مقالات

الأدب السومري

 فصل من كتاب عن الحضارة السومرية

ترجمة د . شاكر الحاج مخلف / رئيس تحرير جريدة المدار الأدبي

الولايات المتحدة الأمريكية

shakirmikhlif@yahoo.com

من أعظم إنجازات الحضارة السومرية اختراع نظام الكتابة الذي أفرغ في قالب الخط المسماري - wedge- shaped وهو نظام عرف في بداية الأمر في زمن الآكديين akkadians، ثم انتقل إلى الشعوب الأخرى المجاورة لبلاد سومر، يتكون النص السومري المكتوب من سلاسل علامات الحفظ – البكتروغرافية pictographic التي ابتدعها كهنة المعابد ومن يعمل معهم، يهدف النظام إلى رصد وتدوين موارد المعابد وكذلك حفظ المعلومات المتعلقة بنشاطاتها، وكانت بداية الكتابة المسمارية بسيطة لكنها تطورت فيما بعد من خلال التعديلات التي أدخلها على الكتابة وصاغها الكتبة والكهان، تلك التعديلات جعلت الكتابة المسمارية تفقد الطابع البكتوغرافي الأصلي، أصبحت تمثل نظاما صوتيا مجردا، نجد الدلائل على ذلك من خلال نتائج حملات التنقيب التي جرت وكانت حصيلتها العثور على آلاف الرقم الطينية – الألواح – المكتوبة بواسطة الكتابة المسمارية – باستخدام إبرة فونوغراف مصنوعة من القصب، وجدت مع تلك النماذج التي كانت مدفونة تحت طبقات التراب في جميع المدافن السومرية القديمة، تلك النماذج موجودة ومحفوظة عينات منها في أغلب متاحف العالم، أكثر من تسعين بالمائة من تلك الألواح تمثل، مستندات تتعلق بالشؤون الإدارية والتشريعية والاقتصادية، لكن إلى جانب تلك النماذج وجدت خمسة آلاف إلى ستة آلاف لوح بعضها أصابه العطب وتحول إلى شظايا كان منقوشا عليها نماذج أدبية ومقالات وأناشيد وأساطير وملاحم وتراتيل دينية وحكم مستنبطة من الحياة ومجرياتها، تلك مفردات الأدب السومري - SUMERIAN LITERATURE – ألواح عديدة عثر عليها في نهاية القرن السابق كانت مكسورة غير تامة المعنى أو المضمون، غير منشورة وغير متوفرة للبحث والدراسة، ولم تخضع بعد للتحليل، كانت المهمة صعبة ومن المستحيل قهر الطبيعة ومعرفة المخزون من الكنوز في تلك الأرض القديمة، رست السنوات الخمسون الماضية بشكل فعلي على عملية الكشف عن سومر من خلال أشتات أدبية قد تم توثيق اكتشافها، كان في الواقع المتاح ثمة افتراض يقول " أن كل القطع الأدبية السومرية الباقية نشرت أو هي في طريقها إلى النشر " عدد غير قليل من ألواح السومريات حديثة قديمة في الاكتشاف، كرس لها وقت طويل وجهد لترجمتها وتفسيرها، ثمة نتائج مهمة توصل علماء الآثار – جنود البعثات المتلاحقة التي عملت في بلاد الرافدين، وفي مجال الكشف عن الأدب السومري كان هناك بيقين تام أكثر من عشرين أسطورة وتسع حكايات ملحمية وأكثر من مائتي ترتيلة متنوعة في الهدف والمضمون، وعدد من ألواح الرثاء الجدير بالاعتبار وألحان حزينة، أساطير صغيرة وأخرى كبيرة في عدد ألواحها، تلك كانت تضم مجموعة من النصوص التي تمثل " مستندات – حكم مستنبطة من وقائع الحياة في سومر – أخبار النزاع الداخلي على السلطة والحروب مع الدول المجاورة – الأمثال المتداولة – والسلوك المدني والرسمي – وقصص الخرافات الساخرة والتراجيدية – تلك صورة أدب كبير وشاسع هو – الأدب السومري – الذي يتألف من أكثر من ثلاثون ألف سطر أو خط للنص، غالبا ما يكون موشى بشفافية شعرية اختص بها ذاك الأدب، يمثل الأدب المكتوب الهام كمية كبيرة ومتنوعة من مجمله، ليس ذلك من جانب التهويل ولكن تؤكد هذه الحقيقة النماذج المكتشفة والمعلن عنها، الكشف عن الأدب السومري واسترداده وتجديد الرؤيا المبحرة في عوالمه أحد إسهامات قرننا الرئيسية الذي قدم بتلك الفتوحات خدمة كبيرة للإنسانية ووضعنا في تفاصيل المضامين والأشكال الرائعة والزخم الهائل من الأحداث المزدحمة في مداره الخاص، ذاك الأدب المهم والمذهل الذي صممه خيال وواقعية عقل الكاتب السومري المبدع، نشر ذلك الأدب يشكل في حقيقة الأمر ثروة ليس للأدب وفنونه الرئيسية المعاصرة ولكن يقدم موسوعة غنية لمؤرخ الأدب ولرجل الدين وللمشرع القانوني والأنثروبولوجي والإنجيلي وللمتخصص بعلم الاجتماع، فضلا عن ذلك هناك أمل معقود على أن الزمن القادم كفيل بمضاعفة الإنجاز حيث ستصبح تلك النصوص غير المكتشفة حاليا مصدرا لإغناء الفكر العالمي الحديث، التراكيب الأدبية التي تم الكشف عنها حتى الآن هي جزء من أدب واسع ومتنوع هو جزء قليل من بحر شاسع من الوثائق تتضمن نصوصا مهمة هي كالرفات المدفونة تحت طبقات تراب الجزء الجنوبي من أرض العراق، مساحات شاسعة تنتظر مجراف المنقب القادم المحظوظ، سومر في تاريخها وآدابها تمثل شلالا عذبا يزود المؤرخ بالكثير من الأمثلة الأصيلة المؤثرة التي يشوب بعض أحداثها جانب خفيف من السخرية في سلوك الرجل العادي والحاكم، وجدت في مستندات أدبية بشكل وافر وهي توضح تفوق السومريين وتقديرهم للانتصار وهيبته وتأثير ذلك على مجدهم كشعب تدفعه تلك الأحداث إلى التحريض النفسي الذي من شأنه تحقيق الإنجازات المادية والثقافية، تلك العاطفة القوية جدا والتسابق في النهوض والنجاح تضمن في ثناياه بذور الدمار والفساد والضعف الذي تأكد خلال القرون اللاحقة عندما تحولت سومر إلى تجمعا مريضا بائسا فاشلا قادها إلى السقوط والخراب الكبير، والذي جعل الحزن يفجر في العيون السومرية الدموع، كان الشعب السومري يشتاق إلى السلام فهو قد انخرط في حروب مستمرة ودائمة ألحقت به النكبات والنوائب، ظل في مسيرة وجوده يأمل في تحقيق المثل العليا والإنصاف والعطف وإشاعة الحب، الفترات المتلاحقة في تاريخه سجلت وجودا زاخرا بالظلم والاضطهاد والتفاوت المادي، عاش الشعب السومري تحت مظلة لحكومات سياسية قصيرة النظر كانت تدير شؤون البلاد، أخلت في قراراتها وكذلك بالعوامل المطلوب سلامتها لاستمرار ديمومة الحياة، تخلخل التوازن الضروري للبيئة السليمة، تلك السياسات الخاطئة المتلاحقة أضرت باقتصاد البلاد وصنعت ثغرة كبيرة في المجال التربوي، بين الآباء والأبناء وبين المدرسين والطلاب، بذلك وصلت سومر إلى نهاية النفق المظلم حيث فرشت النهاية المأساوية خيمتها على ربوع سومر، كل إنسان ينتحب لمصيره بمرارة تركت أثرها في نتاج الأدب السومري، لنقرأ المدون في أحد الألواح السومرية لشاعر يصف وصفا يشع بالألم واللوعة الذي حل بسومر من دمار وخراب :

