوال الشخصية، وهنا الخاص يُقـيد العام، ويؤخذ به.

وعوداً الى قانون النفط والغاز، فهو قانون خاص يستوعب تفصيلا ً وافياً للأمور المهمة كالمشاركة في اقتسام الثروات بين أبنا الشعب، وتخصيص الصفة الاقتصادية العامة كاحتساب الريع المعروف بالـ Royalty وتحديد الحقوق والواجبات وتأسيس الشركات ومنح الصلاحيات الى ما لا يتسع له الحقل الدستوري من اسهاب تجنباً من الدخول في تفاصيل اقتصادية يختص بها حقل العقود. هذا ويحدد القانون السلطة العليا المشرفة على السياسة النفطية كتأسيس المجلس الاتحادي في النظام الفدرالي بمكوناته الرئيسية من الوزارات ذات العلاقة (كـ المالية، النفط، التخطيط) وهيئاته الاخرى (كـ البنك المركزي، وشركة النفط الوطنية وممثلي المجالس المحلية والحكومات الاقليمية) وانتداب المستشارين وتخويلهم صلاحيات واسعة في تعديل واختيار والغاء العقود المطروحة أمامه سواء في السلطة المركزية وسلطات الاقاليم فضلاً عن تقديم نماذج وصيغ العقود المناسبة لعدم التفريط بالثروة النفطية. ولكن مع ذلك لا يمكن ان يستوعب القانون كلما يرد في ذهن أطراف التعاقد من شروط وما ينشأ من أمور تقنية وتطورات تأخذ صيغاً ونماذج تفضلها الاطراف المستثمرة وحين ذاك تتولى دراسة العقود لجان مختصة في اختيار النماذج والصيغ التي لا يتسع لها المدون القانوني، حيث كلما كان القانون حراً من القيود التفصيلية، كان العقد طليقا ً في رسم الخطة التنفيذية بما تتضمنها الصيغة العقدية من شروط وضوابط تستند الى النظام القانوني دون الحاجة الى موافقة البرلمان كما يرى البعض.

 

اللوائح الادارية والتنظيمية

وهي الالية اللازمة لتطبيق القوانين والانظمة بشكل يتفق مع قصد المُشـَرع والمصلحة العامة، ويتولى ذلك المؤسسات الادارية في السلطة التنفيذية بإصدار لوائح وتعليمات تضمن سلامة تطبيق التشريعات الصادرة، ويُتوخى في ذلك دائماً تجنب بيروقراطية الروتين المعقد الذي يُفضي الى الفساد الاداري وعرقلة مسيرة التنمية في تنظيم إدارة المؤسسات. ففي كل مؤسسة قضائية كانت واقتصادية ومالية ... الخ ملاك إداري ينظم شؤونها، ولوضع ضوابط وتعليمات لتنفيذ القوانين والانظمة التي تضمن إنجاز معاملات المواطنين بشكل يتماشى والتطور الاداري الحديث.

 

عقود الحكومة المضيفة

هذه العقود تـُعرَف بـ (Host Government Contracts) حيث تقوم الدولة بتطوير صيغ أولية تتضمن هيكل العقود المرجوة، بضوابط وتطلعات تتماشى مع ما تراه الدولة المضيفة مناسباً لها من نظام تجاري، آخذة بنظر الإعتبار

1- خطط البلد الاقتصادية،

2- نظام الدولة القانوني والمالي والضريبي

3- طبيعة الاستثمارات التي تتناسب مع المناخ الجيوسياسي والاجتماعي

4- الحـوافز المعقولة التي تجذب الاستثمارات والمستثمر المناسب الذي يُساهم في تقدم ونمو البلد اقتصادياً. هذا وعادة ً تقوم الدولة في مطالعة ما يجري في العالم عموماً ودول الجوار خصوصاً على المستوى التجاري لتكون الصياغة النهائية للعقود متماشية عملياً وعلمياً مع ما هو متفق عليه شيوعاً على المستوى العالمي وبالتوازي مع التطور الاقتصادي والحضاري الذي يُسهم في إقتناص فرص البناء قبل ضياعها.

 

قوانين أخرى

إضافة الى القانون الخاص بالنفط والغاز، هنالك مجموعة من القوانين منها ما يؤثر على عقود واقتصاديات الاستثمار بصورة مباشرة، وقد عنونتها بذات العلاقة، وأخرى لها خصوصية في شأن الدولة الداخلي، وقد عنونتها بالقوانين الأخرى. فيما يلي عناوين هذه القوانين:

 القوانين ذات العلاقة: 1- قانون الشركات (الذي يجيز تأسيس الشركات)، 2-قانون ضريبة الدخل الذي يؤثر في احتساب ضريبة الدخل على الارباح (أفراداً وشركات) 3- قانون العمل الذي يقيد الشركات المستثمرة بضوابط العمالة.4- قانون الاستثمار العام الذي يدخل في تقنين السلوك التجاري والقانوني في المجالات التجارية والصناعية والخدمية التي تحيط بمشاريع عملية صناعة النفط (Value Chain) . 5- قانون البنوك والتأمين الذي يُسهم في توفير ضمان الاستثمار والغطاء المالي لبعض الأطراف المساهمة فضلا ً عن تسيير المعاملات المالية والتجارية من خلال وزارة المالية والبنك المركزي للدولة.

