|
مقالات عينٌ على بغداد لؤي قاسم عباس
اقبل الليل يا حبيبتي. وقد خلا كلَّ حبيبٍ بحبيبه ِ،وطوّقت أيادي العاشقين أعناق العاشقين... وداروا في فلك الغرام :يسبحون، يتيهون، يغرقون. وأنا وفيروز نبكي بغداد والشعراء والصورُ. يأسرني الشوق إليك أتقلبُ في فراشي، تأبى عيني أن تنام، المس وجهك المستدير أرى بسمة الزمان على شفاهك ذابلة ٌ وارى مجدك التليد مصلوباً على ألواح الهمجية. افترسوك كل وحوش الأرض من كل حدبٍ وصوب، كل حثالات الكون و صعاليك الدنيا. هجموا عليك يقِّطعون أوصالك وينهشون ثراك، أباحوا دمكِ الطاهر الزكي. بغداد يا اجمل من كل نساء الكون، وأجمل مدن الدنيا، يا عروساً ترتدي ثوب الحداد، أنتِ الأجمل حتى في السواد،أشتاقك بغداد في كلِّ حين، اشتاق لشمسك أن تطهر نفسي، اشتاق لمائك أن يغسل ذنبي، اشتاق لنسيم دجلة يردُّ أليَّ الحياة. ها هو الليل قد اقبل، يستودعُ جمرة الاشتياق بين أضلعي، ولوعةٌ الحنين في فؤادي، حاملاً همومه ألي ّ، أثقلني بأحزانه، آلّمني بجراحه، أهاج بيَّ الذكريات، وفاضت دموع الشوق تجهشُ في خفاءِ،سكراتُ الموت تعتريني كل مساء، تنتزع الروح مني، يضيق صدري بأنفاسي، تخنقني العبرات، احتضر وأنا الفظ ُّ أنفاسي الأخيرة، أردد اسمك:- بغداد. وها هو سندباد يحملُ نعشي على بساط الريح يأخذني إليك يطوف بي حول مدينة السلام، يقص علي حكايات ألف ليلة وليلة، كم ألف ألف ليلة وليلة قد مضت ومبروك يحمل سيفه يحتزُّ رؤوس العباد، ومسرور لا زال يقطِّع أشلاء البنات، كهرمانة منشغلة تصب الزيت على اللصوص في الجرار وهي لا تدري بان اللصوص خارج الجرار يسرحون ويمرحون ويعبثون : احتفظي بزيتك يا كهرمانة ليوم الشدة، ستمتلأ الجرار باللصوص مرة أخرى ذات يوم... بغداد يا سيدة البلدان، و سيدة الزمان، ويا سيدتي، يممتُ وجهي إليك اصلي، توضأت بسحابة الرشيد،سجدت اقبـِّل أرصفة بابك الشرقي، وانحني عند جسرك المعلق، أطوف أزقة السعدون، أعفِّر جبهتي بشوارع المنصور،أمرغ وجهي بشعرك الطويل الممتد عبر شارع أبي نؤاس، اتلوا عليك آيات بينات: يس، تبارك، الرحمن. وانفث في وجهك وأنا اردد الله خير حافظاً وهو ارحم الراحمين. الله خير حافظاً وهو ارحم الراحمين، الله خيرُ حافظاً وهو ارحم الراحمين على اسمكِ ورسمكِ ِواهلك وكلِّ شبرٍ من أرضك... يحملني بساط الريح فوق الأمنيات استمع لناقوس الكنائس وهو يقول الله اكبر.. أصغي لآذان الجوامع:- المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام. اصلي لله فيكِ بكل اللغات، أرى يسوع يقبل وجه محمد، والعذراء تعانق الزهراء. وارى النعمان يحتضن موسى والجواد، وعلى ضفاف دجلة الخير تهبط البركات لتعمِّدَ الصابئة بالماء الطهور ودعوات تتبعها صلوات على محمد: اللهم صلي على محمد وتقبُل منهم طقوسهم وانزل عليهم البركات، ويصك مسامعي أصوات الجموع تنادي حي على السلام، حي على السلام، ويخترق أذني استغفار العباد :- اللهم أنا نستغفرك من الشرور والآثام... اللهم أنا نبرء إليك من كل معتدٍ أثيم، اللهم أنا نتوب إليك من سفك الدماء. همس سندباد بأذني : آمين يا رب العالمين قلت : آمين يا رب العالمين. تركني سندباد اتأملُ لوحة بغداد الجميلة وهو يدعو لي بتحقيق الأمنيات، وارتحل يبحث عن مسافرٍ آخر تسكن بين جنبيه جمرة الاشتياق و لوعة الحنين للوطن.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |