مقالات

علي الوردي والشقراء

 خلدون جاويد

khaldoun3@hotmail.com

كتب الاستاذ علي الوردي عن الشقراء " قرة العين " فأشار الى جمالها الباهر الخلاب والى كونها خطيبة لامعة وانها ابنة العالم المجتهد الملا محمد صالح المعروف في قزوين بغزارة علمه. واذا كتب الاستاذ الفاضل علي الوردي عن المرأة فانه يخصها بالاكبار لدورها في العلم والحياة والمجتمع، وعدا التنويه المشار له من قبله، بان ماقيل عن هذه المرأة ربما يكون صحيحا في انحرافها عن المنهج ودعوتها الى التجديد، فانه تابع جذوة الدفاع عن المبدأ في شخص هذه المرأة النادرة الحسن والبهاء شكلا ومضمونا. لقد كان لها في عقيدتها اتباع ومناصرون في شرح مضامين الدعوة البابية التي قالوا فيما قالوا عنها انها توحيد الأديان جميعا في عقيدة واحدة، وقد كانت ناشطة ومتزعمة لأنصارها في كربلاء والكاظمية وبدشت.

 أحال خصومها اندفاعها العقائدي الى فشلها في امكانية الطلاق من زوج تبغضه فكانت ميالة الى التجديد والتحرر من ربقة هذا الغل وسواه فاندفعت كما يقول الاستاذ الوردي لاشعوريا الى مفاهيم مغايرة.

 وعدا ملاحظات الخصوم والتأكيد على حرارة الاندفاع لدى هذه المرأة في زمانها " ولدت في 1814م – قزوين " قال الوردي وفي خلاصة تنتصر لامرأة حاولت التعبير عن حرية الرأي والتجديد : " اني اعتقد على أي حال ان قرة العين امرأة لاتخلو من عبقرية وهي قد ظهرت في غير زمانها، أو هي سبقت زمانها بمائة سنة على اقل تقدير. فهي لو كانت قد نشأت في عصرنا هذا، وفي مجتمع متقدم حضاريا، لكان لها شأن آخر، وربما كانت أعظم امرأة في القرن العشرين "

 وعسانا أن لانخيّب استاذنا الفذ علي الوردي فنقول ان القرن العشرين على مابه من محاولات تحررية هنا وهناك قد آل عراقيا الى كم الأفواه وتراجع النقد وهيمنة الحزب الواحد وانتشار الامية والامية السياسية والاحتراب وشحة في البحوث الجريئة وضمور في تنوع الفكر وفقر في الفلسفة وانتفاء للفردية وقتل لمظاهر الحياة ليس للمرأة ذات الرأي بل للرجل ايضا، وان الحوار مغتال وان ابداء الاعتراض مقموع وان المقابر الجماعية ليست في اعماق الأرض بل على سطح الأرض والقمر! وهذا مما مهّد الى ألف قرة عين مهزومة والف جميلة مدفونة والف معلمة محبطة وملايين الناس تخشى الخروج من عتبات بيوتها والمرأة مغلفة ومغلق عليها ارهابيا وبالعرف السائد.

 لقد انتكست نسائم الحرية النسبية التي أشار لها استاذي الجليل علي الوردي في قصاصات أدبه الرفيع.

 إلا أن روح البحث عند الوردي قد أظهرت مفارقتين ضروريتين – في التناول اعلاه - اذ اشار في الاولى الى الشخصية الساحرة والعبقرية لقرة العين وفي الثانية الى كيفية قتل هذه المرأة، القتل الذي هو اللغة الوحيدة في عالمنا السعيد بتخلفه :

* ما أروع قرة العين خطيبة ً "... كان الكثير من الذين عرفوها وسمعوها في أوقات مختلفة من حياتها يذكرون لها دائما انها فضلا عما اشتهرت به من العلم والغزارة في الخطب فان القاءها كان من السهل الممتنع وكان الناس اثناء تكلمها يشعرون باهتزاز وتأثير الى اعماق قلوبهم مفعمين بالاعجاب وتنهمر دموعهم من الآماق ".

* ما أروع قرة العين صامدة في موتها وقوية لاتلين لها عريكة، اذ قالوا : " انها ربطت في فوهة مدفع واطلقت عليها قنبلة مزقتها اربا اربا " قالوا : انها رُبطت من شعرها بذيل بغل فسحبت الى المحكمة وهناك صدر الحكم باحراقها حية غير ان الحكومة أوعزت بتأخير الاحراق الى مابعد موتها فخنقت ثم القيت جثتها الى النار ". وقيل انها القيت في بئر واهيل عليها التراب وفي رواية اخرى اربعة أحجار ضخام. وما كان كل ذلك ليحدث لو انها تخلت عن مبادئها وتبرأت منها أمام سلطة الشاه.

ان مستقبل العالم لسوف يشهد ويقيّم كل ماتعارفنا عليه من يقينيات واوهام واخطاء، لكن ان تكون جريئا وشجاعا في الدفاع عن فكرتك حتى لو كنت مختلفا ومجددا، تلك هي روعة الرائد في فضائه الفكري والسبّاق في مواقفه. ان قرة العين نموذج لامع جسده لنا باحث واستاذ لامع " علي الوردي " فيه من الدروس والعبر الكثير وخصوصا لمن يشاء ان يقول بحرية مايريد، ولمن يتجنى على البشرية بدفنها كما فعل شاه ما منطفئ الاسم في التاريخ مع التي كانت على صواب او خطأ انها الخالدة قرة العين او" زرين تاج " أي التاج الذهبي أو ام سلمة. فما أبهاها من اسم وما أحلاها من رسم وما اعطرها من ذكرى.

اجمل مشاعر الاكبار والمحبة الى استاذنا العالم في ذكراه الغالية. وطوبى لكل من يعزز دور المرأة في الحياة والعلم.

 ــــــــــــــــــــ

* الدكتور العراقي علي الوردي " 1913 – 1996" حاصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة تكساس. درّس في جامعة بغداد منذ عام 1950 حتى 1970. له كتب عديدة معروفة منها خوارق اللآشعور ووعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري واسطورة الأدب الرفيع وابن خلدون في ضوء حضارته وشخصه ولمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com