مقالات

تسويغات أنيسة لتهديم كنيسة

 خلدون جاويد

khaldoun3@hotmail.com

المطلع على تسويغات تهديم الآخر وتسخيف ايماناته، يتأكد يوما بعد يوم أن مسألة التعايش والتآخي هي جزء من شعارات ترفع ليلقى بها واقعيا – وفي كثير من البلدان - في الحضيض. ان هذا الأمر كما يبدو، مسوّغ له في بعض الكتابات وفي خلفيات نظرية تعنى بتفضيل الذات على الآخر وبالتالي فهو لم يأت ِ من ارادات طارئة.

 في محاورة شيقة وأنيسة من أجل تهديم كنيسة نجد ان راهبا ما ومتصوفا شهيرا مثل ابي يزيد البسطامي، يتجاذبان أطراف الحديث الديني،ويبدو لنا البسطامي عالما بكثير من الامور باهرا ً وقادرا على الاجابة على كل اسئلة الراهب بثقة وايمان ! أما صورة الراهب فهو كما سيبدو من نص نحن بصدد اقتباس جانب منه، ذلك المهزوز الخائف المزدوج المستعد للتخلي عن كل تاريخه وحتى كنيسته وذلك عبر سؤآل واحد أودى بكامل كيانه الفكري ! تاركا دينه فورا وقد تخلى معه كل الجالسين في قاعة الاجتماع، وبالتالي جرى تهديم الكنيسة وبناء جامع مكانها !

 ادناه مقتبس من كتاب ما جرى تحقيقه عن مخطوط قديم يسأل فيه الراهب والبسطامي يجيب:" من خُلق من الهواء،ومن حفظ في الهواء، ومن هلك بالهواء ؟ الجواب: خلق من الهواء عيسى عليه السلام، وحفظ في الهواء سليمان عليه السلام، وهلك بالهواء قوم عاد. سؤأل: من خُلق من الخشب وحفظ في الخشب، ومن هلك من الخشب ؟ جواب: موسى، نوح، النبي زكريا. سؤآل: من خُلق من النار، ومن حفظ في النار ومن هلك بها ؟ جواب: ابليس. ابراهيم الخليل. أبو جهل. سؤآل: من خلق من الحجر ومن حفظ فيه ؟ ومن هلك ؟. الجواب: ناقة صالح عليه السلام،أصحاب الكهف، أصحاب الفيل. سؤآل: يقولون ان في الجنة اربعة انهار: نهر من عسل، ونهر من لبن، ونهر من ماء، ونهر من خمر، وكل ذلك يجري في مجرى واحد، وهذا لايختلط بهذا، ولا هذا يختلط بهذا، فهل له مثال في الدنيا ؟. الجواب: نعم ابن آدم في رأسه أربعة أنهار، ماء اذنيه مُر، وماء عينيه عذب،وماء انفه مالح، وماء لسانه حلو. سؤآل: اهل الجنة يأكلون ويشربون ولايتغوطون، فهل له مثال في الدنيا ؟ الجواب:نعم الجنين في بطن امه، يأكل ويشرب ولايتغوط، ولو تغوط في بطن امه لماتت ".

 تطول هذه الأسئلة والاجابات حتى نصل في نهاية المطاف الى دور ابي زيد البسطامي الذي يَكمِنُ للراهب وراء سؤآل اشبه مايكون بحجر سنمار السري في بناء قصر المنذر !!!

 - " أما أنت فقط سألت عن مسائل واجبتك عليها، واريد أن أسألك عن مسألة واحدة.

قال الراهب

- سل ماشئت.

فقال أبو زيد

- أخبرني عن مفتاح الجنة ماهو، وماهو مكتوب على أبوابها ؟ فسكت الراهب، فقال له الرهبان.

- غُلبت يا أبانا.

قال: لا

قالوا:

- فلم َ لاتجيبه مثلما أجابك ؟

قال: أخاف ان اجبته عنها تقتلوني

قالوا له: - وحق الانجيل ان اجبته لانقتلك.

فقال الراهب: - اعلموا ان مفتاح الجنة قول لا اله الاّ الله، واشهد ان محمدا رسول الله.

فقال الرهبان:

- نشهد ان لا اله الاّ الله، ونشهد ان محمدا رسول الله.

فقال الراهب:- نحمد الله الذي اسلمتم، فاني كنت مسلما منذ ستين سنة ً، ولكني كنت أكتم ايماني خوفا منكم، الى ان من ّ الله عليّ بهذا الرجل.

 ثم خربوا البيعة وجعلوها مسجدا لله تعالى، وأقام أبو يزيد عندهم يعلمهم امور دينهم، ثم ودعهم ورجع الى بلاده. " انتهى الاقتباس.

 يريد النص ان يقول ان البيعة ليست دارا كما المسجد لعبادة الله، وكذلك يُظهر لنا هشاشة شخصية الراهب وازدواجيته، خوفه، بل سطحية كل الرهبان وتغير ايمانهم فورا بدون أي مناقشة ولا حتى معارضة ولو بنسبة واحد بالمائة وبالتالي جرى تخريب البيعة وعدم الابقاء عليها ولو كجزء من تراث الاشخاص وذكرياتهم ووجود كتاب منزل فيها وتهديم الايقونات وتماثيل المسيح ومريم والصلبان.

 وهكذا لايغدو في هذا العالم اديان متعددة بل دين واحد. ولا ربما احزاب مختلفة بل حزب واحد. ولا دور لشخص ما له قيمة عدا الفرد البسطاميّ النيافة والتألق ! والآخرون على خطأ والأنا الملغومة بحب ذاتها ومبادئها هي لوحدها على صح.

 ولو قلبنا الآية واعتبرنا الراهب هو الذي يخرب الجامع ويدعو الآخرين الى دينه، لكان في ذلك ايذاء للمشاعر، واهانة للمقدسات، ودعوة للكفر، وبالتالي تجنيد الجهاد ضد كتّاب هذه الأقاصيص المفذلكة.

 لكن وردا على كتابات مثل هذه نقول: ما أروع احترام الآخر، وايمانات الآخر وعدم تهديم روحانياته ومادياته، وان تتلون الحياة بأطياف العبادات المتنوعة وتزدهر بالرؤى النظرية المختلفة، بدون اهانات واعتداءات وتسطيح وتسخيف الآخر. ان الايمان بحق التعدد ركيزة مضمونة للتعايش السلمي.

 ولقد قيل: سأل أحد أتباع الإمام علي بن أبي طالب (ع ) وهم أمام دير ما وفي أيام حرب: هل نتخذ من هذا الدير مكانا ً لقضاء الحاجة ؟ قال الامام: لا، لاتمسوا هذا المكان بسوء فلطالما عُبد الله فيه.

 انه من المفيد في عصر جديد، نتوخى تقدم النضج البشري فيه الى حالة من التضامن العالمي، أن نعمل من اجل التآخي لا الفرقة، التكافل لا التنابز، السلم لا التطاحن، ان يتعضد الانساني من الانسان والإخواني منه، وتترسخ قيم الحفاظ على بيئة الامان لتنعم البشرية جمعاء بما تراه ضروريا لأطيافها وامصارها وأصقاعها، بعيدا عن استنساخ احدها للآخر، والتنظير ضد المختلف، وهدم كيانات بعضها البعض تحت ذرائع افضلية بعضها على بعض، ان هذه الذرائع تدخل روح العداء في دائرة دم ثأرية لاتنتهي حتى بقاء آخر اثنين على الوجود مثلما كان هناك " قابيل " القاتل و" هابيل " المقتول. وهل سيسلم قابيل من ندم حارق لايفضي به الاّ الى الانتحار ؟!.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com