قوانين أخرى: تشرع بعض الدول (العراق مثالاً) قوانين أخرى لها علاقة في الشأن الداخلي لرسم السياسة الاقتصادية التي تتفق مع إستراتيجية الجهاز التنفيذي للدولة. هذه القوانين لا تؤثر بشكل مباشر على المستثمر الاجنبي ولكن المستثمر يأخذها بنظر الاعتبار للتعرف على مستقبل البلد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وما تسهم به هذه القوانين لما يُعرف بـ Fiscal Stability وهي 1- قانون شركة النفط الوطنية 2- قانون إعادة هيكلة وزارة النفط 3- قانون توزيع الثروات.

 

الإتفاقيات والمعاهدات الدولية

التي تـُوَسِع دائرة الالتزام بين الأطراف المتعاقدة من ضوابط محلية إلى ارتباطات دولية تخضع لنصوص المعاهدة والاتفاقية لرسم العلاقة القانونية في مجال أوسع لضمان تنفيذ الالتزامات بين ذوي العلاقة وهذا ما يتطلب من الدولة المضيفة للاستثمار أن تكون طرفاً في معاهدة وأكثر لضمان حقوق أطراف الاستثمار فضلا ً عن تمهيد أرضية خصبة لجذب الاستثمارات الاجنبية الرائدة في مجال تخصصها لأن المستثمر العالمي لا يرغب في مغامرة تجارية قد تؤثر على إستثماراته في دول أخرى، كما إن الدولة المضيفة ترنوا الى الالتزام الجاد في حين دخولها بإتفاق تجاري مع جهة أجنبية، وفيما يلي بعض الاتفاقيات والمعاهدات التي تـُعد من حوافز جذب الاستثمار:

-World Trade Organisation Agreements (WTO)

-Energy Charter Treaty (ECT)

-Convention on the Settlement of Investment Disputes (ICSID)

-Bilateral Investment Treaties (BITs)

-Bilateral Double-Taxation Treaties (Tax Treaties)

-Extractive Industries Transparency Initiative (EITI)

-Convention on the Organisation for Economic Co-Operation and Development (OECD)

-New York Convention on the Recognition and Enforcement of Foreign Arbitral Awards (NYC)

 

حل النزاعات وفقاً لشروط العقد

يُعتبر الاتفاق بين المستثمر الاجنبي وطرف وأطراف الدولة المضيفة (كانت حكومية وقطاع خاص) على الجهة القضائية وآلية التحكيم من الامور التي تحدد هوية المستثمر وحجم الاستثمار وطبيعته الاقتصادية والتكنولوجية قبل أي ارتباط تجاري بغض النظر عن الحوافز الاستثمارية الاخرى. وهذه الفقرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفقرة المعاهدات والاتفاقيات، حيث يُشترط في العقد بالاتفاق على الجهة المختصة في حل النزاع في حالة الاخلال بشروط العقد، وهذا لا يكون الا عند تعذر حله بواسطة التسوية بين أطراف العقد ليكون سبيل التسوية من خلال التحكيم والتقاضي كالآتي: أولاً: يُـنص على حل النزاع بواسطة التحكيم والاتفاق على تعيينه. ثانياً: يُـنص في العقد على حله قضائياً بعد الاتفاق على تسمية المحكمة.

 

الخلاصة

بعد مراجعة سريعة للإطار القانوني، يتجلى دور الهرم التشريعي حينما يكون متكاملا ً ورصيناً كأساس لأرضية استثمار آمنة مستقرة للأطراف ذات العلاقة لضمان حقوقها. وهنا عندما نتحدث عن المستثمر نقصد القطاع الوطني الخاص والأجنبي كطرف وأطراف مع القطاع الحكومي، حيث كلٌ له مسؤولياته تجاه المساهمين (Shareholders) الذين يمنحون الثقة لمؤسساتهم في المشاركة التجارية متى وجدت الأرضية القانونية التي تضمن حقوق الأطراف المعنية في الاستثمار. هذا ويبقى توحيد الأهداف بالتركيز على المنافع المشتركة (Common Interest) الحافز الاول والأخير الذي يحكم ديمومة العلاقة التجارية بضمان الحق القانوني للمساهمين.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com