تدمر المدائن ..

تدمر البيوت ...

تدمر الإسطبلات وتباد حظائر الغنم ...

ثيران سومر بعد الآن لا تقف في إسطبلاتها ...

لا ترتع أغنامها في حظائرها ..

تجري أنهارها بماء مرّ ..

تنبت حقولها المحروثة أعشابا ضارة ..

تنبت سهوبها نبات العويل ....

الأم لا تعني بأولادها ...

الأب لا يقول ؛ آه يا زوجتي ...

الزوجة الشابة لا تبتهج في حضن زوجها ....

لا يقف الولد الصغير على ركبتيه ..

لا تشدو له المربية أغنية النوم ...

كل ضفاف دجلة والفرات تنبت الآن نباتا يورث المرض ...

لا يطأ أحد الطرقات ولا يسعى أحد إلى الدروب ..

تتحول المدائن والقرى القوية الأساس خرابا ..

أن تسلم رؤوس أهلها إلى السلاح ...

ألا تحرث حقولها ولا تغرس بذرة في ثراها ..

ألا تعطي حظائرها قشدة ولا جبنا، ولا تسمد أرضها ...

أن يقل عدد الماشية الصغيرة والكبيرة ..

وتسير جميع المخلوقات الحية إلى نهايتها ...

ليس للمخلوقات من ذوات الأربع سمادا في تربة سوماجان...

في السباخ القصب عليل الرأس،

في أطرافه العفن والموت ..

ضرع الكروم والبساتين قد جف ...

فوق أرض سومر حلت النكبة ...

لا يمكن لعقل رجل أن يتصور الذي حدث ...

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com