مقالات

حين أصبح شقيقي شبه الأميّ مفكرا ودكتوراه فلسفة

 

يحيى السماوي / استراليا

قبل أيام قليلة، اتصل بي صديق من مدينة " بيرث" عارضا علي فكرة إصدار صحيفة ورقية اسبوعية، بزعم أن المدينة تخلو من وجود صحيفة عراقية، وأن في المدينة المئات من العراقيين ـ وهو ما يشكل قاعدة للصحيفة على صعيد التسويق، ما دام أن صحفا عراقية أو عربية في هذا المهجر أو ذاك، لا تتجاوز طبعة الواحدة منها بضع مئات من النسخ ...ومع أني اعتذرت عن قبول " تكريمي بتعيينه لي مديرا للتحرير " إلآ أن معاودته الاتصال مرات عديدة لإقناعي بالفكرة، حملتني على الإعتقاد بأنه إمّا أن يكون ساذجا حدّ البلاهة،وإما أنه لا يعرف الفرق بين " الصحافة " و" الصرافة ".. وإلآ فهل يعقل أن يكون على معرفة بمثل هذا الفرق، ما دام أنه يعرض عليّ العمل بصفة " مدير التحرير " في الوقت الذي يعرف فيه أنني أسكن في مدينة تبعد اكثر من ألفي كيلومترا عن موقع المطبعة التي سيتم فيها طبع الصحيفة ؟ وحين أفهمته أن مهمة " مدير التحرير " هي الإشراف على عملية نقل المواد المكتوبة من غرف المحررين الى المطبعة لتخرج على شكل صحيفة ـ راح يسخر مما علقت به، مستشهدا بمثال، أكد لي أن الرجل ساذج ويجهل العمل الصحافي بامتياز... فقد احتج على ما طرحته بالقول : " إن لصحيفة الشرق الاوسط مدراء تحرير في جدة ودبي وفي عواصم عربية وغربية أخرى، مع أن إدارة ومكاتب التحرير في لندن ... فهو لا يعرف أن الصحف الورقية التي لها طبعات دولية لابد لها من وجود مدراء تحرير في المدن التي تعاد فيها الطبعة تزامنا مع الطبعة الرئيسية الأصل ... عندها انفرجت اساريره ليقول " إذن هذا شيء حسن لأن القراء سيعتقدون أن صحيفتنا دولية "

  هؤلاء الطارئون على الصحافة، من بين الاسباب التي جعلت الكثير من الصحف الورقية تبدو كما لو أنها نشرات جدارية مدرسية كتلك التي كنا نصدرها لنعلقها على حائط صف أو جدار مدخل المدرسة، متوهمين أننا بتنا صحافيين ما دام أن اسماءنا تتصدر النشرة كرئيس تحرير ومدير تحرير وما الى ذلك ...

  هذا الصديق كان يعتقد أن وضع اسمي كمدير للتحرير سيقنع الاخرين بأنني صحافي ـ أي يريد مني استغفال القراء، والذين قد تنطلي عليهم مثل هذه المكائد غير المقصودة لولا أن القائمين بها يعتقدون واهمين أنها ستضيف الى اسمائهم لقبا جديدا مع أن البعض منهم لا يعرف الفرق بين الصحافي والصحفي ـ ولا عجب في ذلك ما دام أن هذا المنبر الاعلامي أو ذلك الموقع الصحافي، لن يطلب منه هوية صادرة من نقابة أو مؤسسة تؤكد أحقيته وجدارته باللقب ... وقد قمت بتجربة أكدت لي ذلك ... وخلاصة هذه التجربة، انني حملت شقيقي صاحب، على كتابة موضوع، ثم قمت بتعديله لغويا وحذف واضافة جمل وفقرات، ثم بعثت الموضوع الى موقع عربي وقد وضعت تحت اسم شقيقي حرف "الدال" مع عبارة رئيس التجمع الثقافي العربي في بوركينو فاسو ... وكانت المفاجأة أن موضوعه الساذج قد نشر بعد يوم واحد من ارساله، ومن غير المستبعد أن كثيرا من المغفلين قد صدقوا أن شقيقي " الراسب ثلاث سنوات في المتوسطة، والذي لا يجيد غير سياقة التاكسي، هو دكتور ومفكر ورئيس تجمع ثقافي عربي ... والمؤكد أن الموقع قد صدق أن شقيقي الذي لا علاقة له بالادب، هو رئيس تجمع ثقافي عربي في بوركينو فاسو...وأظن أن شقيقي نفسه، قد صوّر الموضوع من الموقع وطبع منه عشرات النسخ، ليعرضها أمام أمثاله من البلداء الذين قد يصدقون كونه مفكرا او رئيس تجمع ثقافي عربي في بوركينو فاسو .

  لا أزعم أنني خبير صحافة وإعلام ... فأنا لم أمارس العمل الصحافي والإعلامي سوى ما يزيد قليلا عن عشرين عاما، ابتدأت هذا العمل في أهم وأطهر مؤسسة صحافية عراقية هي " طريق الشعب " ومن ثم في المكتب الاعلامي لمحلية الحزب الشيوعي في السماوة، لتتعدد من بعدهما المؤسسات والصحف التي عملت فيها محررا ومسؤول قسم ـ ومع ذلك فلا جرأة لي لقبول لقب " مدير تحرير " لصحيفة ورقية وليست انترنيتية تطبع في بيرث، بينما أنا أقيم في أديلايد ... فمدير التحرير هو بمثابة رئيس تحرير آخر ولكن : بإشرافه المباشر على عملية الطباعة ... لا زلت أتذكر كيف كان مدير تحرير طريق الشعب الاخ فخري كريم يسهر معنا حتى الفجر في مطبعة الرواد فلا يغادر المكان إلآ بعد قراءته النسخة الاولى، حتى إذا تأكد من سلامتها، أوعز بالطبعة كاملة ... وإذا حدث وتعذر عليه التواجد بسبب مرض أو مشاغل أخرى، فثمة من يقوم مقامه، وغالبا ماكان يؤدي المهمة في حال غيابه الاستاذ عبد الرزاق الصافي او عبد الحميد بخش ـ وحدث مرات أن قام بها يحيى علوان، ومرات أخرى قام بالدور الاخ ليث الحمداني على ما أتذكر .

  ثمة سبب آخر دعاني الى كتابة هذا المقال، وهو حوار أجرته معي قبل اسابيع الإعلامية المصرية " شيرين شاكر" تطرقت فيه الى الصحافة الورقية والانترنيتية والى دور الجمعيات الثقافية في المغتربات والمهاجر .. كما دفعني الى كتابة هذا المقال، مقال ثر للشاعرحسن النواب، قرأته في " عراق الكلمة " عن شعراء يكتبون بأنفسهم دراسات نقدية عن شعرهم ومن ثم ينشرونها باسماء مستعارة، وآخرين يدفعون بالدولار مقدما ( فالين ممنوع والعتب مرفوع ) لمن يكتب عنهم، مستغلين غفلة القارئ وسهولة النشر انترنيتيا.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com